يقول لنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ لِرَبِّكُمْ عز وجل فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٍ، فَتَعَرَّضُوا لَهَا، لَعَلَّ أَحَدَكُمْ أَنْ تُصِيبَهُ مِنْهَا نَفْحَةٌ لا يَشْقَى بَعْدَهَا أَبَدًا}[2]، نسأل الله عز وجل أن نكون من أهل ذلك أجمعين، هذه النفحات تترى من الله عز وجل في الأيام والليالي المباركات، ومن أعظم الشهور عند الله عز وجل شعبان، ففيه في العام الثاني من الهجرة فُرض الصيام على المؤمنين لرفع مقامنا وإعلاء شأننا عند رب العالمين. وفيه في العام الثاني من الهجرة أيضاً فُرضت الزكاة طُهرةً للمسلمين وطُعمة للفقراء والمساكين، وحلاًّ للمشاكل الإجتماعية المتناثرة في مجتمعات المؤمنين. وفيه
فُرضت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فهو الشهر الذي نزل فيه لنا قول الله: "إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا" (56الأحزاب). إذا كانت الصلاة فُرضت في ليلة الإسراء والمعراج في شهر رجب قبل الهجرة بعام، وأمر الله سبحانه وتعالى حبيبه صلى الله عليه وسلم أن يتجه وهو في الصلاة تجاه بيت المقدس تأليفاً لأهل الكتاب، فكان النبي صلى الله عليه وسلم ـ وكان ذلك متاحاً في مكة ـ يصلي تجاه المسجد الحرام وخلفه بيت المقدس. فلما هاجر إلى المدينة لم يستطع أن يتجه إلى الإثنين معاً، لأن مكة في جهة، وبيت المقدس في جهة أخرى، وهناك تقَوَّل اليهود وقال الله فيهم: { سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ} (142البقرة) الذين عندهم طيشٌ وخفةٌ في العقل، فقالوا: إنه اتجه إلى قبلتنا لأنه يعلم أن ديننا هو الحق، فكره النبي صلى الله عليه وسلم الإتجاه إلى بيت المقدس، وأراد بقلبه أن يتجه إلى بيت الله الحرام قبلة أبيه إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام. لكنه صلى الله عليه وسلم كان لا يفعل شيئاً من نفسه، لا يقول ولا يفعل شيئاً إلا بإذنٍ من ربه عز وجل: { وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} (64مريم) وكان النبي صلى الله عليه وسلم كما وصفه مولاه: أعظم الأولين والآخرين والنبيين والملائكة المقربين والخلق أجمعين حياءاً وأدباً مع الله: "وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ" (4القلم). فاستحى أن يسأل ربه في ذلك. ونزل عليه الأمين جبريل يوماً فأْتنس به وسامره وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: وددت لو أن الله عز وجل صرفني عن قبلة اليهود، فقال الأمين جبريل: إنما أنا عبدٌ مثلك لا أملك شيئاً، ولكن سل الله عز وجل أن يحوِّلك عن قبلة اليهود إلى قبلة أبيك إبراهيم، لكن النبي علمه الله أنه يعطيه بلا طلب. أنبياء الله عز وجل ورسله الكرام يسألون الله فيُعطيهم، سيدنا موسى سأل ربه فقال: "رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي" (25طه).لكن نبينا يقول له ربه بدون سؤال: "أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ" (1الشرح). وموسى يقول لربه عز وجل:"وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى" (84طه). لكن نبينا يقول له ربه بدون سؤال: "وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى" (5الضحى). فكان صلى الله عليه وسلم مدعُواً إلى مائدة غداء في قبيلة بني سلمة من الأنصار، وكان النبي صلى الله عليه وسلم من كريم سجاياه إذا دعاه قومٌ إلى غداء أو عشاء لا يترك محلتهم إلا بعد أن يُصلي فيها فريضة لله معهم إكراماً لهم، ويأمر أحد أصحابه أن يُصلي بالنيابة عنه في مسجد الله النبوي، خصالٌ علَّمها له رب البرية عز وجل. فكان يصلي عندهم ومعهم الظهر وفي روايةٍ العصر، وبعد أن صلَّى الركعة الأولى والثانية تجاه بيت المقدس نزل وحي السماء عليه وهو في الصلاة: "قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ" (144البقرة). والحظ معي قول الله عز وجل: لم يقل (فلنولينك قبلة نرضاها) وذاك حق لأن الله يرضاها، لكن الله قال له: (تَرْضَاهَا) لإبراز مكانته وإعزاز قدره وشرفه، ولذلك قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: {يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَرَى رَبَّكَ إِلا يُسَارِعُ فِي هَوَاكَ }[3]، الله يسارع في تنفيذ كل ما تهوى وكل ما تريد، وليس له هوى ولا إرادة إلا في ذات الله جل في علاه. وبمجرد نزول هذه الآيات قام النبي صلى الله عليه وسلم ومَن خلفه إلى الركعة الثالثة، فحوَّل وجهته من بيت المقدس إلى بيت الله الحرام، ومَن خلفه من الصفوف تحولوا جميعاً إلى بيت الله الحرام. وحتى ندرك مدى حب المسلمين الأولين والآخرين للسمع والطاعة لله، لم يسمع بأمر تحويل القبلة جميع المؤمنين، فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ صَلَّى مَعَ النبي صلى الله عليه وسلم فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ مَسْجِدٍ وَهُمْ رَاكِعُونَ، فَقَالَ: "أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِصلى الله عليه وسلم قِبَلَ مَكَّةَ، فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ الْبَيْتِ"[4]. تحركوا وهم في الصلاة، لم ينتظروا حتى ينتهوا من الصلاة، ولم يناقشوا ولم يجادلوا ولكن كما قال الله فيهم: "سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ" (285البقرة). وهنا يبدو سؤالاً: لِمَ كان النبي صلى الله عليه وسلم يود أن يتجه إلى بيت الله الحرام؟ أولاً: لأنه يعلم علم اليقين بما علَّمه الله أن هذه قبلة أبي المسلمين سيدنا إبراهيم عليه وعليهم جميعاً الصلاة والسلام. ثانياً: لأنه كره موافقة اليهود وهم أهل لددٍ وعنادٍ وبهتان وكذب كما وصفهم الله في كتاب الله. ثالثاً: كان يعلم أن العرب وأهل مكة بالذات يحبون بيت الله الحرام ويعتبرونه رمزاً لهم، وفي ذلك تأليفاً لقلوبهم ودعوةً لهم إلى دين الله وكتاب الله عز وجل. أما ما أثبته العلم الحديث في ذلك فذاك العجب العجاب، فقد عكف مجموعة من العلماء الأجلاء في الرياض في السعودية على دراسة الكعبة ولم كانت في هذا الموضع؟ واستخدموا لذلك الأساليب العلمية والتكنولوجية الحديثة، وفي عام 1978م خرجوا بهذه القرارات: الكعبة تتوسط الأرض فهي مركز الأرض، إن كان في المجتمع الأرضي القديم كأفريقيا وآسيا وأوروربا، وإن كان في المجتمع الحديث بعد إضافة الأمريكتين واستراليا وغيرهما، فهي مركز الكرة الأرضية. دفع ذلك الأمريكان إلى بحث هذا الأمر بجلية أوضح وبكيفية أوسع، فاهتدوا وأصدروا دراسة في عام 2002 ميلادية أن الكعبة مركز الإشعاع الوحيد في الكون كله، تاتي إليها جميع الإشعاعات، وتصدر منها بعد ذلك جميع الإشعاعات. ولذلك رأى روَّاد الفضاء أن الأرض كلها كرةٌ مظلمة ليس فيها إلا مكانٌ واحدٌ مُشعٌ، يخرج شعاعٌ وضوءٌ وهو بيت الله الحرام. هذه الإشعاعات هي التي تجذب بني الإنسان إلى هذه البنية وتجعلهم يتعلقون بها ويودُّون زيارتها والطواف حولها، وإذا طافوا حولها امتلأت قلوبهم وأجسامهم من إشعاعاتها فتغير حالهم وتبدل شأنهم عن طريق هذه الإشعاعات الإلهية النورانية والروحانية الباطنة والظاهرة التي يُشعِّها عليهم رب البرية من هذا الموقع. ثم زادوا في الأبحاث في أوروبا فاكتشفوا أن الإنسان العصري تأثر كثيراً، وأصيب أغلب البشر بالتوتر نتيجة استخدامات الوسائل التكنولوجية العصرية من مراوح ومن مكبرات الصوت ومن تليفونات محمولة أوثابتة، كل هذه الوسائل الكهربية العصرية تؤثر على مخ الإنسان، فتجعل فيه قدراً كبيراً من الإشعاعات الكهرومغناطيسية، فتجعله يغضب ويتوتر ويصاب بأغلب الأمراض العصرية كالضغط والسكر وتصلب الشرايين وغيرها، وما علاج ذلك؟ قالوا: لا علاج لذلك إلا بتفريغ الشحنات الكهرومغناطيسية الموجودة في المخ لكي يهدا الإنسان ويستعيد توازنه وهدوءه. فكيف يفرغها؟ قالوا: لا يستطيع إفراغها إلا إذا وضع رأسه على الأرض، ويكون الإفراغ أتم إذا كان الرأس متجهاً إلى مركز الأرض، ومركز الأرض هو بيت الله الحرام. وهذا ما نفعله في السجود لله الذي أمرنا به الله عز وجل، نسجد ليخرج هذا الحيز من عقولنا ورؤسنا، ونخرج من الصلاة كما قال الله في هذه الصلاة: "إِنَّ الانْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلا الْمُصَلِّينَ (22)" (المعارج). المصلين هم الذين لهم الوقاية من هذا الأمر، قال صلى الله عليه وسلم:{مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا، كَانَتْ لَهُ نُورًا، وَبُرْهَانًا، وَنَجَاةً مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا، لَمْ تَكُنْ لَهُ نُورًا، وَلَا نَجَاةً، وَلَا بُرْهَانًا، وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ، وَفِرْعَوْنَ، وَهَامَانَ، وأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ }[5] أو كما قال توبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون
لقراءة المزيد يمكنكم الدخول على
الموقع الرسمى لفضيلة الشيخ فوزي محمد أبوزيد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق