الحمد لله الذى رضى لنا الإسلام ديناً، والقرآن دستوراً وجعلنا من أمة خير رسله سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
وبعد :فإن الحق تبارك وتعالى قد أوضح لنا منهاج الوصول إلى حضرته والفوز بمعيته وولايته فى كتابه العظيم وفى سنة رسوله الكريم عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم ، وأمرنا بطلب الهداية والعون منه على سلوك صراطه المستقيم،وذلك تأسيساً على القيام بإفراده بالعبادة حيث قال فى فاتحة كتابه المجيد( إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم).(1) .
وقد اصطلح السادة الصوفية العارفون على تسمية جملة "العبادة"و"الإستعانة" و"الهداية لسلوك الصراط المستقيم"بـ"التصوف" لإشتمالها على الشريعة والطريقة والحقيقة، وهذه التسمية لها نظائرها فى القرآن والسنة، فمنها:"التزكية" المذكورة فى قوله تعالى :( قد أفلح من زكاها) (2)، و(الربانية) المذكورة فى قوله تعالى:( ولكن كونوا ربانيين..) (3) و(التقوى) المأمور بها فى قوله تعالى:( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته...)(4)،و(الإستقامة) المأمور بها في قوله تعالى:( فاستقيموا إليه واستغفروا) (5)، و(الولاية) المذكورة فى قوله تعالى(إن أولياؤه إلا المتقون) (6).
وكذلك التصوف هو بعينه مقام (الإحسان) الذى هو الركن الثالث من أركان هذا الدين الحنيف، والمصرح به فى حديث (أم السنة) المتفق عليه، والذي نورده ههنا لنتعرف مكانة وموقع التصوف من هذا الدين جملة ومن الإسلام بمفهومة الشامل، وكذا بمفهومة الخاص فقد روى الشيخان، والثلاثة من أصحاب السنن بإسنادهم عن سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه قال:..
بينما نحن جلوس عند النبى صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبى صلى الله عليه وسلم:فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال:يا محمد: أخبرنى عن الإسلام؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:الإسلام أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتى الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا.
قال: صدقت.
قال : فعجبنا له يسأله ويصدقه.
قال: فأخبرنى عن الإيمان؟ قال: الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره.قال صدقت.
قال: فأخبرنى عن الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تراه فإنه يراك قال: صدقت
قال: فأخبرنى عن الساعة؟ قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل.
قال: فأخبرنى عن أماراتها
قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاة الشاة يتطاولون فى البنيان.
قال: ثم انطلق فلبثت مليا، ثم قال لى: يا عمر أتدرى من السائل؟
قلت: الله ورسوله أعلم.
قال: إنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم).
واقول: إنه يستفاد من هذا الحديث الشريف الجامع- الذى قال عنه الإمام النووى فى شحه" هو أصل الإسلام"جملة أمور: منها:
أولاً: أن هذا الدين الإسلامي الحنيف يشتمل على ثلاثة أركان ومقامات، فلا يكمل الدين إلا باستجماعها جميعا، وإذا اختل أحدها يكون الدين ناقصا غير تام ولا مكتمل ألا وهى: الإسلام،والإيمان، والإحسان.
وثانيا: أن الإسلام أصله الانقياد والاستسلام الظاهرى، ولايقبل شرعا إلا بالإيمان الذى هو التصديق القلبى الباطنى. إذ لو خلا منه لكان نفاقاً. والإيمان من أعمال القلوب التى نسميها (التصوف).
وثالثاً: أنه لا تتم صحة الإسلام والإيمان وجنى ثمرتهما واكتمالهما على الحقيقة إلا بمقام الإحسان الذى هو" أن تعبد الله كأنك تراه". فإنه يشتمل على روح الإسلام والإيمان من الإخلاص والإخبات.
وفى تقرير مقام (الإحسان) يقول شيخ الإسلام والأزهر الإمام عبد الله الشرقاوى رضى الله عنه فى شرح هذا الحديث:" والإحسان فى الأصل: إتقان العمل.أو: إيصال النفع للغير؛ يقال: أحسنت كذا إذا أتقنته، وأحسنت إلى فلان: إذا أوصلت النفع إليه، وهو فى الحديث بالمعنى الأول؛ فإنه يرجع إلى إتقان العبادة، أى الإخلاص ومراعاة الخشوع والخضوع حال التلبس بها، ومراقبة المعبود حال أدائها.
ثم تارة يغلب عليه مشاهدة الحق بقلبه حتى كأنه يراه بعينه، فيفعل العبادة حالة استغراقه فى بحار المكاشفة والشهود، وإلى ذلك أشار بقوله" كأنك تراه" وبقوله فى الحديث الآخر "وجعلت قرة عينى فى الصلاة" أى حصول الاستلذاذ بالطاعة؛ بسبب انسداد مسالك الالتفات إلى الغير؛ باستيلاء أنوار الكشف عليه، وامتلاء قلبه وسره من تجلى محبوبه.
وتارة يستحضر أن الحق مطلع عليه، يرى كل ما يعمل ولا يحصل عنده ذلك الشهود – وإلى ذلك أشار بقوله" فإنه يراك".
وهاتان الحالتان(أى:المشاهدة والمراقبة اللتان هما من مقامات التصوف) يثمرهما معرفة الله تعالى، ولا يكونان إلا للخواص. هذا هو المتبادر من سياق الحديث).
ومن هذا التقرير نلاحظ: أن حقائق التصوف( المراقبة والمكاشفة والمشاهدة) متمثلة فى (الإحسان).
تأصيل التصوف من حديث جبريل
إننا نجد كبار أئمة التصوف – ومن أبرزهم العارف أبو نصر السراج الطوسى(ت سنة378هـ) يعمدون إلى تأصيل التصوف الإسلامي من الوحيين النييرين) – الكتاب والسنة بتقرير باهر، ويبرزون تأصيل التصوف - باعتباره مقام الإحسان – كجوهر وحقيقة للإسلام والإيمان، فيقول الإمام الطوسى فى "اللمع" تحت عنوان (باب البيان عن علم التصوف ومذهب الصوفية ومنزلتهم من أولى العلم القائمين بالقسط).
وأصل ذلك: حديث الإيمان حيث سأل جبريل عليه السلام النبى صلى الله عليه وسلم عن أصول ثلاثة :عن الإسلام والإيمان والإحسان الظاهر والباطن، والحقيقة، فالإسلام ظاهر، والإيمان ظاهر وباطن، والإحسان: حقيقة الظاهر والباطن، وهو قول النبى صلى الله عليه وسلم" الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك" وصدقه على ذلك جبريل..)
ارتباط الإسلام بالإحسان فى القرآن الكريم
إن من تدبر أسرار القرآن فى إيضاح حقيقة الإسلام ليجد الارتباط الوثيق الجوهرى بينه وبين الإحسان ارتباط الجسد بالروح على الحقيقة، وذلك فى آيات عديدة.
فمنها قوله تعالى:( بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون)(7).
وقوله تعالى ( ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فـقد استمسك بالعروة الوثقى ) (8).
إن إسلام الوجه لله تعالى مع الإحسان هو التصوف بعينه؛ لأنه يعنى إخلاص الذات قلبا وقالباً لله تعالى، فإن الوجه ههنا كناية عن النفس.
والمراد تسليم النفس لله تعالى بالكلية بكمال الخضوع والانقياد والمراقبة لله تعالى كأنه يراه حاضراً معه بكليته ومراقبا لمعيته تعالى. فإن الحضور مع الله تعالى فى الإسلام هو روح الإسلام، ولا يتحقق الإسلام للعبد على الحقيقة والكمال ولغير الله فى قلبه أو روحه أو سره نصيب؛ لأن إسلام شئ لشئ هو جعله سالماً له بأن لا يكون لأحد حق فيه لا من حيث التخليق والمالكية، ولا من حيث استحقاق العبادة والتعظيم.
وإذن : نستوحى من مفاد القرآن الكريم أن حقيقة التصوف وهى إسلام الوجه لله تعالى مع التحقق بالإحسان:تحقق الاستمساك بالعروة الوثقى،أى بلوغ اليقين فى الدين، وتلك هى الغاية!!
كما نستطيع أن نقول:إن التصوف هو حقيقة الإسلام فى صورتها الكاملة المثلى،
إنها تتمثل فى كنه كلمة الشهادة ( أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن سيدنا محمداً رسول الله)!! هل فكر أحد من المعترضين على الصوفية فى مدلول كلمة(أشهد)؟ وهل تتحقق الشهادة – على الحقيقة – إلا بالمشاهدة؟ والمشاهدة فى ذروة مقامات الصوفية.
يقول استاذنا الإمام عبدالحليم محمود رضى الله عنه"والمشاهدة التى هى الغاية "الصوفية" هى أيضاً تحقيق واقعى للتعبير الذى ننطق به فى كل آونة حينما نقول:"أشهد أن لا إله إلا الله"... ومن ثم كان استاذنا يقول (إن التصوف هو الوصول إلى مقام (أشهد)!
ولعلك أخى القارئ تتساءل: وهل تحقق المدلول الصوفى لكلمة"أشهد.." عمليا كما تذكر؟؟
وأقول: أجل، وبكل تأكيد، تحقق النبى صلى الله عليه وسلم ولصحابته ولورثته الأولياء أهل المشاهدة من أمته، وهاك نموذج حي موثق لذلك:
يقول الإمام الربانى سيدى عبدالوهاب الشعرانى رضى الله تعالى عنه فى ترجمة العارف بالله تعالى سيدى عبدالرحيم القناوى رضى الله تعالى عنه من طبقاته الكبرى:"وكان إذا سمع المؤذن يقول:" اشهد أن لا إله إلا الله" يقول هو ( شهدنا بما شاهدنا، وويل لمن كذب على الله تعالى)!! ومن ثم يتأكد لنا: أن التصوف الإسلامى هو روح الإسلام والركن الثالث من هذا الدين، الذى هو مقام الإحسان الذي يتحقق به كمال مصداقية الإيمان والإسلام ( إن فى ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد).
ولنا مع بيان حقيقة التصوف وتوضيح مفاهيمه المؤصلة من الكتاب والسنة حيث تال بإذن الله تعالى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش :
1- الفاتحة :5-6 .
2- الشمس : 9 .
3- آل عمران: 79 .
4- آل عمران: 102 .
5- فصلت : 6 .
6- الأنفال : 34 .
7- البقرة : 112.
8- لقمان : 22.
وبعد :فإن الحق تبارك وتعالى قد أوضح لنا منهاج الوصول إلى حضرته والفوز بمعيته وولايته فى كتابه العظيم وفى سنة رسوله الكريم عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم ، وأمرنا بطلب الهداية والعون منه على سلوك صراطه المستقيم،وذلك تأسيساً على القيام بإفراده بالعبادة حيث قال فى فاتحة كتابه المجيد( إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم).(1) .
وقد اصطلح السادة الصوفية العارفون على تسمية جملة "العبادة"و"الإستعانة" و"الهداية لسلوك الصراط المستقيم"بـ"التصوف" لإشتمالها على الشريعة والطريقة والحقيقة، وهذه التسمية لها نظائرها فى القرآن والسنة، فمنها:"التزكية" المذكورة فى قوله تعالى :( قد أفلح من زكاها) (2)، و(الربانية) المذكورة فى قوله تعالى:( ولكن كونوا ربانيين..) (3) و(التقوى) المأمور بها فى قوله تعالى:( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته...)(4)،و(الإستقامة) المأمور بها في قوله تعالى:( فاستقيموا إليه واستغفروا) (5)، و(الولاية) المذكورة فى قوله تعالى(إن أولياؤه إلا المتقون) (6).
وكذلك التصوف هو بعينه مقام (الإحسان) الذى هو الركن الثالث من أركان هذا الدين الحنيف، والمصرح به فى حديث (أم السنة) المتفق عليه، والذي نورده ههنا لنتعرف مكانة وموقع التصوف من هذا الدين جملة ومن الإسلام بمفهومة الشامل، وكذا بمفهومة الخاص فقد روى الشيخان، والثلاثة من أصحاب السنن بإسنادهم عن سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه قال:..
بينما نحن جلوس عند النبى صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبى صلى الله عليه وسلم:فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال:يا محمد: أخبرنى عن الإسلام؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:الإسلام أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتى الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا.
قال: صدقت.
قال : فعجبنا له يسأله ويصدقه.
قال: فأخبرنى عن الإيمان؟ قال: الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره.قال صدقت.
قال: فأخبرنى عن الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تراه فإنه يراك قال: صدقت
قال: فأخبرنى عن الساعة؟ قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل.
قال: فأخبرنى عن أماراتها
قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاة الشاة يتطاولون فى البنيان.
قال: ثم انطلق فلبثت مليا، ثم قال لى: يا عمر أتدرى من السائل؟
قلت: الله ورسوله أعلم.
قال: إنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم).
واقول: إنه يستفاد من هذا الحديث الشريف الجامع- الذى قال عنه الإمام النووى فى شحه" هو أصل الإسلام"جملة أمور: منها:
أولاً: أن هذا الدين الإسلامي الحنيف يشتمل على ثلاثة أركان ومقامات، فلا يكمل الدين إلا باستجماعها جميعا، وإذا اختل أحدها يكون الدين ناقصا غير تام ولا مكتمل ألا وهى: الإسلام،والإيمان، والإحسان.
وثانيا: أن الإسلام أصله الانقياد والاستسلام الظاهرى، ولايقبل شرعا إلا بالإيمان الذى هو التصديق القلبى الباطنى. إذ لو خلا منه لكان نفاقاً. والإيمان من أعمال القلوب التى نسميها (التصوف).
وثالثاً: أنه لا تتم صحة الإسلام والإيمان وجنى ثمرتهما واكتمالهما على الحقيقة إلا بمقام الإحسان الذى هو" أن تعبد الله كأنك تراه". فإنه يشتمل على روح الإسلام والإيمان من الإخلاص والإخبات.
وفى تقرير مقام (الإحسان) يقول شيخ الإسلام والأزهر الإمام عبد الله الشرقاوى رضى الله عنه فى شرح هذا الحديث:" والإحسان فى الأصل: إتقان العمل.أو: إيصال النفع للغير؛ يقال: أحسنت كذا إذا أتقنته، وأحسنت إلى فلان: إذا أوصلت النفع إليه، وهو فى الحديث بالمعنى الأول؛ فإنه يرجع إلى إتقان العبادة، أى الإخلاص ومراعاة الخشوع والخضوع حال التلبس بها، ومراقبة المعبود حال أدائها.
ثم تارة يغلب عليه مشاهدة الحق بقلبه حتى كأنه يراه بعينه، فيفعل العبادة حالة استغراقه فى بحار المكاشفة والشهود، وإلى ذلك أشار بقوله" كأنك تراه" وبقوله فى الحديث الآخر "وجعلت قرة عينى فى الصلاة" أى حصول الاستلذاذ بالطاعة؛ بسبب انسداد مسالك الالتفات إلى الغير؛ باستيلاء أنوار الكشف عليه، وامتلاء قلبه وسره من تجلى محبوبه.
وتارة يستحضر أن الحق مطلع عليه، يرى كل ما يعمل ولا يحصل عنده ذلك الشهود – وإلى ذلك أشار بقوله" فإنه يراك".
وهاتان الحالتان(أى:المشاهدة والمراقبة اللتان هما من مقامات التصوف) يثمرهما معرفة الله تعالى، ولا يكونان إلا للخواص. هذا هو المتبادر من سياق الحديث).
ومن هذا التقرير نلاحظ: أن حقائق التصوف( المراقبة والمكاشفة والمشاهدة) متمثلة فى (الإحسان).
تأصيل التصوف من حديث جبريل
إننا نجد كبار أئمة التصوف – ومن أبرزهم العارف أبو نصر السراج الطوسى(ت سنة378هـ) يعمدون إلى تأصيل التصوف الإسلامي من الوحيين النييرين) – الكتاب والسنة بتقرير باهر، ويبرزون تأصيل التصوف - باعتباره مقام الإحسان – كجوهر وحقيقة للإسلام والإيمان، فيقول الإمام الطوسى فى "اللمع" تحت عنوان (باب البيان عن علم التصوف ومذهب الصوفية ومنزلتهم من أولى العلم القائمين بالقسط).
وأصل ذلك: حديث الإيمان حيث سأل جبريل عليه السلام النبى صلى الله عليه وسلم عن أصول ثلاثة :عن الإسلام والإيمان والإحسان الظاهر والباطن، والحقيقة، فالإسلام ظاهر، والإيمان ظاهر وباطن، والإحسان: حقيقة الظاهر والباطن، وهو قول النبى صلى الله عليه وسلم" الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك" وصدقه على ذلك جبريل..)
ارتباط الإسلام بالإحسان فى القرآن الكريم
إن من تدبر أسرار القرآن فى إيضاح حقيقة الإسلام ليجد الارتباط الوثيق الجوهرى بينه وبين الإحسان ارتباط الجسد بالروح على الحقيقة، وذلك فى آيات عديدة.
فمنها قوله تعالى:( بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون)(7).
وقوله تعالى ( ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فـقد استمسك بالعروة الوثقى ) (8).
إن إسلام الوجه لله تعالى مع الإحسان هو التصوف بعينه؛ لأنه يعنى إخلاص الذات قلبا وقالباً لله تعالى، فإن الوجه ههنا كناية عن النفس.
والمراد تسليم النفس لله تعالى بالكلية بكمال الخضوع والانقياد والمراقبة لله تعالى كأنه يراه حاضراً معه بكليته ومراقبا لمعيته تعالى. فإن الحضور مع الله تعالى فى الإسلام هو روح الإسلام، ولا يتحقق الإسلام للعبد على الحقيقة والكمال ولغير الله فى قلبه أو روحه أو سره نصيب؛ لأن إسلام شئ لشئ هو جعله سالماً له بأن لا يكون لأحد حق فيه لا من حيث التخليق والمالكية، ولا من حيث استحقاق العبادة والتعظيم.
وإذن : نستوحى من مفاد القرآن الكريم أن حقيقة التصوف وهى إسلام الوجه لله تعالى مع التحقق بالإحسان:تحقق الاستمساك بالعروة الوثقى،أى بلوغ اليقين فى الدين، وتلك هى الغاية!!
كما نستطيع أن نقول:إن التصوف هو حقيقة الإسلام فى صورتها الكاملة المثلى،
إنها تتمثل فى كنه كلمة الشهادة ( أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن سيدنا محمداً رسول الله)!! هل فكر أحد من المعترضين على الصوفية فى مدلول كلمة(أشهد)؟ وهل تتحقق الشهادة – على الحقيقة – إلا بالمشاهدة؟ والمشاهدة فى ذروة مقامات الصوفية.
يقول استاذنا الإمام عبدالحليم محمود رضى الله عنه"والمشاهدة التى هى الغاية "الصوفية" هى أيضاً تحقيق واقعى للتعبير الذى ننطق به فى كل آونة حينما نقول:"أشهد أن لا إله إلا الله"... ومن ثم كان استاذنا يقول (إن التصوف هو الوصول إلى مقام (أشهد)!
ولعلك أخى القارئ تتساءل: وهل تحقق المدلول الصوفى لكلمة"أشهد.." عمليا كما تذكر؟؟
وأقول: أجل، وبكل تأكيد، تحقق النبى صلى الله عليه وسلم ولصحابته ولورثته الأولياء أهل المشاهدة من أمته، وهاك نموذج حي موثق لذلك:
يقول الإمام الربانى سيدى عبدالوهاب الشعرانى رضى الله تعالى عنه فى ترجمة العارف بالله تعالى سيدى عبدالرحيم القناوى رضى الله تعالى عنه من طبقاته الكبرى:"وكان إذا سمع المؤذن يقول:" اشهد أن لا إله إلا الله" يقول هو ( شهدنا بما شاهدنا، وويل لمن كذب على الله تعالى)!! ومن ثم يتأكد لنا: أن التصوف الإسلامى هو روح الإسلام والركن الثالث من هذا الدين، الذى هو مقام الإحسان الذي يتحقق به كمال مصداقية الإيمان والإسلام ( إن فى ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد).
ولنا مع بيان حقيقة التصوف وتوضيح مفاهيمه المؤصلة من الكتاب والسنة حيث تال بإذن الله تعالى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش :
1- الفاتحة :5-6 .
2- الشمس : 9 .
3- آل عمران: 79 .
4- آل عمران: 102 .
5- فصلت : 6 .
6- الأنفال : 34 .
7- البقرة : 112.
8- لقمان : 22.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق