العمل : مدير عام بالتربية والتعليم بمصر سابقاً.
ورئيس الجمعية العامة للدعوة إلى الله.بجمهورية مصر العربية.
يعمل فى مجال الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة منذ ما يقرب من الأربعين عاماً.
مقر الإقامة : الجميزة – محافظة الغربية - جمهورية مصر العربية.
****************************************
السيرة الذاتية لفضيلة الشيخ الأستاذ فوزى محمد أبوزيد كما يرويها رضى الله عنه :
1- بداية البدايـــة . .....إقرأ الصفحة
2- البحث عن العارف ... إقرأ الصفحة
3- معرفة الإمام أبى العزائم رضى الله عنه ...
4- البحث عن المعرفة الشهودية . .. .
5- العثور على الرجل الحي .... ...
6- البداية الصحيحة للسير إلى الله ..
7- فى صحبة الشيخ رضى الله عنه ..
8- ثمَّ جاءت المرحلة التالية
9- النشاط والدعوة والهدف
.
******************************************
1 - بداية البداية:
وأنا فى السنة الثانية من كلية دار العلوم – جامعة القاهرة- وكان ذلك فى عام 1967 ميلادية ، حببتإلى العبادة ، وخاصة الصيام وتلاوة القرآن والصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم، والمحافظة علىالفرائض فى أوقاتها فى جماعة.
واستأنست فى تلك الفترة ببعض الكتب الدينية محاولا جهدى أن أقرأها لأعمل بها ، وكانت البداية هىكتاب)) تنبيه الغافلين ((لأبى الليث السمرقندى ، ثم كتاب))بداية الهداية (( للإمام الغزالى ، وهو مطبوع علىهامش كتابه)) منهاج العابدين(( والذى وضع فيه رضى الله عنه منهاجا كاملا للفرد ، من وقت يقظته من نومهحتى نومه ثانية بعد صلاة العشاء .
وقد أكرمنى الله عز وجل بتنفيذ ما فى هذا الكتاب ، بالإضافة الى صيام يومى الاثنين والخميس من كلأسبوع والأيام الفاضلة كأيام العشر من ذى الحجة ويوم عاشوراء وغيرها ، وكذا حبب إلى الصلاة على النبىصلى الله عليه وسلم فكنت أواظب على قراءة كتاب)) دلائل الخيرات ((للإمام الجزولى وكتاب )) أنوار الحقفى الصلاة على سيد الخلق ((للشيخ عبدالمقصود سالم ، وكنت أجد لذة عظيمة فى الصلاة عليه فى طريقىبصيغ كان يلهمنى الله عز وجل بها ، حتى كنت أفرُّ ممن أعرفهم فى الطريق حتى لا يشغلونى عن تلك اللذةالعظيمة وجعلت لى حزبا من الصلوات والتسليمات عليه صلى الله عليه وسلم أقرأه فى منتصف الليل قبلنومى ، وكنت أقرأه فى سكون الليل ووحشته ، وأحس بأنس عظيم يجعلنى أستحضر أنه صلى الله عليه وسلم سيحضرنى ويمكننى من رؤيته ، وأنام على هذه الكيفية وأنا منتظر ومترقب لمجئ حضرته ، فأكرمنىالله عز وجل برؤيته صلى الله عليه وسلم مرات عديدة..
وقرأت في ذلك الوقت كلاماً منسوباً للإمام الغزالى ومقتضاه: أن العبد إذا واظب على الصلاة على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يأنس به ويراه، ثم تعلو همته بكثرة الصلاة عليه فإنه صلى الله عليه وسلم يصير شيخه ويوجهه في منامه أو في يقظته عن كان من الأقوياء ومثل هذا لا يحتاج إلى شيخ آخر وصادف هذا الكلام هوى في نفسي وعزمت على السير في هذا المنهج إلى منتهاه.
2- البحث عن العارف
وكان في ذلك الوقت يتجمع الصالحون حول العارفين المنتقلين، وخاصة في موالدهم وكنت أتردد على تلك الموالد بحثاً عن الصالحين للتعرف عليهم وزيارتهم، وأيضاً كنت أتردد على الأضرحة المباركة بدعوة من أصحابها، فكنت أرى نفسي في ضريح رجل من العارفين ربما لا أعرفه من قبل، فأذهب إلى زيارته، وفي لقائي برجل من الصالحين هو الشيخ حسن شعبان(1). ، وأثناء تجاذبنا الحديث سألني: هل لك شيخ؟ ، فقلت: نعم، شيخي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: هذا لا ينفع عندنا (أي عند أهل الطريق) من لا شيخ له فالشيطان شيخه، فكانت هذه الكلمات بمثابة الشرارة التى حركت ما كمن في نفسي من حب الإتصال بالعارفين تحقيقاً لقول الله عز وجل فى [الآية(119) التوبة]: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ )
فكلما سمعت عن عارف أو صالح ذهبت إليه وعرضت نفسي عليه.
فمنهم الشيخ "أحمد حجاب رضى الله عنه" (2) الذي قال لي: "هو أنا شلت نفسي لما ها شيل غيري" فخرجت من عنده حزيناً، ولم أكن أعلم أن الأولياء قسمان: ولي مرشد: وهو الذي يقيمه الله عز وجل لدلالة الخلق عليه، وولي لنفسه: وهو الذي يقيمه الله لعبادته وطاعته.
ولما كانت الكلية بحي المنيرة بالقاهرة في ذلك الوقت بالقرب من السيدة زينب رضي الله عنها، فكنت أتردد على السيدة زينب كثيراً وأسأل عن الصالحين.
فذهبت إلى الشيخ عبدالمقصود سالم (3) ، وعرضت عليه صحبته فقال لي: هل تزوجت؟ ، فقلت: لا، فقال: عندما تنهي دراستك وتتزوج إئتني ، فتعجبت لأني كنت في حال لا أحس فيه بأن هذا الأمر عائق في السير إلى الله ، فقلت له على الفور: وهل سيدنا عيسى تزوج؟ ،فأجابنى: لسنا كسيدنا عيسى.
وبعد بحث جهيد مع الصادقين من رجال الله تارة ومع البطالين في طريق القوم، والذين هم في نظرنا قطاع طريق للخلق، ولذا لا نجد داعياً لذكرهم....
ذهبت في المولد الرجبى لسيدي أحمد البدوي بطنطا لزيارة الشيخ إبراهيم حسين عمّار(4) ... بعد ما سمعته عنه.، وعندما صافحته وجلست أمامه، أخذ يتأملني ثم يثني عليّ وطلب مني أن أكرر زيارته فتوثقت عرى المحبة بيننا ومكثت معه سنتين كانت فيهما التربية الروحية الأولى لي، وكان رجلاً صاحب حال، وهو قطب للمقام العيسوي، فكان يضع يده على ظهري ويربّت بها فأحسّ بحرارة الحال تنتقل إلىَّ.، وقد ورثني الله عز وجل ببركته أحوال باطنية حتى كنت لا أطيق أن أحرك لساني لإستماعى بوضوح إلى الذكر الذي ينشغل به جناني، إلى درجة أني كنت عندما أركب المواصلات في طريقي إلى الكلية، لا أحس بأجساد من حولي رغم شدة الزحام ولصوقها بي لما أنا مشغول به.
وهذا حال طيب، ولكن كان سيؤثر عليَّ تأثيراً سلبياً لولا أن تداركتني عناية الله عز وجل، فقد قوّى هذا الحال عزمي على التفرغ للعبادة، ونويت فعلاً ترك الدراسة والبحث عن مكان منقطع أتفرغ فيه لعبادة الله عز وجل لما أجده من لذة في العبادة، لولا أن تداركتني عناية الله بمعرفة الإمام أبي العزائم رضى الله عنه .
--------حاشية الفقرة -----------
(1) الشيخ حسن شعبان : وهو من قرية تاج العجم مركز السنطة غربية، وقد فرغ نفسه لتحفيظ القرآن، ورفض العمل بالشهادة الأزهرية رغم حصوله عليها عملاً بالحديث الشريف الذي روي عن سيدنا عثمان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {خيركم من تعلم القرآن وعلمه} .. رواه البخارى، وقد توفي في الخامس من فبراير عام 1975م.
(2) الشيخ أحمد حجاب : وهو رجل صالح حصل على العالمية من الأزهر الشريف، وتفرغ للعبادة في خلوة بمسجد سيدي أحمد البدوي، على نهج شيخه الشيخ محمد شريف وهو من كبار أقطاب الطريقة الإدريسية، وظل على عبادته ولم يتزوج النساء حتى لقى ربه عز وجل عن عمر يناهز مائة وخمسة أعوام، وله ضريح يزار بمسجد سيدي احمد البدوي وله كتاب مطبوع هو "العظة والإعتبار آراء في حياة سيدي أحمد البدوي الدنيوية والبرزخية" وتوفي في 13 يوليو سنة 1978 م الموافق 9 من شعبان سنة 1398هـ.
(3) الشيخ عبد المقصود سالم : وهو عسكرى شرطة تدرج فى الوظيفة حتى وصل إلى رتبة ضابط، وكان يكثر من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وله في ذلك كتاب "أنوار الحق في الصلوات على سيد الخلق" ولما فتح الله عز وجل عليه أسس جماعة تلاوة القرآن الكريم في السيدة زينب وتفرغ لجمع الخلق على الله، وله من الكتب أيضاً في ملكوت الله مع أسماء الله والحضرة في رحاب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد توفي في ليلة الجمعة 26 من شعبان سنة 1397هـ الموافق 11 من أغسطس سنة 1977م.
(4) الشيخ إبراهيم حسن عمار : وهو رجل أمي لا يقرأ ولا يكتب، نزح من محافظة أسيوط واستقر بطنطا، واشتغل بالتجارة، وتعرف على الشيخ صديق، وهو رجل من المجاذيب مدفون الآن بقرية ميت يزيد مركز السنطة غربية، ولما تعرف على الشيخ صديق انتقل إليه حاله، فترك تجارته وزوجته وولده وأقام في جبل بقرية الأمبوطين مركز السنطة غربية لمدة سبع سنين، منقطعاً عن الخلق، كان فيها يجد أحياناً من حرارة الذكر ما يدفعه إلى إلقاء نفسه في الترعة وسط الماء في البرد القارص ليلطف من حرارة داخله، ولما استقرت به الأحوال، انتقل إلى عزبة شعير وأقام بها يهدي الناس إلى الله عز وجل حتى توفي بها عن خمسة وتسعين عاماً،
وأقيم له مسجد وضريح بها وكانت وفاته في سبتمبر سنة 1978م.
3- معرفة الإمام أبى العزائم رضى الله عنه :
وفي غضون ذلك كنت لا أكف عن قراءة كتب الصالحين وآثارهم...
وبينما أنا في جلسة مع نفر من محبي الصالحين، ذكروا لي نبذة طيبة عن الإمام أبي العزائم (*) وعن خليفته القائم في ذلك الوقت، وهو ابنه السيد أحمد ماضي أبو العزائم.....، وبعد انصرافي نمت في تلك الليلة فرأيت السيد أحمد ماضي أبو العزائم جالساً على كرسيه الخاص به، ولم أكن رأيته من قبل .....
ثم استخرت الله عز وجل في زيارته، فرأيت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أخذ بيدي وطاف بي العوالم العلوية ثم هبط بي على الأرض، وأدخلني على الإمام أبى العزائم وقال لي: تعرف من هذا؟ ، فسكت تأدباً معه صلى الله عليه وسلم.....
فقال صلوات الله وسلامه عليه: هذا شيخك.
فعلمت أن هذا إذن منه صلى الله عليه وسلم بالانتقال، فتوجهت إلى السيد أحمد وكان عنده نفر من الإخوان فانصرفوا سريعاً، وبقيت أنا وهو، فبايعته ولزمت طريق أبيه رضى الله عنه.
------- حاشية الفقرة ---------------
(*) راجع كتابنا " الإمام أبو العزائم المجدد الصوفى " دار الإيمان والحياة: ط:1 1412هـ ، 1992م.، أو ط2 : 1430هـ، 2009م
4- البحث عن المعرفة
ولما كان الشيء الذي يؤرقني ويدفعني إلى البحث عن الصالحين هو كيفية معرفة الله عز وجل المعرفة الشهودية، وذلك لا يتأتى إلا بانكشاف أنوار البصيرة النورانية، فكان أول سؤال أطرحه على كل عارف ألتقي به هو: كيف تنفتح البصيرة؟
وكان كل واحد منهم يجيبني على حسب منهجه ومشربه.
ولما دخلت رياض المدرسة العزمية وجدت فيها طريقة التربية تختلف من فرد إلى فرد، فقد ربى الإمام أبو العزائم أفراداً على نهج الدعوة الصوفية الحقة. وأذن لهم في الإرشاد، فكانوا يجوبون البلاد ويلتف حولهم الصادقون ويحيط بهم المطلوبون، ولكل واحد منهم نهج خاص به.
وفي ذلك يقول الإمام رضى الله عنه: الوسعة تقتضي التفاوت. فوسعة المرشد تقتضي تفاوت مشارب ومشاهد السالكين، فكان أن تقلبت على بعض هؤلاء الهداة أطلب الحصول على بغيتي، وهي فتح باب البصيرة، وكان أول من تلقيت منهم الشيخ طاهر محمد مخاريطة (5) فتعلقت به لأن الله وهبه لسان حال الإمام أبي العزائم، ومن شدة تعلقي به أنى وقد كنت مواظباً على حضور دروسه في شتى الأنحاء، كنت أحفظ الدرس من أوله إلى آخره وأعيده على إخواني بعد رجوعي بقاله وحاله، وكأنه شريط مسجل.
وكان له الفضل علىَّ إذ حثّني على الإقبال على دراستي حتى الإنتهاء منها ثم بعد ذلك يكون الإقبال بالكلية على طريق الله عز وجل، ولما كاشفته برغبتي ومنيتي، دلنى على الأوراد العزمية من الأحزاب والفتوحات الخمسين في الصلاة على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم واللطائف البرزخية وغيرها حتى أنه لما وجد نهمي في ذلك وأن كل ما وظفه لي لا يشبع رغبتي، قال لي: كل الأوراد مفتوحة لك ومعك الإذن فيها.، ولما كان من شروط السلوك الصحيح الذي يعقبه الفتح عند الصوفية أن المريد لا يفعل ورداً إلا بإذن من شيخه حيث أن الإذن يفتح له باب الإمداد ويجعل روح الشيخ تلاحظه فتحفظه من العقبات الخفية والوساوس النفسانية، فقد فرحت بهذا الإذن وأقبلت على الأوراد بهمة لا تكل، غير أن هذا لم يشف غليل نفسي، وكان قول الإمام أبي العزائم:
أبداً إلى هذا الجناب حنيني ... لا صبر لي حتى تراه عيوني
يرن في أذني دائماً مما حدا بي أن أكشف هذا الأمر للشيخ محمد شحاته هنداوي (6) ، فقال لي: الذي يفتح البصيرة هو ذكر الله عز وجل، ولكنه لم يبين لي كيفية هذا الذكر ولا طريقته.
فعرضت الأمر على رجل آخر من الدعاة وهو الشيخ قطب زيد(7) .. فأجابني إجابة فهمت منها أنه يريد صرفي عن هذا الأمر، وأن يكون كل همي هو الإقبال على مجالس الإخوان وتبادل الزيارات وقراءة الصلوات في الجماعة، هذا ولم يكن يعجبني بعض مفاهيم راجت وسط جموع الإخوان في ذلك الوقت حيث أنهم كانوا يروّجون فيما بينهم أن هذه الأذواق العالية والأحوال الراقية والمشاهد السامية قاصرة على الإمام أبي العزائم رضى الله عنه فقط، أما الباقون فيكفيهم أن يحبوه ويقبلوا على الأوراد والمجالس ولا يكلفون أنفسهم هذا الأمر ويؤيدون دعواهم أن هذه الأشياء تنال بفضل الله فقط وليس للمجاهدات فيها شأن.، وكنت أرد عليهم بما سمعته منهم من أحوال الإمام أبي العزائم وغيره من الصالحين ومجاهداتهم الفادحة في ذات الله عز وجل ، وفي أن اصطفاء الله عز وجل لم يتوقف وفضله سبحانه وتعالى واسع وغير محصور ورحمته عز وجل واسعة تسع كل من اهتدى وأناب، وقد قال سبحانه وتعالى: (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ ) ( الحج 75) فكلمة يصطفي بصيغة المضارع تدل على دوام هذا الأمر إلى يوم القيامة.
------حاشية الفقرة --------
(5) الشيخ طاهر محمد مخاريطة :وكان أبوه الشيخ محمد مخاريطة من دمياط وكان من أهل بورسعيد، وهو رجل من الصادقين في صحبة الإمام أبي العزائم وقد رباه أبوه هو وبنيه الآخرين على هذا الحب الصادق مما جعله يترك عمله في التجارة ويتفرغ للدعوة إلى الله عز وجل، وله لسان بيان يجذب القلوب إلى الله عز وجل، مع الصدق في الحال والنورانية والشفافية، وتدهورت صحته قبل وفاته لكبر سنه ، فلم يعد يستطيع القيام بأعباء الدعوة، وأقام سنواته الأخيرة فى الإسماعيلية وتوفى إلى رحمة الله تعالى ودفن بها منذ سنوات قليلة.
(6) الشيخ محمد شحاته هنداوي : من بلدة الخادمية محافظة كفر الشيخ، تعرف على الإمام أبي العزائم في صباه وقد كان طالب علم بالمعهد الأزهرى، فترك دراسته ومشى خلف الإمام أبي العزائم حتى فتح الله عليه وصار من كبار الدعاة إلى الله عز وجل وإن كانت تعتريه حدة أحياناً، وقد توفي بكفر الشيخ في رمضان سنة 1413هـ 1993م عن عمر يناهز التسعين عاماً، رحمه الله رحمة واسعة.
(7)الشيخ قطب زيد : هو رجل من بلدة القنّ مركز سيدي سالم محافظة كفر الشيخ، وقد دعا له الإمام أبو العزائم بما دعا به سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لسيدنا عبدالله بن عباس رضي الله عنهما في قوله: {اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل} فكان يتجلى على قلبه حقائق صادقة في معاني الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وظل مجاهداً في الله طوال حياته حتى لقى ربه ودفن ببلدته سنة 1983م.
================أعلى الصفحة=================
5- العثور على الرجل الحي
ظللت على هذا الحال فترة من الزمن وأنا مشغول بالرجل الحي الذي يأخذ بيدي إلى الله وإن كنت تيقنت أنه من بين أفراد آل العزائم للرؤيا التى ذكرتها قبل.
وبعد انتهاء دراستي في الجامعة وحصولي على درجة الليسانس من كلية دار العلوم – جامعة القاهرة سنة 1970 ميلادية صدر قرار تعييني بوزارة التربية والتعليم بمحافظة قنا، وذهبت إلى قنا واستلمت العمل بأرمنت مدرساً إعدادياً للغة العربية، فتعرفت على ثلة قليلة لكنها مباركة تعرف الإمام أبي العزائم معرفة يقينية، ولما سألتهم عن سبب معرفتهم بالإمام أبي العزائم قالوا: الشيخ محمد على سلامة ، ولا أنس تلك الليلة المشهودة حيث دعوني لأحضر معهم احتفالاً بميلاد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في منزل الشيخ عبداللطيف محمد على التاجر بأرمنت، وبعد تناول العشاء تجاذبنا أطراف الحديث فأذهلني ما رأيته منهم من الأحوال العالية والأخلاق والكمالات السامية مع أنهم كانوا قوماً غير معروفين في هذا الشأن سواء بين إخوانهم من آل العزائم الظاهرين أو بين ذويهم والمحيطين بهم لأنهم شعارهم قول الإمام أبي العزائم:
اخفوا علومكم صوناً لها عمن ... مالوا إلى الحظ من زور وبهتان
فمنهم الشيخ أبو العدب(8) الذي قال لي: عرفتم أبو العزائم بالقول وعرفناه بالعين، وأما الذي كان له الفضل الأكبر علىَّ في معرفة شيخي وإمامي فهو الشيخ أحمد حسن غرباوي (9) وهو الباب الذي دخلت منه على الرجل الحىّ فعندما أصابتني الدهشة من جمال هذه الأحوال التي كنت أبحث عنها، وسألتهم عن سر تجملهم بها، فألمح إلى فضيلة الشيخ محمد على سلامة، وكان قد انتقل في ذلك الوقت إلى بلدة ههيا محافظة الشرقية، ولم أكن قد حظيت بمقابلته رغم ذهابي إليها مراراً لشدة تكتمه وخفاءه.
وبعد انتهاء السهرة، ذهبت إلى غرفتي فنمت مأخوذاً بهذه الأحوال فرأيت الشيخ رضى الله عنه في المنام وهو ينظر إلىَّ، وأخذ ينظر إلىّ ويطيل النظر، وكلما نظر إلىّ أحسست بأني اغيب عن كياني وأرتفع إلى الملكوت وأشاهد أشياء لا أذكرها الآن، فتعجبت مما رأيت وشاهدت. وهممت أن أسأل عن سرّ ذلك، فسمعت صوتاً يجيبني عما جاس في خاطري قبل أن أتكلم به ويقول: لكل أمة نبي وهذا الرجل نبي هذه الأمة. فاستيقظت وقد علمت أنه الرجل الحي الذي يحيي به الله القلوب والذي يقول فيه الإمام أبو العزائم:
"الله حي قائم ولا يصل إليه واصل إلا بحي قائم" ويقول فيه أيضاً:
"نفس مع الحي حياة للقلب، ونفس في حياة القلب خير من حياة الفردوس"
ويقول أيضاً للمشغولين بالعبادة والظانين أنها تغني في مقام الوصول عن معرفة العبد الموصول:
"إنما حرموا الوصول بتضييع الأصول".
وأول أصل من هذه الأصول أن يجمعك الله على عبد موصول لقوله تعالى:
) فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ([الآية(43) النحل]
ويقول لهم أيضاً:
ألف عام بغير باب التهامى ... هى نَفَس بشرى لأهل السماح
ويعرفهم فضل الجلوس مع العارف الحي فيقول:
"نَفَسٌ مع العارف خير من عمل العباد والزهاد لسنين طوال".
وشاءت إرادة الله أن أعثر بعد ذلك على الحديث الذي يوضح ما رأيته في المنام وهو قوله صلى الله عليه وسلم:
{الشيخ في قومه كالنبي في أمته} (10)
فعلمت أنه رضى الله عنه شيخ هؤلاء القوم الذين كنت معهم ومن على شاكلتهم، وهو الباب الذي تفاض منه علوم النبوة وأحوالها لهم، وعلمت أيضاً أن الله عز وجل تفضل علىّ وجعلنى معهم وأسأله سبحانه وتعالى أن يزيد علىَّ هذا الفضل ويجعلنى منهم لقول الإمام أبي العزائم رضى الله عنه: "من كان معنا فقه المعنى ومن كان منا نال المنى".
اللهم أنلنا المنى ومتع عيوننا بمشاهدة أنوار نبينا وأسرارنا بشهود محبوبنا ونفخة قدسنا بمعاينة الكمالات الربانية والأنوار الذاتية وصلى الله على سيدنا محمد سرّ الخصوصية وفرد الحضرة الذاتية وكاشف كل الكمالات لأهل النفوس الذكية وآله ورّاث تلك الحضرات النورانية آمين يا رب العالمين.
-------حاشية الفقرة ----------
(8) الشيخ أبو العدب : رجل أخذته الجذبة الإلهية عندما وُوجه بالأنوار الحقية في صحبة الشيخ محمد على سلامة وإن كان مع شدة جذبه شديد التمسك بالأوامر الشرعية، وقد توفي ودفن الآن ببلدته حاجر الرزيقات قبلي مركز أرمنت في 11 مارس 1986م وكان يتميز بالكشف الصريح والمعرفة بما يدور في الخواطر وإن كان يستر ذلك بظهوره في حالة الجذب.
(9) الشيخ أحمد حسن غرباوي: وهو رجل من خاصة أولياء الله ومن كمّل ورثة أنبياء الله تعرفه بقاع السماء وتجهله بقاع الأرض، يدعو إلى الله بسرّه وبحاله، وهو الآن قائم ببلدته الرزيقات قبلي مركز أرمنت يجمع حوله الصادقين، ويوجه بإشاراته المقربين، ويرفع بأحواله العالية السالكين.
(10) رواه الديلمي في مسند الفردوس وأبو نعيم في الحلية والسيوطي في الجامع الكبير من حديث أبي رافع.رضى الله عنه .
6- البداية الصحيحة للسير إلى الله
وكان من فضل الله عز وجل علىّ أن أكرمنى بصحبة أخي الشيخ أحمد حسن غرباوي الذي أخذ بيدي إلى الطريقة الصحيحة لتهذيب النفس وصقلها وتكميلها بالآداب العالية الواجب اتباعها عند الدخول على الشيخ أو مصاحبته، وفي ذلك يقول الإمام أبو العزائم: "على السالك في طريقنا أن يصطفي له أخاً صادقاً سبقه في صحبة الشيخ يتأدب بأقواله، ويتهذب بأفعاله، ويأنس بأحواله، حتى يُدخله على حضرة المرشد ويكشف له عن جمالات وكمالات المرشد، لأن المرشد في ذاته عبد ولا يتحدث عن نفسه".
وكنت وأنا في غمرة تلك الأحوال أتطور سريعاً في الأحوال الروحانية وأشعر بشوق شديد إلى لقاء الشيخ رضى الله عنه، إلى أن حانت الفرصة ونزلنا لقضاء إجازة العيد، فذهبت تواً للقاء الشيخ ثاني أيام عيد الفطر المبارك، وكان هذا أول لقاء بيني وبين الشيخ.
واستهله رضى الله عنه بعد سؤاله عن الإخوان بأن حكى لي قصة الرجل الذي عزم على زيارة الشيخ أبي الحسن الشاذلي رضى الله عنه، وأثناء سيره إليه وجد عابداً يسكن في كوخ صغير بالقرب من ساحل البحر، فعرّج عليه ليتعرف عليه وعرف منه أنه يصوم النهار أبداً ويقوم الليل أبداً، ولما سأله العابد عن وجهته؟
عرف أنه متجه لزيارة الشيخ أبو الحسن الشاذلي فطلب منه أن يسأل الشيخ أن يدعو له.
فسار الرجل في طريقه حتى وصل إلى الإسكندرية، ونزل على القطب أبي الحسن فوجد من خيرات الله الحسّية والمعنوية، مالا يحيط به الوصف، وبعد قضاء مدة الضيافة، استأذن الشيخ في السفر فسأله الشيخ: ألم يكلفك أحد بشيء؟ ، فحكى له ما دار بينه وبين العابد.
فرفع يديه وقال لأصحابه: إني داع فأمّنوا: اللهم إنزع حب الدنيا من قلبه ... فتعجب الرجل !! وسافر راجعاً حتى وصل إلى كوخ العابد، فسأله عن رحلته. فأخبره بها وكتم عنه حياءً منه ما دعا به الشيخ له، لما يراه من عبادته، ولكن العابد ألّح عليه في معرفة الدعوة التى دعا بها الشيخ له، فذكرها له، فقال: الحمد لله لقد تعرفت الإجابة وأحسست بها في نفسي منذ ذلك الوقت.
فقال الرجل مندهشاً: وما الدنيا التى عندك؟ ، فقال: أنا أصوم النهار، فإذا دنا المغرب ذهبت إلى البحر لأصطاد شيئاً أفطر عليه، فكان الله عز وجل يخرج لي كل يوم سمكة واحدة، كأنها بعينها التى أتحصّل عليها كل يوم، ومهما اجتهدت في الحصول على غيرها لا أستطيع!!.، فكنت كل يوم وأنا ذاهب إلى البحر أتمنى بقلبي أن يرزقنى الله بسمكة أكبر أو بأخرى معها. فلما دعا لي الشيخ لم أعد أجد ذلك الخاطر في نفسي. فزادت دهشة الرجل من أحوال الصالحين وعزم على زيارة الشيخ أبا الحسن في السنة التالية.، وعندما ذهب إليه فوجئ بأن الأكل غير ما اعتاده فهو صنف واحد في كل يوم في الفطور والغداء والعشاء، وتعجب من ذلك وظن في نفسه أن الشيخ لا يريد إكرامه، مع أنه كان يأكل معه، وأدرك الشيخ ببصيرته النورانية ما يختلج بصدره فقال: "نحن قوم نجود بالموجود، ولا نتكلف المفقود".
فكانت هذه الحكمة هي المفتاح الذي فتح قفل قلبه ووضعه على أول طريق الفلاح، الذي نهايته لقاء الكريم الفتاح.
وقد أثمر هذا اللقاء عندي عدة أشياء منها:
أني فهمت أنى أنا على شاكلة هذا العابد لشغلى في ذلك الوقت بالعبادة، لأن المريد الصادق ياخذ كل حديث للشيخ في الخلوة أو في الجلوة على أنه هو المقصود به ولا شأن له في ذلك بغيره.
ومنها أنى علمت أن المريد لا يصح له وضع قدم في طريق الله عز وجل حتى يخلع الدنيا بالكلية من قلبه.، ومنها أنى أدركت أن دعوة الشيخ وقد كررها أمامي ثلاثاً هي لي. والحمد لله شعرت بالإجابة من وقتها، فصارت الدنيا لا تساوي عندي قليلاً ولا كثيراً بجانب رضا الله عز وجل.
أما الدنيا التى كانت عندي، فهى أني كنت أعبد الله عز وجل لأنال آمال وقصوداً في نفسي وهى وإن كانت قصوداً راقية لأنها تتعلق بالدار الآخرة والوصول إلى الله عز وجل، إلا أنها لا تليق بآداب أهل الحضرة الذين يعبدون الله عز وجل لا لنوال عطاء ولا خوفاً من جزاء، وإنما لأنه سبحانه أهلاً لهذه العبادة وهذه طريقة العارفين، حيث يرمزون إلى السالكين بما يصحح أحوالهم في سياق حديثهم حتى ولو كان حديثاً عادياً.، وفي ذلك يقول الإمام أبو العزائم رضى الله عنه:
عنّي اسمعوا ما تعقلون من الكلام ... فالعلم بالرحمن من صافي المدام
والعلم بالله العلي غــــــوامض .. . لا يُفْقهن إلا لصب في اصطــــلام
خذ ما صفا لك من إشـارة عارف .... فالعارفون كلامهم يشفي الســــــقام
وهكذا بدأت السلوك الحقيقي إلى الله عز وجل على القدم الثابت المحمدي في حظوة هذا الولي، وما دار بيننا سأذكر نذراً يسيرا منها فى هذه السيرة تنشيطاً لهمم الأحباب، ورفعاً لعزائم الطلاب وإن كان أغلب ذلك لا يليق أن نذكره لقوله صلى الله عليه وسلم:
{المجالس بالأمانات}( رواه أبو داود عن جابر.).
وقانون أهل الحضرة في مجالسهم: نحن قوم نجلس مع الله، فإذا قمنا من المجلس فكأنما لم نجلس كتماناً للسر.، وهذا لأن هذه العلوم والأسرار تحتاج إلى أذواق خاصة فالطريق إليها الحكمة القائلة: "ذُق تعرف".، والإشارة إليها في قول الإمام الغزالي:
فكان ما كان مما لست أذكره ... فظن خيراً ولا تسأل عن الخبر
وهي المعنية بقول الإمام أبي العزائم رضى الله عنه:
احفظن ســـــري فسري لا يباح ... من يبح بالسر بعد العلم طاح
علمنا فــــوق العقول مكانة ... كيف لا وهو الضيا الغيب الصّراح
خصَّــنا بالفضل فيه ربنــا ... ذاك ســـر غامض كيف يباح
7- فى صحبة الشيخ
وأذكر باختصار شديد أنه عندما أمرنى بالإرشاد وكنت أتوجه بأمره إلى الجهات المختلفة للقيام بوعظ أهلها وإرشادهم ، كان يتولى بعد عودتى وفى درسه تصحيح بعض المفاهيم التى ذكرتها ، ويعيد توضيحها بما يلائم العصر مع اليسر ، فقد كنت أنقل عن السابقين آرائهم واستشهد بها فى دروسى ، وربما لاأفطن أنها لاتلائم العصر أو أنها تشدد على الناس.
فكان يقول لى منبها وهو فى الدرس العام : بعض الناس يقولون كذا ، و الصواب الذى يجب أن نقوله للناس هو كذا ، ويذكر الأسباب ، ومثال ذلك موضوع الموت ، فقد كنت أركز فى حديثى عنه عن شدته ورهبته كدأب السابقين ، حتى سمعته يقول : يذكر الناس الموت وشدته ورهبته ولا يفرقون فى ذلك بين المؤمنين وغير المؤمنين ، وما قالوه حق وواقع ولكن بالنسبة للكافرين والمشركين والجاحدين ، أما بالنسبة للمؤمنين فالأمر يتغير ، فهو بالنسبة لهم فرح بلقاء الله ، وسرور بتكريم الله ، وجعل يذكر من ضروب التكريم وألوان النعيم التى يتلقاها المؤمن عند موته حتى جعل الحاضرين يحبون الموت ويتمنونه .
وأذكر أنه مما أثار دهشة الكثير من الأخوان أننا كنا ذات مرة فى زيارة فى بلدة الرزيقات قبلى بأرمنت بمحافظة قنا ، وقد ذهب رضى الله عنه لزيارة مريض وذهبت مع الإخوان للمسجد الصلاة ، وبعد الصلاة طلبوا أن ألقى درسا ، فتحدثت مهعم شارحا حكمة للإمام أبى العزائم : الورثة أربعة : ورثة أقوال : وهم حملة الشريعة الممنوحين ، والثانى : ورثة أعمال : وهم العباد الورعون ، والثالث : ورثة أحوال: وهم أهل المواجيد الصادقة المحدثين ، والرابع : الوارث الفرد الجامع.
وشرحت لهم الثلاثة الأولى بحسب ماتيسر ، وهممت بشرح الرابعة ، وإذا بأخ يدخل علينا ويقول الشيخ يدعوكم ، فقمنا وذهبنا وجلسنا حيث يقيم الشيخ وبدأ درسه قائلا : الورثة أربعة وسردهم ثم بدأ بشرح الرابع وهو الوارث الفرد الجامع أى من حيث أنتهيت أنا . رضى الله عنه وأرضاه.
واستمرت بنا السنوات ، وتوالت الأحداث ، ووقع فيها ماشاء الله له أن يحدث ، وظهر فيها من الأنوار والأسرار والإفاضات ما لايسعه الذكر أو لا تطيقه العبارة ولاتحمله الإشارة ،.
وفى أثناء تلك السنين أسس الشيخ رضى الله عنه جمعية الدعوة إلى الله بمصر الجديدة لتكون واجهة رسمية للدعوة الصادقة وقد أنضم إليها أبناؤه وتلامذته وكنت واحدا منهم وقد كلفنى رضى الله عنه بما شاء فى هذا السبيل و من شئون الدعوة.
8- ثمَّ جاءت المرحلة التالية
حتى جاء أمر الله وكان العام 1411هـ ، 1991م ، وذهب الشيخ للحج هذا العام وكان على موعد للقاء الله تعالى وقد صحبته بعد أن أمرنى بالحج حيث كنت لاأنوى الحج هذا العام وقال لى : ومن الذى يثبت الإخوان عند إنتقالى.
فكان ماأراد ، وفى آخر ليلة قبل انتقال الشيخ وقد مرَّ رضى الله عنه على جميع الإخوان يسلم عليهم وكانوا يعجبون لذلك ، جاءنا حيث نقيم بفندق أم القرى الحادية عشرة مساءا، فأحببنا أن يتوجه إلى النوم ولكنه قال أحب أن أجلس معكم لحظات ، وبدأ رضى الله عنه يسرد ماحدث فى محاضراته التى ألقاها اليوم للحجيج ، ويوضح أن هناك أخطاء كثيرة يقعون فيها لجهلهم بالمناسك ، ثم توجه إلى قائلا : عندما تنزل مصر اجمع هذه الأخطاء تحت عنوان "أخطاء شائعة فى الحج " وأضفها إلى كتاب حكمة الحج وأحكامه فى طبعته الجديدة ، وقد قمت والحمدلله بجمع هذه الأخطاءمع شرح مبسط للمناسك وطبعناه فى كتاب أسميناه "زادالحاج والمعتمر" (11)
وانتقل رضى الله عنه ودفناه بمقبرة المعلا بمكة المكرمة (12) ، وهنا عجيبة من مصادفات القدر، فقد عرفنا فيما بعد أن مقبرة المعلا تقع فى حارة الجميزة بمكة المكرمة ووجدنا يافطة كبيرة بذلك على مدخل المقبرة من ناحية الحرم ، والعجيبة هنا أن اسم حارة " الجميزة" هذا وهو إسم غير مشهور لا بالسعودية ولا بمصر ، هو نفس اسم بلدتى التى ولدت فيها وأعيش بها فى الوقت الراهن وهى بلدة الجميزة مركز السنطة بمحافظة الغربية بمصر .
وبعد العودة من الحج استكملنا مسيرة الدعوة المباركة كما بدأها رضى الله عنه ، وأسسنا الجمعية العامة للدعوة إلى الله وهى جمعية مركزية وأصبح لها مايقارب العشرين فرعاَ بجميع المحافظات ، وأكرمنا الله بإخوان صدق أعانونا وقد يسر لنا سبحانه طباعة قرابة الخمسة والخمسين كتاب فى جميع شئون الدين والحياة والتصوف والطريق إلى الله والحقيقة المحمدية.
ومن التحدث بنعمة الله علينا أن كل بيانات ومحتويات هذه الكتب ما أفاض الله علينا فى أثناء الدروس والمحاضرات وخطب الجمعة بجولاتنا الأسبوعية و لقاءاتنا الشهرية بجميع المحافظات وزياراتنا السنوية لمحافظات الصعيد وغيرها وفى الإحتفالات السنوية العامة التى نقيمها استمرارا على نهج الشيخ محمد على سلامة رضى الله عنه فى ذكرى الإسراء والمعراج المباركة والمولد النبوى الشريف، وقد أضفنا إليها الإحتفال السنوى الجامع بذكرى الشيخ رضى الله عنه والذى نقيمه بمحافظة بورسعيد (13).، ولنا الألاف من الأشرطة الصوتية وأشرطة الفيديو وأسطوانات الملتيميديا وغيرها ...فيما يغطى كل أوجه الدعوة مما يسجله المحبون والصادقون .....
وقد بدأنا والحمد لله فى هذا الموقع على الشبكة مشروع جمع العلوم التى تفضل الله تعالى علينا بها فى خلال ما يزيد عن أربعين عاما والتى تبلغ مايزيد عن الستة ألاف شريط، علما بأن ما صدر لنا من الكتب لم يتجاوز حصيلة الأربعمائة شريط ، نسأل الله تعالى أن يعيننا على تبليغ دعوته وهداية الخلق به إليه بعونه وتوفيقه، وما توفيقى إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب .وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
نسأل الله تعالى أن ينفع بهذه السيرة كل من قرأها ، وأن تكون له عونا على تلمس سبيل الحق ، فماكان فيها من خير فمن الله ، وما كان من غير ذلك فمن سوء طبعى ، أسأله سبحانه أن يغفر لى ويتولنى وأحبابى والمسلمين أجمعين.
--------حاشية الفقرة --------
(11) راجع مؤلفاتنا بالموقع ، وقد طبع طبعتان إلى الآن .
(12) من أحب مراجعة سيرة حياة الشيخ محمد على سلامة كاملة فليراجع كتابنا " العارف بالله تعالى الشيخ محمد على سلامة سيرة وسريرة " راجع مؤلفاتنا - بنفس الموقع
(13) حيث كان يعمل رضى الله عنه مديرا لمديرية أوقاف بورسعيد فى آخر حياته وحيث يقيم أولاده حالياً .
9- النشاط والدعوة والهدف :
أولاَ: النشاط :
1- يعمل رئيسا للجمعية العامة للدعوة إلى الله بجمهورية مصر العربية، والمشهرة برقم 224 ومقرها الرئيسى 114 شارع 105 حدائق المعادى بالقاهرة ، ولها فروع فى جميع أنحاء الجمهورية.
2- يتجول فى جميع الجمهورية والدول العربية وغيرها، لنشر الدعوة الإسلامية وإحياء المُثل والأخلاق الإيمانية بالحكمة والموعظة الحسنة
3- بالإضافة إلى الكتابات الهادفة إلى إعادة مجد الإسلام
4- والتسجيلات الصوتية و الوسائط المتعددة للمحاضرات والدروس واللقاءات على الشرائط و الأقراص المدمجة.
5- وأيضا من خلال موقعه على الإنترنت: WWW.Fawzyabuzeid.com
ثانياً: دعـوته :
1- يدعو إلى نبذ التعصب والخلافات بين المسلمين والعمل على جمع الصف الإسلامى وإحياء روح الإخوة الإسلامية ، والتخلص من الأحقاد والأحساد والأثرة والأنانية وغيرها من أمراض النفس.
2- يحرص على تربية أحبابه على التربية الروحية الصافية بعد تهذيب نفوسهم وتصفية قلوبهم
3- يعمل على تنقية التصوف مما شابه من مظاهر بعيدة عن روح الدين ، وإحياء التصوف السلوكى المبنى على القرآن وعمل الرسول وأصحابه الكرام .
ثالثاَ: هدفه :
إعادة المجد الإسلامى ببعث الروح الإيمانية ، ونشر الأخلاق الإسلامية وترسيخ المبادئ القرآنية .
ورئيس الجمعية العامة للدعوة إلى الله.بجمهورية مصر العربية.
يعمل فى مجال الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة منذ ما يقرب من الأربعين عاماً.
مقر الإقامة : الجميزة – محافظة الغربية - جمهورية مصر العربية.
****************************************
السيرة الذاتية لفضيلة الشيخ الأستاذ فوزى محمد أبوزيد كما يرويها رضى الله عنه :
1- بداية البدايـــة . .....إقرأ الصفحة
2- البحث عن العارف ... إقرأ الصفحة
3- معرفة الإمام أبى العزائم رضى الله عنه ...
4- البحث عن المعرفة الشهودية . .. .
5- العثور على الرجل الحي .... ...
6- البداية الصحيحة للسير إلى الله ..
7- فى صحبة الشيخ رضى الله عنه ..
8- ثمَّ جاءت المرحلة التالية
9- النشاط والدعوة والهدف
.
******************************************
1 - بداية البداية:
وأنا فى السنة الثانية من كلية دار العلوم – جامعة القاهرة- وكان ذلك فى عام 1967 ميلادية ، حببتإلى العبادة ، وخاصة الصيام وتلاوة القرآن والصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم، والمحافظة علىالفرائض فى أوقاتها فى جماعة.
واستأنست فى تلك الفترة ببعض الكتب الدينية محاولا جهدى أن أقرأها لأعمل بها ، وكانت البداية هىكتاب)) تنبيه الغافلين ((لأبى الليث السمرقندى ، ثم كتاب))بداية الهداية (( للإمام الغزالى ، وهو مطبوع علىهامش كتابه)) منهاج العابدين(( والذى وضع فيه رضى الله عنه منهاجا كاملا للفرد ، من وقت يقظته من نومهحتى نومه ثانية بعد صلاة العشاء .
وقد أكرمنى الله عز وجل بتنفيذ ما فى هذا الكتاب ، بالإضافة الى صيام يومى الاثنين والخميس من كلأسبوع والأيام الفاضلة كأيام العشر من ذى الحجة ويوم عاشوراء وغيرها ، وكذا حبب إلى الصلاة على النبىصلى الله عليه وسلم فكنت أواظب على قراءة كتاب)) دلائل الخيرات ((للإمام الجزولى وكتاب )) أنوار الحقفى الصلاة على سيد الخلق ((للشيخ عبدالمقصود سالم ، وكنت أجد لذة عظيمة فى الصلاة عليه فى طريقىبصيغ كان يلهمنى الله عز وجل بها ، حتى كنت أفرُّ ممن أعرفهم فى الطريق حتى لا يشغلونى عن تلك اللذةالعظيمة وجعلت لى حزبا من الصلوات والتسليمات عليه صلى الله عليه وسلم أقرأه فى منتصف الليل قبلنومى ، وكنت أقرأه فى سكون الليل ووحشته ، وأحس بأنس عظيم يجعلنى أستحضر أنه صلى الله عليه وسلم سيحضرنى ويمكننى من رؤيته ، وأنام على هذه الكيفية وأنا منتظر ومترقب لمجئ حضرته ، فأكرمنىالله عز وجل برؤيته صلى الله عليه وسلم مرات عديدة..
وقرأت في ذلك الوقت كلاماً منسوباً للإمام الغزالى ومقتضاه: أن العبد إذا واظب على الصلاة على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يأنس به ويراه، ثم تعلو همته بكثرة الصلاة عليه فإنه صلى الله عليه وسلم يصير شيخه ويوجهه في منامه أو في يقظته عن كان من الأقوياء ومثل هذا لا يحتاج إلى شيخ آخر وصادف هذا الكلام هوى في نفسي وعزمت على السير في هذا المنهج إلى منتهاه.
2- البحث عن العارف
وكان في ذلك الوقت يتجمع الصالحون حول العارفين المنتقلين، وخاصة في موالدهم وكنت أتردد على تلك الموالد بحثاً عن الصالحين للتعرف عليهم وزيارتهم، وأيضاً كنت أتردد على الأضرحة المباركة بدعوة من أصحابها، فكنت أرى نفسي في ضريح رجل من العارفين ربما لا أعرفه من قبل، فأذهب إلى زيارته، وفي لقائي برجل من الصالحين هو الشيخ حسن شعبان(1). ، وأثناء تجاذبنا الحديث سألني: هل لك شيخ؟ ، فقلت: نعم، شيخي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: هذا لا ينفع عندنا (أي عند أهل الطريق) من لا شيخ له فالشيطان شيخه، فكانت هذه الكلمات بمثابة الشرارة التى حركت ما كمن في نفسي من حب الإتصال بالعارفين تحقيقاً لقول الله عز وجل فى [الآية(119) التوبة]: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ )
فكلما سمعت عن عارف أو صالح ذهبت إليه وعرضت نفسي عليه.
فمنهم الشيخ "أحمد حجاب رضى الله عنه" (2) الذي قال لي: "هو أنا شلت نفسي لما ها شيل غيري" فخرجت من عنده حزيناً، ولم أكن أعلم أن الأولياء قسمان: ولي مرشد: وهو الذي يقيمه الله عز وجل لدلالة الخلق عليه، وولي لنفسه: وهو الذي يقيمه الله لعبادته وطاعته.
ولما كانت الكلية بحي المنيرة بالقاهرة في ذلك الوقت بالقرب من السيدة زينب رضي الله عنها، فكنت أتردد على السيدة زينب كثيراً وأسأل عن الصالحين.
فذهبت إلى الشيخ عبدالمقصود سالم (3) ، وعرضت عليه صحبته فقال لي: هل تزوجت؟ ، فقلت: لا، فقال: عندما تنهي دراستك وتتزوج إئتني ، فتعجبت لأني كنت في حال لا أحس فيه بأن هذا الأمر عائق في السير إلى الله ، فقلت له على الفور: وهل سيدنا عيسى تزوج؟ ،فأجابنى: لسنا كسيدنا عيسى.
وبعد بحث جهيد مع الصادقين من رجال الله تارة ومع البطالين في طريق القوم، والذين هم في نظرنا قطاع طريق للخلق، ولذا لا نجد داعياً لذكرهم....
ذهبت في المولد الرجبى لسيدي أحمد البدوي بطنطا لزيارة الشيخ إبراهيم حسين عمّار(4) ... بعد ما سمعته عنه.، وعندما صافحته وجلست أمامه، أخذ يتأملني ثم يثني عليّ وطلب مني أن أكرر زيارته فتوثقت عرى المحبة بيننا ومكثت معه سنتين كانت فيهما التربية الروحية الأولى لي، وكان رجلاً صاحب حال، وهو قطب للمقام العيسوي، فكان يضع يده على ظهري ويربّت بها فأحسّ بحرارة الحال تنتقل إلىَّ.، وقد ورثني الله عز وجل ببركته أحوال باطنية حتى كنت لا أطيق أن أحرك لساني لإستماعى بوضوح إلى الذكر الذي ينشغل به جناني، إلى درجة أني كنت عندما أركب المواصلات في طريقي إلى الكلية، لا أحس بأجساد من حولي رغم شدة الزحام ولصوقها بي لما أنا مشغول به.
وهذا حال طيب، ولكن كان سيؤثر عليَّ تأثيراً سلبياً لولا أن تداركتني عناية الله عز وجل، فقد قوّى هذا الحال عزمي على التفرغ للعبادة، ونويت فعلاً ترك الدراسة والبحث عن مكان منقطع أتفرغ فيه لعبادة الله عز وجل لما أجده من لذة في العبادة، لولا أن تداركتني عناية الله بمعرفة الإمام أبي العزائم رضى الله عنه .
--------حاشية الفقرة -----------
(1) الشيخ حسن شعبان : وهو من قرية تاج العجم مركز السنطة غربية، وقد فرغ نفسه لتحفيظ القرآن، ورفض العمل بالشهادة الأزهرية رغم حصوله عليها عملاً بالحديث الشريف الذي روي عن سيدنا عثمان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {خيركم من تعلم القرآن وعلمه} .. رواه البخارى، وقد توفي في الخامس من فبراير عام 1975م.
(2) الشيخ أحمد حجاب : وهو رجل صالح حصل على العالمية من الأزهر الشريف، وتفرغ للعبادة في خلوة بمسجد سيدي أحمد البدوي، على نهج شيخه الشيخ محمد شريف وهو من كبار أقطاب الطريقة الإدريسية، وظل على عبادته ولم يتزوج النساء حتى لقى ربه عز وجل عن عمر يناهز مائة وخمسة أعوام، وله ضريح يزار بمسجد سيدي احمد البدوي وله كتاب مطبوع هو "العظة والإعتبار آراء في حياة سيدي أحمد البدوي الدنيوية والبرزخية" وتوفي في 13 يوليو سنة 1978 م الموافق 9 من شعبان سنة 1398هـ.
(3) الشيخ عبد المقصود سالم : وهو عسكرى شرطة تدرج فى الوظيفة حتى وصل إلى رتبة ضابط، وكان يكثر من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وله في ذلك كتاب "أنوار الحق في الصلوات على سيد الخلق" ولما فتح الله عز وجل عليه أسس جماعة تلاوة القرآن الكريم في السيدة زينب وتفرغ لجمع الخلق على الله، وله من الكتب أيضاً في ملكوت الله مع أسماء الله والحضرة في رحاب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد توفي في ليلة الجمعة 26 من شعبان سنة 1397هـ الموافق 11 من أغسطس سنة 1977م.
(4) الشيخ إبراهيم حسن عمار : وهو رجل أمي لا يقرأ ولا يكتب، نزح من محافظة أسيوط واستقر بطنطا، واشتغل بالتجارة، وتعرف على الشيخ صديق، وهو رجل من المجاذيب مدفون الآن بقرية ميت يزيد مركز السنطة غربية، ولما تعرف على الشيخ صديق انتقل إليه حاله، فترك تجارته وزوجته وولده وأقام في جبل بقرية الأمبوطين مركز السنطة غربية لمدة سبع سنين، منقطعاً عن الخلق، كان فيها يجد أحياناً من حرارة الذكر ما يدفعه إلى إلقاء نفسه في الترعة وسط الماء في البرد القارص ليلطف من حرارة داخله، ولما استقرت به الأحوال، انتقل إلى عزبة شعير وأقام بها يهدي الناس إلى الله عز وجل حتى توفي بها عن خمسة وتسعين عاماً،
وأقيم له مسجد وضريح بها وكانت وفاته في سبتمبر سنة 1978م.
3- معرفة الإمام أبى العزائم رضى الله عنه :
وفي غضون ذلك كنت لا أكف عن قراءة كتب الصالحين وآثارهم...
وبينما أنا في جلسة مع نفر من محبي الصالحين، ذكروا لي نبذة طيبة عن الإمام أبي العزائم (*) وعن خليفته القائم في ذلك الوقت، وهو ابنه السيد أحمد ماضي أبو العزائم.....، وبعد انصرافي نمت في تلك الليلة فرأيت السيد أحمد ماضي أبو العزائم جالساً على كرسيه الخاص به، ولم أكن رأيته من قبل .....
ثم استخرت الله عز وجل في زيارته، فرأيت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أخذ بيدي وطاف بي العوالم العلوية ثم هبط بي على الأرض، وأدخلني على الإمام أبى العزائم وقال لي: تعرف من هذا؟ ، فسكت تأدباً معه صلى الله عليه وسلم.....
فقال صلوات الله وسلامه عليه: هذا شيخك.
فعلمت أن هذا إذن منه صلى الله عليه وسلم بالانتقال، فتوجهت إلى السيد أحمد وكان عنده نفر من الإخوان فانصرفوا سريعاً، وبقيت أنا وهو، فبايعته ولزمت طريق أبيه رضى الله عنه.
------- حاشية الفقرة ---------------
(*) راجع كتابنا " الإمام أبو العزائم المجدد الصوفى " دار الإيمان والحياة: ط:1 1412هـ ، 1992م.، أو ط2 : 1430هـ، 2009م
4- البحث عن المعرفة
ولما كان الشيء الذي يؤرقني ويدفعني إلى البحث عن الصالحين هو كيفية معرفة الله عز وجل المعرفة الشهودية، وذلك لا يتأتى إلا بانكشاف أنوار البصيرة النورانية، فكان أول سؤال أطرحه على كل عارف ألتقي به هو: كيف تنفتح البصيرة؟
وكان كل واحد منهم يجيبني على حسب منهجه ومشربه.
ولما دخلت رياض المدرسة العزمية وجدت فيها طريقة التربية تختلف من فرد إلى فرد، فقد ربى الإمام أبو العزائم أفراداً على نهج الدعوة الصوفية الحقة. وأذن لهم في الإرشاد، فكانوا يجوبون البلاد ويلتف حولهم الصادقون ويحيط بهم المطلوبون، ولكل واحد منهم نهج خاص به.
وفي ذلك يقول الإمام رضى الله عنه: الوسعة تقتضي التفاوت. فوسعة المرشد تقتضي تفاوت مشارب ومشاهد السالكين، فكان أن تقلبت على بعض هؤلاء الهداة أطلب الحصول على بغيتي، وهي فتح باب البصيرة، وكان أول من تلقيت منهم الشيخ طاهر محمد مخاريطة (5) فتعلقت به لأن الله وهبه لسان حال الإمام أبي العزائم، ومن شدة تعلقي به أنى وقد كنت مواظباً على حضور دروسه في شتى الأنحاء، كنت أحفظ الدرس من أوله إلى آخره وأعيده على إخواني بعد رجوعي بقاله وحاله، وكأنه شريط مسجل.
وكان له الفضل علىَّ إذ حثّني على الإقبال على دراستي حتى الإنتهاء منها ثم بعد ذلك يكون الإقبال بالكلية على طريق الله عز وجل، ولما كاشفته برغبتي ومنيتي، دلنى على الأوراد العزمية من الأحزاب والفتوحات الخمسين في الصلاة على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم واللطائف البرزخية وغيرها حتى أنه لما وجد نهمي في ذلك وأن كل ما وظفه لي لا يشبع رغبتي، قال لي: كل الأوراد مفتوحة لك ومعك الإذن فيها.، ولما كان من شروط السلوك الصحيح الذي يعقبه الفتح عند الصوفية أن المريد لا يفعل ورداً إلا بإذن من شيخه حيث أن الإذن يفتح له باب الإمداد ويجعل روح الشيخ تلاحظه فتحفظه من العقبات الخفية والوساوس النفسانية، فقد فرحت بهذا الإذن وأقبلت على الأوراد بهمة لا تكل، غير أن هذا لم يشف غليل نفسي، وكان قول الإمام أبي العزائم:
أبداً إلى هذا الجناب حنيني ... لا صبر لي حتى تراه عيوني
يرن في أذني دائماً مما حدا بي أن أكشف هذا الأمر للشيخ محمد شحاته هنداوي (6) ، فقال لي: الذي يفتح البصيرة هو ذكر الله عز وجل، ولكنه لم يبين لي كيفية هذا الذكر ولا طريقته.
فعرضت الأمر على رجل آخر من الدعاة وهو الشيخ قطب زيد(7) .. فأجابني إجابة فهمت منها أنه يريد صرفي عن هذا الأمر، وأن يكون كل همي هو الإقبال على مجالس الإخوان وتبادل الزيارات وقراءة الصلوات في الجماعة، هذا ولم يكن يعجبني بعض مفاهيم راجت وسط جموع الإخوان في ذلك الوقت حيث أنهم كانوا يروّجون فيما بينهم أن هذه الأذواق العالية والأحوال الراقية والمشاهد السامية قاصرة على الإمام أبي العزائم رضى الله عنه فقط، أما الباقون فيكفيهم أن يحبوه ويقبلوا على الأوراد والمجالس ولا يكلفون أنفسهم هذا الأمر ويؤيدون دعواهم أن هذه الأشياء تنال بفضل الله فقط وليس للمجاهدات فيها شأن.، وكنت أرد عليهم بما سمعته منهم من أحوال الإمام أبي العزائم وغيره من الصالحين ومجاهداتهم الفادحة في ذات الله عز وجل ، وفي أن اصطفاء الله عز وجل لم يتوقف وفضله سبحانه وتعالى واسع وغير محصور ورحمته عز وجل واسعة تسع كل من اهتدى وأناب، وقد قال سبحانه وتعالى: (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ ) ( الحج 75) فكلمة يصطفي بصيغة المضارع تدل على دوام هذا الأمر إلى يوم القيامة.
------حاشية الفقرة --------
(5) الشيخ طاهر محمد مخاريطة :وكان أبوه الشيخ محمد مخاريطة من دمياط وكان من أهل بورسعيد، وهو رجل من الصادقين في صحبة الإمام أبي العزائم وقد رباه أبوه هو وبنيه الآخرين على هذا الحب الصادق مما جعله يترك عمله في التجارة ويتفرغ للدعوة إلى الله عز وجل، وله لسان بيان يجذب القلوب إلى الله عز وجل، مع الصدق في الحال والنورانية والشفافية، وتدهورت صحته قبل وفاته لكبر سنه ، فلم يعد يستطيع القيام بأعباء الدعوة، وأقام سنواته الأخيرة فى الإسماعيلية وتوفى إلى رحمة الله تعالى ودفن بها منذ سنوات قليلة.
(6) الشيخ محمد شحاته هنداوي : من بلدة الخادمية محافظة كفر الشيخ، تعرف على الإمام أبي العزائم في صباه وقد كان طالب علم بالمعهد الأزهرى، فترك دراسته ومشى خلف الإمام أبي العزائم حتى فتح الله عليه وصار من كبار الدعاة إلى الله عز وجل وإن كانت تعتريه حدة أحياناً، وقد توفي بكفر الشيخ في رمضان سنة 1413هـ 1993م عن عمر يناهز التسعين عاماً، رحمه الله رحمة واسعة.
(7)الشيخ قطب زيد : هو رجل من بلدة القنّ مركز سيدي سالم محافظة كفر الشيخ، وقد دعا له الإمام أبو العزائم بما دعا به سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لسيدنا عبدالله بن عباس رضي الله عنهما في قوله: {اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل} فكان يتجلى على قلبه حقائق صادقة في معاني الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وظل مجاهداً في الله طوال حياته حتى لقى ربه ودفن ببلدته سنة 1983م.
================أعلى الصفحة=================
5- العثور على الرجل الحي
ظللت على هذا الحال فترة من الزمن وأنا مشغول بالرجل الحي الذي يأخذ بيدي إلى الله وإن كنت تيقنت أنه من بين أفراد آل العزائم للرؤيا التى ذكرتها قبل.
وبعد انتهاء دراستي في الجامعة وحصولي على درجة الليسانس من كلية دار العلوم – جامعة القاهرة سنة 1970 ميلادية صدر قرار تعييني بوزارة التربية والتعليم بمحافظة قنا، وذهبت إلى قنا واستلمت العمل بأرمنت مدرساً إعدادياً للغة العربية، فتعرفت على ثلة قليلة لكنها مباركة تعرف الإمام أبي العزائم معرفة يقينية، ولما سألتهم عن سبب معرفتهم بالإمام أبي العزائم قالوا: الشيخ محمد على سلامة ، ولا أنس تلك الليلة المشهودة حيث دعوني لأحضر معهم احتفالاً بميلاد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في منزل الشيخ عبداللطيف محمد على التاجر بأرمنت، وبعد تناول العشاء تجاذبنا أطراف الحديث فأذهلني ما رأيته منهم من الأحوال العالية والأخلاق والكمالات السامية مع أنهم كانوا قوماً غير معروفين في هذا الشأن سواء بين إخوانهم من آل العزائم الظاهرين أو بين ذويهم والمحيطين بهم لأنهم شعارهم قول الإمام أبي العزائم:
اخفوا علومكم صوناً لها عمن ... مالوا إلى الحظ من زور وبهتان
فمنهم الشيخ أبو العدب(8) الذي قال لي: عرفتم أبو العزائم بالقول وعرفناه بالعين، وأما الذي كان له الفضل الأكبر علىَّ في معرفة شيخي وإمامي فهو الشيخ أحمد حسن غرباوي (9) وهو الباب الذي دخلت منه على الرجل الحىّ فعندما أصابتني الدهشة من جمال هذه الأحوال التي كنت أبحث عنها، وسألتهم عن سر تجملهم بها، فألمح إلى فضيلة الشيخ محمد على سلامة، وكان قد انتقل في ذلك الوقت إلى بلدة ههيا محافظة الشرقية، ولم أكن قد حظيت بمقابلته رغم ذهابي إليها مراراً لشدة تكتمه وخفاءه.
وبعد انتهاء السهرة، ذهبت إلى غرفتي فنمت مأخوذاً بهذه الأحوال فرأيت الشيخ رضى الله عنه في المنام وهو ينظر إلىَّ، وأخذ ينظر إلىّ ويطيل النظر، وكلما نظر إلىّ أحسست بأني اغيب عن كياني وأرتفع إلى الملكوت وأشاهد أشياء لا أذكرها الآن، فتعجبت مما رأيت وشاهدت. وهممت أن أسأل عن سرّ ذلك، فسمعت صوتاً يجيبني عما جاس في خاطري قبل أن أتكلم به ويقول: لكل أمة نبي وهذا الرجل نبي هذه الأمة. فاستيقظت وقد علمت أنه الرجل الحي الذي يحيي به الله القلوب والذي يقول فيه الإمام أبو العزائم:
"الله حي قائم ولا يصل إليه واصل إلا بحي قائم" ويقول فيه أيضاً:
"نفس مع الحي حياة للقلب، ونفس في حياة القلب خير من حياة الفردوس"
ويقول أيضاً للمشغولين بالعبادة والظانين أنها تغني في مقام الوصول عن معرفة العبد الموصول:
"إنما حرموا الوصول بتضييع الأصول".
وأول أصل من هذه الأصول أن يجمعك الله على عبد موصول لقوله تعالى:
) فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ([الآية(43) النحل]
ويقول لهم أيضاً:
ألف عام بغير باب التهامى ... هى نَفَس بشرى لأهل السماح
ويعرفهم فضل الجلوس مع العارف الحي فيقول:
"نَفَسٌ مع العارف خير من عمل العباد والزهاد لسنين طوال".
وشاءت إرادة الله أن أعثر بعد ذلك على الحديث الذي يوضح ما رأيته في المنام وهو قوله صلى الله عليه وسلم:
{الشيخ في قومه كالنبي في أمته} (10)
فعلمت أنه رضى الله عنه شيخ هؤلاء القوم الذين كنت معهم ومن على شاكلتهم، وهو الباب الذي تفاض منه علوم النبوة وأحوالها لهم، وعلمت أيضاً أن الله عز وجل تفضل علىّ وجعلنى معهم وأسأله سبحانه وتعالى أن يزيد علىَّ هذا الفضل ويجعلنى منهم لقول الإمام أبي العزائم رضى الله عنه: "من كان معنا فقه المعنى ومن كان منا نال المنى".
اللهم أنلنا المنى ومتع عيوننا بمشاهدة أنوار نبينا وأسرارنا بشهود محبوبنا ونفخة قدسنا بمعاينة الكمالات الربانية والأنوار الذاتية وصلى الله على سيدنا محمد سرّ الخصوصية وفرد الحضرة الذاتية وكاشف كل الكمالات لأهل النفوس الذكية وآله ورّاث تلك الحضرات النورانية آمين يا رب العالمين.
-------حاشية الفقرة ----------
(8) الشيخ أبو العدب : رجل أخذته الجذبة الإلهية عندما وُوجه بالأنوار الحقية في صحبة الشيخ محمد على سلامة وإن كان مع شدة جذبه شديد التمسك بالأوامر الشرعية، وقد توفي ودفن الآن ببلدته حاجر الرزيقات قبلي مركز أرمنت في 11 مارس 1986م وكان يتميز بالكشف الصريح والمعرفة بما يدور في الخواطر وإن كان يستر ذلك بظهوره في حالة الجذب.
(9) الشيخ أحمد حسن غرباوي: وهو رجل من خاصة أولياء الله ومن كمّل ورثة أنبياء الله تعرفه بقاع السماء وتجهله بقاع الأرض، يدعو إلى الله بسرّه وبحاله، وهو الآن قائم ببلدته الرزيقات قبلي مركز أرمنت يجمع حوله الصادقين، ويوجه بإشاراته المقربين، ويرفع بأحواله العالية السالكين.
(10) رواه الديلمي في مسند الفردوس وأبو نعيم في الحلية والسيوطي في الجامع الكبير من حديث أبي رافع.رضى الله عنه .
6- البداية الصحيحة للسير إلى الله
وكان من فضل الله عز وجل علىّ أن أكرمنى بصحبة أخي الشيخ أحمد حسن غرباوي الذي أخذ بيدي إلى الطريقة الصحيحة لتهذيب النفس وصقلها وتكميلها بالآداب العالية الواجب اتباعها عند الدخول على الشيخ أو مصاحبته، وفي ذلك يقول الإمام أبو العزائم: "على السالك في طريقنا أن يصطفي له أخاً صادقاً سبقه في صحبة الشيخ يتأدب بأقواله، ويتهذب بأفعاله، ويأنس بأحواله، حتى يُدخله على حضرة المرشد ويكشف له عن جمالات وكمالات المرشد، لأن المرشد في ذاته عبد ولا يتحدث عن نفسه".
وكنت وأنا في غمرة تلك الأحوال أتطور سريعاً في الأحوال الروحانية وأشعر بشوق شديد إلى لقاء الشيخ رضى الله عنه، إلى أن حانت الفرصة ونزلنا لقضاء إجازة العيد، فذهبت تواً للقاء الشيخ ثاني أيام عيد الفطر المبارك، وكان هذا أول لقاء بيني وبين الشيخ.
واستهله رضى الله عنه بعد سؤاله عن الإخوان بأن حكى لي قصة الرجل الذي عزم على زيارة الشيخ أبي الحسن الشاذلي رضى الله عنه، وأثناء سيره إليه وجد عابداً يسكن في كوخ صغير بالقرب من ساحل البحر، فعرّج عليه ليتعرف عليه وعرف منه أنه يصوم النهار أبداً ويقوم الليل أبداً، ولما سأله العابد عن وجهته؟
عرف أنه متجه لزيارة الشيخ أبو الحسن الشاذلي فطلب منه أن يسأل الشيخ أن يدعو له.
فسار الرجل في طريقه حتى وصل إلى الإسكندرية، ونزل على القطب أبي الحسن فوجد من خيرات الله الحسّية والمعنوية، مالا يحيط به الوصف، وبعد قضاء مدة الضيافة، استأذن الشيخ في السفر فسأله الشيخ: ألم يكلفك أحد بشيء؟ ، فحكى له ما دار بينه وبين العابد.
فرفع يديه وقال لأصحابه: إني داع فأمّنوا: اللهم إنزع حب الدنيا من قلبه ... فتعجب الرجل !! وسافر راجعاً حتى وصل إلى كوخ العابد، فسأله عن رحلته. فأخبره بها وكتم عنه حياءً منه ما دعا به الشيخ له، لما يراه من عبادته، ولكن العابد ألّح عليه في معرفة الدعوة التى دعا بها الشيخ له، فذكرها له، فقال: الحمد لله لقد تعرفت الإجابة وأحسست بها في نفسي منذ ذلك الوقت.
فقال الرجل مندهشاً: وما الدنيا التى عندك؟ ، فقال: أنا أصوم النهار، فإذا دنا المغرب ذهبت إلى البحر لأصطاد شيئاً أفطر عليه، فكان الله عز وجل يخرج لي كل يوم سمكة واحدة، كأنها بعينها التى أتحصّل عليها كل يوم، ومهما اجتهدت في الحصول على غيرها لا أستطيع!!.، فكنت كل يوم وأنا ذاهب إلى البحر أتمنى بقلبي أن يرزقنى الله بسمكة أكبر أو بأخرى معها. فلما دعا لي الشيخ لم أعد أجد ذلك الخاطر في نفسي. فزادت دهشة الرجل من أحوال الصالحين وعزم على زيارة الشيخ أبا الحسن في السنة التالية.، وعندما ذهب إليه فوجئ بأن الأكل غير ما اعتاده فهو صنف واحد في كل يوم في الفطور والغداء والعشاء، وتعجب من ذلك وظن في نفسه أن الشيخ لا يريد إكرامه، مع أنه كان يأكل معه، وأدرك الشيخ ببصيرته النورانية ما يختلج بصدره فقال: "نحن قوم نجود بالموجود، ولا نتكلف المفقود".
فكانت هذه الحكمة هي المفتاح الذي فتح قفل قلبه ووضعه على أول طريق الفلاح، الذي نهايته لقاء الكريم الفتاح.
وقد أثمر هذا اللقاء عندي عدة أشياء منها:
أني فهمت أنى أنا على شاكلة هذا العابد لشغلى في ذلك الوقت بالعبادة، لأن المريد الصادق ياخذ كل حديث للشيخ في الخلوة أو في الجلوة على أنه هو المقصود به ولا شأن له في ذلك بغيره.
ومنها أنى علمت أن المريد لا يصح له وضع قدم في طريق الله عز وجل حتى يخلع الدنيا بالكلية من قلبه.، ومنها أنى أدركت أن دعوة الشيخ وقد كررها أمامي ثلاثاً هي لي. والحمد لله شعرت بالإجابة من وقتها، فصارت الدنيا لا تساوي عندي قليلاً ولا كثيراً بجانب رضا الله عز وجل.
أما الدنيا التى كانت عندي، فهى أني كنت أعبد الله عز وجل لأنال آمال وقصوداً في نفسي وهى وإن كانت قصوداً راقية لأنها تتعلق بالدار الآخرة والوصول إلى الله عز وجل، إلا أنها لا تليق بآداب أهل الحضرة الذين يعبدون الله عز وجل لا لنوال عطاء ولا خوفاً من جزاء، وإنما لأنه سبحانه أهلاً لهذه العبادة وهذه طريقة العارفين، حيث يرمزون إلى السالكين بما يصحح أحوالهم في سياق حديثهم حتى ولو كان حديثاً عادياً.، وفي ذلك يقول الإمام أبو العزائم رضى الله عنه:
عنّي اسمعوا ما تعقلون من الكلام ... فالعلم بالرحمن من صافي المدام
والعلم بالله العلي غــــــوامض .. . لا يُفْقهن إلا لصب في اصطــــلام
خذ ما صفا لك من إشـارة عارف .... فالعارفون كلامهم يشفي الســــــقام
وهكذا بدأت السلوك الحقيقي إلى الله عز وجل على القدم الثابت المحمدي في حظوة هذا الولي، وما دار بيننا سأذكر نذراً يسيرا منها فى هذه السيرة تنشيطاً لهمم الأحباب، ورفعاً لعزائم الطلاب وإن كان أغلب ذلك لا يليق أن نذكره لقوله صلى الله عليه وسلم:
{المجالس بالأمانات}( رواه أبو داود عن جابر.).
وقانون أهل الحضرة في مجالسهم: نحن قوم نجلس مع الله، فإذا قمنا من المجلس فكأنما لم نجلس كتماناً للسر.، وهذا لأن هذه العلوم والأسرار تحتاج إلى أذواق خاصة فالطريق إليها الحكمة القائلة: "ذُق تعرف".، والإشارة إليها في قول الإمام الغزالي:
فكان ما كان مما لست أذكره ... فظن خيراً ولا تسأل عن الخبر
وهي المعنية بقول الإمام أبي العزائم رضى الله عنه:
احفظن ســـــري فسري لا يباح ... من يبح بالسر بعد العلم طاح
علمنا فــــوق العقول مكانة ... كيف لا وهو الضيا الغيب الصّراح
خصَّــنا بالفضل فيه ربنــا ... ذاك ســـر غامض كيف يباح
7- فى صحبة الشيخ
وأذكر باختصار شديد أنه عندما أمرنى بالإرشاد وكنت أتوجه بأمره إلى الجهات المختلفة للقيام بوعظ أهلها وإرشادهم ، كان يتولى بعد عودتى وفى درسه تصحيح بعض المفاهيم التى ذكرتها ، ويعيد توضيحها بما يلائم العصر مع اليسر ، فقد كنت أنقل عن السابقين آرائهم واستشهد بها فى دروسى ، وربما لاأفطن أنها لاتلائم العصر أو أنها تشدد على الناس.
فكان يقول لى منبها وهو فى الدرس العام : بعض الناس يقولون كذا ، و الصواب الذى يجب أن نقوله للناس هو كذا ، ويذكر الأسباب ، ومثال ذلك موضوع الموت ، فقد كنت أركز فى حديثى عنه عن شدته ورهبته كدأب السابقين ، حتى سمعته يقول : يذكر الناس الموت وشدته ورهبته ولا يفرقون فى ذلك بين المؤمنين وغير المؤمنين ، وما قالوه حق وواقع ولكن بالنسبة للكافرين والمشركين والجاحدين ، أما بالنسبة للمؤمنين فالأمر يتغير ، فهو بالنسبة لهم فرح بلقاء الله ، وسرور بتكريم الله ، وجعل يذكر من ضروب التكريم وألوان النعيم التى يتلقاها المؤمن عند موته حتى جعل الحاضرين يحبون الموت ويتمنونه .
وأذكر أنه مما أثار دهشة الكثير من الأخوان أننا كنا ذات مرة فى زيارة فى بلدة الرزيقات قبلى بأرمنت بمحافظة قنا ، وقد ذهب رضى الله عنه لزيارة مريض وذهبت مع الإخوان للمسجد الصلاة ، وبعد الصلاة طلبوا أن ألقى درسا ، فتحدثت مهعم شارحا حكمة للإمام أبى العزائم : الورثة أربعة : ورثة أقوال : وهم حملة الشريعة الممنوحين ، والثانى : ورثة أعمال : وهم العباد الورعون ، والثالث : ورثة أحوال: وهم أهل المواجيد الصادقة المحدثين ، والرابع : الوارث الفرد الجامع.
وشرحت لهم الثلاثة الأولى بحسب ماتيسر ، وهممت بشرح الرابعة ، وإذا بأخ يدخل علينا ويقول الشيخ يدعوكم ، فقمنا وذهبنا وجلسنا حيث يقيم الشيخ وبدأ درسه قائلا : الورثة أربعة وسردهم ثم بدأ بشرح الرابع وهو الوارث الفرد الجامع أى من حيث أنتهيت أنا . رضى الله عنه وأرضاه.
واستمرت بنا السنوات ، وتوالت الأحداث ، ووقع فيها ماشاء الله له أن يحدث ، وظهر فيها من الأنوار والأسرار والإفاضات ما لايسعه الذكر أو لا تطيقه العبارة ولاتحمله الإشارة ،.
وفى أثناء تلك السنين أسس الشيخ رضى الله عنه جمعية الدعوة إلى الله بمصر الجديدة لتكون واجهة رسمية للدعوة الصادقة وقد أنضم إليها أبناؤه وتلامذته وكنت واحدا منهم وقد كلفنى رضى الله عنه بما شاء فى هذا السبيل و من شئون الدعوة.
8- ثمَّ جاءت المرحلة التالية
حتى جاء أمر الله وكان العام 1411هـ ، 1991م ، وذهب الشيخ للحج هذا العام وكان على موعد للقاء الله تعالى وقد صحبته بعد أن أمرنى بالحج حيث كنت لاأنوى الحج هذا العام وقال لى : ومن الذى يثبت الإخوان عند إنتقالى.
فكان ماأراد ، وفى آخر ليلة قبل انتقال الشيخ وقد مرَّ رضى الله عنه على جميع الإخوان يسلم عليهم وكانوا يعجبون لذلك ، جاءنا حيث نقيم بفندق أم القرى الحادية عشرة مساءا، فأحببنا أن يتوجه إلى النوم ولكنه قال أحب أن أجلس معكم لحظات ، وبدأ رضى الله عنه يسرد ماحدث فى محاضراته التى ألقاها اليوم للحجيج ، ويوضح أن هناك أخطاء كثيرة يقعون فيها لجهلهم بالمناسك ، ثم توجه إلى قائلا : عندما تنزل مصر اجمع هذه الأخطاء تحت عنوان "أخطاء شائعة فى الحج " وأضفها إلى كتاب حكمة الحج وأحكامه فى طبعته الجديدة ، وقد قمت والحمدلله بجمع هذه الأخطاءمع شرح مبسط للمناسك وطبعناه فى كتاب أسميناه "زادالحاج والمعتمر" (11)
وانتقل رضى الله عنه ودفناه بمقبرة المعلا بمكة المكرمة (12) ، وهنا عجيبة من مصادفات القدر، فقد عرفنا فيما بعد أن مقبرة المعلا تقع فى حارة الجميزة بمكة المكرمة ووجدنا يافطة كبيرة بذلك على مدخل المقبرة من ناحية الحرم ، والعجيبة هنا أن اسم حارة " الجميزة" هذا وهو إسم غير مشهور لا بالسعودية ولا بمصر ، هو نفس اسم بلدتى التى ولدت فيها وأعيش بها فى الوقت الراهن وهى بلدة الجميزة مركز السنطة بمحافظة الغربية بمصر .
وبعد العودة من الحج استكملنا مسيرة الدعوة المباركة كما بدأها رضى الله عنه ، وأسسنا الجمعية العامة للدعوة إلى الله وهى جمعية مركزية وأصبح لها مايقارب العشرين فرعاَ بجميع المحافظات ، وأكرمنا الله بإخوان صدق أعانونا وقد يسر لنا سبحانه طباعة قرابة الخمسة والخمسين كتاب فى جميع شئون الدين والحياة والتصوف والطريق إلى الله والحقيقة المحمدية.
ومن التحدث بنعمة الله علينا أن كل بيانات ومحتويات هذه الكتب ما أفاض الله علينا فى أثناء الدروس والمحاضرات وخطب الجمعة بجولاتنا الأسبوعية و لقاءاتنا الشهرية بجميع المحافظات وزياراتنا السنوية لمحافظات الصعيد وغيرها وفى الإحتفالات السنوية العامة التى نقيمها استمرارا على نهج الشيخ محمد على سلامة رضى الله عنه فى ذكرى الإسراء والمعراج المباركة والمولد النبوى الشريف، وقد أضفنا إليها الإحتفال السنوى الجامع بذكرى الشيخ رضى الله عنه والذى نقيمه بمحافظة بورسعيد (13).، ولنا الألاف من الأشرطة الصوتية وأشرطة الفيديو وأسطوانات الملتيميديا وغيرها ...فيما يغطى كل أوجه الدعوة مما يسجله المحبون والصادقون .....
وقد بدأنا والحمد لله فى هذا الموقع على الشبكة مشروع جمع العلوم التى تفضل الله تعالى علينا بها فى خلال ما يزيد عن أربعين عاما والتى تبلغ مايزيد عن الستة ألاف شريط، علما بأن ما صدر لنا من الكتب لم يتجاوز حصيلة الأربعمائة شريط ، نسأل الله تعالى أن يعيننا على تبليغ دعوته وهداية الخلق به إليه بعونه وتوفيقه، وما توفيقى إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب .وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
نسأل الله تعالى أن ينفع بهذه السيرة كل من قرأها ، وأن تكون له عونا على تلمس سبيل الحق ، فماكان فيها من خير فمن الله ، وما كان من غير ذلك فمن سوء طبعى ، أسأله سبحانه أن يغفر لى ويتولنى وأحبابى والمسلمين أجمعين.
--------حاشية الفقرة --------
(11) راجع مؤلفاتنا بالموقع ، وقد طبع طبعتان إلى الآن .
(12) من أحب مراجعة سيرة حياة الشيخ محمد على سلامة كاملة فليراجع كتابنا " العارف بالله تعالى الشيخ محمد على سلامة سيرة وسريرة " راجع مؤلفاتنا - بنفس الموقع
(13) حيث كان يعمل رضى الله عنه مديرا لمديرية أوقاف بورسعيد فى آخر حياته وحيث يقيم أولاده حالياً .
9- النشاط والدعوة والهدف :
أولاَ: النشاط :
1- يعمل رئيسا للجمعية العامة للدعوة إلى الله بجمهورية مصر العربية، والمشهرة برقم 224 ومقرها الرئيسى 114 شارع 105 حدائق المعادى بالقاهرة ، ولها فروع فى جميع أنحاء الجمهورية.
2- يتجول فى جميع الجمهورية والدول العربية وغيرها، لنشر الدعوة الإسلامية وإحياء المُثل والأخلاق الإيمانية بالحكمة والموعظة الحسنة
3- بالإضافة إلى الكتابات الهادفة إلى إعادة مجد الإسلام
4- والتسجيلات الصوتية و الوسائط المتعددة للمحاضرات والدروس واللقاءات على الشرائط و الأقراص المدمجة.
5- وأيضا من خلال موقعه على الإنترنت: WWW.Fawzyabuzeid.com
ثانياً: دعـوته :
1- يدعو إلى نبذ التعصب والخلافات بين المسلمين والعمل على جمع الصف الإسلامى وإحياء روح الإخوة الإسلامية ، والتخلص من الأحقاد والأحساد والأثرة والأنانية وغيرها من أمراض النفس.
2- يحرص على تربية أحبابه على التربية الروحية الصافية بعد تهذيب نفوسهم وتصفية قلوبهم
3- يعمل على تنقية التصوف مما شابه من مظاهر بعيدة عن روح الدين ، وإحياء التصوف السلوكى المبنى على القرآن وعمل الرسول وأصحابه الكرام .
ثالثاَ: هدفه :
إعادة المجد الإسلامى ببعث الروح الإيمانية ، ونشر الأخلاق الإسلامية وترسيخ المبادئ القرآنية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق