إعلم يا اخى ان رسول الله هو اصل كل موجود , وهو رحمة الله بكل مخلوق .
علم هذه الحقيقة من اسعده الله بالمعرفه و العلم الحقيقى , و جهل بها من تنكب الطريق المعتدل السوى .
و اعلم ان كل مسلم فى احتفال دائم , و اهتمام بالغ برسول الله r,فالمسلم اذا سمع ذكر رسول الله , بادر بالصلاة و التسليم عليه و اذا و اذا تذكر رسول الله r , حن و اشتاق اليه , لانه يعلم أن رسول الله أولى به من نفسه , و من كل شئ بعد الله سبحانه و تعالى , و يعتقد ان رسول الله هو أصل عزه و مجده و سعادته فى الدنيا و الآخرة .
و لذلك فالمسلم على أقل تقدير , يذكر رسول الله r و يحتفى به فى كل آذان و اقامة , و فى كل صلاة , فرضا و نفلا , و كل يوم و ليلة أكثر من ستين مرة , و هذا فضلا عن خارج العبادات , فان رسول الله لم يغيب عن أى مسلم من المسلمين و قتا من الاوقات , و انما عندما تأتى على المسلم أيام مولده r , يتذكر ان هذه الأيام فى بداية اشراق شمسه
على الكائنات اظلرضية و الحسية , و يتذكر كذلك أن هذه الأيام هى بداية السعادة الكبرى لهذه الكائنات , فيزداد فرح برسول الله r , و تقوى رعايته لفضل الله عليه فى هذه الأيام و تعظم حفاوته برسول الله و تزكو بهجته و مسراته فيها و يتخذ من هذه اليام عيدا أكبر يوسع فيه على نفسه و على عياله و اهله , و على فقراء المسلمين , فرحا بنعمة الله الكبرى عليه التى أكرمه الله بها فى هذه الأيام , وهى ميلاد رسول الله r فقد قال رسول الله r فى الحديث الشريف " من فرح بنا فرحنا به "
ولا تعجب يا أخى اذا سمعت أن أبا لهب لعنه الله , يخفف عنه العذاب كل يوم أثنين لأنه فرح بميلاد ابن أخيه محمد بن عبد الله , فأعتق جارته ثويبة عندما بشرته بمولده r , مع أنه لم يعلم أنه رسول الله , و مع ذلك فقد خفف عنه العذاب فى كل يوم اثنين لفرحه بهذا المولود العظيم r .
و ربما تسأل : وهل يوم القيامة يكون فيه يوم اثنين أو ثلاثاء مع أن حركة الفلك قد انتهت ؟
فأقول لك : ان كل شئ عند ربنا سبحانه بحساب و مقدار , و لن يضل ربك و لن ينسى , فكلما مرت فترة من الزمن تساوى أسبوعا و جاء موعد يوم الاثنين , خفف عنه العذاب مقدار زمن هذا اليوم .
فاذا كانت هذه المعاملة الكريمة من الله عز وجل لهذا الكافر العنيد جزاءا من الله له على فرحه بميلاد ابن أخيه , و اعتاقه جاريتة حين بشرته بمولده r , فكيف يكون اكرام الله للمؤمنين الذين يفرحون به دائما كل وقت و حين , و تقوى و تزداد فرحتهم فى أيام مولده الشريف فيتصدقون و يبذلون , و يفعلون الخير فرحا بفضل الله و برحمته التى غمرتهم فى ربيع الأول من كل عام هجرى ؟ .
و اعلم ياأخى أن هذا العمل من أجل القربات الى الله عز و جل فى أيام مولده الكريم .
و أن ما يقوم به المسلمون اليوم من اقامة الزينات , و نشر الأعلام و تبادل الزيارات و صلة الارحام و توزيع الحلوى على الاخون و الأقارب و الفقراء ابتهاجا بهذه المناسبة السعيدة – مظهر كريم , و عمل لا ينكره الشرع الشريف بل يحبذه و يقره , حتى ينتبه الغافل , و يتذكر الناسى , لفضل رسول الله عليه .
فقد كان العالم قبل اشراق شمسه فى جهل و ظلم و كفر , و شرك وضلال مبين فلما ولد r عمت الخيرات و الرحمات , و تنبه العالم بظهور العلامات و البشائر و الارهاصات , التى شدت المجتمع الانسانى من اقصاه الى اقصاه , و اخذ يتساءل عن سر ظهور هذه الأحداث , و كان الرد من اهل الأديان و الكهان و الرهبان و غيرهم , بأن النبى الخاتم و الأخير , قد ولد و أشرقت أنواره على سكان هذا الكوكب الأرضى .
و لا تعجب يا أخى ان قلت لك : أن العوالم كلها قد ابتهجت بمولده r , فقد حضر مولده السيدة مريم ابنة عمران , و السيدة آسية امرأة فرعون و معها الحور الحسان للتحية و الاكرام , و شهدت الملائكة هذا المولد السعيد , فحفت بيت السيدة آمنة رضى الله عنها بأجنحتها النورانية , و نصبت الأعلام على الكعبة المقدسة و فى المشرق و المغرب و بشرت العوالم بعضها بعضا بمولده r .
كل هذا وارد فى صحيح السنة المطهرة , و بهذا تكون عوالم الروح قد اشتركت مع عوالم الكون فى هذه المناسبة الكبرى , فقد تصدع ايوان كسرى , و خمدت نار فارس التى يعبدونها و لم تخمد منذ األف عام , و أهلك الله جيش أبرهة الذى جاء لهدم الكعبة , و غير ذلك من الأحداث العظام التى هزت العالم هزا قويا .
كل هذا ايذانا و اعلانا و ابتهاجا بمولده r , الذى محى الله به الظلم و الكفر و الفسوق و الاجرام .
ثم اعلم يا أخى أن احتفال المسلمين بمولده رسول الله r بأى شئ يكون ؟
أولا : يكون باجتماع الناس على مدارسه سيرته و حياته و شمائله و آدابه , و سلوكه و مبادئه , و أحكام دينه الشريف و هذا واجب من واجبات الاسلام دعا الله و رسوله اليه .
ثانيا : يكون بتلاوة القرآن الكريم , و اجتماع الناس حوله , و استماع الناس له , و ذلك واجب آخر من واجبات الاسلام.
ثالثا :يكون باستماع المدائح و القصاثد التى تشيد بشأنه r و تذكر ما أكرمه الله به من المعجزات و الآيات المكرمات و ذلك من الدين ايضا , فقد كان الشعراء يمدحون رسول الله r و يثنون عليه فى زمانه و لم ينكر عليهم , بل كان يدعو لهم r و يكافئهم على ذلك و منهم حسان ابن ثابت .
و انا نود هنا أن نعلق على بعض ما تتضمنه تلك المدائح أو القصائد مما قد يدعيه الخائفون على الله و رسوله – و لا يخافون على انفسهم من الافتراء على الله و رسوله – أنه غلو فى الدين أو شرك أو كفر .
فقد تتضمن تلك المدائح التعبير عن الحب لرسول الله r و اظهار الاشتياق اليه , و طلب المدد و النظرة و الغوث منه , أو وصفه r بأنه يعلم الغيبأو يخبر به أو غير ذلك من الصفات و المعانى التى تكشف عن أخلاقه و معجزاته و اعماله و شمائله عليه الصلاة و السلام .
و انى أبين ذلك ؛ فأقول – و بالله التوفيق – ان حب رسول الله r لا يعتبر غلوا فى الدين و لكنه فريضة على كل مسام و مسلمة لدرجة أن المسلم يجب عليه شرعا أن يضع نفسه و ماله و اهله فداءا لرسول الله r و فداءا لدينه الشريف .
فقد ورد فى الحديث الشريف أحب اليه من ماله وولده والناس أجمعين " (1)
و قوله r " لا يؤمن أحدكم حتى أكونأحب اليه من نفسه " (2)
وفى الحديث الصحيح " ثلاث من كن فيه وجد حلاوة اليمان ,أن يكون الله و رسوله أحب اليه مما سواهما , و أن يحب المرء ما يحبه الا لله , و أن يكره أن يعود فى الكفر بعد اذ انقذه الله منه كما يكره أن يلقى فى النار " (3)
و أما طلب المدد من رسول الله , و النظرة من رسول الله , و الغوث من رسول الله فوارد بصحيح القرآن بدليل قوله تعالى :
" أنهم اذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله و استغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما " (4)
و قوله تعالى :" يا أيها الذين أمنوا لا تقولوا راعنا و قولوا أنظرنا و اسمعوا " (5)
و غير ذلك من الآيات الكثيرة .
و أما اعتقاد أنه يعلم الغيب فذلك أمر من حقيقة الرسالة التى جاء بها سيدنا رسول الله r لأن الغيوب التى أخبرنا الله و رسوله بها انما علمناها من رسول الله r , و من قبله لم نكن نعلم عنها شئا , فالغيب أنما يعلمه رسول الله بتعليم الله له و اخبار الله له بهذا الغيب , و قد اخبر رسول الله r بكثير من الغيوب التى وقعت بعده بأزمنة قريبة و بعيدة فى المجتمع الانسانى , و هناك الأحاديث الواردة فى هذا الشأن و هى لا تقع تحت حصر , و قد قال الله تعالى :
" عالم الغيب فلا يظهر على غيبة أحدا الا من ارتضى من رسول فانه يسلك من بين يديه و من خلفه رصدا "(6)
ورسول الله r قد ارتضاه الله و اصطفاه من جميع رسله و انبيائه و جعله سيدهم و خاتمهم و علمه الله ما لم يكن يعلم من الغيوب و غيرها لأنه اختاره و ارتضاه لذاته و محبته و أطلعه على اسراره و علومه .
رابعا :يكون بتزاور المسلمين و تآلفهم و تحاببهم و اتخاذهم من هذه المناسبة عيدا لصلة بعضهم بعضا , و تجديد المحبة و المودة و الاخاء و التعارف و ذلك من صميم الاسلام و من روحه الأصيلة .
خامسا :يكون باجتماع المسلمين للذكر و الصلاة على النبى r , و ابتهاجا بالذكرى العطرة , و نشاطهم فى ذلك أكثر من سائر الاوقات , احتفاءا به عليه الصلاة و السلام .
و ذلك أيضا من آداب الاسلام ووصاياه .
سادسا:يكون بنشاط الحركة التجارية , و اتخاذ المسلمين من هذ المناسبة سوقا لرواج حركة البيع و الشراء , و بسبب ذلك يزداد انتاج المصانع و المعامل و نحوها , و تثرى البلد فى هذه الذكرى العطرة و ذلك أيضا من الدين , و لم يقل أحد أن نشاط حركة الحياة فى البدة أمر مكروه, أو أمر محرم , تحت أى ظرف من الظروف ما دام ذلك لم يكن فى معصية الله و رسوله ,من بيع الخمور و المسكرات ,أو لعب القمار و الميسر , فان هذه الأشياء فى كل وقت و فى جميع الأسواق و المتاجر .
و على المسلمين ان يتجنبوا هذه المخاطر حيث وجدت , و أن يبتعدوا عنها بالكلية , لأنها من الآفات المهلكة للدين و الدنيا .
و يجب على الدعاة الى الله عز و جل ان ينزلوا الى هذه الأسواق و الموالد و الأحفال و المتاجر , و يذكروا الناس ويبينوا لهم ما حرمه الله و رسوله , ليتنبه الغافل , و يتذكر الناسى و يتعلم الجاهل , و يرعوى الفاسق و الظالم .
و قد كان فى عصور الاسلام الألى حيث كان الدين مسيطرا على النفوس , و متمكنا من القلوب , ينزل العلماء بالله و رسوله الى الأسواق , و ينادون بالفضيلة و كريم الخلاق , و جميل المعاملات , و يذكرون الناس بالله و اليوم الأخرو هم فى غمرة البيع و الشراء , و زحمة الأخذ و العطاء , و المكاسب و الأرباح , و لن يصلح أمر هذا الدين الا بما صلح به او له , و مجتمعنا الآن أولى بهذه الارشادات الجليلة , حيث كثرت المغريات و الفتن , و تغير الزمن , و تغير الناس .
و كذلك يجب على الحكام و أولياء الأمور , أن يأخذوا على أيدى الذين يمارسون المحرمات بكافة أشكالها و ألوانها فى هذه الأسواق و فى غيرها , حتى تنهض الأمة من كبوتها , و يرتفع شأنها , و يعود لنل مجد السلف الصالح , و ينظر الله فيجد نوايانا قد تحسنت , و قصودنا قد اتجهت الى الخير و الى الدين , و أعمالنا قد صلحت , و أخلاقنا قد تهذبت , و نفوسنا قد تزكت , فيتولانا بنصره و تأييده , و يتعهدنا برحمته و احسانه و يعاملنا بما عامل به الآباء و الاجداد , رضى الله عنهم و رضوا عنه , فنسعد بالحياة الطبية و العيشة الهنية فى الدنيا , و نتهنى فى الآخرة بما لا عين رأت , و لا أذن سمعت , و لا خطر على قلب انسان , من نعيم الله و رضوانه , و محبة الله و اكرامه .
و صلى الله على سيدنا و مولانا محمد و على آله و صحابته وورثه و التعبعين لهم الى يوم الدين .
سابعا :شراء الحلوى و توزيعها على الأقارب و المحتاجين فرحا بميلاد رسول الله r - و هذا فضلا عن تنشيط حركة التجارة و اثراء الحياة – فأن فيها مساعدة و جبرا لخاطر الفقير الذى يمر عليه العام هو و اولاده لا يستطيع أن يشترى كيلو من هذه الحلوى , و أيضا فيها صلة للأرحام , فتأتى هذه المناسبة و يتسابق المسلمون الأغنياء , و المحسنون , فى هذا الميدان تحدثا بنعمة الله عليهم , و مساعدة اخوانهم المحتاجين و التوسعة عليهم ,و هذا أيضا من حقيقة الاسلام و روحه .
بقى بعد ذلك ما يقوم به بعض الناس – و هم قلة ضئيلة جدا – من الطبول المزامير و آلات اللهو البريئة , تعبيرا عن مشاعرهم و فرحهم بهذه المناسبة فان ذلك و ان لم يكن محرما فانه مكروه شرعا ,و لا يليق بعظمة هذه الذكرى و جلال المولد الشريف .
و يا حبذا لو كنا نوجه النصح لهؤلاء برفق , الى ما هو أفضل و أكرم و يليق بالاحتفاء برسول الله r .
و هذه النقطة الأخيرة هى البدعة فى المولد , و لكنها ليست محرمة بل هى مكروهه لنها أشبهت الطبل و الدف و اللعب الذى يباح فى الأفراح و الأعياد .
و بقى شئ آخر أيضا , و هو الحلوى التى تحمل صور الحيوانات و الناس و الآلآت و القصور و نحو ذلك , فهذه أيضا بدعه .
فقد تكون محرمة اذا كانت الحلوى تأخذ شكل انسان كامل , أو حيوان , أو طير كامل أيضا , لأن هذه الصورة أشبهت خلق الله من الكائنات الحية ذات الروح .
أما اذا كانت هذه الصور ناقصة فهى مكروهه .
و اذا كانت الحلوى تحمل صورة آلة من الآلآت أ و بيت من البيوت , أو منظر من مناظر الطبيعة التى خلقها الله من غير روح كالأشحار و النباتات و غيرها , فلا بأس بذلك لأنها لتفريح الأطفال و ادخال السرور عليهم
وواجب العلماء أن يوجهوا المسلمين لهذه الأمور , و أن يلفتوا أنظارهم و يبينوا حكم الله عز و جل و أدب الاسلام الشريف , بلطف و رفق , و بالحكمة و المواعظة الحسنة , حتى يعرف المسلمون هذه الآداب فيتبعوا تعاليم الاسلام عن فهم و اقتناع و تسليم و اذعان لله و رسوله r .
هذا و لو نظرنا لما يعود على المسلمين بالاحتفال بهذه المناسبة الكريمة , لوجناه خيرا عظيما جدا , و برا و معروفا و احسان قد لا يتاح للمسلم أداؤه بدون هذه المناسبة , لأن للمناسبات أثر خاص فى نفوس الناس لا يستطيع أحد انكاره , و ان فطرة النسان اذا تعودت على شئ من الخير و المعروف فى أى مناسبة من المناسبات , فالواجب علينا تزكية هذا الخير , و تنمية هذا المعروف , و تأصيله و تعميقه فى النفس حتى تستزيد من فعل الطاعات و القربات و الصالحات .
و لو نظرنا الى هذه البدع التى مر ذكرها , لوجدناها أمر يسيرا بجوار هذا الخير العظيم , و علينا أن ننحى من طريق الخير و النفع العام كل عائق , و كل ما يحيط به من سلوكيات و أنماط غير ملئمة , حتى يتمحص الخير و نتخلص من كل شائبة و نقص .
و اننى على يقين من أننا و الحمد لله نسير الى الأحسن و الأقوم و الأرشد و الأفضل و الأكرم , وذلك بسبب صحوة الفكر الاسلامى المستنير فى كل مكان و تنبيه العلماء الى السبيل الأمثل و العمل اللائق بالاحتفال بالمولد النبوى الشريف الذى جعله الله فاتحة لكل خير على العالم أجمع و على المسلمين خاصة .
اللهم صلى و سلم و بارك على الفاتح لما أغلق , و الخاتم لما سبق و الناصر الحق بالحق , و الهادى الى الصراط المستقيم و على آله و صحابته وورثته و من تبعهم , صلاة تحل بها العثقد و تفرج بها الكرب و تزيل بها الضرر و تهون بها الأمور الصعاب , و صلاة ترضيك و ترضيه و ترضى بها عنا يارب العالمين .
وعلى هذا فلتعلم أخى السائل – أيدنى الله و اياك و المسلمين أجمعين بروح من عنده , و أمدنى الله و اياك و المسلمين أجمعين بمدد رسول الله r - أن الشئ الذى استحدث فى احتفال الناس بالمولد هو الزمور و الطبول و صنع الحلوى بالصور التى مرت بك وقد بينا حكم ذلك و الحمد لله .
و اعلم ذلك أن المسلمين الأوائل رضى الله تبارك و تعالى عنهم لم يكونوا فى حاجة الى من يذكرهم بمولد رسول الله r و لا بشئ من سيرته و حياته و لا بشئ من معجزاته و كراماته , لأن رسول الله كان صورة حية ماثلة امام أعينهم لا تغيب , و لكن لما ضعف المسلمين و انتشر بينهم الجهل بهذه المعانى اضطر العلماء رضى الله عنهم الى أن يجعلوا مناسبات يجمعون المسلمون بها وحولها على مائدة العلم و المعرفة و القرآن و الذكر و الفكر و الشكر و الصلاة علىالنبى r , و على تشويق الناس و تحبيبهم فى رسول الله r .
و من هنا , كانت اقامة السرادقات و الأنوار و الزينات و كل ما يجمع الناس على الخير فهو خير, و كل ما يهدى الناس الى البر فهو بر و المقاصد فى هذا المجال تبرر الوسائل .
قال r من حديث عمر بن الخطاب رضى الله عنه و ارضاه : ( انما الأعمال بالنيات و انما لكل امرئ ما نوى ) رواه الشيخان .
و قال عليه الصلاة و السلام : ( بنياتكم ترزقون ) .
و فى الحتفال بمولد رسول الله r مشهد خاص من مشاهد المقربين , فهو تجديد البيعة لرسول الله r .
و الحضور بالروح و القلب لشهود هذه المجالى العالية و التنزلات الرحمانية و الاغاثات القدسية التى أغاث الله بها العالم من الويلات التى أحاطت به من كل جهة , فلم تترك انسان فى ذلك العصر الا و أضرت به بالغا فى عقله و جسمه و خلقه و دينه و ماله و أهله .
فكان ميلاد رسول الله r هو غوث العوالم كلها .
فبالاستحضار الروحانى فى ليالى مولده r تنكشف للأرواح هذه الأسرار , و تلو تلك الأنوار , فقد قال الامام أبو العزائم رضى الله عنه مبينا هذه المشاهد :
كل روح ترى جمال حبيبى ليلة الوضع لا برؤيا المنام
مولد المصطفى حياة قلوب شوقها قد نما بداعى الغرام
يا حبيبى يا من دنا فتدلى و رأى الحق فى على المقام
أنت أنسى و أنت راحى و روحى فتفضل بالوص و الاكرام
وقد قال رضى الله عنه أيضا مخاطبا سيدنا رسول الله r :
أنت و الله رحمة الله حقا لجميع الأملاك و الانسان
و لأهل محبة رسول الله r مواجهات خاصة فى أيام مولده الشريف لا تفى بها العبارة و لا تبينها الاشارة , و انما يواجههم بها رسول الله rبمعانى كمالاته و جمالاته و علومه و أسراره و أحواله مواجة فيها نعيم الأنس و بهجة الوصل و سعادة القرب منه عليه الصلاة و السلام , حتى يعيشوا فى دائرة معيته , متحققين بقول الله عز وجل :
( محمد رسول الله و الذين معه ) (1)
و المعية ليست معية زمان أو مكان انما هى معية مطلقة بلا قيد زمان و لا مكان , و كذلك هى ايمان و احسان و يقين و شهود , و معية حب و أعمال و أحوال و مجاهدات , و معية قلبية و روحية تجعل المتحقق بها يحب رسول الله r حبا أكثر من حبه لنفسه و ماله و أهله و الناس أجمعين .
بل تصل هذه المحبة الى مقام ينفى فيه المحب عن نفسه , فلا يري و لا يشهد الا محبوبه و قد ظهرت أنواره ز أثاره و أخلاقه عليه , فيكون بدلا من أبداله r يجدد الله به معالم الدين و آثار السنة المطهرة و أحوال السلف الصالح رضى الله عنهم .
و لو كانت المعية بالزمان و المكان لكان الكفار المنافقون و اليهود و النصارى الذين كانوا فى عهد رسول الله r فى مكة و المدينة و غيرها من أهل معيته r – و حاشاه ذلك – ولكن المعية معية معانى و حقائق و ليست معية أجسام و أمكنة و أزمان .
و اعلم يا أخى – أسعدنى الله واياك بهذه المعيه العالية – أن لكل قوم مشارب و مشاهد يذوقونها فى احتفائهم بسيدنا رسول الله r يريحون بها أرواحهم , و يزكون بها نفوسهم , و يرقون به أحساسيسهم , و قد قال سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه مخاطبا رسول الله r و مبينا قدر محبته له عليه الصلاة و السلام :
أحبك حبا لو يفاض يسيره على الناس مات الناس من شدة الحب
و ما أنا موف بالذى أنت أهله لأنك فى أعلى المراتب من قلبىا
و قال الامام أبو العزائم رضي الله عنه مبينا حبه لرسول الله r :
أحبك حبا جنن الروح و النهى تقبل حبيبى مدحة من فانى
و فى ليلة الذكرى سل الله سيدى نوال العطايا منه بالاحسان
و قال الامام أبو العزائم فى مقام آخر :
أنا يا حبيبى فى هواك متيم و شهود و جهك بغيتى و نوالى
و قال رضى الله عنه :
أحبك رسول الله بالروح و القلب و حبى له نيل السعادة و القرب
أحبك يا خير النبيين أرتجى جوارك فى الدنيا و يوم لقا ربى
أنلنى يا رسول الله بالحب قربة أنال بها وصل الحبيب مع الصحب
و هكذا نرى العارفين بالله رضي الله عنهم و الوارثين لرسوله r , كيف يفرحون بسول الله و يبينون للناس بعض معانيه و آدابه ر على قدر عقولهم و يكتشفون الأستار عن بعض جمالات و كمالات للناس ليقبلوا على محبته r بعد معرفة مكانته r .
و الله نسأل أن يلهمنا الحق و الصواب فى احتفالنا برسول الله و ميلاده , و تقديرنا له r على حسب استطاعتنا و امكاننا , انه سبحانه و تعالى نعم المولى و نعم النصير , و لا حول و لا قوة الا بالله العلى العظيم , و سلام على المرسلين و الحمد لله رب العالمين .
و يلاحظ أن تقديرنا لرسول الله , و احتفائنا به , على قدرنا نحن لا على قدرة r , فان العالم كله لا يقدر أن يوفى رسول الله حقه , و حيث أنه رحمة الله بجميع العوالم .
و قد أحس بفضل هذه الرحمة كل موجود فى السماوات و الأرض و ما بينهما , و ما ورائهما من عوالم الله و مخلوقاته , التى لا يعلمها الا الله و رسوله .
و كيف يكون رسول الله رحمة الله بها و لا يعلمها ؟
فتأمل يا ذا العقل الرشيد , و الفكر السديد , و القلب السليم , معى فى قول الله عز وجل :
" و ما أرسلناك الا رحمة للعالمين "
و العالمين هم ما سوى الله عز و جل , من عوالم الغيب و الشهادة , و عوالم المادة و الروح , و ما وراء ذلك من غرائب و عجائب خلق الله .
و لا يستطيع أحد أن يتصور مدى هذه الرحمة , أو أن يحيط بشئ منها , الا بمدد من الله , و معونة منه , و نظرات من رسول الله , و عواطف منه , فمددا يا سيدى يا رحمة الله بعد مدد , فقد صار العبد المسكين مضطرا لعطفك و مددك و رحمتك , و كذلك كل المسلمين يا سيدى يا رسول الله , فى أمس الحاجة اليك , فتداركهم برحمتك و عطفك .. آمين .
و الله يهدينا الى سواء السبيل , و الصلاة و السلام على غوث العالمين و شفيع المذنبين , و رحمة الخلق أجمعين.
آ راء الأمة الأعلام
فى قال الشيخ ابن تيمية في " اقتضاء الصراط " في بحث المولد : (297- 298)
[فتعظيم المولد واتخاذه موسما قد يفعله بعض الناس ويكون له فيه أجر عظيم لحسن قصده وتعيظمه لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
قراءة المولد الريف
قال الامام الجنيد رضى الله عنه :
" من حضر قراءة مولد النبى r و عظم قدره فقد فاز بالأمان ط
قال الامام معروف الكرخى رضى الله عنه :
" من هيأ لأجل قراءة مولد النبى r طعاما , و جمع اخوان , و أوقد سراجا , و لبس جديدا , و تبخر وتعطر تعظيما لمولده r , حشره الله يوم القيامة مع الفرقة الأولى من النبيين , و كان فى أعلى عليين ".
قال الامام فخر الدين الرازى رضى الله عنه :
" ما من شحص قرأ مولد الرسول r على ملح أو بر , أو شئ من المأكولات الا ظهرت فيه البركة , و فى كل شئ وصل اليه ذلك الملح أو البر أو غيره , و من وصل الى جوفه شئ من ذلك فانه يضطرب أى يتحرك و لا يستقر فى جوفه حتى يغفر الله لآكله , و ان قرئ مولد النبى r على ماء طاهر , فكل من شرب من ذلك الماء دخل قلبه ألف نور و رحمه , و خرج منه ألف ظلمة و علة , و لا يموت قائله يوم تموت القلوب ".
قال الامام الشافعى رضى الله تعالى عنه :
" من جمع لمولد النبى r اخوانا , و هيأ لهم طعاما , و أخلى مكانا , وعمل احسانا , و صار سببا لقراءته , بعثه الله يوم القيامة مع الصديقين و الشهداء و الصالحين , و يكون فى جنة النعيم ".
قال الامام السرى السقطى رضى الله عنه :
" من قصد موضعا يقرأ فيه مولد النبى r فقد قصد روضة من رياض الجنة لأنه ما قصد ذلك الموضع الا لمحبته فى رسول الله r , و قال r : " أن من أحبنى كان معى فى الجنة " .
قال الامام جلال الدين السيوطى رضى الله عنه :
" ما من بيت أو محل أو مسجد قرئ فيه مولد النبى r , الا حفت الملائكة أهل ذلك البيت , أو المحل , أو المسجد , و صلت على أهل ذلك المكان و عمهم الله بالرحمة و الرضوان "
قال العلامة فتح الله البنانى :
" ما من مسلم قرئ فى بيته مولد النبى r , الا رفع الله عنه القحط و البلاء و الحزن و و الآفات , و العاهات , و البليات , و النكبات , و البغضاء , و الحسد , و اللصوص , فاذا مات هون الله عليه جواب منكر و نكير , وكان فى مقعد صدق عند مليك مقتدر "
بعض أقوال العلماء الذين أجازوا المولد:
-ابن حجر العسقلاني: قال الحافظ السيوطي ما نصه: "وقد سئل شيخ الإسلام حافظ العصر أبو الفضل ابن حجر عن عمل المولد فأجاب بما نصه: أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن السلف الصالح من القرون الثلاثة، ولكنها مع ذلك اشتملت على محاسن وضدها، فمن تحرى في عملها المحاسن وتجنب ضدها كانت بدعة حسنة، وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت، وهو ما ثبت في الصحيحين من أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم، فقالوا: هو يوم أغرق الله فيه فرعون ونجى موسى فنحن نصومه شكراً لله، فيستفاد منه الشكر لله على ما منَّ به في يوم معين من إسداء نعمة أو دفع نقمة.. إلى أن قال: وأيّ نعمة أعظم من بروز هذا النبي صلى الله عليه وسلم.. نبي الرحمة في ذلك اليوم، فهذا ما يتعلق بأصل عمله، وأما ما يُعمل فيه: فينبغي أن يُقتصر فيه على ما يُفهم الشكر لله تعالى من نحو ما تقدم من التلاوة والإطعام والصدقة وإنشاد شيء من المدائح النبوية والزهدية المحركة للقلوب إلى فعل الخير والعمل للآخرة" انتهى كلامه رحمه الله.
2-السيوطي: وكلامه معروف ومذكور.
4-ابن الجزري: وسمى كتابه: ( عرف التعريف بالمولد الشريف).
5-ابن الجوزي: حيث قال في المولد الشريف: إنه أمان في ذلك العام، وبشرى عاجلة بنيل البغية والمرام..
6-الإمام السخاوي: لم يفعله أحد من السلف في القرون الثلاثة وإنما حدث بعد، ثم لا زال أهل الإسلام من سائر الأقطار والمدن الكبار يعملون المولد ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات، ويعتنون بقراءة مولده الكريم ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم) هذا قول المحدث الحافظ الذي يعده كثير من العلماء مجدد القرن العاشر.
7-الحافظ أبوشامة: قال في كتابه (الباعث على إنكار البدع والحوادث ـ ص23) ما نصه :
( ومن أحسن ما )ابتدع في زماننا ما يفعل كل عام في اليوم الموافق لمولده صلى الله عليه وآله وسلم من الصدقات ، والمعروف ، وإظهار الزينة ( والسرور، فإن ذلك مشعر بمحبته صلى الله عليه وآله وسلم وتعظيمه في قلب فاعل ذلك ، وشكرا لله تعالى على ما من به من إيجاد رسوله الذي أرسله رحمة للعالمين ) .اهـ
8-ابن القيم: ويقول في كتابه مدارج السالكين: (( والاستماع صوت حسن في احتفالات المولد النبوي أو أية مناسبة دينية أخرى في تاريخنا لهو مما يدخل الطمأنينة إلى القلوب ويعطي للسامع نورا من النبي صلى الله عليه وسلم إلى قلبه ويسقيه مزيدا من العين المحمدية)
9-الإمام الحافظ شمس الدين بن ناصر الدمشقي:
وهو صاحب كتاب: (مورد الصادي في مولد الهادي) صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وهو القائل في أبي لهب:
إذا كان هذا كافر جاء ذمه وتبَّت يداه في الجحيم مُخَّدا
أتى أنه يوم الإثنين دائـماً يخفف عنه للسرور بأحمـدا
فما الظن بالعبدالذي طول عمـ ره بأحمد مسرورا ومات موحدا
10-11-ابن كثير وابن دحية
وابن كثير قال: أول من أحدث المولد ملك إربل الملك المظفر كان يعمل المولد الشريف في ربيع الأول ويحتفل به احتفالا هائلا وكان شهما شجاعا بطلا عاقلا عالما عادلا رحمه الله واكرم مثواه، وقد مر به الحافظ الشيخ أبو الخطاب ابن دحية في أثناء رحلته أعجبه هذا الاحتفال ـ. قال ابن كثير: وقد صنف له الشيخ أبو الحطاب ابن دحية مجلدا في المولد النبوي الشريف سماه ( التنوير في مولد البشير النذير) فأجازه على ذلك بألف دينار وقد طالت مدته في الملك إلى أن مات وهو محاصر للفرنج بمدينة عكا سنة ثلاثين وستمائة،محمود السيرة والسريرة البداية و النهاية (3/13).
12-السبكي قال: عندما نحتفل بذكرى المولد النبوي الشريف يدخل الأنس قلوبنا ونشعر بشيء غير مألوف.
13-الإمام الشوكاني: قال في كتابه البدر الطالع: ((إن الأحتفال بالمولد النبوي جائز)).
14-الحافظ العراقي: وقد سمى كتابه في المولد النبوي (المورد الهني في المواد السني).
والله من وراء القصد وهو يهدى السبيل. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
علم هذه الحقيقة من اسعده الله بالمعرفه و العلم الحقيقى , و جهل بها من تنكب الطريق المعتدل السوى .
و اعلم ان كل مسلم فى احتفال دائم , و اهتمام بالغ برسول الله r,فالمسلم اذا سمع ذكر رسول الله , بادر بالصلاة و التسليم عليه و اذا و اذا تذكر رسول الله r , حن و اشتاق اليه , لانه يعلم أن رسول الله أولى به من نفسه , و من كل شئ بعد الله سبحانه و تعالى , و يعتقد ان رسول الله هو أصل عزه و مجده و سعادته فى الدنيا و الآخرة .
و لذلك فالمسلم على أقل تقدير , يذكر رسول الله r و يحتفى به فى كل آذان و اقامة , و فى كل صلاة , فرضا و نفلا , و كل يوم و ليلة أكثر من ستين مرة , و هذا فضلا عن خارج العبادات , فان رسول الله لم يغيب عن أى مسلم من المسلمين و قتا من الاوقات , و انما عندما تأتى على المسلم أيام مولده r , يتذكر ان هذه الأيام فى بداية اشراق شمسه
على الكائنات اظلرضية و الحسية , و يتذكر كذلك أن هذه الأيام هى بداية السعادة الكبرى لهذه الكائنات , فيزداد فرح برسول الله r , و تقوى رعايته لفضل الله عليه فى هذه الأيام و تعظم حفاوته برسول الله و تزكو بهجته و مسراته فيها و يتخذ من هذه اليام عيدا أكبر يوسع فيه على نفسه و على عياله و اهله , و على فقراء المسلمين , فرحا بنعمة الله الكبرى عليه التى أكرمه الله بها فى هذه الأيام , وهى ميلاد رسول الله r فقد قال رسول الله r فى الحديث الشريف " من فرح بنا فرحنا به "
ولا تعجب يا أخى اذا سمعت أن أبا لهب لعنه الله , يخفف عنه العذاب كل يوم أثنين لأنه فرح بميلاد ابن أخيه محمد بن عبد الله , فأعتق جارته ثويبة عندما بشرته بمولده r , مع أنه لم يعلم أنه رسول الله , و مع ذلك فقد خفف عنه العذاب فى كل يوم اثنين لفرحه بهذا المولود العظيم r .
و ربما تسأل : وهل يوم القيامة يكون فيه يوم اثنين أو ثلاثاء مع أن حركة الفلك قد انتهت ؟
فأقول لك : ان كل شئ عند ربنا سبحانه بحساب و مقدار , و لن يضل ربك و لن ينسى , فكلما مرت فترة من الزمن تساوى أسبوعا و جاء موعد يوم الاثنين , خفف عنه العذاب مقدار زمن هذا اليوم .
فاذا كانت هذه المعاملة الكريمة من الله عز وجل لهذا الكافر العنيد جزاءا من الله له على فرحه بميلاد ابن أخيه , و اعتاقه جاريتة حين بشرته بمولده r , فكيف يكون اكرام الله للمؤمنين الذين يفرحون به دائما كل وقت و حين , و تقوى و تزداد فرحتهم فى أيام مولده الشريف فيتصدقون و يبذلون , و يفعلون الخير فرحا بفضل الله و برحمته التى غمرتهم فى ربيع الأول من كل عام هجرى ؟ .
و اعلم ياأخى أن هذا العمل من أجل القربات الى الله عز و جل فى أيام مولده الكريم .
و أن ما يقوم به المسلمون اليوم من اقامة الزينات , و نشر الأعلام و تبادل الزيارات و صلة الارحام و توزيع الحلوى على الاخون و الأقارب و الفقراء ابتهاجا بهذه المناسبة السعيدة – مظهر كريم , و عمل لا ينكره الشرع الشريف بل يحبذه و يقره , حتى ينتبه الغافل , و يتذكر الناسى , لفضل رسول الله عليه .
فقد كان العالم قبل اشراق شمسه فى جهل و ظلم و كفر , و شرك وضلال مبين فلما ولد r عمت الخيرات و الرحمات , و تنبه العالم بظهور العلامات و البشائر و الارهاصات , التى شدت المجتمع الانسانى من اقصاه الى اقصاه , و اخذ يتساءل عن سر ظهور هذه الأحداث , و كان الرد من اهل الأديان و الكهان و الرهبان و غيرهم , بأن النبى الخاتم و الأخير , قد ولد و أشرقت أنواره على سكان هذا الكوكب الأرضى .
و لا تعجب يا أخى ان قلت لك : أن العوالم كلها قد ابتهجت بمولده r , فقد حضر مولده السيدة مريم ابنة عمران , و السيدة آسية امرأة فرعون و معها الحور الحسان للتحية و الاكرام , و شهدت الملائكة هذا المولد السعيد , فحفت بيت السيدة آمنة رضى الله عنها بأجنحتها النورانية , و نصبت الأعلام على الكعبة المقدسة و فى المشرق و المغرب و بشرت العوالم بعضها بعضا بمولده r .
كل هذا وارد فى صحيح السنة المطهرة , و بهذا تكون عوالم الروح قد اشتركت مع عوالم الكون فى هذه المناسبة الكبرى , فقد تصدع ايوان كسرى , و خمدت نار فارس التى يعبدونها و لم تخمد منذ األف عام , و أهلك الله جيش أبرهة الذى جاء لهدم الكعبة , و غير ذلك من الأحداث العظام التى هزت العالم هزا قويا .
كل هذا ايذانا و اعلانا و ابتهاجا بمولده r , الذى محى الله به الظلم و الكفر و الفسوق و الاجرام .
ثم اعلم يا أخى أن احتفال المسلمين بمولده رسول الله r بأى شئ يكون ؟
أولا : يكون باجتماع الناس على مدارسه سيرته و حياته و شمائله و آدابه , و سلوكه و مبادئه , و أحكام دينه الشريف و هذا واجب من واجبات الاسلام دعا الله و رسوله اليه .
ثانيا : يكون بتلاوة القرآن الكريم , و اجتماع الناس حوله , و استماع الناس له , و ذلك واجب آخر من واجبات الاسلام.
ثالثا :يكون باستماع المدائح و القصاثد التى تشيد بشأنه r و تذكر ما أكرمه الله به من المعجزات و الآيات المكرمات و ذلك من الدين ايضا , فقد كان الشعراء يمدحون رسول الله r و يثنون عليه فى زمانه و لم ينكر عليهم , بل كان يدعو لهم r و يكافئهم على ذلك و منهم حسان ابن ثابت .
و انا نود هنا أن نعلق على بعض ما تتضمنه تلك المدائح أو القصائد مما قد يدعيه الخائفون على الله و رسوله – و لا يخافون على انفسهم من الافتراء على الله و رسوله – أنه غلو فى الدين أو شرك أو كفر .
فقد تتضمن تلك المدائح التعبير عن الحب لرسول الله r و اظهار الاشتياق اليه , و طلب المدد و النظرة و الغوث منه , أو وصفه r بأنه يعلم الغيبأو يخبر به أو غير ذلك من الصفات و المعانى التى تكشف عن أخلاقه و معجزاته و اعماله و شمائله عليه الصلاة و السلام .
و انى أبين ذلك ؛ فأقول – و بالله التوفيق – ان حب رسول الله r لا يعتبر غلوا فى الدين و لكنه فريضة على كل مسام و مسلمة لدرجة أن المسلم يجب عليه شرعا أن يضع نفسه و ماله و اهله فداءا لرسول الله r و فداءا لدينه الشريف .
فقد ورد فى الحديث الشريف أحب اليه من ماله وولده والناس أجمعين " (1)
و قوله r " لا يؤمن أحدكم حتى أكونأحب اليه من نفسه " (2)
وفى الحديث الصحيح " ثلاث من كن فيه وجد حلاوة اليمان ,أن يكون الله و رسوله أحب اليه مما سواهما , و أن يحب المرء ما يحبه الا لله , و أن يكره أن يعود فى الكفر بعد اذ انقذه الله منه كما يكره أن يلقى فى النار " (3)
و أما طلب المدد من رسول الله , و النظرة من رسول الله , و الغوث من رسول الله فوارد بصحيح القرآن بدليل قوله تعالى :
" أنهم اذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله و استغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما " (4)
و قوله تعالى :" يا أيها الذين أمنوا لا تقولوا راعنا و قولوا أنظرنا و اسمعوا " (5)
و غير ذلك من الآيات الكثيرة .
و أما اعتقاد أنه يعلم الغيب فذلك أمر من حقيقة الرسالة التى جاء بها سيدنا رسول الله r لأن الغيوب التى أخبرنا الله و رسوله بها انما علمناها من رسول الله r , و من قبله لم نكن نعلم عنها شئا , فالغيب أنما يعلمه رسول الله بتعليم الله له و اخبار الله له بهذا الغيب , و قد اخبر رسول الله r بكثير من الغيوب التى وقعت بعده بأزمنة قريبة و بعيدة فى المجتمع الانسانى , و هناك الأحاديث الواردة فى هذا الشأن و هى لا تقع تحت حصر , و قد قال الله تعالى :
" عالم الغيب فلا يظهر على غيبة أحدا الا من ارتضى من رسول فانه يسلك من بين يديه و من خلفه رصدا "(6)
ورسول الله r قد ارتضاه الله و اصطفاه من جميع رسله و انبيائه و جعله سيدهم و خاتمهم و علمه الله ما لم يكن يعلم من الغيوب و غيرها لأنه اختاره و ارتضاه لذاته و محبته و أطلعه على اسراره و علومه .
رابعا :يكون بتزاور المسلمين و تآلفهم و تحاببهم و اتخاذهم من هذه المناسبة عيدا لصلة بعضهم بعضا , و تجديد المحبة و المودة و الاخاء و التعارف و ذلك من صميم الاسلام و من روحه الأصيلة .
خامسا :يكون باجتماع المسلمين للذكر و الصلاة على النبى r , و ابتهاجا بالذكرى العطرة , و نشاطهم فى ذلك أكثر من سائر الاوقات , احتفاءا به عليه الصلاة و السلام .
و ذلك أيضا من آداب الاسلام ووصاياه .
سادسا:يكون بنشاط الحركة التجارية , و اتخاذ المسلمين من هذ المناسبة سوقا لرواج حركة البيع و الشراء , و بسبب ذلك يزداد انتاج المصانع و المعامل و نحوها , و تثرى البلد فى هذه الذكرى العطرة و ذلك أيضا من الدين , و لم يقل أحد أن نشاط حركة الحياة فى البدة أمر مكروه, أو أمر محرم , تحت أى ظرف من الظروف ما دام ذلك لم يكن فى معصية الله و رسوله ,من بيع الخمور و المسكرات ,أو لعب القمار و الميسر , فان هذه الأشياء فى كل وقت و فى جميع الأسواق و المتاجر .
و على المسلمين ان يتجنبوا هذه المخاطر حيث وجدت , و أن يبتعدوا عنها بالكلية , لأنها من الآفات المهلكة للدين و الدنيا .
و يجب على الدعاة الى الله عز و جل ان ينزلوا الى هذه الأسواق و الموالد و الأحفال و المتاجر , و يذكروا الناس ويبينوا لهم ما حرمه الله و رسوله , ليتنبه الغافل , و يتذكر الناسى و يتعلم الجاهل , و يرعوى الفاسق و الظالم .
و قد كان فى عصور الاسلام الألى حيث كان الدين مسيطرا على النفوس , و متمكنا من القلوب , ينزل العلماء بالله و رسوله الى الأسواق , و ينادون بالفضيلة و كريم الخلاق , و جميل المعاملات , و يذكرون الناس بالله و اليوم الأخرو هم فى غمرة البيع و الشراء , و زحمة الأخذ و العطاء , و المكاسب و الأرباح , و لن يصلح أمر هذا الدين الا بما صلح به او له , و مجتمعنا الآن أولى بهذه الارشادات الجليلة , حيث كثرت المغريات و الفتن , و تغير الزمن , و تغير الناس .
و كذلك يجب على الحكام و أولياء الأمور , أن يأخذوا على أيدى الذين يمارسون المحرمات بكافة أشكالها و ألوانها فى هذه الأسواق و فى غيرها , حتى تنهض الأمة من كبوتها , و يرتفع شأنها , و يعود لنل مجد السلف الصالح , و ينظر الله فيجد نوايانا قد تحسنت , و قصودنا قد اتجهت الى الخير و الى الدين , و أعمالنا قد صلحت , و أخلاقنا قد تهذبت , و نفوسنا قد تزكت , فيتولانا بنصره و تأييده , و يتعهدنا برحمته و احسانه و يعاملنا بما عامل به الآباء و الاجداد , رضى الله عنهم و رضوا عنه , فنسعد بالحياة الطبية و العيشة الهنية فى الدنيا , و نتهنى فى الآخرة بما لا عين رأت , و لا أذن سمعت , و لا خطر على قلب انسان , من نعيم الله و رضوانه , و محبة الله و اكرامه .
و صلى الله على سيدنا و مولانا محمد و على آله و صحابته وورثه و التعبعين لهم الى يوم الدين .
سابعا :شراء الحلوى و توزيعها على الأقارب و المحتاجين فرحا بميلاد رسول الله r - و هذا فضلا عن تنشيط حركة التجارة و اثراء الحياة – فأن فيها مساعدة و جبرا لخاطر الفقير الذى يمر عليه العام هو و اولاده لا يستطيع أن يشترى كيلو من هذه الحلوى , و أيضا فيها صلة للأرحام , فتأتى هذه المناسبة و يتسابق المسلمون الأغنياء , و المحسنون , فى هذا الميدان تحدثا بنعمة الله عليهم , و مساعدة اخوانهم المحتاجين و التوسعة عليهم ,و هذا أيضا من حقيقة الاسلام و روحه .
بقى بعد ذلك ما يقوم به بعض الناس – و هم قلة ضئيلة جدا – من الطبول المزامير و آلات اللهو البريئة , تعبيرا عن مشاعرهم و فرحهم بهذه المناسبة فان ذلك و ان لم يكن محرما فانه مكروه شرعا ,و لا يليق بعظمة هذه الذكرى و جلال المولد الشريف .
و يا حبذا لو كنا نوجه النصح لهؤلاء برفق , الى ما هو أفضل و أكرم و يليق بالاحتفاء برسول الله r .
و هذه النقطة الأخيرة هى البدعة فى المولد , و لكنها ليست محرمة بل هى مكروهه لنها أشبهت الطبل و الدف و اللعب الذى يباح فى الأفراح و الأعياد .
و بقى شئ آخر أيضا , و هو الحلوى التى تحمل صور الحيوانات و الناس و الآلآت و القصور و نحو ذلك , فهذه أيضا بدعه .
فقد تكون محرمة اذا كانت الحلوى تأخذ شكل انسان كامل , أو حيوان , أو طير كامل أيضا , لأن هذه الصورة أشبهت خلق الله من الكائنات الحية ذات الروح .
أما اذا كانت هذه الصور ناقصة فهى مكروهه .
و اذا كانت الحلوى تحمل صورة آلة من الآلآت أ و بيت من البيوت , أو منظر من مناظر الطبيعة التى خلقها الله من غير روح كالأشحار و النباتات و غيرها , فلا بأس بذلك لأنها لتفريح الأطفال و ادخال السرور عليهم
وواجب العلماء أن يوجهوا المسلمين لهذه الأمور , و أن يلفتوا أنظارهم و يبينوا حكم الله عز و جل و أدب الاسلام الشريف , بلطف و رفق , و بالحكمة و المواعظة الحسنة , حتى يعرف المسلمون هذه الآداب فيتبعوا تعاليم الاسلام عن فهم و اقتناع و تسليم و اذعان لله و رسوله r .
هذا و لو نظرنا لما يعود على المسلمين بالاحتفال بهذه المناسبة الكريمة , لوجناه خيرا عظيما جدا , و برا و معروفا و احسان قد لا يتاح للمسلم أداؤه بدون هذه المناسبة , لأن للمناسبات أثر خاص فى نفوس الناس لا يستطيع أحد انكاره , و ان فطرة النسان اذا تعودت على شئ من الخير و المعروف فى أى مناسبة من المناسبات , فالواجب علينا تزكية هذا الخير , و تنمية هذا المعروف , و تأصيله و تعميقه فى النفس حتى تستزيد من فعل الطاعات و القربات و الصالحات .
و لو نظرنا الى هذه البدع التى مر ذكرها , لوجدناها أمر يسيرا بجوار هذا الخير العظيم , و علينا أن ننحى من طريق الخير و النفع العام كل عائق , و كل ما يحيط به من سلوكيات و أنماط غير ملئمة , حتى يتمحص الخير و نتخلص من كل شائبة و نقص .
و اننى على يقين من أننا و الحمد لله نسير الى الأحسن و الأقوم و الأرشد و الأفضل و الأكرم , وذلك بسبب صحوة الفكر الاسلامى المستنير فى كل مكان و تنبيه العلماء الى السبيل الأمثل و العمل اللائق بالاحتفال بالمولد النبوى الشريف الذى جعله الله فاتحة لكل خير على العالم أجمع و على المسلمين خاصة .
اللهم صلى و سلم و بارك على الفاتح لما أغلق , و الخاتم لما سبق و الناصر الحق بالحق , و الهادى الى الصراط المستقيم و على آله و صحابته وورثته و من تبعهم , صلاة تحل بها العثقد و تفرج بها الكرب و تزيل بها الضرر و تهون بها الأمور الصعاب , و صلاة ترضيك و ترضيه و ترضى بها عنا يارب العالمين .
وعلى هذا فلتعلم أخى السائل – أيدنى الله و اياك و المسلمين أجمعين بروح من عنده , و أمدنى الله و اياك و المسلمين أجمعين بمدد رسول الله r - أن الشئ الذى استحدث فى احتفال الناس بالمولد هو الزمور و الطبول و صنع الحلوى بالصور التى مرت بك وقد بينا حكم ذلك و الحمد لله .
و اعلم ذلك أن المسلمين الأوائل رضى الله تبارك و تعالى عنهم لم يكونوا فى حاجة الى من يذكرهم بمولد رسول الله r و لا بشئ من سيرته و حياته و لا بشئ من معجزاته و كراماته , لأن رسول الله كان صورة حية ماثلة امام أعينهم لا تغيب , و لكن لما ضعف المسلمين و انتشر بينهم الجهل بهذه المعانى اضطر العلماء رضى الله عنهم الى أن يجعلوا مناسبات يجمعون المسلمون بها وحولها على مائدة العلم و المعرفة و القرآن و الذكر و الفكر و الشكر و الصلاة علىالنبى r , و على تشويق الناس و تحبيبهم فى رسول الله r .
و من هنا , كانت اقامة السرادقات و الأنوار و الزينات و كل ما يجمع الناس على الخير فهو خير, و كل ما يهدى الناس الى البر فهو بر و المقاصد فى هذا المجال تبرر الوسائل .
قال r من حديث عمر بن الخطاب رضى الله عنه و ارضاه : ( انما الأعمال بالنيات و انما لكل امرئ ما نوى ) رواه الشيخان .
و قال عليه الصلاة و السلام : ( بنياتكم ترزقون ) .
و فى الحتفال بمولد رسول الله r مشهد خاص من مشاهد المقربين , فهو تجديد البيعة لرسول الله r .
و الحضور بالروح و القلب لشهود هذه المجالى العالية و التنزلات الرحمانية و الاغاثات القدسية التى أغاث الله بها العالم من الويلات التى أحاطت به من كل جهة , فلم تترك انسان فى ذلك العصر الا و أضرت به بالغا فى عقله و جسمه و خلقه و دينه و ماله و أهله .
فكان ميلاد رسول الله r هو غوث العوالم كلها .
فبالاستحضار الروحانى فى ليالى مولده r تنكشف للأرواح هذه الأسرار , و تلو تلك الأنوار , فقد قال الامام أبو العزائم رضى الله عنه مبينا هذه المشاهد :
كل روح ترى جمال حبيبى ليلة الوضع لا برؤيا المنام
مولد المصطفى حياة قلوب شوقها قد نما بداعى الغرام
يا حبيبى يا من دنا فتدلى و رأى الحق فى على المقام
أنت أنسى و أنت راحى و روحى فتفضل بالوص و الاكرام
وقد قال رضى الله عنه أيضا مخاطبا سيدنا رسول الله r :
أنت و الله رحمة الله حقا لجميع الأملاك و الانسان
و لأهل محبة رسول الله r مواجهات خاصة فى أيام مولده الشريف لا تفى بها العبارة و لا تبينها الاشارة , و انما يواجههم بها رسول الله rبمعانى كمالاته و جمالاته و علومه و أسراره و أحواله مواجة فيها نعيم الأنس و بهجة الوصل و سعادة القرب منه عليه الصلاة و السلام , حتى يعيشوا فى دائرة معيته , متحققين بقول الله عز وجل :
( محمد رسول الله و الذين معه ) (1)
و المعية ليست معية زمان أو مكان انما هى معية مطلقة بلا قيد زمان و لا مكان , و كذلك هى ايمان و احسان و يقين و شهود , و معية حب و أعمال و أحوال و مجاهدات , و معية قلبية و روحية تجعل المتحقق بها يحب رسول الله r حبا أكثر من حبه لنفسه و ماله و أهله و الناس أجمعين .
بل تصل هذه المحبة الى مقام ينفى فيه المحب عن نفسه , فلا يري و لا يشهد الا محبوبه و قد ظهرت أنواره ز أثاره و أخلاقه عليه , فيكون بدلا من أبداله r يجدد الله به معالم الدين و آثار السنة المطهرة و أحوال السلف الصالح رضى الله عنهم .
و لو كانت المعية بالزمان و المكان لكان الكفار المنافقون و اليهود و النصارى الذين كانوا فى عهد رسول الله r فى مكة و المدينة و غيرها من أهل معيته r – و حاشاه ذلك – ولكن المعية معية معانى و حقائق و ليست معية أجسام و أمكنة و أزمان .
و اعلم يا أخى – أسعدنى الله واياك بهذه المعيه العالية – أن لكل قوم مشارب و مشاهد يذوقونها فى احتفائهم بسيدنا رسول الله r يريحون بها أرواحهم , و يزكون بها نفوسهم , و يرقون به أحساسيسهم , و قد قال سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه مخاطبا رسول الله r و مبينا قدر محبته له عليه الصلاة و السلام :
أحبك حبا لو يفاض يسيره على الناس مات الناس من شدة الحب
و ما أنا موف بالذى أنت أهله لأنك فى أعلى المراتب من قلبىا
و قال الامام أبو العزائم رضي الله عنه مبينا حبه لرسول الله r :
أحبك حبا جنن الروح و النهى تقبل حبيبى مدحة من فانى
و فى ليلة الذكرى سل الله سيدى نوال العطايا منه بالاحسان
و قال الامام أبو العزائم فى مقام آخر :
أنا يا حبيبى فى هواك متيم و شهود و جهك بغيتى و نوالى
و قال رضى الله عنه :
أحبك رسول الله بالروح و القلب و حبى له نيل السعادة و القرب
أحبك يا خير النبيين أرتجى جوارك فى الدنيا و يوم لقا ربى
أنلنى يا رسول الله بالحب قربة أنال بها وصل الحبيب مع الصحب
و هكذا نرى العارفين بالله رضي الله عنهم و الوارثين لرسوله r , كيف يفرحون بسول الله و يبينون للناس بعض معانيه و آدابه ر على قدر عقولهم و يكتشفون الأستار عن بعض جمالات و كمالات للناس ليقبلوا على محبته r بعد معرفة مكانته r .
و الله نسأل أن يلهمنا الحق و الصواب فى احتفالنا برسول الله و ميلاده , و تقديرنا له r على حسب استطاعتنا و امكاننا , انه سبحانه و تعالى نعم المولى و نعم النصير , و لا حول و لا قوة الا بالله العلى العظيم , و سلام على المرسلين و الحمد لله رب العالمين .
و يلاحظ أن تقديرنا لرسول الله , و احتفائنا به , على قدرنا نحن لا على قدرة r , فان العالم كله لا يقدر أن يوفى رسول الله حقه , و حيث أنه رحمة الله بجميع العوالم .
و قد أحس بفضل هذه الرحمة كل موجود فى السماوات و الأرض و ما بينهما , و ما ورائهما من عوالم الله و مخلوقاته , التى لا يعلمها الا الله و رسوله .
و كيف يكون رسول الله رحمة الله بها و لا يعلمها ؟
فتأمل يا ذا العقل الرشيد , و الفكر السديد , و القلب السليم , معى فى قول الله عز وجل :
" و ما أرسلناك الا رحمة للعالمين "
و العالمين هم ما سوى الله عز و جل , من عوالم الغيب و الشهادة , و عوالم المادة و الروح , و ما وراء ذلك من غرائب و عجائب خلق الله .
و لا يستطيع أحد أن يتصور مدى هذه الرحمة , أو أن يحيط بشئ منها , الا بمدد من الله , و معونة منه , و نظرات من رسول الله , و عواطف منه , فمددا يا سيدى يا رحمة الله بعد مدد , فقد صار العبد المسكين مضطرا لعطفك و مددك و رحمتك , و كذلك كل المسلمين يا سيدى يا رسول الله , فى أمس الحاجة اليك , فتداركهم برحمتك و عطفك .. آمين .
و الله يهدينا الى سواء السبيل , و الصلاة و السلام على غوث العالمين و شفيع المذنبين , و رحمة الخلق أجمعين.
آ راء الأمة الأعلام
فى قال الشيخ ابن تيمية في " اقتضاء الصراط " في بحث المولد : (297- 298)
[فتعظيم المولد واتخاذه موسما قد يفعله بعض الناس ويكون له فيه أجر عظيم لحسن قصده وتعيظمه لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
قراءة المولد الريف
قال الامام الجنيد رضى الله عنه :
" من حضر قراءة مولد النبى r و عظم قدره فقد فاز بالأمان ط
قال الامام معروف الكرخى رضى الله عنه :
" من هيأ لأجل قراءة مولد النبى r طعاما , و جمع اخوان , و أوقد سراجا , و لبس جديدا , و تبخر وتعطر تعظيما لمولده r , حشره الله يوم القيامة مع الفرقة الأولى من النبيين , و كان فى أعلى عليين ".
قال الامام فخر الدين الرازى رضى الله عنه :
" ما من شحص قرأ مولد الرسول r على ملح أو بر , أو شئ من المأكولات الا ظهرت فيه البركة , و فى كل شئ وصل اليه ذلك الملح أو البر أو غيره , و من وصل الى جوفه شئ من ذلك فانه يضطرب أى يتحرك و لا يستقر فى جوفه حتى يغفر الله لآكله , و ان قرئ مولد النبى r على ماء طاهر , فكل من شرب من ذلك الماء دخل قلبه ألف نور و رحمه , و خرج منه ألف ظلمة و علة , و لا يموت قائله يوم تموت القلوب ".
قال الامام الشافعى رضى الله تعالى عنه :
" من جمع لمولد النبى r اخوانا , و هيأ لهم طعاما , و أخلى مكانا , وعمل احسانا , و صار سببا لقراءته , بعثه الله يوم القيامة مع الصديقين و الشهداء و الصالحين , و يكون فى جنة النعيم ".
قال الامام السرى السقطى رضى الله عنه :
" من قصد موضعا يقرأ فيه مولد النبى r فقد قصد روضة من رياض الجنة لأنه ما قصد ذلك الموضع الا لمحبته فى رسول الله r , و قال r : " أن من أحبنى كان معى فى الجنة " .
قال الامام جلال الدين السيوطى رضى الله عنه :
" ما من بيت أو محل أو مسجد قرئ فيه مولد النبى r , الا حفت الملائكة أهل ذلك البيت , أو المحل , أو المسجد , و صلت على أهل ذلك المكان و عمهم الله بالرحمة و الرضوان "
قال العلامة فتح الله البنانى :
" ما من مسلم قرئ فى بيته مولد النبى r , الا رفع الله عنه القحط و البلاء و الحزن و و الآفات , و العاهات , و البليات , و النكبات , و البغضاء , و الحسد , و اللصوص , فاذا مات هون الله عليه جواب منكر و نكير , وكان فى مقعد صدق عند مليك مقتدر "
بعض أقوال العلماء الذين أجازوا المولد:
-ابن حجر العسقلاني: قال الحافظ السيوطي ما نصه: "وقد سئل شيخ الإسلام حافظ العصر أبو الفضل ابن حجر عن عمل المولد فأجاب بما نصه: أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن السلف الصالح من القرون الثلاثة، ولكنها مع ذلك اشتملت على محاسن وضدها، فمن تحرى في عملها المحاسن وتجنب ضدها كانت بدعة حسنة، وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت، وهو ما ثبت في الصحيحين من أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم، فقالوا: هو يوم أغرق الله فيه فرعون ونجى موسى فنحن نصومه شكراً لله، فيستفاد منه الشكر لله على ما منَّ به في يوم معين من إسداء نعمة أو دفع نقمة.. إلى أن قال: وأيّ نعمة أعظم من بروز هذا النبي صلى الله عليه وسلم.. نبي الرحمة في ذلك اليوم، فهذا ما يتعلق بأصل عمله، وأما ما يُعمل فيه: فينبغي أن يُقتصر فيه على ما يُفهم الشكر لله تعالى من نحو ما تقدم من التلاوة والإطعام والصدقة وإنشاد شيء من المدائح النبوية والزهدية المحركة للقلوب إلى فعل الخير والعمل للآخرة" انتهى كلامه رحمه الله.
2-السيوطي: وكلامه معروف ومذكور.
4-ابن الجزري: وسمى كتابه: ( عرف التعريف بالمولد الشريف).
5-ابن الجوزي: حيث قال في المولد الشريف: إنه أمان في ذلك العام، وبشرى عاجلة بنيل البغية والمرام..
6-الإمام السخاوي: لم يفعله أحد من السلف في القرون الثلاثة وإنما حدث بعد، ثم لا زال أهل الإسلام من سائر الأقطار والمدن الكبار يعملون المولد ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات، ويعتنون بقراءة مولده الكريم ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم) هذا قول المحدث الحافظ الذي يعده كثير من العلماء مجدد القرن العاشر.
7-الحافظ أبوشامة: قال في كتابه (الباعث على إنكار البدع والحوادث ـ ص23) ما نصه :
( ومن أحسن ما )ابتدع في زماننا ما يفعل كل عام في اليوم الموافق لمولده صلى الله عليه وآله وسلم من الصدقات ، والمعروف ، وإظهار الزينة ( والسرور، فإن ذلك مشعر بمحبته صلى الله عليه وآله وسلم وتعظيمه في قلب فاعل ذلك ، وشكرا لله تعالى على ما من به من إيجاد رسوله الذي أرسله رحمة للعالمين ) .اهـ
8-ابن القيم: ويقول في كتابه مدارج السالكين: (( والاستماع صوت حسن في احتفالات المولد النبوي أو أية مناسبة دينية أخرى في تاريخنا لهو مما يدخل الطمأنينة إلى القلوب ويعطي للسامع نورا من النبي صلى الله عليه وسلم إلى قلبه ويسقيه مزيدا من العين المحمدية)
9-الإمام الحافظ شمس الدين بن ناصر الدمشقي:
وهو صاحب كتاب: (مورد الصادي في مولد الهادي) صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وهو القائل في أبي لهب:
إذا كان هذا كافر جاء ذمه وتبَّت يداه في الجحيم مُخَّدا
أتى أنه يوم الإثنين دائـماً يخفف عنه للسرور بأحمـدا
فما الظن بالعبدالذي طول عمـ ره بأحمد مسرورا ومات موحدا
10-11-ابن كثير وابن دحية
وابن كثير قال: أول من أحدث المولد ملك إربل الملك المظفر كان يعمل المولد الشريف في ربيع الأول ويحتفل به احتفالا هائلا وكان شهما شجاعا بطلا عاقلا عالما عادلا رحمه الله واكرم مثواه، وقد مر به الحافظ الشيخ أبو الخطاب ابن دحية في أثناء رحلته أعجبه هذا الاحتفال ـ. قال ابن كثير: وقد صنف له الشيخ أبو الحطاب ابن دحية مجلدا في المولد النبوي الشريف سماه ( التنوير في مولد البشير النذير) فأجازه على ذلك بألف دينار وقد طالت مدته في الملك إلى أن مات وهو محاصر للفرنج بمدينة عكا سنة ثلاثين وستمائة،محمود السيرة والسريرة البداية و النهاية (3/13).
12-السبكي قال: عندما نحتفل بذكرى المولد النبوي الشريف يدخل الأنس قلوبنا ونشعر بشيء غير مألوف.
13-الإمام الشوكاني: قال في كتابه البدر الطالع: ((إن الأحتفال بالمولد النبوي جائز)).
14-الحافظ العراقي: وقد سمى كتابه في المولد النبوي (المورد الهني في المواد السني).
والله من وراء القصد وهو يهدى السبيل. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق