بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذى ملأ قلوبنا بحبه وحب حبيبه ومصطفاه، ومتعنا فى الدنيا بالإيمان به، ونسأله عز وجل أن يتم علينا النعمة فيجعلنا فى الآخرة فى النعيم المقيم بجوار الرب الرؤوف الرحيم عز وجل. والصلاة والسلام على خير الأنام، ومصباح الظلام، ومفتاح الجنة دار السلام، سيدنا محمد وآله الكرام، وصحابته الهداة الأعلام، وكل من تمسك بهديه إلى يوم الزحام، وعلينا معهم بمنِّك وفضلك يا ملك يا علام .
وبعد يا إخوانى ويا أحبابى :
بَيَنَ الله عز وجل لنا فى البيان الذى سمعناه الآن من كتاب الله، بعض ما تفضل به الله علينا معشر المؤمنين. فإن الله عز وجل تفضل علينا من بحر جوده، وخزائن كرمه، فوهبنا الإيمان هبة من عنده عز وجل. لا بعمل عملناه، ولا بمال قدمناه، ولا بشىء فعلنا، وإنما محض منَّة، وخالص هبة لنا، من حضرة الله عز وجل، ويقول فى ذلكَ: }حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ { (7 – الحجرات).
من الذى حبَّب إلينا الإيمان؟ الله عز وجل، وهو الذى زيَّن فى قلوبنا علوم الإيمان، وأضواء العرفان، وذلك فضلاً علينا جميعاً من حضرة الرحمن عز وجل. وعندما وهبنا الله عز وجل خالص الإيمان كان كأنه أعطانا مفاتيح الجنان، لأن الإيمان هو الذى يدفع المؤمن للعمل الصالح، وعمل البر والخير والمعروف، الذى ثوابه الخلود فى الجنان. هذه هى الحقيقة التى ساقها إلينا الله فيما استمعنا إليه الآن من بيان الله عز وجل: }إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ { (9- يونس)
يهديهم ربُّهم لعمل الخير، وعمل البر، وعمل المعروف، والإكثار من الصالحات والقربات بالإيمان. الإيمان الذى وقر فى قلب هو الذى يحثنى إلى الصلاة، ويلومنى ويحاسبنى إذا قصرت فى أداء فريضة من فرائض الله، والإيمان الذى أوجده الله فى فؤادى هو الذى يجعلنى أفرح بشهر الصيام، وأسارع فيه للصيام والقيام، وإذا تكاسلت فى أمر من أمور الصيام أنَّبنى الإيمان، ولامنى ما فىََّ من الإيمان والإسلام.
فالإيمان هو الذى يسوق المرء إلى طاعة الله، وهو الذى يدفعه دفعاً حثيثاً إلى عمل الخير الذى يقربه إلى الله. ما الذى يجعل المؤمنين - على اختلاف مشاربهم وأذواقهم - يشتاقون لزيارة بيت الله؟ الإيمان الذى أوجده الله فى قلوبنا يجعلهم يشتاقون، ويبذلون ويدفعون، ويحاولون بكل الطرق أن يسافرون ليتمتعوا بزيارة الله عز وجل فى بيته.
جرى العرف أن الناس تتنافس فى الحصول على الأموال، ويتنافسون فى السفر إذا كان هناك عقدٍ يجلب من وراءه مالاً، أو هناك سعى يحصل بعده أرزاقاً كثيرة لنفسه وللعيال، لكن الذى يتعجب له العالم كله وخاصة الكافرون والجاحدون – يتعجبون من أحوال المسلمين كيف تجود نفوسهم بأن يدفعوا ما يزيد عن العشرة آلاف جنيهاً وهم فرحين ومستبشرين ويقيموا الأفراح والزينات والناس يهنئونه بالسفر مع أنه سيغرم غرامة كبيرة فى هذا السفر؟!
الجماعة الكفار يحسبونها من هذه الوجهة – يقولون كيف يفرحون وهو ذاهب ويخسر الأموال؟ لا يعلمون أن الإيمان هو الذى يدفعهم إرضاءاً لحضرة الرحمن عز وجل.
ويحرص المؤمن على أن يكون هذا المال من أحل الحلال، حتى لو كان فيه شبهة يبتعد عنه. كم سمعت من نساء ورجال أنهم حجوا بيت الله – ومعهم مبلغ من المال يدخرونه لهذه المهمة فيضعونه فى أحد البنوك، ثم يتورعون ويخافون أن يأخذوا فوائد هذا المال لينفقونها فى الحج، خوفاً من بطلان حجتهم، ويقولون أن هذا مال فيه شبهة، ولا يجب أن ينفق أحد إلا أحل الحلال فى هذا الأمر. فالمؤمن الذى ينفق أحلَّ ماله، وينفق وهو سعيد وراضٍ ومطمئن، بل إنه يشكر الله على هذه النعمة، وهذه المنة، فيشترى من هناك هدايا للمقيمين، شكراً لله على أن وفقه لهذه الشعيرة المقدسة. ما الذى دفعه إلى ذلك؟ الإيمان الذى جعله الله فى صدره.
هل جعل الله عز وجل هيئة تحاسب المؤمن على زكاة زراعته وتجارته وماله؟ أبداً، لكنه يحاسب نفسه – ولذلك يعجب رجال المال، كيف يتهرب الناس من الضرائب بشتى الطرق ويدفعون الزكاة ويزيدون عليها بمحض إرادتهم؟ فهذا أمر غريب!! الضرائب يتهربون منها، ويتحايلون للهروب منها، لكن الزكاة - حتى لو أراد أحد أن يبيح له إنقاصها - يرفض ويصر على أن يخرجها بزيادة، لماذا؟ الإيمان الذى فى قلبه هو الذى يحضه على هذا العمل، وهو الذى يراقبه ويحاسبه، وهو يخاف من حساب نفسه – ليس من حساب أحد أخر – لا يحاسبه إلا الله - والحساب يوم الحساب – لكن تحاسبه نفسه على التقصير فى هذه الحياة الدنيا.
ففضل الله عز وجل علينا جماعة المؤمنين أنه جعلنا من عباده المؤمنين، وبعد الإيمان تتوالى الطاعات، وتتعدد الصالحات، التى يفعلها الإنسان لله عز وجل. ولذلك فعل الصالحات وعمل الطاعات أساسه من الله، لأن الله أعطانى رأس المال - وهو الإيمان - الذى استثمره فى هذه الطاعات، وأعمل به هذه الطاعات والمبرات، فنشكر الله عز وجل على نعمة الإيمان، ونسأله عز وجلأن يثبتنا على الهدى والإيمان حتى يتوفنا مسلمين ويلحقنا بالصالحين.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق