أنزل الله هذا الدين لصلاح المجتمعات، وتحسين حال الأفراد وسلوكياتهم، والتأكيد على الحياة الطيبة في الجماعات، فهو دِينُ الأُنْسِ، ودِينُ الألفة، ودِينُ الاختلاط الطيِّب، ولا سلاحَ يصلح المجتمعات والأفراد في كلِّ وقت وحين إلَّا سلاح المراقبة لله عزَّ وجلَّ ربِّ العالمين، ولذا قال الله لنا معشر المؤمنين: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾
[183البقرة].الحكمة والغاية هي التقوى، والتقوى هي الخوف من الله، وخشية الله جلَّ في علاه، ومراقبة المرء لمولاه لعلمه أنه يطَّلِعُ عليه ويراه، يعلم سرَّه ونجواه، ويحيط بكلِّ خفاياه، ويطَّلع على أدق نواياه: ﴿وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ﴾ [284البقرة].إذا وصل العبد إلى هذا المقام كان بردًا وسلامًا على جميع الأنام؛ لا يؤذي أحداً بلسانه، ولا يضرُّ أحداً بيده، ولا يغشُّ أحدًا في قول أو فعل أو بيع أو شراء، ولا يعمل عملاً فيه خديعة لمؤمن أو غير مؤمن، لأن الله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.فإذا قويت مراقبة الله ذهبت الجريمة وولت إلى غير رجعة، ذهب السوء وولَّى إلى غير نهاية، وعاش الناس في أمان واطمئنان كأنهم في جنة عالية، لأن الذي تضحك على نفسه أو يوسوس له شيطانه، مراقبةُ الله عزَّ وجلَّ في قلبه تظلُّ توبِّخه وتؤنِّبه وتلومه حتى يعترف لله عزَّ وجلَّ بذنبه ويطلب التوبة منه، أو يذهب إلى الحاكم ليقيم الحدَّ عليه ليُطَهِّرَهُ الله منه، فلا يحاسبه عليه في الدنيا، ولا يعاقبه عليه في الآخرة.وهذا كان مجتمع ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ﴾ [84الفتح]. لم يكونوا يحتاجون إلى شرطة آداب، لأن الشرطة في القلب وتراقب حضرة الكريم الوهاب، لا يخشون الناس وإنما يخشون ربَّ الناس عزَّ وجلَّ، فكانوا كما قال فيهم الإمام علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه: (شرورهم مأمونة، وأنفسهم مصونة، وألسنتهم مخزونة، الناس منهم في راحة، وأنفسهم منهم في عناء). يحاسبون النَّفْسَ على كل حركة وسكنة، وعلى كل هَمَّة وعلى كل لَمَّة، وعلى كل نيَّة يَهِمُّ بها، لأنهم يعلمون: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)قوم على هذه الشاكلة، يعيشون كما قال الله: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ [97النحل]
(فضيلة الشيخ فوزي محمد أبوزيد )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق