مدونة مراقى الصالحين: كتاب زاد الحج والمعتمر لفضيلة الشيخ فوزى محمد ابوزيد

الثلاثاء، 1 نوفمبر 2011

كتاب زاد الحج والمعتمر لفضيلة الشيخ فوزى محمد ابوزيد

التَّجَهُّز للحجِّ
إذا نوى المرء الحج فعليه أن ينظر إلى الإستطاعة في نفسه وهي:
1. الإستطاعة المالية: بأن يملك مالاً حلالاَ زائداً عن نفقاته الضرورية، ويكفيه لأداء المناسك من تكاليف السفر والإقامة والمؤنة وغيرها، وينوب عن ذلك إذا كان معه صنعة يحتاج إليها الحجيج وتكفيه مؤنة ذلك، كالحلاقة والجزارة والطبيب البيطرى والسائق والحمَّال وغيرها مما هو معلوم.
2. الإستطاعة الصحية: أي القدرة على أداء المناسك، وينوب عن ذلك القدرة على اصطحاب رفيق على نفقته بالنسبة للأعمى والمريض الذي لا يستطيع أن يمشي بمفرده، وأيضاً القدرة المالية لتأجير الحمّالين فى الطواف والسعى لمن لا يستطيع ذلك.
3. أمن الطريق: أى لا يكون هناك حالة أمنية فى الطريق الموصل إلى هذه الأماكن، أو قطاع طريق أو أي مانع يشبه ذلك.
4. أخريات :بالإضافة إلى هذا يجب أن يكون من نوى الحج بالغاً عاقلاً، فإذا حج الصبى
فلذلك أجره إلا أن هذا لايسقط عنه حج الفريضة إذا بلغ والرجل يستأذن والداه إن كانا أحياءأً وإن كان ليس لهما أن يمنعاه من حجة الإسلام ولكن استحسنت الشريعة ذلك جبراً لخاطرهما والمرأة تستأذن زوجها وليس له أن يمنعها من حجة الفريضة، وإن كان له منعها من النافلة.
ملاحظة هامة عن المحرم: يجب أن يكون مع المرأة محرم فى الحج لقول النبى{لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ باللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ أن تُسَافِرَ مَسِيرَةَ ثلاث لَيَالٍ إلا وَمَعَها ذو مَحْرَمٍ } [1]
وقد أجمع العلماء أن الرفقة الصالحة من النساء تكفى لأداء فريضة الحج بالنسبة للمرأة وتغنيها عن اصطحاب المحرم فى حالة عدم القدرة على اصطحابه.فإذا انطبقت هذه المواصفات على فرد، وجب عليه الحج فوراً، ويحرم عليه التأخير على رأي معظم المذاهب، ويجب عليه الحج على التراخى ولايأثم على مذهب الإمام الشافعى لقول الله{وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ}أي بترك الحج مع الإستطاعة {فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ } [97آل عمران].
وقول النبى{ مَنْ لَمْ يَحْبِسْهُ مَرَضٌ أَوْ حاجةٌ ظاهرةٌ أوسلطانٌ جائزٌ ولم يَحْجَّ، فَلْيَمُتْ إنْ شَاءَ يهوديًّا أو نصرانيًّا } [2]وقول عمر{ لقد هممت أن آمر بضرب الجزية على من لم يحج ممن يستطيع إليه سبيلا }- الإحياء.
الحج عن الغير: يجوز أن يحج الإنسان عن غيره سواء كان ميتاً أو عاجزاً أو مريضاً بمرض لا يرجى شفائه- غير أنه إذا شفى المريض لا بد له من أداء الفريضة عن نفسه.
ويجوز أن تحج المرأة عن الرجل والرجل عن المرأة، لقول النبى للمراة التى أتت إليه فقالتْ:
{ إنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ فماتَتْ قَبْلَ أن تَحُجَّ، أَفَأَحُجُّ عنها؟، قالَ:نَعَمْ فحُجَّي عَنْهَا، أَرَأَيْتِ لوكانَ عَلَى أُمُّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ قالتْ: نَعَمْ، قالَ: قْضُوا الله فَإنَّ الله أحقُّ بالوفاءِ } [3]
وأيضا قوله للمْرَأَةٌ التى أتت تَسْتَفْتِيهِ فَقَالَتْ: { يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ فِي الْحَجِّ عَلَى عِبَادِهِ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخا كَبِيرا لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُت َعَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ ؟ قَالَ: نَعَمْ وَذٰلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ } [4].
لكن يشترط لمن يحج عن غيره:
- أن يكون حج عن نفسه أولاً لقول النبى للرجل الذي كان يقول: لبيك عن شبرمة فقال {أفحججت عن نفسك قال:لا قال : حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ حُجَّ عَنْ شَبْرَمَةَ } [5]
- وأيضاً يكون المال الذي ينفقفي الحج من مال المحجوج عنه إن كان حياً أو أوصى به قبل موته إن كان ميتاً أو تبرع به أحد أولاده أو أقاربه ويكون المال من مال حلال.


[1] عنِ ابنِ عُمَرَ صحيح ابن حبان.[2] عن أبي أُمَامَة رضي الله عنه سنن البيهقى الكبرى

[3] عن ابنِ عباسٍ سنن البيهقى الكبرى ورواه البخاري في الصحيح عن مُسَدَّدٍ.

[4] رواه مسلم فى صحيحه عن عبدالله بن عباس

[5] رواه أبو داود عن ابنِ عبَّاسٍ رضيَ اللَّهُ عنهُمَا.(جامع الأحاديث والمراسيل)
يتبع إن شـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــاء الله
د: زاد الحاج والمعتمر

أخطاء شائعة في الإستطاعة
1. بعض الناس يستدين ليحج وهذا ليس من الشرع فقد سُئِل النبى{عنَ الرَّجُلِ لَمْ يَحُجّْ أيَسْتَقْرِضُ لِلْحَجِّ؟ قال : لاَ }[1].
2. بعض الناس ممن تلطخوا بالمال الحرام ينوى الحج منه معتقداً رفع الوزر وهذا وهمٌ لقول رسول الله{إِذَا حَجَّ الرَّجُلُ بِمَالٍ مِنْ غَيْرِ حِلهِ فَقَالَ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ قَالَ اللَّهُ : لاَ لَبَّيْكَ وَلاَ سَعْدَيْكَ هٰذَا مَرْدُودٌ عَلَيْكَ}[2]
3. يتشدَّد بعض العلماء فيبطل حج من يعمل بالأماكن المباركة أو ما جاورها أو أصحاب المهن أثناء المناسك بحجة أنه لم يقصد البيت لذاته وهذا ليس بشيء لأنه يقصد بتوجهه إلى البيت ولو كان في مكة أداء هذه الفريضة تنفيذا لأمر الله ورسوله وإن كان لا يستوى فى الأجر مع من جاء من بعيد لأن الأجر على قدر المشقة ولكن عمله صحيح يثاب عليه ما دام أخلص فيه النية لله .
4. يفتى البعض بأن مال الحج إذا أخذه عن طريق الهبة كأن يعطيه إنسان نفقات الحج أو يقوم بتجهيزه بأن هذا العمل باطل وهذا غير صحيح لأن رسول الله وسع الأمر وأباح الحج عن الغير، وفيه يتحمل الحاج عنه تكاليف الحج وبل مشقة أداء المناسك نفسها وتكتب الحجة كلها لمن وهبها له فضلاً من الله ومنة فالمال الموهوب هو من أحلّ الحلال فى نظر الشريعة الإسلامية فلا شيىء فى ذلك.
5. بعض الناس يتردد عن الحج ويلتمس لنفسه العذر لأنه يحسب نفقات المشتريات والهدايا التى تعوّد عليها الناس وهذا رأى خاطئ لأن الحاج غير مكلف بإحضار هدايا للأهل وللرفاق وخير هدية يهديها لهم أن يدعو ويستغفر لهم وهذا فعل السلف الصالح وفيه يقول النبى: { اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْحاجّ وَلِمَنِ اسْتَغْفَرَ لَهُ الحاجُّ } [3] ويقول:{ تَلَقُّوا الْحُجَّاجَ وَالْعُمَّارَ وَالْغُزَاةَ فَلْيَدْعُوا لَكُمْ قَبْلَ أَنْ يَتَدَنَّسُوا }[4]
6. والبعض يعتذر عن الحج مع وجود الاستطاعة؛ بحجة أنه يريدالمال لتزويج أولاده، فإن كان أبنائه فى سن الزواج وأقدموا عليه ويحتاجون هذا المال فالأولى له أن يؤخر الحج ويزوجهم أما إن كانوا صغار السن فعليه التعجيل بالحج ويأثم إذا أخّره عن ذلك الوقت.
7. يخطئ الكثيرون ظناً أن نفقات الحج غرامة يتحملونها مع أنه فى الحقيقة كل درهم ينفقونه يعوضه الله لهم بنسبة كبيرة جداً جداً يقول فيها النبى:{ النفقة فى الحج كالنفقة فى سبيل الله، الدرهم بسبعمائة ألف درهم }[5] ووعد الله بإخلاف كل مال ينفقه المؤمن فى هذا الطريق فى قوله تعالى:{وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ }




[1]رواه البيهقى ومسند الشافعى،عن عبد الله بن أبى أوفى

[2] الديلمى فى مسند الفرودس وابن عدى فى الكامل عن ابن عمر .

[3] عن أبي هريرة سنن البيهقى الكبرى.

[4] عن عمر رواه ابن أبى شيبة، جامع المسانيد والمراسيل.

[5] رواه ابن أبى شيبة والإمام أحمد فى مسنديهما عن بريدة.

د: زاد الحاج والمعتمر

الإعداد لرحلة الحج
وينقسم إلى عدة نواحى:
1. تجهيز المستندات اللازمة: وتقوم بذلك وزارة الداخلية أو الجمعيات الدينية أو المكاتب السياحية ويقوم الحاج بعمل إجراءات الإجازة وتصريح السفر ومايلزم مما يناسب وظيفته.
2. الإعداد البدني: ويكون بإجراء بعض الفحوصات الطبية للتمكن من أداء المناسك وخاصة كشف القلب والصدر وقياس الضغط والسكر وعمل بعض التحليلات اللازمة واصطحاب إرشادات الأطباء والأدوية التى تعين فى رحلته ولا يفوته التحصين فى مكاتب الصحة من الأمراض الوبائية لإزدحام هذه الأماكن وخشية العدوى أو التلوث.
3-الإعداد الفكرى: ويكون بدراسة مناسك الحج وأحكامه ويستحسن أن يكون ذلك على يد العلماء العاملين خاصة الذين سبق لهم أداء الفريضة ولا عذر لمسلم يذهب لأداء المناسك وهو جاهل بكيفيتها لقول الله{ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } وجعل النبى هذا العلم فريضة فى قوله {طَلَبُ العِلْمِ فَريضةٌ على كلِّ مسلمٍ } [1].
ويستحب أن يصحب الحاج فى سفره كتاباً فى المناسك يرجع إليه فى وقت فراغه وقبل أداء كل منسك لتصحيح عمله قبل الشروع فيه.
4. الإعداد النفسي: حيث يترك لأهله المكلف بالإنفاق عليهم ما يحتاجون إليه من حين سفره إلى عودته حتى لا ينشغل بهم عن إقباله وطاعته لله وأيضاً عليه أن يطوف على أقاربه وذوى رحمه قبل سفره مودعاً لهم ومستحثاً لدعائهم ومستجلباً لعطفهم ونازعاً للإحن والأحقاد إن كانت فى صدورهم وعليه بعد ذلك أن يصلح ما بينه وبين جميع الخلق حتى لا يصير فى صدره شيءٌ لأحد ولو كانت عليه مظالم يستطيع ردها قام بردها ولايخاف لومة لائم.أما المظالم التى إن ردها تؤلب النزاع وتثير المشاكل مع أهلها فعليه أن يتوب إلى الله منها ويستغفر لأهلها ويدعو الله أن يتحملها عنه فقد قال النبى{ إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ غَفَرَ لاًّهْلِ عَرَفَاتَ وَأَهْلِ الْمَشْعَرِ وَضَمِنَ عَنْهُمُ التَّبِعَاتِ}[2]أي المظالم التى عجزوا عن ردها مع بذلهم كل ما فى الوسع فى سبيل ذلك وهذا يجعل باله مستريحاً وصدره منشرحاً مما يجلب له السعادة الروحية والسكينة القلبيه فى كل أحواله.
5. الإعداد الحسِّي: ويشمل الطلبات والأشياء التى يحتاجها الحاج فى سفره وهى حقيبة يد صغيرة يحمل فيها أوراقه و حقيبة الأمتعة و صيدلية الحاج: مثل أقراص أو حبوب: للصداعل لإسهال للإمساك للكحة مغص للسيدات للدوار (الدوخة) مضاد حيوي علاج إنفلونزا قطرة للعين بالطبع مع العلاج المعتاد للحاج لأى مرض معين يشكو منه باستمرار وتذكرةا لدواء الخاصة بهذا العلاج وكشف مقاس النظارة.
تنبيـــــــهات
1. ينتشر بين كثير من العوام عبارة "لا تسأل عن شيء -ويقصدون من المناسك - واعمل كما يعمل الناس هناك" وهذا يجعل الحاج لا يهتم بالتعرف على مناسك الحج فيذهب هناك ويفاجأ بأن كثيراً من الناس مثله فيقع فى حيرة ويتخبط وقد يبطل عمله لأن الشريعة لا تعذره فى إصراره على جهله فأول شيء يطالب به المسلم العلم ثم العمل.
2- يشغل بعض الناس أنفسهم بعمل كشوف بالمشتريات فإذا ذهبوا إلى هذه الأماكن شغلوا أوقاتهم بالبحث عن المشتريات مع توفرها هنا وتركوا ماجاءوا لأجله ولا يجدونه إلا هناك من عمل البر والخير الذى جعله الله أضعافاً كثيرة كما قال النبى{ صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي هٰذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيما سِواهُ إِلا المَسْجِدَ الحَرَامَ، وَصَلاةٌ فِي المَسْجِدِ الحرامِ أَفْضَلُ مِنْ مَائَةِ أَلْفِ صَلاةٍ فِيما سِواهُ } [3]
حتى قال بعض العارفين أنَّ صلاة الجماعة الواحدة فى البيت الحرام أكثر من عمر نوح فى طاعة الله قيل: كيف؟ قال: الصلاة الواحدة بمائة ألف صلاة وفى الجماعة تكون بسبع وعشرين ضعفا وهى أصلاً تكتب بعشر فاضرب كل هذا فى بعضه تجد الناتج عجيباً وليست الصلاة فقط ولكن أعمال البر تتضاعف إلى مئات الآلاف التسبيحة بمائة ألف والصدقة مثلها وهكذا إكراماً من الرحمن لضيوفه فالمؤمن الموفق من لا يشغله شيء عن طاعة الله والإقبال عليه فى سوق الفضل الإلهى الذي أقامه الله لإكرام العباد فى مقام الكريم أبو الكرام سيدنا إبراهيم الخليل الذي جعل ماله للضيفان وقلبه للرحمن وولده للقربان وبدنه للنيران فكوفئ بمقام الخلة من الرحمن { وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً }
3. من آداب سفر الحج أيضا توسعة الحاج فى الزاد والنفقة على نفسه وعلى من معه من الأهل أو الإخوان والرفاق.

[1] عن عبدِ الله بن مسعودٍ رواه الطبراني في الكبير والأوسط

[2] عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ الترغيب والترهيب

[3] عن جابر بن عبد الله مسند الإمام أحمد
رد: زاد الحاج والمعتمر

الإحْرَام

الإستعداد للسفر

وعندما يتحدد موعد السفر، يتأهب الحاج فيتم التجهيزات اللازمة له قبل سفره وأهمها:

1. عمل وصية لأهله وأولاده والإشهاد عليها، وأقلها أن يثبت ماله وما عليه.

2. تقليم أظافر اليدين والرجلين.

3. حلق الشعر الزائد الذي على الجسد وخاصة شعر العانة وتحت الإبط.

4. يأتى أهله حتى لا يشتهى هذا الأمر بعد مغادرته لهم وسفره للحج.

الإحرام: مواقيت الإحرام

والقاعدة الشرعية أن أى ميقات يمر به الحاج بالبر، أويحاذيه بالبحر أو الجو، لا يجوز له أن يمر به إلا محرماً، فإن مرّ بهمن غير إحرام يجب عليه أن يرجع إليه ليحرم أو يذبح فدية أو يطعم ستة مساكين أويصوم ثلاثة أيام.

وعليه فيجوز للحاج أن يحرم من بيته، أو من المطار إن كان مسافراً بالطائرة ويحرم بحذاء رابغ وهى ميقات أهل مصر[1] إن كان مسافراً بالباخرة، ويحرم من آبار على بالقرب من المدينة المنورة إن كان مسافراً بالطريق البرى.

الْغُسْل

ويبدأ عمل المحرم بالغسل أو الوضوء لمن لا يستطيع وكيفيته كالآتى:

يتوضأ وضوءه للصلاة ما عدا غسل القدمين، وينوى بقلبه غسل الإحرام، ثم يفيض الماء على رأسه أولاً، فجانبه الأيمن، ثم الأيسر مع التدليك بغير صابون، فإذا غسل بصابون لا يحسب هذه المرة من الغسل، والتثليث (أى غسل كل عضو ثلاث مرات) مستحب، ويدعو بهذا الدعاء عند الإغتسال:

دعاء الإغتسال

{ بسم الله اللهم اجعله لى نوراً وطهوراً وحرزاً وأمناً من كل خوف، وشفاءًمن كل داء وسقم، اللهمَّ طهِّرنى وطهِّر قلبى واشرح لى صدري وأجرى على لسانى محبتك ومدحك والثناء عليك، فإنه لا قوة لى إلا بك، وقد علمت أن قوام دينى التسليم لك والإتباع لسنة نبيك وعلى آله وصحبه وسلم }

لبس الإحرام

وبعد الإغتسال يلبس الحاج ملابس الإحرام، وهى للرجل البشكيرين أحدهما يلفه على نصفه الأسفل ويسمى الإزار ويمسكه من الوقوع الكَمر الجلد الذي يلفه على وسطه، والثانى الرداء الذي يضعه على كتفيه.

وليس عليه شيء أن يضع عطراً قبل اللبس أما المرأة فتلبس ملابسها المعتادة مع كشف الوجه والكفّين وتجوز الثياب البيضاء وغيرها ويدعو الحاج عند لبس الإحرام بهذا الدعاء.

دعاء لبس الإحرام

{ الحمد لله الذى رزقنى ما أوارى به عورتى،وأؤدى فيه فرضي، وأعبد فيه ربى، وأنتهى فيه إلى ما أمرنى. الحمد لله الذي قصدته فبلغنى، وأردته فأعاننى وقبلنى ولم يقطع بى، ووجهه أردت فسلمنى، فهو حصنى، وكهفى،وحرزى، وظهرى، وملاذى، ورجائي، ومنجايا، وذخرى، وعونى، فى شدتى ورخائى.}

ثم يخرج من مغتسله وقد لبس ملابس الإحرام، وعليه بعد ذلك ما يلى:

- يصلى ركعتا الإحرام إن لم يكن فى وقت الفريضة، فإن كان فى وقت فريضة كالظهر أو العصر، أغنت عن ركعتى السنة، ويستحب أن يقرأ فيهما بعد الفاتحة } قل يا أيها الكافرون. {فى الركعةالأولى، و } قل هو الله أحد {فى الركعة الثانية إن كان حافظاً لهما، وإلا فليصلي بما شاء.

- ينوى الحج فقط، أو الحج والعمرة، أو العمرة فقط، وهى ما نفضله للقادمين من خارج مكة لما فيها من يسر على الحاج، ولما فيهامن بذل للفقراء لأنه يثبت عليه بها الْهَدْىُ، وتمكينه من التمتع فى البيت الحرام ويدعو بدعاء الإحرام قائلا:

دعاء الإحرام

اللهم إنى نويت الحج - أو الحج والعمرة - أوالعمرة - وأحرمت بها لله تعالى فيسّرها لي، وتقبَّلها مني، وأعني على أداء الفريضة.

اللهم إني أسألك أن تجعلنى ممن استجاب لك وآمن بوعدك واتبع أمرك.

اللهم إني خرجت من شُقّة بعيدة وأنفقت مالى ابتغاء مرضاتك، فإن عرض لى عارض يحبسنى فخلّنى حيث حبستنى لقدرتك التى قدرت على واجعلنى من وفدك الذين رضيت وارتضيت وسميت وكتبت.

اللهم أحرم لك لحمى، وشعرى، ودمى، وعظامى، ومخى، وأعصابى أبتغى بذلك وجهك والدار الآخرة.

لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك،لا شريك لك. لبيك اللهم ربي وسعديك، لبيك لبيك، لك الحمد لا شريك لك، والنعمة والشكر والثناء الحسن الجميل لك، لا شريك لك.

لبيك لبيك، عبدك المضطر العائذ بجنابك العلى من شر نفسى وشر شيطانى، العائذ بجمالك من جلالك، وبرضاك من سخطك، وبمعافتك من عقوبتك، وبك منك، لا شريك لك.

بعد ذلك يتحرك الحاج فى إتجاه الأماكن المقدسة، ويدعو بدعاء السفر بعد ركوبه وهو:

دعاء السفر

{ بسم الله (ثلاثاً)، سبحان الذي سخَّر لنا هذا وما كنا له مقرنين (ثلاثاً)، اللهم أنت الصاحب فى السفر والخليفة فى الأهل والمال والولد، اللهم إنى أعوذ بك من وعثاء السفر وسوء المنقلب ومن كآبة المنظر وأعوذ بك من الجزع فى غير ما جزع وأعوذ بك من الفتن ماظهر منها وما بطن، اللهم إنى أسألك فى سفرى هذا البر والتقوى والعمل بما ترضى.

اللهم إنى ما خرجت بطراً ولا رياءً ولا كبراً ولا سمعة ولا شهرة ولكن خرجت ابتغاء مرضاتك وإتقاء سخطك جل جلالك.

فنسألك اللهم من الخير أكثر مما نرجو ونعوذ بك من الشر أكثر مما نخاف ونحذر.

اللهم اطوِلنا البعد وهَوّن علينا السفر، وأشهدنا الخير فيمن نقبل عليه، ويسرنا للخير، ويسر الخير لنا حيثما حللنا وأينما نزلنا، ووجِّه لنا الخير حيثما وجهنا وجوهنا }

التَّلبيــة

ويظل بعد ذلك يلبِّى بصوت يسُمِعُ نفسه، للرجل وبصوت خافت للمرأة.

وتتأكد التلبية عن كل ركوب أو نزول، وصعود أو هبوط، وعند تغير الأحوال، ولايقطع التلبية إلا عند دخوله البيت الحرام ... لأنها سنة مؤكدة.

آداب الْمُحْرم

تـجَنُّب الأمور التى أشار إليها الله :
{فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ}

والرفث: اسم جامع لكل لغو وخَنى وفجور الكلام، كالحديث بشأن النساء أو الجماع أومعهن بصورة لا تليق بالآداب الشرعية.

والفسوق: الخروج من كل طاعة، والوقوع فى أى معصية، كالكذب والغيبة والنميمة وقول الزور والشتم والقذف وغيرها.

والجدال: هو الخصومة والمشادة فى الكلام والحديث ولو مع الرفاق فضلاً عن غيرهم، فلا يجوز الجدال حتى فى البيع والشراء، وكذا الجدال فى أى أمر من الأمور لا يليق بمن قصد الله إبتغاء رضوانه.

محظورات الإحرام ومباحاته

بالإضافة إلى ما سبق، هناك اشياء يمتنع على المحرم القيام بها وهى:

1. عدم ملامسة النساء لمن كان معه زوجته ولو بالتقبيل أو الضم أو غيره.

2. لا يجوز له أن يستخدم الطيب ولو فى الصابون، فيستخدم صابوناً ليس به رائحة.

3. يحرم عليه تقليم الأظافر أو قص الشعر

4. لا يضع شيئاً فوق رأسه مباشرة إلا المظلة أوالشمسية، فمسموح بها لضرورتها.

5. يحرم عليه صيد البَرّ، ويحل صيد البحر

6. لا تغطى المرأة وجهها ولا كفيها.

7. لا يجوز للرجل لبس شيء مخيط من الثياب أو الأحذية إلا الحزام الجلد فقد أبيح لضرورته، فإذا إرتكب الحاج شيئاً من هذه المحرمات فعليه بذبح شاة، أو إطعام ستة مساكين، أو صيام ثلاثة أيام.

8. ويجوز له أن يغتسل، وأن يغسل رأسه بغير إسقاط شعر منها، ويجوز له قتل الفواسق الخمسة ولو فى الحرم وهى العقرب، الحية، الحدأة، الغراب، والفأر، وكذا الكلب العقور.

9. ويجب عليه أن يشغل وقته بعد التلبية بالذكر والإستغفار وتلاوة القرآن والدعاء وتعلم مناسك الحج.

10. ويلاحظ الحاج فى كل ذلك أنه بتجرده من ثيابه يعيش كاللحظة التى يتجرد فيها من دنياه، وبلبسه لملابس الإحرام، يستحضر لفه بالأكفان، وبخروجه من بلده بذهابه إلى قبره وذلك لتقوى أحواله الروحانية، وتخمد شهواته النفسانية، وتسكن نوازعه الحيوانية فيكون مقبلاً بالكلية على ربه

أخطاء شائعة فى الإحرام

1. كثير من الناس يكشف كتفه الأيمن عند لبسه الإحرام وهذا يعرف بالاضطباع، وهو سنة بعد دخول البيت وعند بدء الطواف، فيعرِّى الحاج كتفه الأيمن ويغطيه بعد إنتهاء الطواف مباشرة أما فى غير ذلك فلم يرد.

2. بعض الذاهبين للعمل أيام الحج فى خدمة الحجيج يدخل الأماكن المقدسة بملابسه العادية بدون إحرام ويتعلل بأنه صار من أهل البلد، وهذا خطأ لأن الإحرام من داخل الميقات لأهل الإقامة الدائمة كسكان البلد، أو العاملين المستديمين أصحاب الإقامات المحلية، وغير هؤلاء لا بد أن يدخلوا البيت محرمين، ويكون ذلك من ميقاتهم.

3. تتمسك بعض النساء بالنقاب ولبس القفّازين مع أن الحديث نهى نهياً صريحاً عن ذلك فى قول النبى :
{ لاَ تَنْتَقِبِ الْمَرْآةُ الْمُحْرِمَةُ، وَلاَ تَلْبَسِ الْقُفَّازَيْنِ } [2]

[1] أما بالنسبة للمواقيت للبلاد الأخرى فهى كالآتى:
( أ ) قرن المنازل:وهى ميقات أهل نجد والكويت أو من جاء من ناحيتهم.
(ب) يَلَمْلَم:وهى ميقات أهل اليمن أو من جاء على طريقهم.
(جـ) ذَاتِ عِرْق:وهى ميقات أهل العراق أو أي حاج سلك هذا الطريق.

[2]صحيح ابن خزيمة والبيهقى فى السنن عن ابنِ عُمَرَ
د: زاد الحاج والمعتمر

دخول مكة وآداب البيت الحرام وآياته

دعاء معاينة معالم مكة

ولا يزال الحاج مشتغلاً بالتلبية أثناء سفره حتى يقترب من مكة فإذا عاين بيوتها دعا قائلاً:

{ اللهم اجعل لى بها قراراً وارزقنى فيهارزقاً حلالاً وطهرني من الذنوب والخطايا بماء العفو وثلج المغفرة وبرد السماح وتُبْ علىّ توبة تحفظنى بعدها من كل صغيرة وكبيرة، وألهمنى عند الغفلة أو المعصية ندماً أقلع به عن المعاصي وإنابة أؤوب بها إلى جنابك العلى إلهى إلهى إلهى إنى أعوذ بك من الفقر والفاقة، والذل والمسكنة، ومن الإحتياج إلى شرار خلقك إلهى أشهدنى فى أهلى وإخوانى مشاهد الحسن والإحسان، والكرم والإنعام، واشغلنى واشغلهم بك سبحانك حتى نحيا حياة طيبة فى ميادين الأنس بذكرك سبحانك ورياض المؤانسة معك سبحانك ومتعنى ومتعهم يا واسع يا عليم بواسع جودك، وعميم فضلك وسابق إحسانك، مع الوقاية والسلامة من كل مؤذٍ فى بدن أو مال، أو دين يا رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد صلاة تجيب بها دعائنا وتقبل بها ابتهالنا يا مجيب الدعاء لا إله إلا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجى المؤمنين،وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم }
دعاء دخول مكة
ويواصل بعد ذلك السير ملبياً حتى إذا دخل شوارع مكة دعا بهذا الدعاء:
{ اللهم إن هذا الحرم حرمك، والبلد بلدك والأمن أمنك والعبد عبدك جئتك من بلاد بعيدة بذنوب كثيرة وأعمال سيئة أسألك مسألة المضطرين إليك المشفقين من عذابك أن تستقبلنى بمحض عفوك وأن تدخلنى فى فسيح جناتك جنة النعيم اللهم إن هذا حرمك وحرم رسولك فحرّم لحمى وعظمى على النار اللهم آمنى من عذابك يوم تبعث عبادك أسألك بأنك الله الذي لاإله إلا أنت الرحمن الرحيم أن تصلى وتسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه تسليماً كثيراً أبداً }
التأهب لدخول البيت الحرام
ينزل الحاج إلى سكنه المعدّ له أولاً فيعرف مكانه ويترك حاجته بعد أن يطمئن عليها، وكذا يترك نقوده بعد الإطمئنان عليها فى سكنه، ولا يأخذ معه عندخروجه بعد ذلك إلا قدر نفقاته اليسيرة التى ربما يحتاج إليها وعليه أن يريح جسمه من عناء السفر الطويل بأخذ قسط ولو قليل من النوم فإذا أخذ قسطه من الراحة فالأولى أن يغتسل وإلا فليتوضأ ثم يخرج من مقره ملبياً حتى يدخل الحرم من باب السلام أو أى باب قريب لمكان إقامته فإذا وصل البيت الحرام يخلع حذاءه ويدخل برجله اليمنى ويقول:{اللهم افتح لنا أبواب رحمتك وهب لنا من فضلك العظيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم }فإذا عاين الكعبة دعا قائلاً:
دعاء النظر إلى الكعبة
{اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربَّنا بالسلام وأدخلنا الجنة دارك دار السلام تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام اللهم افتح لى أبواب رحمتك ومغفرتك وأدخلنى فيها بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله لا إله إلاالله ، لا إله إلا الله ، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير أعوذ برب البيت من الكفر والفقر، ومن عذاب القبر وضيق الصدر اللهم زِدْ بيتك هذا تشريفاً وتكريماً وتعظيماً ومهابة ورفعة وبراً وزِدْ يارب من كرَّمه وشرَّفه تشريفاً وتعظيماً ومهابة ورفعة وبراً وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم }
آداب وخصائص البيت الحرام
1. الصلاة أو الذكر أو التسبيح أو أي عبادة فيه تعدل مائة ألف فيما سواه، لقول رسول الله{ صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي هٰذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيما سِواهُ إِلا المَسْجِدَ الحَرَامَ وَصَلاةٌ فِي المَسْجِدِ الحرامِ أَفْضَلُ مِنْ مَائَةِ أَلْفِ صَلاةٍ فِيما سِواهُ }[1]
2. يجوز التنفل فيه فى أي وقت من أوقات الليل أو النهار فقد خصه سيدنا رسول الله بهذه الميزة الكبرى فى قوله{ يَابَنِي عَبْدِ مَنَافِ، لا تَمْنَعُنَّ أَحَداً طافَ بِهٰذا البَيْتِ، وَصَلَّى أَيَّ ساعَةٍ شاءَ مِنْ لَيْلٍ وَنَهَارٍ }.[2]
3. أباحت الشريعة المرور أمام المصلى أو الجلوس بين يديه ويسجد المصلى على ظهره إذا لم يكن هناك فرجة وذلك منعاً لشدة الزحام.
4. لا يحل للحاج لُقطة البيت الحرام، كما أنه لايجوز له أن يأخذ شيئاً من حاجيات الحرم لنفسه أو لغيره.
5. لا يحل للحاج أن يروِّع حمام الحرم ولو وقف على كتفه كما أنه يحرم عليه أن يخلع أو يقطع أى نبتة خضراء بالحرم لقول النبى{ إِنَّ هٰذا البَلَدَ حَرَامٌ حرَّمهُ اللَّهُ إِلى يَوْمِ القِيَامَةِ، لا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، ولايُعْضَدُ شَوْكُهُ، ولا تُلْتقط لُقَطَتُهُ إِلا من عرَّفَها، ولا يُخْتَلى خلاؤهُ} [3]
6. وليعلم الحاج علم اليقين أن الله لا يؤاخذ الإنسان بالذنب لمجرد الهمِّ به وقبل وقوعه إلا فى الحرم قد قال النبى{وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ }وهذا ما جعل سيدنا عمر عندما كان ينتهى الحج يأخذ دُرَّته ويضرب بها الحجيج ويأمرهم بمغادرة مكة والتوجه إلا بلادهم وعندما سُئل عن ذلك قال{ حتى لا يأنسوا بالبيت فتذهب هيبته من قلوبهم فيقعون فى الذنب وهم لا يشعرون } وهذا أيضاً ما حدا بكثير من أصحاب رسول الله إلى ترك المجاورة بالحرم كسيدنا عبدالله بن عباس فقد أقام فى الطائف ورفض المجاورة بمكة وقال:{ لا آمن على نفسي أن أقع فى المخالفة بمكة وأنا لا أشعر}وأيضاً قال سيدنا عبدالله بن مسعود فى ذلك:{ لأن أذنب سبعين ذنباً بركية [4]خير من أن أذنب ذنباً واحداً بمكة }، وكانوا يرون أن السيئات تتضاعف بمكة كما تتضاعف الحسنات.
7. جعل الله النظر إلى الكعبة عبادة ولو كان بغير تلفُّظ بذكر أو تأمل بفكر فقد قال النبى{ إِنَّ الله يُنْزِلُ في كُلِّ يَوْمٍ ولَيْلَةٍ عشرينَ ومئة رحمةٍ يُنزلُ على هذا البيتِ ستونَ للطّائِفينَ، وأَرْبَعُونَ للمصلِّينَ، وعشرونَ للنَّاظِرِينَ }[5]
8. من خصائص البيت أن المطاف حوله يتسع للطائفين مهما كان العدد، فعلى الحاج أن يمشي بالسكينة ولا يزاحم ولايؤذي أحداً فى طوافه أو سعيه بلسانه أو يده أو بأي جارحة.
9. جعل الله هذا البيت مهبطاً لرحماته، ووعد زواره بالمغفرة، فعلى الحاج أن يستحضر ذنوبه وعيوبه ويتوجه إلى الله فيها راجياً غفرانه، فمن أتيح له زيارة هذه الأماكن ولم يغفرالله له فمتى؟ وأين يغفر له؟
10. قدّس الله هذا المكان وما حوله، وجعل أبواب السماء مفتوحة لإجابة الدعاء، سواء عند الحجر الأسعد، أو عند الركن اليمانى، أو عند الميزاب، أو عند الملتزم، أو حجْر إسماعيل، أو عند زمزم، أو عند مقام إبراهيم عليه السلام.
فعلى الحاج أن يتأدب فى هذه الأمَاكن ولا يدعو بإثم ولا بقطيعة رحم فقد قال النبى{ الكعبة محفوفة بسبعين ألفٍ من الملائكة يستغفرون الله لمن طاف بها ويصلون عليه }[6].
آيات البيت الحرام
وهى التى أشار إليها الله فى قوله: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً }
وهذه الآيات تنقسم إجمالاً إلى قسمين:
أولاً: آيات معنوية: وهى أن من دخله يكون آمناً من غضب الله وسخط الله وعذاب الله وفى ذلك يقول سيدنا رسول الله {إن هذا البيت دعامة الإسلام ومن خرج يؤم هذا البيت من حاج أو معتمر زائراً كان مضموناً على الله إن ردّه ردّه بأجر وغنيمة، وإن قبضه أن يُدخله الجنة}[7] هذا بالإضافة إلى استجابة الدعاء، وتحقيق الرجاء، وغفران الذنوب، وشرح الصدور وغيرها من أنواع الفضل الإلهي والفتح الرباني.
ثانياً: الآيات الحسية: وهي الأماكن التى خصها الله بالفضل فى البيت أو حوله ومنها:
1. الحجر الأسود:وهو ياقوتة من الجنة يقول النبى في شأنها {الحجر الأسود يمين الله فى الأرض يصافح بها عباده كما يصافح أحدكم أخاه}[8] وقد ورد أنه{اسْتَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ الْحَجَرَ.ثُمَّ وَضَعَ شَفَتَيْهِ عَلَيْهِ يَبْكِي طَوِيلاً. ثُمَّ الْتَفَتَ فَإِذَا هُوَ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَبْكِي. فَقَالَ: يَا عُمَرُ هـهُنَا تُسْكَبُ الْعَبَرَاتُ [9] وقال النبى{ يَأتي الرُّكْنُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْظَمَ مِنْ أَبِي قُبَيْسٍ، له لِسَانٌ وشَفَتَانِ }[10].وفى رواية زاد:{ يَشْهَدُ لِمَنِ اسْتَلَمَهُ بالحقِّ،وهو يَمينُ الله يُصَافِحُ بها خَلْقَهُ } ويفسر الإمام على السرَّ فى هذا الحجر فى الحديث الذي دار بينه وبين عمر بن الخطاب أنه َلَمَّا دَخَلَ الطَّوَافَ اسْتَقْبَلَ الْحَجَرَ فَقَالَ: {إِني لأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لاَ تَضُرُّ وَلاَ تَنْفَعُ، وَلَوْلاَ أَني رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ يُقَبلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ، ثُمَّ قَبَّلَهُ، فَقَالَ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ إِنَّهُ يَضُرُّ وَيَنْفَعُ، قَالَ:بِمَ ؟ قَالَ: بِكِتَابِ اللَّهِ قَالَ: وَأَيْنَ ذٰلِكَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ؟ قَالَ: قَالَ تَعَالٰى: { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُريَّتَهُمْ } إِلَّىِ: بَلٰى،خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَمَسَحَ عَلٰى ظَهْرِهِ، فَقَرَّرَهُمْ بِأَنَّهُ الرَّبُّ وَأَنَّهُمُ الْعَبِيدُ، وَأَخَذَ عُهُودَهُمْ وَمَوَاثِيقَهُمْ وَكَتَبَ ذٰلِكَ في رَقَ، وَكَانَ لِهَذا الْحَجَرِ عَيْنَانِ وَلِسَانَانِ، فَقَالَ: افْتَحْ فَاكَ، فَفَتَحَ فَاهُ، فَأَلْقَمَهُ ذٰلِكَ الرَّقَّ، فَقَالَ: اشْهَدْ لِمَنْ وَافَاكَ بِالمُوَافَاةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِني أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: يُؤْتَىٰ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْحَجَرِ الأَسْوَدِ وَلَهُ لِسَانٌ ذَلِقٌ يَشْهَدُ لِمَنِ اسْتَلَمَهُ بِالتَّوْحِيدِ فَهُوَ يَا أَمِيرَالمُؤْمِنِينَ يَضُرُّ وَيَنْفَعُ، فَقَالَ عُمَرُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَعْيشَ في قَوْمٍ لَسْتَ فِيهِمْ يَاأَبَا الْحَسَنِ } [11]
2. الركن اليمانى:وهو الركن المواجه للحجر فى الجهة الأخرى من الكعبة قال فيه النبى{على الركن اليمانى ملكان يؤمّنَان على دعاء من مرّ بهما}[12] وأيضاً يقول النبى{ إِنَّ مَسْحَ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ وَالرّكْنِ الأْسْوَدِ يَحُطُّ الْخَطَايَا حَطَّاً }[13]
وقد ورد أيضاً: {بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ وَزَمْزَمَ قُبُورُ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ نَبِيًّا وَأَنَّ قَبْرَ هُودٍ وَصَالِحٍ وَشُعَيْبٍ وَإِسْمَاعِيلَ فِي تِلْكَ الْبُقْعَةِ }[14]
13. الملتزم: وهو المكان الذي بين الحجر الأسود وباب الكعبة، ويقابله المسْتجار وهو ما بين الركن اليمانى والباب المسدود خلف الكعبة، ويسمى بالملتزم لأن الناس يلتزمونه للدعاء عنده تحقيقاً لقوله النبى { مَا دَعَا أَحَدٌ بِشَيْءٍ فِي هٰذَا الْمُلْتَزَمِ إِلاَّ اسْتُجِيبَ لَهُ } [15]
4- مقام إبراهيم:
وهو الحجر الذي وقف عليه الخليل عليه السلام لبناء البيت أو للآذان بالحج وفى الحديث عَنْ عُمَرَ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ:{ يَا رَسُولَ الله لَوِ اتَّخَذْتَ مِنْ مَقَامِ إبْراهِيمَ مُصَلَّى، فَأنْزَلَ الله {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إبْراهِيمَ مُصَلَّى}[125 البقرة]}.[16]
وقد قال النبى فى شأنه: { من صلى خلف المقام ركعتين غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وحشر يوم القيامة من الآمنين }[17].
5. حِجْر إسماعيل:
وهو المكان الملاصق للكعبة والذي عليه جدار على صورة نصف دائرة، وسمي حِجْر إسماعيل لأنه ورد:{ إنَّ إسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ شَكَا إلَى رَبِّهِ حَرَّ مَكَّةَ؛ فَأَوْحَى اللَّهُ إلَيْهِ أَنْ افْتَحْ لَك بَابًا مِنْ الْجَنَّةِ فِي الْحِجْرِ يَخْرُجُ عَلَيْك الرَّوْحُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } [18] وهو جزء من الكعبة ولذا فإنه من أراد أن يدخل الكعبة وتعذّر عليه ذلك فعليه بالصلاة فى الحجر لما قد روى عن عائشة أنها أخبرت عن رسول الله فقالت{ كُنْتُ أُحِبُّ أنْ أدْخُلَ البيْتَ فأُصَلِّي فيهِ فأَخَذَ رسولُ الله بِيَديِ فأَدْخَلَنيِ الْحِجْرَ وقال صَلِّي في الْحِجْرِ إن أرَدْتِ دُخُولَ البيتِ فإِنَّما هُوَ قِطْعَة مِنَ البَيْتِ } [19]ومن فضائله أن فيه قبر سيدنا إسماعيل وأمه هاجر، وفيه الميزاب الذي ينزل فيه المطر المتجمع من على سقف الكعبة ويقول النبى{ ما من أحد يدعو تحت الميزاب إلا استجيب له }[20].
6. الحطيم:
وهو الجزء الواقع ما بين الحجر الأسود ومقام إبراهيم وزمزم والحِجْر، وسمى بذلك لأنه يحطم الذنوب يعنى يكسرها ويقضى عليها، وفيه المَلك الذي أخبر النبى أنه يقول للمرء بعد فراغه من الطواف وصلاة ركعتين: { استأنف العمل فيما بقي فقد كفيت ما مضى وشفع في سبعين من أهلبيته } [21]
آيات جامعة
فمنها إلقاء هيبة هذا البيت وتعظيمه فى قلوب الناس وكف الجبابرة عنه على مرّ الدهور والعصور وتعجيل العقوبة لمن قصده بسوء كأصحاب الفيل.ومنها أن الفرقة من الطير تُقْبل حتى إذا كادت تبلغه إنفرقت فرقتين، فلايعلوه شيء منها إلا الطائر المريض فإنه يعلو ظهره للحظات فيشفى بإذن الله.ومنها أن المطر إذا عم جميع جوانبه دل ذلك على حصول الخصب فى جميع جهات الأرض وإن كان المطر من جانب أخصب الجانب الذي تجاهه من الأرض ومنها أنه منذ خلقه الله تعالى، ما خلا عن طائف به من إنس أو جن أو مَلَكأو غيرهم. وغيرها الكثير .والكثير



[1]عن جابر بن عبد الله مسند الإمام أحمد.

[2]صحيح ابن حبان عن جُبير بنِ مطعم.

[3]عن ابنِ عباس مسند الإمام أحمد وصحيح ابن حبان

[4] موضع قريب من مكة.

[5] عن ابن عباس رواه الطبراني في الكبير والأوسط

[6]أخرجه من ظهيره فى الجامع اللطيف.

[7] ورد فى مجمع الزوائد وشفا الغرام وتاريخ مكة للأزرقى.

[8] رواه الأزرقى فى أخبار مكة والمحب الطبرى فى القرى عن ابن عباس.

[9] أى تصبَّ الدموع، سنن ابن ماجه عن ابن عمر.

[10] عن عبد الله بن عمرو بن العاص رواه أحمد، والطبراني في الأوسط.

[11] عن أَبي سعيد الخدري، رواه الهندي في فضائلِ مَكَّةَ، وأَبو الحسن القَطَّانِ في المطوالات،جامع المسانيد والمراسيل

[12]عن ابن عمر، مسند الإمام أبى حنيفة، وأخرجه الأرزقى موقوفاً.

[13]عن ابن عمر ،رواه أحمد والنسائي.

[14]تحفة المحتاج في شرح المنهاج، قاله ابن اسباط، وفى كثير غيرها

[15]عن ابنِ عبَّاسٍ رضيَ اللَّهُ عنهُمَا، جامع الأحاديث والمراسيل.

[16]عن عمر سنن النسائي الكبرى

[17] رواه الديلمى والقاضى عياض فى الشفاء

[18]حاشية البيجرمي على الخطيب،أخرجه الحسن.

[19]عن عائشة سنن الترمذي

[20] رواه الجامع اللطيف وشفاء الغرام.

[21]عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه،عن جده،أخبار مكة للأزرقي،قال أبو محمد الخزاعي حدثنا يحيى بن سعيد بن سالم 

 زاد الحاج والمعتمر

الطواف
معناه: الطواف لغة معناه الدوران أو اللف حول شيء ثابت ولكنه إذا أطلق مفرداً فيقصد به الطواف بالكعبة التى هى البناء المربع الذي بناه سيدنا إبراهيم وولده اسماعيل عليهما وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم، وهى تقع فى وسط البيت الحرام.
كيفيته: يبدأ الحاج فى الطواف ابتداءاً من الحجر الأسود أو ما يوازيه فيتجه إلى الحجر الأسود ويقبله أو يستلمه (يضع يد عليه) إن استطاع فإن لم يستطع أشار إليه بكفه وقال :
دعاء بدء الطواف
{ بسم الله، الله أكبر، نويت طواف البيت العظيم سبعة أشواط لوجه الله الكريم- طواف العمرة، أو طواف القدوم، أو الإفاضة أوالوداع- اللهم إيمانا بك، وتصديقاً بنبيك ووفاءً بعهدك } ثم يسير ويشتغل بذكر الله أو الدعاء ونستحسن كما قرر جمهور العلماء أن يدعو الحاج بما يخطر على قلبه فى تلك الساعة من أمـور الدنيا أو الآخرة، لأن ذلك أرجـى للإجابة، ولا يشغل الحاج نفسه بالدعاء من كتاب أوصحيفة أو غيرها ويراعى أن يكون الطواف من خارج حِجْر إسماعيل، لأنه من البيت فمن طاف من داخله فَسَدَ طوافه، وأيضاً يراعى أن يكون مشيه بعيداً عن "الشّذْرَوَان" وهو الجزء الذي فضل من عرض جدار الكعبة، وأيضاً يستلم الركن اليماني إن استطاع، ويدعو في ما بين الركن اليمانى والحجر الأسود بهذا الدعاء الوارد :
{ ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار }حتى ينتهى إلى الحجر الأسود فيكون قد قضى شوطاً واحداً، فيكرر التكبير أمام الحجر الأسود مُقَبّلاً أو مستلماً أو مشيراً ويمضى حتى ينهى السبعة أشواط.
ركعتا الطواف
ثم يذهب خلف مقام سيدنا إبراهيم ويصلي ركعتين سُنّة الطواف إن استطاع وإلا فليصلي فى أى موضع من المسجد وينوى الصلاة قائلاً {نويت صلاة ركعتى سنة الطواف لله تعالى الله أكبر" ويندب أن يقرأ فى الركعة الأولى } قل يا أيها الكافرون { وفي الثانية } قل هو الله أحد }إن كان حافظاً لهما وإلا فليقرأ بماشاء وليس هناك وقت للمنع أو للكراهة بالنسبة لركعتى الطواف للحديث الذي ذكرناه آنفاً وهو قول النبى { يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافِ، لا تَمْنَعُنَّ أَحَداً طافَ بِهٰذا البَيْتِ، وَصَلَّى أَيَّ ساعَةٍ شاءَ مِنْ لَيْلٍ وَنَهَارٍ }[1]
شروط صحة الطواف
ولكى يكون الطواف صحيحاً يجب على الحاج أن يراعى الشروط الآتية:
1. الطهارة الظاهرة والباطنة فى الثوب والجسد طوال مدةا لطواف:
أى أنه يبدأ الطواف متوضأ وإذا انتقض وضوءه أثناءه؛ فعليه أن يقطع طوافه ويذهب ويتوضأ ثم يعود فيكمل طوافه ويبنى على ما سبق، فإن كان طاف ثلاثاً مثلاً يكمل الأربعة والأفضل أن يبدأ من عند الحجر الأسود.
2- أن يستر عورته:
وهى كما حددتها الشريعة من السُّرّة إلى الركبتين بالنسبة للرجل وجميع أعضاء البدن ما عدا الوجه والكفين بالنسبة للمرأة وهذا ما أجمعت عليه المذاهب الفقهية إلا مذهب الإمام مالك، فإنه جعل عورة الرجل السوءتين فقط.
3. أن يراعى أن تكون بداية كل شوط ابتداء من الحجر الأسود: والشوط الذي لايبدأ من الحجر أو لا ينتهى إليه لا يُحْسَب.
4. أن يستكمل الأشواط إلى سبعة: فإن قل عن ذلك فسد طوافه.
5. أن يكون البيت عن يساره: ويطوف على يمينه، ولا يجوز خلاف ذلك.
ما يباح للطائف
ويباح للطائف أثناء طوافه أمورٌ لا تبطل الطواف، ويكون صحيحاً مع فعلها، منها:
1. إذا أدركته الفريضة: ولم يكمل أشواطه، فعليه أن يصلي الفريضة فى مكانه ثم يكمل أشواطه عقب الصلاة وكذا يباح له أن يقطع الطواف للصلاة على جنازة أو للخروج للوضوء أو بسبب رعاف حصل له، ويكمل بعد زوال هذه الأسباب.
2. إذا كان ضعيفاً أو مُسناً أو مريضاً ولا يستطيع أن يؤدى الطواف كله متتالياً: يباح له أن يقعد خارج المطاف ليستريح ثم يكمل طوافه حتى ولو تكرر ذلك.
3. يباح للطائف الكلام فى الطواف لقول النبى{ إنَّ الطَّوافَ بِالْبَيْتِ مِثْلُ الصَّلاةِ إِلا أَنَّكُمْ تَتَكَلَّمونَ، فَمَنْ تَكَلَّمَ فَلا يَتَكَلَّمْ إِلا بِخَيْرٍ } [2]وتجدر الإشارة إلى أن النبى مع أنه أباح الكلام فى الطواف إلا أنه بيَّن الأدب الواجب عندها وهو ألا يتكلم أثناءه إلا فى أمور شرعية مثل السلام أو رده السؤال عن الحال والأهل إذا قابل من يعرف الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، تعليم الجاهل أو إجابة سؤال و مثلها.
4. إذا احتاج الطائف إلى الماء فلا مانع أن يخرج ليشرب ثم يرجع إلى مطافه: { فقد روى أن النبي شَرِبَ وهو يطوفُ } [3]
5. يباح للطائف أن يطوف راكباً إن تيسر ذلك فقد ورد أن النبى{ طَافَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَىٰ بَعِيرٍ. يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ } [4]
6. إذا كان الإنسان يطوف تطوعاً، فليس عليه شيء إن بدا له أمر جعله قطع طوافه ولم يكمله، وليس عليه لزاماً أن يعيده مرة ثانية.
سنن الطواف
وهى الأمور التى لو تركها الطائف فطوافه صحيح وليس عليه شيء مثل:
1. تقبيل الحجر أواستلامه أو الإشارة إليه: وقد ورد [5] أنه e قبَّله، وورد أيضاً أن النبى استلمه أى مسحه بيده ثم وضع يده على فمه وقبّلها وورد أيضاً: { أنَّ رسولَ اللّهِ طاف بالبيتِ وهوَ على بعيرٍ كلَّما أتى على الرُّكنِ أشارَ إليه بشيءٍ في يدِهِ وكبَّرَ } [6].
ومن هنا جاز للحاج أن يفعل أى واحدة من الثلاث (التقبيل أو الاستلام أو الإشارة) وأى واحدة فعلها أجزأته ( أى كفته) ولا يجب المزاحمة على الركن أو على الحجر للأقوياء لقوله لسيدنا عمر:{ يَا عُمَرُ إِنَّكَ رَجُلٌ قَوِيٌّ، لاَ تُؤْذِ الضُّعَفَاءَ إِذَا أَرَدْتَ اسْتِلاَمَ الْحَجَرِ، فَإِنْ خَلاَ لَكَ فَاسْتَلِمْهُ وَإِلاَّ فَاسْتَقْبِلْهُ وَكَبرْ } [7]،هذا بالنسبة للرجال أما بالنسبة للنساء فيكره لهنَّ المزاحمة على الحجر كراهة شديدة.
2. مسح الركن اليمانى: فقد ورد { أن النبى مسحه بيده } ولم يثبت أنه استلم شيئاً من أركان البيت غير الأسود واليمانى.
3. الرّمَل: وهو نوع من المشي السريع لإظهار القوة، وقد فعله النبى وأصحابه فى الثلاثة أشواط الأولى من الطواف، وأكمل الأربعة الآخرة بالمشي المعتاد، فإذا كان المطاف خالياً، فعلى الحاج ألا يترك هذه السنة،أما فى الزحام حيث لا يستطيع ذلك فليس عليه شيء.
4. الإضطباع: وهو أن يعرى الحاج كتفه الأيمن عند بدء الطواف بأن يضع أوسط البشكير تحت إبطه ويضع طرفيه على كتفه الأيسر بحيث يتدلى أحد طرفيه على صدره، والآخر على ظهره فإذا انتهى الطواف رده إلى هيئته المعتادة.
أنواع الطواف
وللطواف أنواع كثيرة بحسب النية فى فعله ومن الأمور التى يجب ان يعلمه االحاج، أن له أن يغير نيته ويحدد (نوع حجه)[8]ما لم يبدأ بالطواف فإذا كان مثلاً عند إحرامه نوى الإفراد ووجد فيه مشقة فيستطيع قبل بداية الطواف أن ينوى التمتع وهكذا.
وأهم أنواع الطواف هى:
1. طواف القدوم:
وهو سنة لمن أحرم بالحج، فإن وصل مكة متأخراً، فعليه أن يتوجه إلى عرفة مباشرة من غير طواف القدوم، وليس عليه شيء.
2. طواف الإفاضة:
وهو ركن أساسي فى الحج لا يصح الحج إلا به ومن تركه كان حجه باطلاً ويكون وقته بعد النزول من عرفه ورمي جمرة العقبة ولأهميته فقد أباحت الشريعة للمرأة التى حان ميعاد سفرها وحبسها الحيض عن طواف الإفاضة ولا تستطيع أن تتخلف عن رفقتها أن تضع شيئاً يمتص الدم حتى لا يقععلى أرض الحرم كالفوط الصحية وتطوف طواف الإفاضة، وذلك لعذرها، أما فى غير هذافلا يجوز للحائض أن تدخل البيت.
3. طواف الوداع:
ويكون بعد انتهاء الحاج من نسكه وعزمه على السفر فيكون آخر شيء يفعله بمكة أن يودع البيت بالطواف وهو طواف الوداع وبعده لا يشترى شيئاً من مكة إلا أكل ضرورى أو شيء لزمه لسفره كدواء وهو واجبٌ أى أن من تركه بغير عذر فعليه دم إلا الحائض والنفساء فليس عليهما طواف وداع.
4. طواف التطوع:
وهو مستحب للحاج كلما امكنه ذلك لأنه من خير العبادات التى يتقرب بها إلى الله لقول النبى { مَنْ طَافَ بِهٰذَا الْبَيْتِ أُسْبُوعاً فَأَحْصَاهُ كُتِبَتُ لَهُ بِكُل خُطْوَةٍ حَسَنَةٌ وَكُفرَتْ عَنْهُ سَيئَةٌ، وَرُفِعَتْ لَهُ دَرَجَةٌ، وَكَانَ لَهُ كَعَدْلِ عِتْقِ رَقَبَة } [9] فعلى الحاج أن يكثر من هذه العبادة طوال مقامه بمكة، رغبة فى الفوز بالوعد الكريم الذي قال فيه النبى فيما يرويه ابن عباس{ مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ خَمْسِينَ مَرَّةً خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْم وَلَدَتْهُ أُمُّهُ }[10] قال العلماء فى تأويل هذا الحديث: خمسين مرة فى صحيفته، أى من طاف خمسين مرة فى عمره كله نال هذا الثواب.
أفضل أوقات الطواف
وهناك أوقات يستحب فيها الطواف عن غيرها، أشارت إليها بعض الأحاديث الشريفة وهى وإن كانت ضعيفة من حيث السند إلا أنه يعمل بالحديث الضعيف فى فضائل الأعمال، وخير هذه الأوقات هى:
1. عند طلوع الشمس وعند غروبها: وذلك لقول النبى{طَوَافَانِ لايُوَافِقُهُمَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ إلا خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمَ وَلَدَتْه ُأُمُّهُ يُغْفَرُ لَهُ ذُنُوبُهُ كُلُّهَا بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ طَوَافٌ بَعْدَصَلاةِ الْفَجْرِ فَرَاغُهُ مَعَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَطَوَافٌ بَعْدَ صَلاةِ الْعَصْرِ فَرَاغُهُ مَعَ غُرُوبِ الشَّمْسِ }[11].
2. الطواف فى المطر: لأنه من الأوقات التى ينزل فيها الخير ويستجاب فيها الدعاء ورد عن أنس بن مالك {طفْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ في مَطرٍ فَلَمَّا فَرَغْنَا قَالَ: ائْتَنِفُوا الْعَمَلَ فَقَدْ غُفِرَ لَكُمْ مَا مَضَىٰ } [12]
3. الطواف في شدة الحر: وذلك لما يتحمله الطائف من مشقة فى هذا الوقت، والأجر دائماً وأبداً فى أى عمل على قدر المشقة، وقد جاء عن النبى :
{ من طاف حول البيت سبعا في يوم صائف شديدٌ حره، وحسر عن رأسه وقارب بين خطاه وقل التفاته وغضَّ بصره وقلَّ كلامه إلا بذكر الله، واستلم الحجر في كل طواف من غير أن يؤذي أحدا ،كتب الله له بكل قدم يرفعها ويضعها سبعين ألف حسنة ومحا عنه سبعين ألف سيئة، ورفع له سبعين ألف درجة، ويعتق عنه سبعين رقبة ثمن كل رقبة عشرة آلاف درهم، ويعطيه الله سبعين شفاعة إن شاء في أهل بيته من المسلمين، وإن شاء في العامة، وإن شاء عُجَّلت له في الدنيا، وإن شاء أخِّرت له في الآخرة }[13]
ماء زمزم
وبعد أن ينتهى الحاج من ركعتى الطواف يذهب إلى زمزم ليشرب من مائها المبارك وليستحضر نيَّة طيبة عند شرابه كأن يشرب بنيَّة الشفاء من مرض يعانى منه، أو يشرب بنيَّة الرّي يوم الفزع الأكبر، وذلك لقول رسول الله rفيما ورد فى فضل ماء زمزم: { مَاءُ زَمْزَمَ لـمَا شُرِبَ لَهُ } [14]ويجوز أن يشرب من ماء زمزم بنية شفاء غيره مريضاً ويحقق الله له ذلك وقد قال النبى عن ماء زمزم{إنَّهَا مُبَارَكَةٌ إِنَّهَا طعامُ طُعْمٍ وشِفَاءُ سُقْمٍ)[15]
وروى عن الإمام الشافعى أنه قال{ شربت ماء زمزم لثلاثة أشياء للعلم فصرت فى العلم كما ترون وللرّمى فصرت لا أخطئ واحداً من عشرة ولطول عطش يوم القيامة، وأرجو أن يحقق الله لي ذلك }
دعاء الشرب من ماء زمزم
{ بسم الله، اللهمَّ اجعله طهوراً،ونوراً، وارزقنى به علماً نافعاً، وقلباً خاشعاً، وعملاً رافعاً }
أخطاء شائعة فى الطواف
1. الإصرار على لمس الحجر:
بعض الحجاج يعتقد أن لمس الحجر الأسود فريضة لا بد منها ويزاحم أشد المزاحمة فى سبيل ذلك، فيتعرض للإيذاء ويؤذي غيره، وهذا ينافى الأدب فى بيت الله ويكفي أن يشير إلى الحجر باليد إن لم يستطع أن يصل إليه بسهولة.
2. مزاحمة النساء للمس الحجر:بعض النساء يذهبن فى جموع الرجال ويزاحمن أيضاً للوصول إلى الحجر، مما يعرضهن لكشف العورات،فيفسد طوافهن من حيث لا يشعرن، والمرأة لا يجب عليها أن تذهب إلى الحجر إلا عند خلوّه خلواً تاماً.
3. سوء الكلام والتصرف: بعض الحجاج يتكلم بكلام لا يليق بعظمة هذا المكان، أو يتصرف بيده أو بقدمه مع الحجيج ضرباً أو رَكْلاً أو حتى مدافعة باليد أو بالجسم، وهذا ينافى هذه العبادة التى وصفها سيدنا رسول الله بأنها كالصلاة.
4. الدعاء على الغير:
يدعو البعض على من أساءوا إليهم، فى هذا المكان رغبة فى التشفّى منهم والدعاء المستجاب هو ما قال فيه النبى{ لا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ، أوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ، مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ }[16]
فعلى الحاج أن يتروى، فربما يرى نفسه مظلوماً وهو فى الحقيقة ظالماً عندالله، وخصمه معذوراً؛ فَيُرَدّ الدعاء عليه، والأفضل أن يفوض أمره إلى الله ولا يدعو على أحد أبداً، إلا على كافر، أو فاسق مجاهر بفسقه فلا مانع، وإن كان الأولى أن يدعو للفاسق بالهداية.
[1]عن جُبير بنِ مطعم صحيح ابن حبان.

[2]عن ابن عباس رضي الله عنهما المستدرك للحاكم وسنن البيهقى الكبرى

[3]الشَّافِعِيُّ فـي سننه و الإملاءِ، رُوِيَ عن ابنِ عبَّاسٍ ورواه أبو حاتم.

[4]عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ صحيح البخارى ومسلم، والمحجن هو عصا معوجة الطرف كان النبى يشير بها إلى الحجر.

[5]عن ابنعباس رواه الطبراني في الكبير والأوسط
أخرجه من ظهيره فى الجامع اللطيف.

[6]عن ابنِ عبَّاسٍ رضي اللّهُ عنهما صحيح البخارى.

[7]أحمد فى مسنده وللشيخين والدَّيلمي عن عمر

[8] أنواع الحج ثلاثة:
الإفراد: وهو أن ينوى الحج أولاً، فإذا أتم مناسك الحج قضى العمرة من مسجد التنعيم بمكة، وهذا ليس عليه هدى، وهذا يناسب الأقوياء والشباب أو الذين يأتون قبيل يوم عرفة مباشرة.
القران: وهو أن ينوى الحج والعمرة معاً، وتندرج أعمال فى الحج فتكون عملاً واحداً، أي يكفيه طوافاً واحداً وسعياً واحداً للحج والعمرة معاً، وعليه هدى، وهذا يناسب من عنده ضيق فى الوقت كالحكام والرؤساء ورجال الأعمال وغيرهم من أصحاب المشاغل أو المسئوليات.
التمتع: وهو ان ينوى العمرة أولاً، فإذا أتمها، خلع ملابس الإحرام وتمتع بالمباحات، حتى إذا كان يوم الثامن من ذى الحجة (يوم التروية) أحرم للحج من مكة، وعليه هدى من لحظة إنتهاء عمرته، وهذا هو الذي يلائم حجاج الآفاق الذين يأتون من أماكن بعيدة وخاصة المرضى وكبار السن.

[9] أحمدفى مسنده والطبرانى فى الكبير والبيهقى فى شعب الإيمان وفى السنن عن ابنِ عُمر رضيَ اللَّهُ عنهُمَا.

[10] أخرجه الترمذى عن ابنِ عبَّاسٍ (جامع الأحاديث والمراسيل)

[11]عن انس بن مالك وسعيد بن مالك، تحفة المحتاج في شرح المنهاج، كما أخرجه الأزرقى فى تاريخ مكة.

[12] ابن ماجة والبيهقى فى شعب الإيمان، عن أنس بن مالك

[13] عن ابن عباس رواه ابن الحاج فى منسكه والحسن البصري فى رسالته.

[14]عن جابرٍ رواه أحمد وابن ماجة والبيهقى

[15] رواه مسلـم فـي الصحيح عن هَدَّابٍ بن خالد.

[16] عن أبي هريرة صحيح مسلم
 زاد الحاج والمعتمر

السعى بين الصفا والمروة
التوجه إلى الملتزم
وبعد أن يشرب الحاج من ماء زمزم يتوجه إن استطاع إلى الملتزم وهو الجزء الذي بين باب الكعبة والحجر الأسود.فإن وصل إليه ألصق به جسده ورفع ذراعيه إلى أعلى، ثم يدعو الله بما شاء فإنه موضع إجابة وإن لم يستطع الوصول إليه لشدة الزحام، توجه مباشرة إلى الصفا ليبدأ السعي.
والسعي هو المشي بين جبلي الصفا والمروة ذهاباً وإياباً.
مشروعية السعى
وقد شُرع السعى ووجب على الحاج والمعتمر للحديث الصحيح الوارد عن حبيبة بنت أبى تجْراة قالت:{ رأيت رسول الله يطوفُ بين الصفا والمروة والناس بين يديه، وهو وراءهم، وهو يسعى حتَّى أَرَى رُكبتيه من شدّة السعي، يدور به إزاره وهو يقول: اسْعَوْا فإنَّ الله كَتَبَ عَلَيْكُمُ السَّعْيَ }عن حُبيبة بنت أبي تَجْرَاة رواه أحمد والطبراني في الكبير
حُكْمه وشروط صحته
والسعى ركن عند معظم المذاهب أى أن من تركه بطل حجه إلا عند الإمام أبى حنيفة فهو واجب أى أن تركه يَجْبُره بدم ولكى يكون السعى صحيحاً يجب أن يلاحظ الحاج الشروط الآتية:
1.أن يكون السعى بعد طواف صحيح بالبيت، أى يكون بعد طواف القدوم أو طواف الإفاضة، فلا يصح بعد طواف نافلة، ولا يجوز أن يبدأ بالسعى أولاً قبل الطواف أبداً.
2.أن يبدأ السعى على طهارة، وإن كان لا يشترط أن يظل على طهارته طوال السعي.
3.أن يبدأ أولاً بالصفا فلا يجوز من المروة
4.أن يأتى بالسبع أشواط متتابعة وإن كان يجوز أن يتخللها بالقعود للإستراحة أو أداء الصلاة المفروضة ولكن تكون السبع أشواط متتابعة.
كيفيته
يتوجه الحاج إلى الصفا، فإذا اقترب منه قال كما قال الله{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ }أبدأ بما بدأ الله به} ثم يرقى على الصفا حتى يلمس أحجاره بقدميه، ويتجه إلى الكعبة وينظر إليها ويقول{ الله أكبر (ثلاثاً) لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيى ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير، نويت سعي العمرة أو الحج أو العمرة والحج" ثم يهبط قائلاً: "الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلاً، لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون }ويدعو الله بما يفتح الله به عليه ويمشي حتى يصل إلى الميل الأخضر فيهرول أى يمشي مسرعاً حتى يصل إلى الميل الأخضر الآخر فإذا وصل إلى المروة كان هذا شوطاً واحداً فيصعد فوقها ويتجه إلى الكعبة ويكبِّر{ الله أكبر }ويهبط متجهاً إلى الصفا وعندما يصل الصفا يعود ثانية من الصفا إلى المروة، ثم إلى الصفا، وهكذا حتى ينتهى الشوط السابع عند المروة.
فعندها يتحلل من عمرته إن كان نوى التمتع، وذلك بقص جزء من شعره لا يقل عن خمس شعرات.
ويغتسل ويلبس ملابسه العادية، ويحل له كل شيء لأنه انتهى من عمرته ويستحسن أن يذبح هديه فوراً بمكة ليتمكن من الإنتفاع به وتوزيع لحمه على فقراء الحجيج لقول النبى عند المروة: { هٰذَا المَنْحَرُ يَعْنِي المَرْوَةَ وَكُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ وَطُرُقِهَا مَنْحَرٌ }(موطأ الإمام مالك عن مالك)وقوله{فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} فالفاء هنا فاء الفورية أي يجب عليه فوراً وإن كان لو أخّره إلى أيام منى فلا شيء عليه أما إن كان الحاج نوى الإفراد أو القران فيبقى محرماً كما هو ولا يتحلل إلا بعد الرمى يوم العيد والحلق أو التقصير وهو التحلل الأصغر، أو.بعد طواف الإفاضة وهو التحلل الأكبر .
سنن السعى
1.الهرولة: وهو سرعة المشي بين العلمين الأخضرين ( الميلين الأخضرين )، وهو سنة للرجل القادر دون المرأة أو العاجز والمسن.
2.الوقوف على الصفا والمروة للتهليل والتكبير والدعاء فوقهما.
3.تكرار ذلك فى الأشواط السبعة كلها.
أخطاء شائعة فى السعى
1.مشاركة النساء للرجال فى الهرولة:
يشارك بعض النساء الرجال فى الهرولة بين الميلين الأخضرين هذا خطأ لأن الهرولة للرجال وللقادرين منهم فقط وليست على النساء ولا العجزة ولا المسنين من الرجال.
2.الهرولة فى الشوط كله:
بعض الحجيج يهرول فى سعيه كله من أوله إلى آخره، وهذا خلاف السنة التى حددت الهرولة فيما بين الميلين الأخضرين فقط.
3.الحاج يحلل نفسه بنفسه:
كثير من الحجيج يقع فى خطأ فادح وهو أنه يحمل مقصاً معه ويقص شعرات من رأسه بنفسه ليحلل نفسه وهذا خطأ كبير لأنه لا يحلله، ولا يقص له شعره إلا محلل، فلا يجوز له ولا لمحرم لم يتحلل أن يقص شعره.
4.كشف المرأة شعرها ليحللها أجنبى:
بعض النساء تكشف شعرها ليحللها بعض الرجال، وهذا حرام، والصحيح أن يقوم رجل معه زوجته بعد تحلله هو نفسه بإحلال زوجته فتقوم زوجته بجمع شعرها كله فى قبضتها فيقص هو منه قدر أنملة (طرف الإصبع) فتصير هى متحللة، ثم تقوم هى بعد ذلك بإحلال النسوة ممن معها.
5.حساب الشوط بالذهاب والإياب:
يخطئ بعض الحجيج فيحسب الذهاب من الصفا إلى المروة والرجوع من المروة إلى الصفا شوطاً واحداً، وهو فى الحقيقة شوطان فيشق على نفسه وعلى من معه حيث أنه عند انتهاء سعيه بهذه الكيفية يكون قد سعى سعيين كاملين وهو يعدهما سعياً واحداً، والدين بنى على اليسر ورفع المشقة.

 زاد الحاج والمعتمر
الحج عرفة
التوجُّه إلى منى
ويمكث الحاج فى مكة حتى يوم التروية وهو اليوم الثامن من ذي الحجة، وفى صبيحة هذا اليوم المبارك: يغتسل غسل الإحرام ويلبس ملابس الإحرام ويصلى ركعتا سنة الإحرام كما فصلنا فيما سبق ثم ينوى الحج قائلاً:{نويت الحج وأحرمت به لله تعالى، اللهم يَسّرْهُ لى وتقبله منى، لبيك اللهم لبيك، لبيك بحجة حقاً تعبُّداً ورِقَّـاً}وذلك إن كان متمتعاً وأما القارن والمفرد فيغتسل فقط ويجدد تلبيته ويتوجه الحاج إلى منى إن كان بمفرده ليصلى هناك الظهر والعصر والمغرب والعشاء وفجر يوم عرفة، ويتوجه بعدها إلى عرفات أما إن كان مع رفقة يصعب عليه فراقهم، أو مرتبطاً بنظام التسيير الذي تشرف عليه مكاتب الحج، واقتضى الأمر لحرص الجميع على وقوف الحجيج بعرفات باعتبارها الركن الأعظم فى الحج أن يذهب مباشرة من مكة إلى عرفات ماراً بمنى فلا عليه أن يتوجه مباشرة إلى عرفات سواء فى يوم التروية أو يوم عرفة، لأن المبيت بمنى ليلة الذهاب إلى عرفة من السنَّة ومن تركه فليس عليه شيء.
فضائل يوم عرفة
سبب التسمية:
وقد سمى هذا اليوم بيوم عرفة لأن آدم وحواء تعارفا فيه، أو لأن سيدنا إبراهيم عليه السلام لما بيَّن له جبريل مناسك الحج قال له: عرفت فسمى عرفه أو لأنه الحاج يتعرف في هذا اليوم على ذنوبه، أو على رحمة ربه وإجابة دعائه ولهذا اليوم فضائل لا تعد منها:
1- يوم المغفرة:
فإنه يوم يغفر الله فيه للحجاج ذنوبهم وآثامهم لما أخبره النبى فى الحديث الشريف:{ إذَا كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ، فَإنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُبَاهِي بِهِمُ الْمَلاَئِكَةَ فَيَقُولُ: ٱنْظُرُوا إلَى عِبَادِي أَتَوْنِي شُعْثاً غُبْراً ضَاحِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ، فَتَقُولُ الْمَلاَئِكَةُ: إنَّ فِيهِمْ فُلاَناً مُرَهَّقاً وَفُلاَناً. قَالَ: يَقُولُ اللَّه : قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ» }[1]
2- يوم العتق من النار:
فإن الله يعتق فيه كثيرا من عباده من النار لقول النبى{وَمَا مِنْ يَوْمٍ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ يَنْزِلُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيُبَاهِي بِأَهْلِ الأَرْضِ أَهْلَ السَّمَاءِ، فَيَقُولُ: ٱنْظُرُوا إلَى عِبَادِي جَاؤُونِي شُعْثاً غُبْراً ضَاحِينَ جَاؤُوا مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ يَرْجُونَ رَحْمَتِي وَلَمْ يَرَوْا عَذَابِي، فَلَمْ يُرَ يَوْمٌ أَكْثَرُ عَتِيقاً مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ } [2]
3- يوم استجابة الدعاء:
فإن الله ينظر إلى عباده فيستجيب دعائهم ويحقق رجائهم، قال النبى{الْحُجَّاجُ وَالْعُمَّارُ وَفْدُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يُعْطِيهِمْ مَا سَأَلُوا وَيَسْتَجِيبُ لَهُمْ مَا دَعَوْا وَيُخْلِفُ عَلَيْهِمْ مَا أَنْفَقُوا الدِّرْهَمُ أَلْفُ أَلْفٍ }[3].
4- يوم تحمُّل التبعات:
فإن الله من كرمه وجوده لا يغفر لعباده ما بينه وبينهم فقط: بل إنه يتحمل عنهم التبعات أى الذنوب التى هى فى حق العباد وذلك فى الحديث الذي يقول فيه النبى{ أُشْهِدُكُمْ أَني قَدْ أَجَبْتُ دَعْوَتَهُمْ وَشَفَعْتُ رَغْبَتَهُمْ وَوَهَبْتُ مُسِيئَهُمْ لِمُحْسِنِهِمْ وَأَعْطَيْتُ مُحْسِنَهُمْ جَمِيع مَا سَأَلَ وَتَحَمَّلْتُ عَنْهُمُ التَّبِعَاتِ الَّتِي بَيْنَهُمْ }[4]
5- يوم دحر الشيطان:
فقد قال النبى فى سرَّ ذلك:{ مَا رُؤِيَ الشَّيْطَانُ يَوْماً هُوَ فِيهِ أَصْغَرُ وَلاَ أَدْحَرُ وَلاَ أَغْيَظُ وَلاَ أَحْقَرُ مِنْهُ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَمَاذٰلِكَ إِلاَّ مِمَّا يَرَىٰ مَنْ تَنَزُّلَ الرَّحْمَةِ، وَتَجَاوُزِ اللَّهِ عَنِ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ } [5]
الحضور بعرفة
وهو ركن الحج الأعظم، ولذا قال فيه النبى{الْحَجُّ عَرَفَةُ }[6] ويبدأ بأن يصلي الحاج الظهر والعصر قصراً وجمعاً ركعتين ركعتين بآذان واحد وإقامتين وذلك بعد سماع خطبة عرفة والتى تكون بعد الأذان وقبل الصلاة وذلك بمسجد نَمِرَه لمن تيسر له أو بأى مكان على أرض عرفه على أن الذي يصلي بمسجد نمرة لا بد أن يخرج منه مباشرة بعد الصلاة إلى أرض الموقف والتى قال فيها النبى{وَقَفْتُ هَـٰهُنَا و عَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ،وَٱرْتَفِعُوا عَنْ بَطْنِ عُرَنَة}[7]،وهى واد يفصل بين عرفة والمزدلفة.
ونقول الحضور بعرفة:
لأنه يكفى للقيام بهذا الركن أن يحضر الحاج بأرض عرفة سواء كان قائماً أوجالساً أو مضجعاً أو نائماً، ما دام ذهب إلى هذا المكان فى الوقت بين زوال الشمس من يوم التاسع (يوم عرفة) إلى فجر يوم النحر (يوم العيد)ويكفى لإتمام هذا الركن أن يقف الحاج على أرض عرفة ولو لحظة من الليل قبل فجر يوم النحر أما من وقف بالنهار فلا بد أن يقف ولو لحظة بعد غروب الشمس، وإلا لو نزل قبل غروب الشمس كان عليه دم أما من تأخر عن الحضور إلى عرفة حتى فجر يوم العيد فلا ينفع حجه، وعليه أن يعيده فى العام التالى إن أمكنه ذلك لقول النبى{ مَنْ أَدْرَكَهُ الفَجْرُ مِنْ لَيْلَةِ المُزْدَلِفَةِ، وَلَمْ يَقِفْ بِعَرَفَةَ، فَقَدْ فَاتَهُ الحَجُّ، وَمَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ مِنْ لَيْلَةِ المُزْدَلِفَةِ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الفَجْرُ، فَقَدْ أَدْرَكَ الحَجَّ } [8]
سنن يوم عرفة
ومن سنن هذا اليوم المبارك:
1. أن يغتسل الحاج له قبل الزوال: إن أمكن، وإلا فليتوضأ ويحرص على البقاء على وضوء طوال يومه، فكلما أحدث توضأ.
2. حضور الخطبة المقررة فى هذا اليوم قبل صلاة الظهر بمسجد نمرة أو حيث هو .
3. أن يصلى الظهر والعصر جمعاً وقصراً بأذان واحد وإقامتين ومن لم يتمكن من أدائها فى جماعة أداها بمفرده بهذه الكيفية.
4. الدعاء:
فيشغل الحاج نفسه فى هذا اليوم بالدعاء أو الذكر أو الإستغفار أو تلاوة القرآن أو يجمع بينهما جميعاً فقد قال النبى{ أَفْضَلُ الدعاءِ دُعَاءُ يومِ عَرَفَةَ، وَأَفْضَلُ ما قلتُ أنَا والنبيونَ من قَبْلِي: لا إلَهَ إلا الله وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ } [9]
5. صيام هذا اليوم لغير الحاج لقول النبى{ صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ إِنِّي أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالَّتِي بَعْدَهُ } [10]
أما الحاج فيكره له صيام هذا اليوم ليتمكن من العبادة والدعاء ولذا روى أبو هريرة t قال:{ نهى رسول الله عن صيام يوم عرفة بعرفات }[11] وإن كان لايجب على الحاج أن يُشْغَل بنهى من صام عن صيامه أو لَوْمَه، فمن شاء صام ومن شاءأفطر.
ما يُنْهَى عنهالحاج فى يوم عرفة
1. قطع أى شجرة أو جزء منها من الأشجار المزروعة على عرفات فإن فعل ذلك فعليه أن يكفر عن ذلك بإخراج ما تيسر من الصدقات والإستغفار.
2. قتل أى حيوان أو صيده إلا العقرب أوالفأر أو السبع لإيذائهم.
3. لا يغطِّى الرجل المحرم قدميه إذا نام لأنهما من مواضع الإحرام التى أمر الله بكشفها وكذا رأسه إلا المظلة فقد أبيحت له.
4. لغو الكلام: وهو الكلام الذي لا فائدة فيه فضلاً عن الكلام الذي يأثم بسببه كالغيبة والنميمة والسب والشتم والقذف وغيرها فإن الحديث بمثل هذه الأمور فى هذا اليوم دليل على القطيعة من الله لهذا العبد المتعدِّى الذى يخوض فى مثل هذه الأمور.
تنبيــــهات
1. المشى فى الشمس: على الحاج أن يحترس من المشى بدون مظلة فى الشمس، أو حتى الإكثار من المشي بالمظلة فى الشمس حتى لا يصاب بضربة شمس.
2. إذا وافق يوم عرفة يوم جمعة، فليس على الحاج جمعة فى ذلك اليوم، وكذلك إذا وافق يوم العيد يوم جمعة فلا صلاة جمعة فى منى وأيضاً لاصلاة عيد على الحجيج سواء بمنى أو بمكة وذلك لإشتغاله بأعمال المناسك.
3. على الحاج ألا ينسى التكبير من فجر يوم عرفة إلى عصر اليوم الرابع من أيام العيد عقب الصلوات المكتوبات والنوافل والعبادات.
4. المرأة الحائض: يجب علي الحائض أن تقف بعرفة وتدعو الله وتستغفر، غير أنها لا تصلى ولا تقرأ القرآن ولا تمسّ المصحف ولا تدخل المسجد.
أخطاء شائعة فى يوم عرفة
1. التنافس فى صعود جبل الرحمة: لم يثبت شيء فى هذا الشأن عن النبي
2. البقاء بمسجد نمرة طوال يوم عرفة: خطأ لأن المسجد ليس كله من أرض عرفه فيجب على من صلى به أن يخرج عقب الصلاة إلى أرض الموقف أو يذهب حيث هو بعرفة، وهناك علامات واضحة بالمسجد توضح ذلك.
3. تعجل الدفع أو الخروج من عرفات: يتعجل بعض الحجيج، فينزل من عرفات قبل غروب الشمس مما يجعل وقوفه غير تام، لأنه يشترط أن يقف بعرفات ولو لحظة بعد غروب شمس يوم عرفة.
4. تعاطى حبوب منع الحمل لمنع الدورة: بعض النسوة يتعاطين حبوب منع الحمل حتى لا تأتيها حيضتها فتتمكن من أداء المناسك، وهذا أمر لا بأس به شرعاً لأن سيدنا عبدالله بن عمر أباحه للنساء وكان يصف لهن ماء الآراك لذلك وقد أباحه الأئمة فى هذا العصر بالوسائل المستحدثة والتى تنفع لذلك حتى تتمتع النساء بجمال هذه الشعائر.
1]صحيح ابن خزيمة عن جابر ، مُرَهَّقا: يغشى المحارم.
[2] رواه أبو يعلى والبزار، وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحه

[3] رواه ابن حبان وابن ماجه من حديث أبى هريرة.

[4]الْخطيب في المتفق والمفترق عن أنسٍ رضيَ اللَّهُ عنهُ

[5](مالك هب ) عن طلحةَ بن عبداللَّه

[6] رواه الترمذيُّ، وأبو داود، والنسائي عن عبدالرحمن بن يعمر.

[7] موطأ الإمام مالك، وسنن ابن ماجة عن جابر.

[8]عَنْ هِشَام بْن عُرْوة ،عَنْ أَبِيهِ موطأ الإمام مالك

[9]عن طَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِالله بنِ كَرِيزٍ سنن البيهقى الكبرى

[10] عَنْ أَبِي قَتَادَةَ سنن ابن ماجة

[11] رواه أحمد وابن ماجة عن أبى هريرة.
زاد الحاج والمعتمر
عمل الحاج أيام منى
أيام التشريق
أيام منى : هى أيام التشريق الثلاثة أى اليوم الثانى والثالث والرابع من أيام العيد.
سبب التسمية: وسميت أيام التشريق لكثرة قيام الحجيج بتشريق اللحم يعنى نشر اللحم فى الشمس فيها بعد تقطيعه وتقديده (تجفيفه) وسميت منى بهذا الإسم لكثرة ما يمنى أى يسقط فيها من الدماء بذبح الهدى وحدود منى من العقبة إلى وادى مُحَسّر وهى رغم ضيقها وإحاطتها بالجبال من الجانبين إلا أنها تسع الحجيج مهما كثر عددهم وسئل ابن عباس عن ذلك فقال{إن منى يتسع بأهله كما يتسع الرحم للولد}[1]
الواجب على الحاج أيام منى
1. الرمى:
فيقوم الحاج برمى الجمرات الثلاث الصغرى ثم الوسطى ثم الكبرى بترتيبها ويرمى كل واحدة بسبع حصيات متفرقات ويكبر عند كل حصاة وذلك فى اليوم الثانى والثالث لمن تعجّل على أن ينفر من منى قبل غروب الشمس فإن غربت عليه الشمس فى اليوم الثالث بات فى منى ورمى فى اليوم الرابع وذلك ظاهر فى قول الله{فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} ووقت الرمى للأقوياء عند الزوال أما أصحاب الأعذار فيبدأ الرمي لهم من الفجر وقد روى ذلك عن أبى حنيفة والرافعى من الشافعية والإمام جعفر الصادق وعطاء وطاووس فقال الإمام جعفر الصادق{رمى الجمار ما بين طلوع الشمس إلى غروبها}[2] وقال أبو حنيفة(يجوز الرمى فى اليوم الثالث قبل الزوال إستحساناً }وذهب عطاء إلى أن من نسى رمى يوم من أيام التشريق فليرمه وقت تذكره ما دام فى أيام التشريق قال{من نسى رمى الجمار أيام التشريق فذكر وكان فى أيام التشريق فليرم ولا شيء عليه فإن مضت أيام التشريق فقد ذهب وقت الرمى فليهرق دماً ومن فاته رمى الجمار يوماً فليتصدق بدرهم }وجملة ما يرميه الحاج من الحصيات إن تعجل ثنتان وأربعون حصاة بالإضافة إلى سبع فى اليوم الأول ويكون جملته لمن تأخر ثلاث وستون حصاة بالإضافة إلى سبع فى اليوم الأول فيكون جملتها سبعين حصاة.
الإنابة: ويجوز لأصحاب الأعذار إنابة من يرمى عنهم بشرط أن يرمى عن نفسه أولاً ثم يرمى عمن استنابه وتكون الإنابة لأصحاب الأعذار الشديدة أما أصحاب الأعذار البسيطة فيستطيعون أن يرموا بعد الفجر مباشرة ولا مشقة عليهم فى ذلك.
2- المبيت فى منى:
وهو واجب عند معظم المذاهب أى من ترك المبيت يجبره بدم إلاّ على مذهب الإمام أبى حنيفة فهو سنة وإن كان وقت المبيت كما حدده الأئمة يكفى في أن يحضرالحاج ولو بعد منتصف الليل واستثنى من هذا الحكم أصحاب الأعمال التى لا تمكنهم من المبيت بمنى وخاصة الأعمال التى تتعلق بخدمة الحجيج وهذا استناداً إلى ما روى عن ابن عمر{أن العباس استأذن رسول الله أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته فأذن له }[3] وأيضاً ما ورد فى أنه{أَرْخَصَ لِرِعَاءِ الإِبلِ فِي البَيْتُوتَةِ خَارِجِينَ عَن مِنًى يَرْمُونَ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ يَرْمُونَ الغَد، وَمِنْ بَعْدِ الغَدِ لِيَوْمَيْنِ، ثُمَّ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّفْر }[4] وهذا يبيح لذوى الأعذار أيضاً أن يرموا جمرة العقبة ثم يرمون فى اليوم الأول اليوم الأول والثاني معاً فى وقت واحد ويرمون اليوم الثالث عند نفرهم من منى وقد رخّص ابن عباس أيضاً فى البيات بمكة لمن معه شيء يخاف عليه هناك فقال:{ لا بأس إذا كان للرجل متاع بمكة يخشى عليه أن يبيت بها ليالى منى }[5].
مباحات منى
ومما يباح للحاج فى منى ما يلى:
1. قصر الصلاة:
وقد ورد القصر فى رواية حارثة{صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ الله بِمنًى وَالنَّاسُ أَكْثَرَ ما كَانُوا فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ في حَجَّةِ الْوَدَاعِ }[6] وورد الإتمام عن عائشة وعن عثمان{أَنَّ عُثْمانَ بنَ عَفَّانَ أَتَمَّ الصَّلاَةَ بِمِنًى مِنْ أَجْلِ الأَعْرَابِ لأَنَّهُمْ كَثُرُوا عامَئِذٍ، فَصَلَّى بالنَّاسِ أَرْبعاً لِيُعَلِّمَهُمْ أَنَّ الصَّلاَةَ أَرْبَعٌ }[7] وعلى هذا فيباح للحاج القصر فى منى ويصح منه الإتمام ولا يجوز أن يعيب القاصر على المتم ولا أن يلوم المتم على القاصر لأن الأمر هنا على السعة وأشد من ذلك كله الخلاف فليتأسى الحجيج بنهج وهدى الأصحاب وللتدليل على خطورة الخلاف فقد ورد عن عَبْدِ الرَّحْمٰنِ بنِ يَزِيدَ،قال{ صَلَّى عُثْمانُ بِمِنًى أَرْبَعاً، فقال عَبْدُالله: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبيِّ رَكْعَتَيْنِ وَمَعَ أبي بَكْرٍ رَكْعَتَيْنِ،وَمَعَ عُمَرَ رَكْعَتَيْنِ، وَمَعَ عُثْمانَ صَدْراً مِنْ إمَارَتِهِ ثُمّ َأَتمَّهَا ثُمَّ تَفَرَّقَتْ بِكُمُ الطُّرُقُ فَلَوَدِدْتُ أَنَّ لِي مِنْ أرْبَعِ رَكَعَاتٍ رَكْعَتَيْنِ مُتَقَبَّلَتَيْنِ. قال الأَعمَشُ: فحَدَّثَني مُعَاوِيَةُ بنُ قُرَّةَ عن أشْيَاخِهِ أنَّ عَبْدَ الله صَلَّى أرْبَعاً قال فقِيلَ لَهُ: عِبْتَ عَلَى عُثْمانَ ثُمَّ صَلَّيْتَ أرْبعاً قال: الْخِلاَفُ شَرٌّ }[8] والقصر رخصة والإتمام عزيمة والأخذ بالرخصة عند مقتضاها عزيمة، فمن أخذ بالرخصة وقصر صلاته فحسن، ومن أخذ بالعزيمة وأتم صلاته، فقد أحسن.
2. التجارة:
هى من الأمور المباحة فى أيام منى ولا شيء فيها البتة إلا إذا دخل فيها الجدال فهو مكروه لأنها أيام حج وهذا أيضاً فى عرفات وفى ذلك يقول ابن عباس : كانوا لا يتجرون فى أيام منى ويوم عرفة فأنزل الله {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ } إلى آخرالآية.
3. جواز تعجيل النَّفر:
والنفر أى النزول من منى إلى مكة فيجوز أن ينزل من منى بعد رميه لليوم الثانى من أيام التشريق الثالث من أيام العيد ويجوز أن يتأخر حتى اليوم الثالث من أيام التشريق الرابع من أيام العيد وأيضاً لا يعيب هذا على ذاك ولا يحسب أحد أنه أفضل فى عمله من الآخر بعد أن أجاز الله الفعلين وأقرّ الأمرين{فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} على أن يلاحظ الحاج إن تعجل أن يكون نزوله من منى قبل غروب الشمس لما ورد عن ابن عمر قال: { مَنْ غرَبَتْ علـيهِ الشمسُ وهو بـِمِنًى من أَوْسَطِ أيامِ التشريقِ فلا يَنْفِرَنَّ حتـى يَرْمِيَ الـجِمَارَ من الغَدِ }[9] وهذا للأقوياء، أما الضعفاء وأصحاب الأعذار فقد أجاز لهم الإمام أبو حنيفة النزول ما لم يطلع فجر اليوم الرابع من أيام العيد الثالث من أيام التشريق فقال:{ له أن ينفر ما لم يطلع الفجر، ولو غربت الشمس وقد شدَّ رحله لم يلزمه الحطّ }.
ما يندب للحاج بمنى
1. أن يشغل نفسه بذكر الله لقوله{وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ}والذكر يشمل التسبيح والتهليل والتكبير والإستغفار وتلاوة القرآن والصلاة على النبى والصلاة وغيرها.
2. لا بأس أن يزور الأماكن المباركة فى منى مثل مسجد الخيف وهو يقع قريباً من الجمرات وقد ورد فى الصحيحين أن النبى صلى به كما روى عن ابن عباس أن النبى قال{صَلَّى في مَسْجِدِ الخِيفِ سَبْعُونَ نَبيّاً مِنْهُمْ موسى انِّي أَنْظُرُ إليهِ وعَلَيْهِ عَبَاءَتَانِ قَطَوانِيَّتَانِ وهُوَ مُحْرِمٌ على بَعِيرٍ من إبِلِ شَنُوءَةَ مَخْطُومٌ بخُطَامٍ مِنْ لِيفٍ عَلَيْهِ ضَفِيرَتانِ }[10].
تنبيهات فى الرمى
1. أباحه العلماء وإن كان خلاف الأولى:
بعض الحجاج الذين يستنابون فى رمى الجمار يرمى عن نفسه فى الجمرة الصغرى ثم يرمى عمن استنابوه قبل أن يكمل الرمى عن نفسه فى الجمرتين الأخيرتين وقد أباح العلماء والأئمة ذلك نظراً لشدة وكثرة الزحام وإن كان خلاف الأولى.
2. بعض العلماء المتشددين يفتى الحجيج بأن من رمى قبل الظهر فرميه باطل ويأمرهم بالإعادة بعد الظهر وفى هذا مشقة بالغة للمرضى والمسنين وذوى الأعذار وكما وضحنا فيما سبق بأنه لا بأس لهؤلاء أن يرموا بعد الفجر.
3. يشدد بعض المتفقهين فى الدين على الناس فى منى فى قصر الصلاة ويصروا على أن الإتمام لا يجوز وهذا غير مقبول لأن الأصل فى الصلاة الإتمام والقصر جعل لأصحاب الأعذار وهو رخصة أى أن أصحاب الأعذار لو لم يأخذوا به وأتموا لكان ذلك أفضل لهم ومادام الأمر فيه سعة فيجب على العلماء رفع الحرج والتيسير على المسلمين.

1-رواه الأزرقى فى أخبار مكة عن ابن عباس

[2] رواه سعيد بن منصور.

[3] مسند الإمام أحمد.

[4] سنن الترمذي والدارمى وأبو داوود.

[5] رواه أبو داوود عن حارثة بن وهب الخزاعى.

[6] صحيح مسلم.

[7] سنن أبى داوود رواه الزهرى عن عثمان.

[8] سنن أبى داوود عن أبى معاوية عن عبدالرحمن بنزيد.

[9] سنن البيهقى الكبرى.

[10]رواه الطبرانى فى الكبير.
زاد الحاج والمعتمر
أحكامٌ متفرقة
إتمام المناسك : فإذا انتهت أيام الرمى ونزل الحاج إلى مكة طاف طواف الإفاضة إن لم يكن طافه فى أيام التشريق وسعى بعده بين الصفا والمروة إن كان متمتعاً أما إذا كان مفرداً أو قارناً فإن كان سعى بعد طواف القدوم فليس عليه سعى أما إن كان طاف طواف القدوم ولم يسع بعده أو جاء متأخراً وتوجه إلى عرفة مباشرة بدون طواف قدوم فيجب عليه سعى الحج للمفرد وسعى الحج والعمرة معاً للقارن بعد طواف الإفاضة وبعد ذلك يحلّ له كل شيء حتى النساء.
عمل الحاج بعد أداء المناسك
وبعد أداء الحاج لمناسك الطواف والسعى يبقى عليه عدة أشياء:
1. العمرة التى هى قرينة الحج: بالنسبة للحاج المفرد عليه أن يتوجه إلى التنعيم (مسجد السيدة عائشة) وينوى العمرة بعد إحرامه وصلاته ركعتين بالمسجد ثم يتوجه إلى البيت الحرام فيطوف ويسعى ويحلق أو يقصر وبذلك يكون قد انتهى من نسكه لأن العمرة قرينة للحج وفى ذلك يقول ابن عباس إنها لقرينته فى كتاب الله{وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ }
2. تعجيل الرجوع: يستحب للحاج التعجيل بالرجوع إلى الأهل لما روى عن عائشة أنها قالت قال النبى{إِذَا قَضَىٰ أَحَدُكُمْ حَجَّهُ فَلْيُعَجلِ الرُّجُوعَ إِلَى أَهْلِهِ فَإنَّهُ أَعْظَمُ لأَجْرِهِ }[1].
3. أحكام فى العمرة: إذا كان عنده وقت لارتباطه بفوج فلا بأس عليه أن يؤدى عمرة لنفسه أو لغيره بعد أيام التشريق أما العمرة فى أيام الحج وهى شوال وذي القعدة وخمس عشرة يوماً من ذى الحجة، فإن أداها الحاج عن نفسه أو غيره فى هذا الوقت فعليه دم ما دام قد انتظر للحج أما إذاأداها ورجع إلى أهله ( أى لم يؤدِ الحج ) فلا شيء عليه.
4- يندب للحاج أثناء إقامته بمكة أن يزور الأماكن الفاضلة إن تيسر له ذلك، فإن لم يتيسر له ذلك فلا شيء عليه، ومنها:

· غار حراء: وهو الذي كان يتعبد فيه رسول الله وفيه بدأ نزول الوحى عليه.

· غار ثور: وهو الذي اختبأ فيه رسول الله مع أبى بكر عند الهجرة إلى المدينة.

· المعلى: وهو مقبرة مكة وفيها يقول رسول الله{ من قُبر بمكة مُسلماً بعث آمناً يوم القيامة }[2]ويقول أيضاً{ مَنْ مَاتَ في أَحَدِ الحَرَمَيْنِ بُعِثَ آمِناً يَوْمَ القِيَامَةِ }[3].

· ختم القرآن بمكة: يستحب للحاج أن يختم القرآن بمكة مرة على الأقل لأنها تعدل مائة ألف ختمة بغيرها من البلاد.
طواف الوداع
فإذا عزم الحاج على مغادرة مكة فليكن آخر شيء يعمله بمكة أن يودِّع البيت بالطواف به فى ملابسه العادية ويكثر فى دعائه:{ ألاّ يكون آخر عهده بالبيت ويسأل الله أن يرزقه زيارة هذا البيت مرات وكرات }فإذا طاف طواف الوداع، وصلى ركعتين بعده سنّة الطواف فلا يحل له أن يشترى شيئاً من مكة إلا الطعام أو شراب أو علاج، أو شيء أوجبته الضرورة وذلك إلا الحائض والنفساء، فليس عليهما طواف وداع.
الفوات والإحصار
وهما شيئان قد يتعرض لهما الحاج فلا يستطيع أن يؤدى فريضة الحج وحكمهما:

1. الفوات: وهو أن يتأخر الحاج بسبب السفر أو المرض أو تعطل لوسائل المواصلات فيصل إلى عرفة وقد فاته وقت الوقوف(أي يصل بعد فجر يوم العيد)فعليه فى هذا الوقت أن يغير نيته بالحج وينوى عمرة ويذهب إلى البيت ويعتمر ويذبح هدياً فإن تيسر له الحج من عام قابل فبها ونعمت، وإلا فليس عليه شيء.

2. الإحصار: وهو أن يُحصر الحاج فى الطريق إلى مكة أى يُمنع،فيمنعه مانع أو يحبسه حابس من الوصول مثل عدوّ أو قطاع طريق أو وحش مفترس أو مرض مفاجئ فيمكث مكانه ولا يستطيع أن يكمل السفر إلى مكة حتى يفوته أداء الحج فماذا يفعل عندها؟ عليه فى هذا الموضع أن يذبح مكانه ويحلق أو يقصر ويرجع إلى أهله وليس عليه قضاء حجه، وهذا بإجماع المذاهب إلا الإمام أبو حنيفة فقد أوجب عليه ان يرسل هديه ليذبح بمكة ولا يتحرك من مكانه راجعاً إلى أهله حتى يتحقق ويتيقن بأن هديه قد ذبح بمكة.
العمرة
وهى: زيارة البيت فى أى وقت من العام وليس لها وقت محددٌ وإن كان أفضل أوقاتها شهر رمضان المبارك لقول رسول الله للرجل الذي قال له عقب حجة الوداع أن زوجته كانت تنوى أن تحج معه فقال له عليه الصلاة والسلام{ أَخْبرْهَا أَنَّهَا تَعْدِلُ حَجَّةً مَعِيَ عمرةٌ فـي رمضانَ }[4].
أركانها:
وأركانها هى: الإحرام الطواف بالبيت السعي بين الصفا والمروة، والحلق والتقصير وليس فيها لا وقوف بعرفة ولا ذهاب إلى منى وليس أيضاً على فاعلها هدى إلاإذا فعلها فى أيام الحج وانتظر حتى حج هذا العام أما من يؤديها بعد انتهاء أيام التشريق وإن كان فى الحج فليس عليه هدى.
فضلها:
قال النبى{الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا}[5]وقال ايضاً{ تابِعُوا بَيْنَ الحَجِّ وَالعُمَرَةِ فَإنَّ مُتَابَعَةً بَيْنِهِمَا يَنْفِيانِ الذُّنُوبَ وَالفَقْرَ كَما يَنْفِي الكِيرُ الخَبَثَ}[6] وفى رواية أخرى: { تابِعُوا بَيْنَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ فَانَّ مُتابَعَةً بَيْنَهُمَا تَزِيدُ فِي العُمْرِ وَالرِّزْقِ وَتَنْفِيانِ الذُّنُـوبَ، كما يَنْفِي الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ }[7].
فضل الله على الحاج
وهذا حديث جامع يبين بعض ما يتفضل الله به على الحاج من حين يخرج من بيته إلى آخر طوافه بالبيت فقد ورد عن ابْنُ عُمَرَ قَالَ: كُنْتُ جَالِساً مَعَ النَّبِيِّ فِي مَسْجِدِ مِنًى، فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، وَرَجُلٌ مِنْ ثَقِيفٍ، فَسَلَّمَا ثُمَّ قَالاَ: يَارَسُولَ اللَّهِ جِئْنَا نَسْأَلُكَ فَقَالَ{ إنْ شِئْتُمَا أَخْبَرْتُكُمَا بِمَاجِئْتُمَا تَسْأَلاَنِي عَنْهُ فَعَلْتُ، وَإنْ شِئْتُمَا أَنْ أُمْسِكَ وَتَسْأَلاَنِي فَعَلْتُ؟» فَقَالاَ: أَخْبِرْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ الثَّقَفِيُّ لِلأَنْصَارِيِّ: سَلْ فَقَالَ: أَخْبِرْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ،فَقَالَ: جِئْتَنِي تَسْأَلُنِي عَنْ مَخْرَجِكَ مِنْ بَيْتِكَ تَؤُمُّ الْبَيْتَ الْحَرَامَ، وَمَا لَكَ فِيهِ، وَعَنْ رَكْعَتَيْكَ بَعْدَ الطَّوَافِ وَمَا لَك َفِيهِمَا، وَعَنْ طَوَافِكَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَمَا لَكَ فِيهِ،وَعَنْ وُقُوفِكَ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ وَمَا لَكَ فِيهِ وَعَنْ رَمْيِكَ الْجِمَارَ وَمَا لَكَ فِيهِ، وَعَنْ نَحْرِكَ وَمَا لَكَ فِيهِ مَعَ الإفَاضَةِ،فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِٱلْحَقِّ لَعَنْ هٰذَا جِئْتُ أَسْأَلُكَ. قَالَ:فَإنَّكَ إذَا خَرَجْتَ مِنْ بَيْتِكَ تَؤُمُّ الْبَيْتَ الْحَرَامَ لاَ تَضَعُ نَاقَتُكَ خُفًّا، وَلاَ تَرْفَعُهَ إلاَّ كَتَبَ اللَّهُ لَكَ بِهِ حَسَنَةً،وَمَحَا عَنْكَ خَطِيئَةً، وَأَمَّا رَكْعَتَاكَ بَعْدَ الطَّوَافِ كَعِتْقِ رَقَبَةٍ مِنْ بَنِي إسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، وَأَمَّا طَوَافُكَ بِٱلصَّفَا وَالْمَرْوَةِ كَعِتْقِ سَبْعِينَ رَقَبَةً وَأَمَّا وُقُوفُكَ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ، فَإنَّ اللَّهَ يَهْبِطُ إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيُبَاهِي بِكُمُ الْمَلاَئِكَةَ يَقُولُ: عِبَادِي جَاؤُونِي شُعْثاً مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ يَرْجُونَ جَنَّتِي فَلَوْ كَانَتْ ذُنُوبُكُمْ كَعَدَدِ الرَّمْلِ أَوْكَقَطْرِ الْمَطَرِ أَوْ كَزَبَدِ الْبَحْرِ لَغَفَرْتُهَا، أَفِيضُوا عِبَادِي مَغْفُوراً لَكُمْ وَلِمَنْ شَفَعْتُمْ لَهُ وَأَمَّا رَمْيُكَ الْجِمَارَ فَلَكَ بِكُلِّ حَصَاةٍ رَمَيْتَهَا تَكْفِيرُ كَبِيرَةٍ مِنَ الْمُوبِقَاتِ،وَأَمَّا نَحْرُكَ فَمَذْخُورٌ لَكَ عِنْدَ رَبِّكَ، وَأَمَّا حِلاَقُكَ رَأْسَكَ فَلَكَ بِكُلِّ شَعْرَةٍ حَلَقْتَهَا حَسَنَةٌ وَيُمْحَىٰ عَنْكَ بِهَاخَطِيئَةٌ، وَأَمَّا طَوَافُكَ بِٱلْبَيْتِ بَعْدَ ذٰلِكَ فَإنَّكَ تَطُوفُ وَلاَذَنْبَ لَكَ يَأْتِي مَلَكٌ حَتَّى يَضَعَ يَدَيْهِ بَيْنَ كَتِفَيْكَ فَيَقُولُ:ٱعْمَلْ فِيمَا تَسْتَقْبِلُ فَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا مَضَىٰ } [8]
فضل من مات حاجاً أو معتمراً
قال رسول الله{مَنْ مَاتَ فِي هٰذَا الْوَجْهِ حَاجّاً أَوْمُعْتَمِراً لَمْ يُعْرَضْ وَلَمْ يُحَاسَبْ وَقِيلَ لَهُ ادْخُلِ الْجَنَّةَ}[9] وعن أبى هريرة قال{مَنْ خَرَجَ حَاجّاً فَمَاتَ كُتِبَ له أَجْرُ الحَاجِّ إلى يَوْمِ القِيَامَة وَمَنْ خَرَجَ مُعْتَمِراً فَمَاتَ كُتِبَ لَهُ أَجْرُ مُعْتَمِرٍ إلى يَوْمِ القِيَامَةِ وَمَنْ خَرَجَ غازياً فَمَاتَ؛ كُتِبَ لَهُ أَجْرُ الغَازِي إلى يَوْمِ القِيَامَةِ}[10].
حكم من مات محرماً
من مات محرماً حالة لبسه ثياب الإحرام: فحكمه أن يدفن على هيئته بعد تغسيله أي لا يغطى وجهه ولا قدميه وذلك لقول النبى{ مَنْ مَاتَ مُحْرِماً حُشِرَ مُلَبيَاً }[11] ويكفن بملابس الإحرام، فقد قال النبى{ يُحْشَرُ الْمَرْءُ فِي ثَوْبَيْهِ الَّذِيْنَ مَاتَ فِيهِمَا } [12]
1- سنن البيهقى الكبرى والمستدرك للحاكم.

[2] رواه الحافظ أبو الفرج.

[3] رواه الطبرانى فى الصغير والأوسط.

[4] سنن البيهقى الكبرى.

[5] صحيح مسلم عن أبى هريرة.

[6] مسند الإمام أحمد عن بن عامر بن ربيعة عن أبيه.

[7] مسند الإمام أحمد عن عمر

[8]رواه الطبراني في الكبير والبزار ورواه ابن حبان في صحيحه

[9] عن عائشةَ جامع المسانيد والمراسيل

[10] مسند أبو يعلى.

[11] الخطيب فى التاريخ عن ابنِ عبَّاسٍ، جامع الأحاديث والمراسيل.

[12]عن أبو سعيد الخدري، الحاوي الكبير في الفقه الشافعي
 زاد الحاج والمعتمر
زيارة المدينة المنورة

فضل المدينة المنورة

للمدينة المنورة فضائل عظيمة وكثيرة لا يتسع المقام لذكرها نكتفى منها بقول النبى{ اللَّهُمَّ اجْعَلْ بِالْمَدِينَةِ ضِعْفَيْ مَا بِمَكَّةَ مِنَ الْبَرَكَة}[1] ويقول أيضاً{إِنَّ الإِيمَانَ لَيَأْرِزُ(ينضم وينجمع) إِلَى الْمَدِينَةِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا}[2]ويبين النبى صفاء جوهرها ونقاء معدنها فيقول{إِنَّمَا الْمَدِينَةُ كَالْكِيرِ تَنْفِي خَبَثَهَا وَيَنْصَعُ طَيِّبُهَا }[3](أى تخلص) وعندما كان عائداً من غزوة تبوك وخرج الناس لاستقباله وتأذّى البعض من التراب الذي ثار من أقدامهم ووضعوا أرديتهم على أنوفهم حتى لا يشموا التراب كشف اللثام عن وجهه الشريف وقال:{وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنَّ فِي غُبَارِهَا شِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ }[4]ومما يدل على الغاية فى فضلها تحبيبه فى الموت بها قوله صلوات الله وسلامه عليه{مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَمُوتَ بِالْمَدِينَةِ فَلْيَمُتْ بِهَا فَإِني أَشْفَعُ لِمَنْ يَمُوتُ بِهَا}[5]وما أجمل قول السيدة عائشة فى فضلها:{كلُّ البلاد افتتحت بالسيف، وافتتحت المدينةُ بالقرآن}وهى مهاجر رسول الله وكل أزواجه بها، وفيها قبره وما أبهى قول مالك بن أنس حين يذكر بعض فضائلها فيقول:{ المدينة وعلى أنقابها ملائكة يحرسونها لا يدخلها الدجال ولا الطاعون وهي دار الهجرة والسنة وبها خيار الناس بعد النبي وهجرة النبي وأصحابه واختارها الله بعد وفاته فجعل بها قبره وبها روضة من رياض الجنة ومنبره وليس ذلك في البلاد غيرها ومنها تبعت أشراف هذه الأمة يوم القيامة} [6]

مشروعية زيارته صلى الله عليه وسلم

وقد اختار الله لنبيه المدينة المنورة ليكون التوجه إليه والذهاب إليه خاصاً بذاته الشريفة لأنه لو كان بمكة لكان تابعاً للبيت ومن هنا قال الله {وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ}فجعل الهجرة هنا إلى الله يعنى لزيارة بيت الله الحرام و الهجرة إلى رسوله يعنى بزيارته فى مدينته المنورة ومن هنا جعل العلماء زيارته من أوجب الواجبات على الحاج وعَدّوا تركها بدون عذر من الجفاء الذي لا يستهان به فى مواجهة الشفيع الأعظم يوم لقاء الله واستنبط العلماء سرّ وجوب زيارته من الآية السابقة وأيضاً من قوله{وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً }هذا بالإضافة إلى الأحاديث الكثيرة التى رويت فى هذا المعنى ومنها على سبيل المثال قوله عليه الصلاة والسلام { مَنْ زارَ قَبْرِي، أو قالَ: مَنْ زَارَنِـي كنتُ له شفـيعاً أو شهيداً ومن ماتَ فـي أَحَدِ الـحَرَمَيْنِ بَعَثَهُ الله فـي الآمِنِـيْنَ يومَ القـيامةِ }[7]ويؤكد هذا المعنى، أى استحقاق الشفاعة بزيارته فيقول{مَنْ جَاءَنِي زَائِراً لاَ يَعْمَدُهُ حَاجَةٌ إِلاَّ زِيَارَتِي كَانَ حَقّا عَلَيَّ أَنْ أَكُونَ لَهُ شَفِيعَاً يَوْمَ الْقِيَامَةِ }[8] ويقول أيضاً{ مَنْ زَارَ قَبَّري وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي}[9]ويُعَرّض بأهل الجفاء الذين يمنعون زيارته {مَنْ حَجَّ الْبَيْتَ وَلَمْ يَزُرْنِي فَقَدْ جَفَانِي} [10] ويردّ rعلى من يدَّعى موته وحسب فيقول{ مَنْ زَارَ قَبْري بعدَ مَوْتي كَانَ كَمَنْ زَارَني في حَيَاتي } [11]ويقول أيضاً فى الحديث الصحيح{مَنْ حَجَّ فَزارَ قَبْرِيَ بَعْدَ مَوْتِـي كانَ كَمَنْ زَارَنِـي فـي حَيَاتِـي }[12]ونكفى أن نعلم أنه يرد السلام على من سلم عليه فى كل بقاع الأرض لقوله { مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلمُ عَلَيَّ إِلاَّ رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلاَمَ }[13]وإخباره لنا أن صلاتنا عليه تعرض عليه{مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ وَفِيهِ الصَّعْقَةُ فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ الصَّلاَةَ فِيهِ فَإِنَّ صَلاَتَكُمْ تُعْرَضُ عَلَيَّ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تُعْرَضُ صَلاَتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرْمَمْتَ يَقُولُ: بَلِيتَ ؟، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالٰى حَرَّمَ عَلٰى الأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الأَنْبِيَاءِ } [14]بل أخبر أن أعمالنا تعرض عليه فقال:{ حَياتِـي خَيْرٌ لَكُمْ تُـحَدِّثُونَ ويُحْدَثُ لَكُمْ فإذا أنا مُتُّ كانَتْ وَفـاتِـي خَيْراً لَكُمْ تُعْرَضُ علـيَّ أعْمالَكُمْ فإنْ رَأيْتُ خَيْراً حَمِدْتُ الله وإِنْ رَأيْتُ شَراً اسْتَغْفَرْتُ لَكُمْ } [15]


[1]صحيح البخاري ومسلم عن أنس بن مالك.



[2]صحيح البخارى ومسلم عن أبي هريرة،.



[3]صحيح مسلم عن جابر.



[4]الترغيب والترهيب عن سعد.



[5]ابن ماجة والترمذى عن ابنِ عُمَرَ رضيَ اللَّهُ عنهُمَا.



[6]ترتيب المدارك وتقريب المسالك للقاضى عياض.



[7]سنن البيهقى الكبرى.



[8]الطبرانى عن ابن عمر، جامع الأحاديث والمراسيل.



[9]رواه البزار عن ابن عمر.



[10]الديلمى عن ابن عمر ومسند الإمام أبى حنيفة.



[11]رواه الطبراني فى الكبير والأوسط.



[12]سنن البيهقى الكبرى عن عبدالله بن عمر.



[13]رواه أبو داوود عن أبي هريرة.



[14]أحمد فى مسنده، وأَبو نعيم عن أوس بن أوس الثقفى.



[15]ابن سعد عن بكر بن عبد الله مرسلاً، الفتح الكبيرلجلال الدين السيوطى، وأخرجه البزار والطبرانى باختلاف بسيط
زاد الحاج والمعتمر
ما يستحب للزائر
عند توجهه للمدينة
يستحب للزائر أن ينوى مع زيارة النبى التقرب بشد الرحل للسفر إلى مسجده والصلاة والإعتكاف فيه وأن يكثر من الصلاة والتسليم عليه فى طريقه فإذا رأى المدينة أكثر من الصلاة والتسليم عليه ثم يتوجه إلى سكنه ويطمئن على حاجته ويستعد لزيارته بالكيفية الآتية:
آداب الاستعداد للزيارة
1. الإغتسال والوضوء.
2. لبس أنظف ثيابه وذلك للحديث الذي رواه قيس بن عاصم أن بنى عبد القيس لما وردوا المدينة أسرعوا بالدخول وكان فيهم الأشجّ فثبت فى مكانه حتى أزال مهنته وآثار سفره ولبس ثيابه وجاء إلى النبي على تؤدة ووقار فأعجب به النبي وأثنى عليه بقوله { إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا الله: الْحِلْمُ وَالأَنَاة ُ}[1]
3. يضع شيئاً من الطيب أو العطر.
4.أن يتصدق بشيء وإن قلَّ قبل زيارته صلوات الله وسلامه عليه لقول الله{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً }
5. أن يستشعر ويستحضر عظمته حتى يمتلئ قلبه من هيبته ويصير كأنه يراه.
6. تفريغ القلب من سوى الزيارة وتجديد التوبة عند توجهه إلى المسجد النبوى.
7. أن يعرف منزلة المسجد النبوي حتى يتمكن من القيام بالآداب التى تجب عليه نحوه ويكفى فى ذلك قوله{ مِنْ حِين يَخْرُجُ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنْزلِهِ إلى مَسْجِدِي فَرِجْلٌ تَكْتُبُ لَهُ حَسَنَةً ورِجْلٌ تَحُطُّ عَنْهُ سَيِّئَةً حَتَّى يَرْجِعَ }[2] وليعلم علم اليقين أن كل ما زيد فى المسجد من توسعات وملحقات فهى من المسجد لقوله{ لو بنى هذا المسجد إلى صنعاء كان مسجدى } [3]وليحاول ألا يفوته صلاة واحدة فى جماعة فى هذا المسجد الكريم لقوله فيما رواه ابن عباس سمعت رسول الله يقول{ صَلاَةٌ فِيهِ أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْمَسَاجِدِ، إِلاَّ مَسْجِدَ الْكَعْبَةِ }[4]،ويحرص على أن ينال هذا الثواب العظيم الذي بينّه النبي الكريم فى قوله{ مَنْ صَلَّىٰ فِي مَسْجِدِي أَرْبَعِينَ صَلاَةً لاَ تَفُوتُهُ صَلاَةٌ، كُتِبَتْ لَهُ بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ وَبَرَاءَةٌ مِنَ الْعَذَابِ، وَبَرَاءَةٌ مِنَ النفَاقِ }[5].

ما يستحب عند زيارة رسول الله
يستحب للزائر إذا توجه لزيارة سيدنا رسول الله فعل ما يلى:
1. يقدم رجله اليمنى عند الدخول للمسجد ويقول: { أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم بسم الله والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله ما شاء الله لا قوة إلا بالله اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وصحبه وسلم اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك }
2. يقصد الروضة المقدسة إن تيسَّر له ذلك، ويصلي ركعتين تحية المسجد وإلا صلاهما فى أي مكان بالمسجد وذلك إن لم يمر أمام الوجه الشريف، وإلا بدأ بزيارته
3. ثم ياتى سيدنا رسول الله من جهة القبلة فيستدبرها ويستقبل الوجه الشريف لما ورد عن ابن عمر قال: {من السنة استقبال القبر المكرم وجعل الظهر للقبلة}[6].وقد سأل هارون الرشيد الإمام مالك عند زيارته لسيدنا رسول الله فقال:{ أأستقبل القبلة وأدعو، أم أستقبل سيدنا رسول الله r وأدعو؟ فقال الإمام مالك : ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم إلى الجنة }.
4. يستحضر بقلبه جلالة موقفه ومنزلة من هو بحضرته ويتيقن أنه حيٌّ فى برزخه الشريف وأنه ناظرٌ إليه ومطلعٌ عليه.
5. يقف قبالته كما لو كان فى حياته ويراعى الأدب معه فى ذلك فيبعد عنه قدر ذراعين ويقف خاشعاً متواضعاً ولا يقترب من الحديد ولا يمسَّه بيده، فذلك أولى فى باب الأدب معه
6. يخفض صوته أمامه وطالما كان فى مسجده فقد قال الإمام مالك عندما كان يناظر أبا جعفر المنصور الخليفة العباسي فى المسجد:{ ياأمير المؤمنين لا ترفع صوتك فى هذا المكان فإن الله أدّب قوماً فقال {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ } ونعى على قوم فقال{إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ } وأثنى على قوم فقال{إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى}وحرمته ميتاً كحرمته وهو حي }
7. ثم يلقى السلام عليه ويكثر من الثناء عليه وتعداد صفاته بحسب ما يلهمه الله فى تلك الساعة مثل{السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، أشهد أنك أدّيت الرسالة وبلغت الأمانة اللهم اجزه عنّا وعن أمته خير الجزاء وآته الوسيلة والفضيلة والدرجةالرفيعة وابعثه المقام المحمود الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد} ومثل: { السلام عليك يا أول السلام عليك يا آخر، السلام عليك يا حاشر، السلام عليك يا عاقب وهكذا...}
8. ثم يبلغه سلام من أوصاه بتبليغه السلام لرسول الله فيقول: { السلام عليك يا رسول الله من فلان، أو فلان يبلغك السلام يا رسول الله } وقد كان سيدنا عمر بن عبدالعزيز يرسل البريد من الشام إلى المدينة خصّيصاً لإبلاغ سلامه إلى سيدنا رسول الله
9. يدعو الله بما يهمه من أمور الدنيا والآخرة ويتوسل إلى الله فى الإجابة بسيدنا رسول الله لما ورد فى الحديث الذي رواه سيدنا عمر أنه قال:{ لَمَّا أَذْنَبَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلاَمَ الذَّنْبَ الَّذِي أَذْنَبَهُ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلٰى الْعَرْشِ فَقَالَ: أَسْأَلُكَ بِحَق مُحَمَّدٍ إِلاَّ غَفَرْتَ لِي فَأَوْحٰى اللَّهُ إِلَيْهِ وَمَا مُحَمَّدٌ ؟ قَالَ: تَبَارَكَ اسْمُكَ لَمَّا خَلَقْتَنِي رَفَعْتُ رَأْسِي إِلٰى عَرْشِكَ فَرَأَيْتُ فِيهِ مَكْتُوبَاً: لاَ إِلٰهَ إِلاَّ اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَعْظَم َعِنْدَكَ قَدْرَاً مِمَّنْ جَعَلْتَ اسْمَهُ مَعَ اسْمِكَ، فَأَوْحٰى اللَّهُ إِلَيْهِ: يَا آدَمُ إِنَّهُ آخِرُ النَّبِيينَ مِنْ ذُريَّتِكَ، وَإِنَّ أُمَّتَهُ آخِرُ الأُمَمِ مِنْ ذُريَّتِكَ، وَلَوْلاَهُ مَا خَلَقْتُكَ } [7]
10. ثم ينتقل إلى يمينه قدر ذراع فيسلم على سيدنا أبى بكر وينتقل قدر ذراع آخر فيسلم على سيدنا عمر
11. من الأدب بعد ذلك ألاّ يمر بالقبر المكرم فى أى وقت حتى يقف ويسلم على ساكنه وذلك سواء مرّ من داخل المسجد أو خارجه وذلك لقوله{ مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلمُ عَلَيَّ إِلاَّ رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلاَمَ }[8]
12. كره الإمام مالك أن يقول الحاج أو الزائر :{ زرنا قبر النبي وقال: الأولى أن يقال: زرنا النبي }.

[1] صحيح مسلم عن ابن عباس.



[2] صحيح ابن حبان عن أبي هريرة.



[3] ابن أبي شيبة والديلمي في مسند الفردوس من حديث أبي هريرة



[4] صحيح مسلم عن ابن عباس.



[5] رواه أحمد والطبراني في الأوسط ورجاله ثقات



[6] رواه أبو حنيفة في مسنده.



[7]الطبرانى فى الأوسط والصغير عن عمر



[8] رواه أبو داوود عن أبي هريرة
زاد الحاج والمعتمر
ما يندب للزائر
أثناء إقامته بالمدينة
ويندب للزائر أثناء إقامته بالمدينة أن ينتهز هذه الفرصة الطيبة ليفعل ما يلى إن تيسر له ذلك وإن لم يتيسر له ذلك أو بدا له شيء منعه فليس عليه شيء فقد روى عن الشيخ محمد بن أبى جمرة أنه عندما ذهب إلى المدينة بقى طوال إقامته بها بالمسجد لا يبرحه وقال{هذا باب الله - وأشار إلى رسول الله - مفتوح للطالبين فكيف أتركه وأتحول عنه لغيره! } وهذا حال خاص يُسَلَّمُ لأهله ولا يقاس عليه، ولكن الأولى للزائر أن يفعل الآتى:
1. يكثر من التردد على الروضة الشريفة للصلاة بها لما ورد عن سيدنا رسول الله{مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّة}[1] على ألا يؤذي المصلين بزحام أو غيره بل يدخل بالسكينة والوقار وقد وسّع العلماء فى حدود الروضة لتشمل كل المسجد وبعض البيوت حوله استنباطاً من رواية أخرى للحديث تقول{ما بينَ حُجْرَتِي ومُصَلاَّيَ رَوْضَةٌ مِن رِيَاضِ الجَنَّةِ }[2]فقالوا إن المقصود بمصلاه مُصلّى العيد وكان له بها منبر يخطب عليه وكانت تقع خارج المدينة فى ذلك الوقت هذا مع العلم بأنه من يرى حدود الروضة كما هى الآن فلابأس عنه فى المرور أمام المصلِّى فيها خلافاً لبقية المسجد وذلك من أجل الزحام بها.
2. يجب على الزائر أن يحافظ على الصلوات كلها فى جماعة بالمسجد الشريف لقوله{ مَنْ صَلَّىٰ فِي مَسْجِدِي أَرْبَعِينَ صَلاَةً لاَ تَفُوتُهُ صَلاَةٌ، كُتِبَتْ لَهُ بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ، وَبَرَاءَةٌ مِنَ الْعَذَابِ وَبَرَاءَةٌ مِنَ النفَاقِ}[3]وإن كان العلماء قد وسعوا الأمر فى هذا الحديث ليشمل مع الفرائض السنن والرواتب رغبة منهم فى إتساع الفضل ليشمل من ضاق بهم الوقت عن الإقامة لمدة ثمانية أيام{ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }كما يستحب للزائر أن ينوى الاعتكاف كلما دخل المسجد أيضاً.
3. يكثر الزائر من زيارة البقيع وهو مقبرة أهل المدينة لأن سيدنا رسول الله كان يكثر من التردد عليه ويقول فى ذلك{ بُعِثْتُ إِلَى أَهْلِ الْبَقِيعِ لأصَليَ عَلَيْهِمْ }[4]ويبين فضلهم فيقول{أَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ الأَرْضُ عَنْهُ ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ آتِي أَهْلَ الْبَقِيعِ فَيُحْشَرُونَ مَعِي، ثُمَّ أَنْتَظِرُ أَهْلَ مَكَّةَ حَتَّى أُحْشَرَ بَيْنَ الْحَرَمَيْنِ }[5].
4. يزور مسجد قباء لأنه كما روى الشيخان كان يأتى مسجد قباء راكباً وماشياً فيصلي فيه ركعتين وفى الرواية الأخرى:{كان يَأْتِيهِ كُلَّ سَبْتٍ }[6]وقد جعل rفضل إتيان هذا المسجد والصلاة فيه عظيماً جداً حيث قال{صلاةٌ فـي مَسْجِدِ قُبَاءٍ كَعُمْرَةٍ}[7]، وفى رواية قال{مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ ثُمَّ جَاءَ مَسْجِدَ قُبَاءَ فَرَكَعَ فِيهِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ كَانَ ذَلِكَ عَدْلَ عُمْرَةٍ}[8].
5. يزور شهداء أُحُدْ لأن سيدنا رسول الله كان يزورهم كل يوم خميس وقال فيهم{أَيُّهَا النَّاسُ زُورُوهُمْ وَأْتُوهُمْ وَسَلمُوا عَلَيْهِمْ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ يُسَلمُ عَلَيْهِمْ مُسْلِمٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلاَّ رَدُّوا عَلَيْهِ السَّلاَمَ ـ يَعْنِي شُهَدَاءَ أُحُدٍ ـ}[9]واستحب بعض العلماء للزائر أن يقف ولو لحظة على جبل أحد لقوله فى الحديث الشريف الذى يقرر فيه صلوات الله عليه أنَّ :{ أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبُّنَا ونُحِبُه } [10].
6. يزور المساجد السبعة وهى المقامة على موقع المسلمين فى غزوة الأحزاب وفيها مسجد الفتح الذي صلى فيه العصر يوم الأربعاء ثم دعا على الأحزاب فاستجاب الله له وجاء النصر فى يوم الخميس.
7. يأتى مسجد القبلتين ويصلى فيه لأنه موقع المصلى التى صلى فيها سيدنا رسول الله الظهر ركعتين تجاه بيت المقدس ثم نزل عليه وهو فى الصلاة قول الله{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ}فاتجه وهو فى الصلاة بعد قيامه من التشهد الأوسط تجاه الكعبة وصلى الركعتين الأخيرتين هو ومن معه تجاه الكعبة المشرفة.
8. يستحب للزائر أن يختم القرآن الكريم مرة بالمدينة المنورة لأنها تعدل ألف مرة فيما سواها من مكان وكذا يستحب له ذلك بمكة.
9.عندما يعزم الزائر على السفر يكون آخر شيء يفعله بالمدينة أن يودع المسجد الشريف بصلاة ركعتين تحية المسجد ثم يتوجه إلى سيدنا رسول الله لوداعه ويسأل الله ألا يكون آخر العهد بنبيه قائلاً{اللهم لاتجعل هذا آخر عهدى بزيارة حبيبك و نبيك وأعدنى إلى هنا مرات بعد مرات وكرات بعد كرات }.
[1]صحيح مسلم عن أبى هريرة

[2]رواه الطبرانى فى الأوسط.

[3]رواه أحمد والطبراني في الأوسط ورجاله ثقات

[4]مسند الإمام أحمد عن عائشة.

[5]المستدرك للحاكم عن ابن عمر.

[6]رواه البخارى ومسلم.

[7]سنن البيهقى الكبرى عن أسيد بن ظهير الأنصارى.

[8]مصنف ابن أبي شيبة، أخرجها صاحب مثير الغرام عن سهل بن حنيف

[9]ابن سعد عن عبيد بن عمير فى جامع الأحاديث والمراسيل.

[10]
زاد الحاج والمعتمر

آداب الحاج فى عودته

وهذه جملة من الآداب التى يستحب للحاج أن يلاحظها أثناء عودته إلى أهله وبعدها منها:

1. أن يحمل لأهله وذويه بعض الطرائف والهدايا الرمزية القليلة إن إستطاع لقول النبى {إِذَا قَدِمَ أَحَدُكُمْ عَلَى أَهْلِهِ مِنْ سَفَرٍ فَلْيُهْدِ لأَهْلِهِ فَلْيُطْرِفْهُمْ وَلَوْ كَانَ حِجَارَةً}[1].

2. عند ركوبه الطائرة أو الباخرة أو السيارة يسنُّ له أن يكبر الله ويدعو قائلاً:{اللهُ أكْبَـرُ اللهُ أكْبَـرُ اللهُ أكْبَـرُ، لاَ إلٰهَ إلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ صَدَقَ الله وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الأحْزَابَ وَحْدَهُ}[2]

3. يخبر أهله بميعاد وصوله مقدماً كيلا يقدم عليهم فجأة لأن ذلك كان هدى سيدنا رسول الله فى جميع أسفاره حتى كان إذا قدم من سفر ليلاً يأمر أصحابه بالمبيت خارج المدينة حتى الصباح ويرسل إلى أهل المدينة في الصباح من يعلمهم بنبأ قدومهم حتى يستعدوا لاستقبالهم ويقول { حتَّـى تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ، وتَسْتَـحِدَّ الـمَغِيْبَةُ }[3].

4. يقول إذا دخل بلدته كما ورد [4]:{ اللَّهُمَّ إِني أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِهَا وَخَيْرِ مَا فِيهَا وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرهَا وَشَر مَا فِيها}

5. أن يقول الحاج إذا دخل على أهله:{ تَوْباً تَوْباً لِرَبنَا أَوْباً لاَ يُغَادِرُ عَلَيْنَا حَوْباً }[5].

6. يسنّ لأهل الحاج أن يستقبلوه ويسلموا عليه أو يعانقونه ويقبّلون ما بين عينيه لأنه عانق سيدنا جعفر وقبّله بين عينيه حين قدم من الحبشة وأيضاً صنع ذلك مع زيد بن حارثة لما قدم المدينة ويستحب لهم أن يقولوا له:{ تقبّل الله منك وغفر ذنبك، وأخلف نفقتك ويسألونه أن يستغفر لهم }لما ورد عن النبى{إذا لَقِيْتَ الحَاجَّ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ وَصَافِحْهُ ومُرْهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ فِانَّهُ مَغْفُوْرٌ لَهُ}[6]

7. استحسن كثير من العلماء أن يصنع الحاج طعاماً للفقراء بعدما يستقر فى أهله شكراً لله على هذه النعمة الكبرى والمنة العظمى ولا بأس أن يطعم أهله ومعارفه من هذا الطعام على ألا ينسى الفقراء.

8. ينبغى أن يزداد خير الحاج فى سلوكه وتصرفاته وأحواله كلها بعد حجه وزيارته لأن هذا من العلامات الأكيدة التى اتفق عليها العلماء لقبول الحج فعلامة القبول أن يحرص الحاج على بقاء طهارته ونقاء سريرته التى حصل عليها فى الحج وذلك بالكفّ عن الآثام، والورع عن الحرام والبعد عن مجالسة اللئام ويشغل بقية عمره فى طاعة الملك العلام رغبة فى حسن الختام.

[1](هب) عن أبى هريرة في جامع الأحاديث والمراسيل.

[2]سنن أبى داوود عن عبدالله بن عمر.

[3](هق) عن جابر، تستحد: تزيل الشعر، المغيبة من غاب عنها زوجها.

[4]جامع الأحاديث والمراسيل.

[5]مسند الإمام أحمد وصحيح ابن حبان عن ابن عباس، حوباً: أى إثماً .

[6]رواه أحمد عن ابن عمر

 زاد الحاج والمعتمر
عندما فرض الله علينا الحج قال لخليله{وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ } وما الحكمة؟ {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم} حكمتين اثنتين:
الحكمة الأولى:{لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ}أي جهزها الله لهم في تلك الأماكن وهي منافع عاجلة ومنافع آجلة أما المنافع العاجلة فهي أن يتوب عليهم ويغفر لهم ذنوبهم ويردهم كما ولدتهم أمهاتهم خالصين من الذنوب والخطايا مستورين ومجبورين من الآثام والعيوب ويستجيب دعائهم ويصلح أحوالهم ويجيبهم في أحبابهم فقد قال النبى{يُغْفَرُ لِلْحَاج وَلِمَنْ اسْتَغْفَرَ لَهُ الْحَاجُّ}[1] والهدف المشترك بين جميع العبادات{لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم} ولم يكتف بأن هذه هي الحكمة العالية والغاية السامية من تلك العبادات الراقية ولم يكتف بالتنبيه عنها وكلها في تلك الآية بل في كل خطوة من خطوات الحاج يذكرهم بتلك الحكمة فعندما ينزلوا من عرفات يقول الله لهم جميعاً{فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} فمرة يقول{وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ}ومرة يقول {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ}أي اجعلوا ذكر الله هو الغاية العظمى فالغاية العظمى من الحج في كل خطواته وحركاته وسكناته هي ذكر الله وكذلك الصلاة فيقول فيها الله{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} فهو ذكر الله وذكر الله هنا التذكير فهو في هذا الموقف التذكير بالوعد والوعيد والجنة والنار في الطاعات والقربات بآيات من كتاب الله وبأحاديث رسول الله من باب فضل الله{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}و {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي }والصلاة فيها ذكر الله فيها التحميد والتكبير والتهليل وفيها تلاوة كتاب الله وكلها في حركات الصلاة وكل حركة من حركاتها لها ذكر مخصوص يحب أن يسمعه الله من عباده المؤمنين {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} فكلها أحوال ذكر وكذلك الصيام فالهدف منه {وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} يعني من العبادات الجسمانية الهدف منها آية الذكر وقد علمنا النبى أنه ما أقيمت الصلاة وما فرض الصيام ولا نُسك الحاج إلا لذكر الله لماذا؟ ليعرفنا أن الدرجة الأولى في حياتنا هو ذكره وليس هناك نهاية لنعم الله فلو حاول الواحد فينا أن يعد نعم الله عليه في نفس واحد ما استطاع إلى ذلك سبيلاً {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا}نعمة واحدة إذا كانت ظاهرة أو باطنة بل نعمة واحدة من نعم الواحد كنعمة البصر أو السمع أو الكلام أو العقل أو الحركة أو القدرة أوالإرادة أو الحياة أو الرزق نعم ليس لها نهاية نعمة واحدة منها لا يستطيع الواحد أن يحدها أو يحصرها من معطيها لكنه طلب منا أن نذكره على ذلك وطلب منا أن نشكره على ذلك فإذا قمت من نومي وقد وهبني الحياة بعدما كنت في نومي كالأموات كما ذكر الله{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} عندما أقوم من نومي وقد وهب لي الحياة لابد أن أشكره وأذكره وأقول كما علمني الرسول{ الْحَمْدُ لّلهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ }[2] فأشكره على أن وهب لي الحياة وإذا نظرت إلى نعمة الأكل أذكره وأشكره وأقول{الـحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي أطْعَمَنـي هذا ورَزَقَنِـيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ منِّـي ولا قُوَّة }[3] وإذا أعطاني ماءاً أقول{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي سَقَانَا عَذْباً فُرَاتاً بِرَحْمَتِهِ وَلَمْ يَجْعَلْهُ مِلْحاً أُجَاجاً بِذُنُوبِنَا}[4]أي نعمة من النعم حتى نعمة الشهوة عندما انتهي منها أقول {الحمد لله الذي جعل من الماء نسباً وصهراً وكان ربك قديراً } لازم الإنسان يشكر الله على نعمائه هي صحيح كلمات وليست شكراً وافراً ولا شكراً إيجابي لكن الله يقبلها منا ويدخرها لنا ويعطينا عليها من الأجر ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر إذاً كل العبادات يا إخواني تهدف إلى ذكر الله وليس حلقات الذكر فقط هي الذكر لكن ذكر الله حسب الحالة التي أوجدني عليها الله وحسب النعمة التي ساقها إلي الله حتى ولو نزل بي غم أو نزلت بي مصيبة وهي في نظري مصيبة لكنها في الحقيقة نعمة من الله وبعدها تمر علي أتحدث على أنها نعمة من الله حتى هذه النعمة علمني رسول الله أن أشكر الله عليها ماذا علمني؟{كَانَ رَسُولُ اللَّهِ إذَا أَتَاهُ الأَمْرُ يُعْجِبُهُ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمُنْعِمِ المُتَفَضِّلِ الَّذِي بِنِعْمَتِه تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ وَإذَا أَتَاهُ الأَمْرُ مِمَّا يَكْرَهُ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلىٰ كُلِّ حَالٍ}[5]ساعة النعمة أقول الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وهذا يعني أن النعمة التي جاءت ليست بشطارتي أو بمهارتي أو بذكائي أو بمالي أو بقوتي لكنها تمت بنعمة الله ومعونة الله وتوفيق الله وإذا جاءت مصيبة في نظري فهي نعمة لكن لا أعلمها الآن لقول الله{وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ}فبنو إسرائيل لما اعتقدوا أن الموت نقمة وذهبوا إلى سيدنا موسى وألحوا عليه وقالوا له: يا كليم الله اطلب من ربك أن يرفع عنا الموت فلا يموت منا أحد وكانوا قوماً شداداً في المكابرة والعناد. فلما ذهب موسى إلى ربه وطلب منه ذلك فرفع عنهم الموت وابتلاهم بالأوجاع والأسقام والفقر وقلة الأقوات فالمريض يشكو مُرَ الشكوى من الألم ولا يجد من يريحه وليس هناك موت كما طلبوا واشتد القحط وقلت الأقوات حتى أكلوا القطط والكلاب من قلة الأقوات وبخلت السماء بالماء وبخلت الأرض بالنبات وكانوا يأكلون بعضهم من قلة الأقوات والأرزاق ولا يجدون مناصاً ولا مخلصاً لهم وبعد خمس سنوات ذهبوا إلى موسى وقالوا له اطلب من الله أن يأتينا بالموت لقد اشتقنا إلى الموت قال يا قوم ألم تطلبوه؟ ألم أنهاكم عنه وأنتم أصررتم على ذلك؟ قالوا ما كنا نعلم بالحكمة العالية التي من أجلها بعثه الله فدعا الله فاستجاب الله له ووجدوا أن الموت هو المصيبة فيما بينهم ووصفه ربنا على قدرنا أنه مصيبة وقال {فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ} لأن الموت يريح من اشتكى من السَقم ولا يجد من يريحه من شدة الألم ويفتح للناس الأبواب لكي يأخذ كل واحد منهم دوره في الحياة فلا يتمتع الشيوخ الكبار على حساب الشباب بل لكل واحد منهم قسط معلوم ومصير من الأقوات والأرزاق ونعم الحي القيوم فعلينا أن نقول عند الموت: الحمد لله على نعمه وحتى المرض فهو نقمة على الكافرين لكنه نعمة للمؤمنين كيف يكون المرض نعمة؟ لأن الله يطهر به المسلم من خطاياه ويغسله من ذنوبه وآثامه حتى ورد فى الأثر أن: {مرض يوم يكفر ذنوب سنة }وهذا إنما هو للمريض الصابر الذي لا يجزع ولا يشكو الله ولا يقول: لم خصصتني يا ربَّ بهذا الهم؟ ولم ابتليتني بهذا الغم؟ وأنا أصلي وفلان لا يصلي لأن هذا اختياره بعلم وحكمة وهذا اختيار العليم الحكيم فالمريض الصابر الذي لا يشكو من مثل هذا كل يوم من أيامه يكفر عنه ذنوب سنة ولذا يقول الله في الحديث القدسي{أَبْتَلِـي عَبْدِي الـمُؤْمِنَ فإذَا لـم يَشْكُ إلـى عُوَّادِهِ ذلِكَ حَلَلْتُ عنهُ عِقْدِي وأَبْدَلْتُهُ دماً خيراً من دمِهِ وَلَـحْمَا خيراً من لَـحْمِهِ ثم قلتُ له: إيتَنِفِ العَمَلَ –استكمل العمل-} [6] ومن فضل الله على هذه الأمة المحمدية أن يمرض الرجل منهم قبل موته لما ورد عن رسول الله ما معناه أنه إذا أحب الله عبداً أمرضه قبل موته لماذا؟ ليرحمه ويمحو الذنوب التي عليه ويبدلها بحسنات ومكان الحسنة بعشر حسنات ويزيد الله ويضاعف لمن يشاء على حسب قوة إيمانه وعلى حسب صبره وقدرته على تحمل المرض حتى المرض يا إخواني نعمة من نعم الله لكن ليس معنى ذلك أن نرضى به ونسلم به ونترك التداوي فقال النبى{يَا أَيُّهَا النَّاسُ تَدَاوَوْا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالى لَمْ يَخْلُقْ دَاءً إِلاَّ خَلَقَ لَهُ شِفَاءً}[7].علينا أن نأخذ بالأسباب التي أوجدها مسبب الأسباب إن المؤمن يا إخواني عليه آناء الليل وأطراف النهار أن يذكر الله وعليه أن يشكره وعليه أن يستعين بنعمه وعليه أن يؤدي ما عليه من واجبات ذكره وشكره إذا واجهه ولو بالقليل من نعمه وفضله حتى يدخل في ساحة الرضوان فيمن قال فيهم{الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ}أويدخل في قوله{رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ}فيدخل في هؤلاء القوم الذين سيكرمهم الله والذين لا يندمون لحظة الخروج من هذه الحياة ولا يندمون يوم لقاء الله ولا يندمون حتى بعد دخولهم في جنة المأوى وفي رحاب الله والمؤمن لحظة خروج روحه يرى ما له من الثواب العظيم على العمل اليسير فيكشف المولى ما له من الأجر العظيم على عمله في طاعة الله وعلى ذكره وعلى صبره وعلى حكمته في هذه الحياة فينادي ويقول كما قال الله{يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ }والذكر ليس له شروط فلا يحتاج إلى وضوء ولا إلى مكان معد ومحدد مثل هذا بل يجوز في الشارع ويجوز في السوق ويجوز في العمل ويصح في البيت ويصح على وضوء وعلى غير وضوء بل يجوز حتى على الجنابة فالجنب لا يصلي ولا يقرأ كتاب الله ولا يمس المصحف ولكنه يجوز له أن يذكر الله فأين العذر عندما يسألني الله؟ ماذا أقول له؟ كنت مشغولاً بالأرزاق فيقول لي: وما شأنك بذلك؟ ألم أقل لك{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى }وكذلك في الآخرة فالسابقون في هناء وسرور من الطاعات والقربات والنوافل وعمل الصالحات فقد سبق المفردون قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: المستهترون بذكر الله والمستهترون معناها الذين لا يغفلون عن ذكر الله طرفة عين قال النبى {كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَىٰ اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَىٰ الرَّحْمنِ سُبْحَانَ اللّه وَبِحَمْدِهِ. سُبْحَانَ اللّهِ الْعَظِيمِ }[8] وقال أيضاً { سيروا فقد سَبَقَ المُفْردُونَ قالوا: يا رسول الله وما المفردون؟ قال: المُفْرَدُونَ بِذِكْرِ الله وَضَعَ الذِّكْرُ عَنْهُمْ أَثْقَالَهُمْ فَيٌّاتُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ خِفَافاً }[9] وورد عن ذى النون: { إذا أكرم الله عبداً ألهمه ذكره }وقال النبى{ أَلا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ وَأَرْفَعُهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ وخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ تَعَاطِي الذَّهَبِ والفِضَّةِ ومِنْ أَنْ تَلْقَوا عَدُوَّكُمْ غَداً فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ ويَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: ذِكْرُ الله عَزَّ وجلَّ }[10]

[1] رواه البزار والطبراني في الصغير عن أبي هريرة.[2] رواه أحمد في مسنده والبخاري في صحيحه عن أبي ذر، وحذيفة.

[3] رواه صاحب مسند الشاميين عن أنس.

[4] جامع المسانيد والمراسيل عن أبى جعفر مرسلا

[5] رواه ابن ماجة في زوائده، والبيهقي في الدعوات والحاكم في المستدرك عن عائشة وأبو هريرة.

[6] رواه السيوطي في الفتح الكبير والحاكم في المستدرك عن أبي هريرة.

[7] أخرجه أحمد والأربعة وابن حبان والحاكم عن أسامة بن شريك.

[8] رواه الطبراني والبخاري في صحيحه وأحمد في مسنده والنسائي في سننه عن أبي هريرة.

[9] رواه الطبراني والترمذي ومسلم عن أبي الدرداء وأبي هريرة.

[10] رواه الإمام مالك في الموطأ وابن ماجه في سننه والترمذي والحاكم في المست
زاد الحاج والمعتمر

تهيم القلوب والأرواح في هذه الأيام إلى مهبط الرحمات الذي جهزه لنا الملك العلام فكلنا يود أن يذهب إلى تلك الأماكن ويملأنا الشوق ويعاودنا الحنين حتى أن بعضنا من شدة شوقهم إذا ناموا يرون أنفسهم في تلك البقاع يطوفون أو يسعون أو يقفون لأن الجميع يشتاق إلى بيت الله وقد ذكرني ذلك بقول سيدنا عبد الله بن عمر عندما كان يحج ذات مرة وأخذ يزاحم على الحجر حتى دمى وجهه وحتى تورمت أصداغه فقال له بعض من حوله: يا عبد الله لم هذه المزاحمة وقد أغناك الله عن هذا ونهى رسول الله عن شدة المزاحمة؟ ماذا قال؟ قال: هويت إليه القلوب فأحببت أن يكون فؤادي معهم أى هذا المكان اشتاقت إليه القلوب فوددت أن يكون قلبي معهم بين يدي مقلب القلوب هذا حال المؤمنين ممن اختارهم الله لزيارته كلهم شوق وحنين وحب وأنين خاصة من أسمعه الله نداءه على لسان الخليل فقلبه مملوء بالشوق وفؤاده لا يستقر في مكانه لأنه هائم هيام دائم في بيت الله لماذا هذا الحنين؟ ولماذا هذا الشوق؟هذا لأن الله يقول{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً }إن أول بيت وضع للناس في الأرض هذا البيت كيف تم ذلك؟عندما أهبط الله آدم ونزل في سرنديب في بلاد الهند ونزلت الجدة حواء في جدة وسميت بهذا الاسم لأنها هبطت بها وأخذ يدعو الله ويستغيث بالله كما تقول إحدى الروايات ثلاثمائة عام وهو يبكي أسفاً على ما فرط في جنب الله وعلى النعيم والمقام الكريم الذي حرم منه بعد أن أهبط إلى الأرض وفي هذا الندم والأسف نزل عليه الأمين جبريل ووجهه إلى هذا البيت الكريم وقال له يا آدم اذهب إلى البيت وطف حوله يغفر الله لك فجاء آدم من بلاد الهند ماشياً غير أن الله بقدرته كان يطوي له الأرض حتى وصل إلى البيت وكان البيت ليس كهيئته هذه وإنما صخور مرتفعة بناها الملائكة فطاف حوله وهو أول من طاف بالبيت من البشر وإن كان البيت لا يخلو من طائف في لحظة من ليل أو نهار فقد ورد في الأثر: { لا يخلو هذا البيت من ستمائة ألف يطوفون به كل يوم وليلة فإذا لم يتموا العدد من البشر أتمه الله من الملائكة}هذا المكان منذ أن خلقه الله وهو مكان للرحمات ومهبط للبركات يذهب الخطايا ويأتي بالفضل من الله للزائرين وللسائلين وللعاكفين وللركع السجود هذا البيت في أي بلد؟ {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً}لمَ لم يقل الله مكة؟ هي مكة وبكة وأم القرى وهي البيت الحرام. وقال الله بكة لأن الله آلى على نفسه أن يبك (يدق) أعناق الجبابرة الذين تسول لهم أنفسهم أن يعتدوا على حرمة البيت. فهي بكة لأنها تبك (تدق) أعناق الجبارين الذين يريدون أن يؤذوا الطائفين والعاكفين ببيت رب العالمين وإذا كانت الحيوانات والطيور تتأدب مع بيت الله كأنها فهمت قول الله {وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً}وأخذت على نفسها العهد ألا تؤذي أحد من أجناسها فقبل الإسلام ولم يكن للبيت سور يحيط به ولا أبواب تغلق فكانت الحيوانات المتوحشة يجري بعضها إثر بعض ليقتنص فريسته فإذا جرت الفريسة ودخلت حدود الحرم وقف الوحش بدون حراك كأنه يعلم أن هذا حرم وأن هذا مكان آمن وأنتم تحفظون جميعاً قصة فيل أبرهة عندما كانوا يوجهوه جهة الشام فيمشي وجهة اليمن يمشي أما جهة البيت فيصرخ فيحمو الأسياخ في النار وينخسونه بها فلا يتحرك لأنه يعلم شدة عقاب الله لمن يجترئ على ساحة فضل حرم الله حتى أن الحيات وهي العدو اللدود للإنسان لا تؤذي إنساناً في الحرم ولا تروع إنساناً في البلد الأمين والطيور كذلك تقف على المصلين وتطير ذات اليمين وذات الشمال ولكنها تطوف كما أمر الله المؤمنين بالبيت لو نظرت إليها لا تجد طائراً يعلو البيت الحرام إلا إذا كان به مرض فالحمامة التي تمرض يلهمها الله أن شفائها في الوقوف على ظهر البيت للحظات فتصعد على ظهر البيت وتقف عليه للحظات فتشفى بأمر الشافي أما الحمامة السليمة فإنها تطوف حوله كما يفعل المؤمنون وكما تفعل الملائكة وكما فعل النبيون والمرسلون أجمعون والكل ينفذ أمر رب العالمين{وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}لابد أن يطوفوا بهذا البيت ولذا عندما ذهب أسعد الحميري بثلاث مائة ألف من جنده إلى البيت وقد كان سبق له الهداية من رب العالمين. صدَّه الله عن البيت مع كثرة عدد جنده فما كان منه إلا أن نطق بالإسلام وطاف بالبيت وكساه الديباج والحرير فكان أول من كسا البيت بعد أن كان زاهداً في هذا البيت لأن الله تعهد ببكة أن تبك كل جبار يحاول أن يعتدي على البيت حتى أن الحجاج عندما حاصر ابن الزبير وأمر جنوده أن يقفوا على جبل أبي قبيس في مواجهة الكعبة ويضربوه بالمنجانيق[وهي آلة كالمدفع إلا إنها تقذف قذائف مصنوعة من القماش وفي وسطها البارود وإذا نزلت تعمل حرائق كبيرة]فأطلق المنجانيق على البيت وأشتعلت النيران وإذا بسحابة تأتي من جهة جدة على قدر البيت فتقف قبالة البيت وتنزل الماء فتطفئ النار التي أشتعلت في كسوة البيت ثم تأتي صاعقة فتخطف الثلاثين رجلاً الذين قذفوا هذا البيت وتنهي حياتهم في لمحة ولكنه من شدة جبروته جاء بآخرين وقال لهم: لا يهولنكم الأمر أي لا تخافون فإنها أرض صواعق فجاءت سحابة أخرى فاختطفتهم أجمعين فرجع عن كيده للبيت بعد أن يئس منه لأنه علم أن الله يحفظه بحفظه ويكلؤه بكلاءته{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ}ولكي نعرف الفرق بينه وبين المسجد الأقصى عندما تحدث الله عن الأقصى جعل البركة حوله {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ}والبركة حوله في الأنبياء الذين كانوا حوله والصالحين الذين كانوا حوله ولكنه عندما تحدث عن هذا البيت قال {مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ }هو في ذاته مبارك وهو في ذاته هدى للعالمين لأنه لا يذهب إليه إنسان إلا وتحيطه بركة الحنان المنان فلو ذهب إليه تائب يتوب الله عليه ولو أتاه سائل يجيب الله له كل المسائل ولو ذهب إليه راج يحقق الله له كل رجاءه ولو ذهب إليه عابد يرجع بعبادة لا عد لها ولا حصر لها يكفي أن كل صالحة فيه تعدل مائة ألف فيما سواه، الركعة فيه بمائة ألف ركعة فيما سواه، والتسبيحة فيه بمائة ألف تسبيحة فيما سواه والصدقة فيه بمائة ألف صدقة فيما سواه حتى قال العلماء: لو صلى رجل صلاة واحدة جماعة في بيت الله الحرام كانت أفضل في الأجر والثواب له من أنه لو عاش عمر نوح في بلده يعبد الله قيل له: وكيف ذلك؟ قال: الصلاة الواحدة بمائة ألف صلاة وصلاة الجماعة تزيد على صلاة الفرد بسبعة وعشرين درجة فحاصل ضرب المائة ألف في سبعة وعشرين يكون رقم كبير وعمل كثير لا يستطيع الإنسان أن يقضيه هنا ولو أعطاه الله عمر نوح uهذا البيت يقول فيه r{يُنَزِّلُ اللَّهُ كُلَّ يَوْمٍ عَلَى حُجَّاجِ بَيْتِهِ الْحَرَامِ عِشْرِينَ وَمِائَةَ رَحْمَةٍ سِتِّينَ لِلطَّائِفِينَ وَأَرْبَعِينَ لِلْمُصَلِّينَ وَعِشْرِينَ لِلنَّاظِرِينَ}[2]قال النبى{مَنْ أَتَىٰ هَـٰذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ}[3]علامات لا عدّ لها ولا حصر لها آيات ظاهرة كالحِجْر والحَجَر الأسعد الذي جعله الله يشهد لكل من استلمه كيف لحجر أن يعرف كل الصالحين من أول آدم إلى يوم الدين ويشهد لهم عند رب العالمين يعرفهم بأسمائهم ويصورهم ويردد الكلمات التي قالوها في مواجهته شهادة لهم عند ربهم وهو حجر لكنه مملوء بنور النور الأكبر هذا الحجر فيه قصة للعظة والتفهيم أقصها عليكم عن أَبي سعيدٍ الْخدري قَالَ: {حَجَجْنَا مَعَ عُمَرَ بْنَ الُخَطَّابِ، فَلَمَّا دَخَلَ الطَّوَافَ اسْتَقْبَلَ الْحَجَرَ فَقَالَ: إِني لأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لاَ تَضُرُّ وَلاَ تَنْفَعُ، وَلَوْلاَ أَني رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ يُقَبلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ ثُمَّ قَبَّلَهُ، فَقَالَ عَليُّ : يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ إِنَّهُ يَضُرُّ وَيَنْفَعُ، قَالَ: بِمَ؟ قَالَ: بِكِتَابِ اللَّهِ قَالَ: وَأَيْنَ ذٰلِكَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ؟ قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالى {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى} خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَمَسَحَ عَلى ظَهْرِهِ فَقَرَّرَهُمْ بِأَنَّهُ الرَّبُّ وَأَنَّهُمُ الْعَبيدُ، وَأَخَذَ عُهُودَهُمْ وَمَوَاثِيقَهُمْ وَكَتَبَ ذٰلِكَ فِي رَقَ، وَكَانَ لِهذَا الْحَجَرِ عَيْنَانِ وَلِسَانَانِ، فَقَالَ: افْتَحْ فَاكَ، فَفَتَحَ فَاهُ، فَأَلْقَمَهُ ذٰلِكَ الرَّقَّ، فَقَالَ: اشْهَدْ لِمَنْ وَافَاكَ بِالمُوَافَاةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِني أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ:يُؤْتى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْحَجَرِ الأَسْوَدِ وَلَهُ لِسَانٌ ذَلِقٌ يَشْهَدُ لِمَنْ اسْتَلَمَهُ بِالتَّوْحِيدِ، فَهُوَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ يَضُرُّ وَيَنْفَعُ، فَقَالَ عُمَرُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَعِيشَ فِي قَوْمٍ لَسْتَ فِيهِمْ يَا أَبَا الْحَسَنِ}.[4] فما بالكم بالحِجْر وفيه باب للجنة مفتوح أبد الآبدين ودهر الداهرين. فعندما اشتكى إسماعيل إلى ربه من حر مكة قال له: يا إسماعيل اجلس في الحِجْر فإنا سنفتح لك فيه باباً من الجنة يأتيك منه الروح والريحان إلى يوم القيامة. فما بالكم بالميزاب؟وهو مكتب استجابة الدعوات من حضرة الوهاب فلا يدعو عنده داع إلا ويؤمن عليه الملائكة المكرمون ووظيفتهم أن يقولوا: آمين آمين إلى يوم الدين كل من يدعو يؤمنون عليه ومن وافق دعائه دعاء الملائكة استجاب الله له فما بالكم بمقام إبراهيم؟ وما بالكم بزمزم؟ وما بالكم بكذا وكذا آيات وآيات تحتاج إلى أيام ودهور حتى نعرف منها بعض الحكم التي من أجلها أمرنا الله أن نتوجه إلى هذا البيت




[1] رواه النسائي في سننه وأبو يعلى في مسنده والبيهقي في سننه عن جابر.

[2] رواه الحاكم في الكنز وابن عساكر والبيهقي عن ابن عباس.

[3] رواه الدار قطني في سننه وأحمد في مسنده والبخاري في صحيحه عن أبي هريرة.
[4] الهندي فِي فَضَائلِ مَكَّةَ، أَبُو الْحسن الْقَطَّان فِي المطوالاتِ، والحاكم فى مستدركه، جامع المسانيد والمراسيلدرك عن أبي الدرداء.
 زاد الحاج والمعتمر
آية من آيات ربنا كلنا نشهدها فى الحج إما بعين الرأس لمن وصل إلى هنالك وإما في وسائل الإعلام لمن لم يقدم الاستطاعة ويوفقه الموفق للوصول إلى هنالك يذهب الناس من فجاج الأرض يفارقون الأهل وهم فرحون ويفارقون المال والأوطان وهو مغتبطون ومسرورون لا يبكي أحد لفراقهم بل كلنا نهنئهم ونتمنى أن نكون على أثرهم ونلح عليهم أن يدعو الله لنا هنالك أن يكرمنا بالحج كما أكرمهم هذه الآية ما سرها؟سرها كلمة وقف أمامها الناس كثيراً فقد سُئل الإمام علي كرم الله وجهه:يا إمام كم بين السماء والأرض؟فقال: دعوة مستجابة ليس الفرق بين السماء والأرض بالكيلومترات ولا بالأميال ولا بسرعة الصوت أو الضوء أو غيرها بل هناك من هو أسرع من ذلك كله وهو الدعوة التي تخرج من قلب العبد المؤمن لله ربِّ العالمين فإنه لا يكاد يحرك بها شفتاه إلا ويستجيب لها الله{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ}بمجرد الاستغاثة أجاب لم ينظر في الأمر ولم يؤجله إلى ميعاد بل استجابة فورية بفاء الفورية لأن الله وعد بذلك عباده المؤمنين وخاصة إذا كانت الدعوة تتعلق بأمر من أمور الدين إذا كان الإنسان في ضيق بسبب إتباعه وصدقه لأمر الله أو يتعرض للإيذاء أو الشدات لتطبيقه لأمر الله أو يصبر أمام أعاصير المادة التي تريد أن تقتلع جذور الإيمان من قلوب المؤمنين فهذا هو المثل عندما ضاق بإبراهيم الميدان وفر بأهله وبولده وذهب إلى مكان لا يصدق أي إنسان بالحياة فيه لا زرع ولا ضرع ولا وحش ولا طير ولا خير فيها على الإطلاق لكن تجلت آية الكريم الخلاق لأنه هاجر بهم من أجل دين الله ولإحياء شعائر الله دعا فقال{رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ}هاجر بهم من أجل أن يقيموا الصلاة ويحيوا شعائر الله لأنهم لم يتمكنوا من إقامتها بين القوم الكافرين ودعا ماذا دعا؟ وماذا كانت إجابة المولى له{فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ } وهذا ما نراه منذ زمانه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها أفئدة الناس وقلوب الناس وأشواق الناس تزداد إلى زيارة هذه الأماكن وتتمنى أن تطأ هذه المواطن. لماذا؟ هل يحصلون هناك أرزاق؟ هل يحصلون هناك على أوسمة أو نياشين؟ نعم لكن أرزاق ربانية وأوسمة ونياشين قرآنية وإلهية لم يهاجروا طلباً للدنيا أو زينتها وإنك ترى العجب عندما ترى الرجل الفقير يجمع القرش على القرش حتى يوفر نفقة الحج فإذا توفرت لديه كانت هذه أكبر فرحة عنده في هذه الحياة لا يضارعها فرحة بمنصب مهما كان عظمه ولا بمولود مهما كان شأنه كيف يفرحون وهم من أموالهم ينفقون؟ ولأهلهم وأوطانهم يفارقون؟ ولبلاد لا يعرفونها يذهبون؟ لأنها دعوة إبراهيم التي استجاب لها الله وجعل هذا المكان قبلة لجميع خلق الله من لم يذهب إليه للحج يتجه إليه وهو في مكانه في الصلاة ولا تستوفى الصلاة إلا إذا اتجه إلى البيت الذي بناه إبراهيم استجابة لدعوته والشق الثاني من الدعوة{وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}وهذا أمر والحمد لله رأيناه جميعاً فليس عندهم أنهار ولا أمطار ولا غابات ولا أشجار لكن الله أنبع لهم من الأرض أرزاقاً بغير عمل منهم فتأتي الشركات الأجنبية ويعمل فيها أهل أمريكا وأوروبا الذين لا يتحملون حرارة الصيف يأتون وهم المترفون يعيشون في الصحراء متحملين حرارتها وشظف العيش بها ليحفروا آبار البترول ويستخرجونها وبني إبراهيم والذين سكنوا في الأرض التي دعا فيها إبراهيم جلوس مستريحين لا يتعبون ولا يكدون ولكنهم يقفون على المواني ليحاسبون فكل شحنة لهم منها نصيب بلا تعب ولا عناء ثم زاد الله بعد ذلك في خير هذه الأرض فجعل خير أي بقعة في الكرة الأرضية من فواكهها ونباتها ومصنوعاتها ومشتهياتها يعرض في هذه الأماكن بأسعار أرخص من الأماكن التي تنتج فيها لأن الله استجاب لإبراهيم عندما قال له{وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}وعندما خوفهم بعض الكافرين بأن البترول مآله إلى النفاذ إذا بهم يكتشفون جبالاً من الذهب في باطن الأرض فتركوها كما هي للأيام الخالية لأن الله شملهم بدعوة إبراهيم فرزقهم من جميع أنواع الثمرات والخيرات وتلك آية لنا جميعاً جماعة المؤمنين فيا أخي المؤمن يا من تشكو ضرك للمخلوقين وتشكو مكابدة الحياة وعناء العمل لمن لا يملكون لك ضراً ولا نفعاً ولا حياة ولا نشوراً ذلك هو الطريق اصلح ما بينك وبين الله ونفذ على نفسك وأهل بيتك ما يحبه الله ويرضاه وخذ بهم وبأيديهم على كتاب الله وعلى سنة سيدنا رسول الله ثم اطلب بعد ذلك ما شئت من مولاك يواليك بالعطاء بلا سبب لأن الله يرزق أحبابه بغير حساب كما استجاب لإبراهيم في ذريته وأهله عليهم السلام{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}كيف تكون مستجاب الدعوة؟وما الأمر الذي يطلب منك لتنال هذه المكرمة وتكون من أهل تلك المنة؟إن رسولكم الكريم لخص الأمر في كلمتين مجيباً لسعد بن أبي وقاص عندما قال: يا رسول الله ادعوا الله أن يجعلني مستجاب الدعوة قال{يا سَعْدُ أَطِبْ مَطْعَمَكَ تَكُنْ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَة }[1] أي كل من طريق حلال ليس من غش ولا سرقة ولا خداع ولا ربا ولا تطفيف في كيل ولا غش في ميزان ولا تضييع لوقت العمل فيما لا يفيد وإهمال لمصالح المترددين من العبيد تحت دعوة على قدر فلوس الدولة نعطيها لأنك تعاقدت على ذلك وإن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه فإذا اتقنت العمل وابتعدت عن مواطن الزلل وحافظت على فرائض الله وكفى فإنه يكون بينك وبين الله خطاً مباشراً وهاتفاً مستعجلاً تدعوه في أي أمر ما لم يكن إثم أو قطيعة رحم. يعجل لك قضاءه في الحال وقد كان على ذلك أصحاب رسول الله أجمعين والأمثلة في هذا المجال يضيق الوقت عن ذكرها قال{الرجُل يَـمُدُّ يَدَيْهِ إلـى السماءِ يا ربَّ يا ربِّ ومَطْعَمُهُ حَرَامٌ ومَشْرَبُه حَرَامٌ، ومَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وقَدْ غُذِيَ بالـحَرَامِ، فأَنَّى يُسْتَـجَابُ لَهُ }[2]الذين يدعون الله ألا يستبطأ الإجابة ويقول دعوت ودعوت ولم يستجب لي فقد قال{ يُسْتَجَابُ لأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ }[3] فالأمر يحتاج إلى يقين هاجر وإسماعيل عندما أودعها وطفلها بين الصفا والمروة وقالت له: لمن تتركنا ها هنا يا إبراهيم؟ فلم يجبها فكررت القول ثلاث فلما رأته لم يجبها قالت: أالله أمرك بذلك؟ قال: نعم، قالت: إذاً لا يضيعنا. ثقة بالله ويقيناً وحسن ظن بالله وقال النبى{ حُسْنُ الظّنِّ بِالله مِنْ حُسْنِ الْعِبادَةِ }[4]فلما أحسنت بالله ظنها فرج الله أمرها فبينما هي تجري مسرعة بين الصفا والمروة بعد نفاذ السقاء الذي كان معها من الماء إذا بها تجد طيوراً عند صغيرها فتسرع إليه خائفة فإذا الماء قد نبع من تحت قدم رضيعها وعلى هذا الماء أمر عجيب في صحراء جرداء لا يرويها نهر ولا يأتيها مطر تروي الملايين والملايين في كل طرفة عين ولا ينفذ ماؤها ولا يتغير طعمها ولا يعطي منها ماء في الأول يخالف الماء في آخر اليوم فكأنها تنبع من الجنة لا مقطوعة ولا ممنوعة وإسماعيل عندما حكى له أباه الرؤيا قال{يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}ولم يعترض على أمر الله ولم يهرب من أبيه بل عاونه وكان نعم العون له وقال له يا أبت لا تخبر أمي بخروجنا وخرجا وتظاهرا أنهما خارجان للسير فلما وصلا إلى منى قال: يا أبت اشحذ المدية (السكين) حتى تقطع بسرعة وانزع قميصي من على جسدي حتى لا يقع عليه الدم فتعرف بذلك أمي فتحزن لأجلي وألقني على وجهي حتى لا تنظر إلى قسمات وجهي فتأخذك رحمة في تنفيذ أمر الله فقال له: نعم الولد أنت عوناً لأبيك يا إسماعيل{فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}ونزل الملك بفدائه من الجنة بكبش سمين لتكون سنة عملية لمن يحج ولمن لا يحج إلى يوم القيامة تثبت للناس أجمعين أن المؤمنين الذين يسلمون لأمر الله ولا يعترضون على قضاء الله الذي ليس في وسعهم دفعه ولا منعه يحميهم الله بلطفه وينقذهم الله ببره لأنه نعم الوكيل ونعم المولى ونعم النصير جماعة المؤمنين عليكم بباب الدعاء عليكم بباب الدعاء تعلموا آدابه وألزموا أنفسكم بشروطه وادعوا الله في ليلكم ونهاركم في مساجدكم أو في أعمالكم أو في بيوتكم أو في شوارعكم تجدون الله أقرب إليكم من كل شئ لكم أو حولكم وأقرب إليك من مالك الذي في البنك ومن زوجتك التي تنام إلى جوارك على الفراش ومن فلذة كبدك الذي أنفقت عليه آلاف الجنيهات وارحم بك من نفسك وارحم عليك من كل هؤلاء. فاستغني بالله يغنيك الله عمن عداه

[1] رواه الطبراني في الصغير عن سعد بن أبي وقاص

[2] رواه البيهقي في سننه ومسلم في صحيحه وأحمد في مسنده والترمذي في سننه والدارمي عن أبي هريرة

[3] رواه مسلم في صحيحه وابن ماجة في سننه والإمام مالك في الموطأ وأبي داود في سننه عن أبي هريرة.

[4] رواه أحمد والترمذي عن أبي هريرة.
زاد الحاج والمعتمر
عناية الخليل بأبنائه
قد جعل الله في كل عام أوقاتاً عظيمة نُشرّف فيها أسماعنا بسماع قصة سيدنا إبراهيم ونُمتّع عقولنا بفهم الحكم العظيمة التي من أجلها أوجب الله علينا أن نتذكر في هذه المواطن والأيام سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل وزوجه هاجر عليهم السلام أجمعين لماذا؟ حكم كثيرة وعبر عظيمة ومنافع جمّة لا نستطيع أن نحيط بها في هذا الوقت القصير وإنما الأمر كما يقول الإله العلي الكبير{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ}ليست روايات وحواديت نسمعها على سبيل التسلية لكنها عظات عالية وحكم غالية وآنات آلهية راقية علينا أن نتدبرها ونعيها ونفهمها في هذا الوقت حتى يكرمنا الله كما أكرمهم وحتى يعمنا الله بالفضل الكبير الذي عمّهم به وبالأجر العظيم الذي وعدهم به وبالثواب الجزيل الذي أدخره لهم المولى عنده عبرة واحدة أريد أن أفهمها وآخذها لنفسي ويفهمها معي إخواني نحن في هذه الأيام كل واحد فينا يحاول أن يعمل لأولاده ما ينفعهم في الدنيا فالذي يسافر ليحضر لهم ريالات أو دولارات والذي يتاجر ليعمل لهم بيوتاً وعمارات والذي يجري هنا وهناك كل هذا لماذا؟ هو لا يريد شيئاً لنفسه لأنه تزوج وسكن وأدى ما عليه ولكنه يريد أن يعمل لأولاده حاجة تنفعهم في الدنيا والكل يعتقد تمام الاعتقاد أنَّ من يفعل ذلك هو الناصح في دنياه الشفوق العطوف على أبنائه وولاياه السعيد في نظر خلق الله وكلنا لا يشك في هذا الكلام وهذا الكلام الصحيح لكن الأصح منه أن نتأسى بأنبياء الله ورسل الله وعلى رأسهم خليل الله ماذا أفعل؟ عاش ثمانين عاماً لم يرزقه الله فيهم بغلام فلم ييأس من فضل الله ولم يقنط من رحمة مولاه بل كان دائماً وأبداً منتظراً لفرج الله وانتظار الفرج عبادة كما أخبرنا سيدنا ومولانا رسول الله يعني الذي أخرّ الله عنه الإنجاب والولد يترقب الفضل وينتظر الكرم من الله وهذا الانتظار عبادة يثيبه عليها العزيز الغفار عبادة ليس فيها عمل ولا تعب ولا إنفاق إلا إنه يحرك قلبه بالحنان والعطف والإشفاق إلى المليك الخلاق يستمطره الرحمات وينتظر منه المكرمات لأنه وحده الذي بيده مقاليد السموات والأرض وهو على كل شئ قدير أكرمه الله بالولد بعد ثمانين عاماً ولم يتركه يفرح به لوقت طويل بل أمره على الفور بأن يلقي به في صحراء ليس فيها زرع ولا ضرع ولا ماء ولا فيها حتى وحوش لأن الوحوش لا تسكن إلا المكان الذي فيه قوتهم وفيه شرابهم وهذا مكان ليس فيه قوت لحي ماذا يفعل؟ هل اعترض على أمر الله؟ هل شعر في نفسه بأن هذا الحكم الذي حكم به عليه الله قاس؟ هل ناوأ الله وقال كما نسمع من عباد الله لماذا تفعل معي هذا؟ ولماذا حكمت عليّ بهذا الحكم؟ولم خصّصتني وأمرتني بهذا العمل؟ هل مثل هذا الكلام ينفع من العبد مع سيده ومولاه؟{وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ}فإذا قضى أمراً فعلينا بقوله{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} فكل أمر أمر به الله لا يجوز للمؤمن أن يختار بعد أمر الله ولا يجوز للمؤمن أن يعترض على ما قضاه الله ولا يجوز للمؤمن أن يُظهر حتى بقلبه أو بنفسه الجزع أو الهلع أو الضيق في الأمر الذي أبرمه الله ولكن عليه أن يرضى بأمر الله وأن يُسلّم لقضاء الله وأن يفوض كل أموره لله فإذا لم يرضى ماذا يكون له؟ وإذا رضى ماذا يكون له؟ قال النبى{مَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا. وَمَنْ سَخِطَ، فَلَهُ السُّخْطُ}[1]الذي يرضى عن أمر الله وعن قضاء الله فسيرضيه الله في دنياه ويرضيه الله في أخراه والذي يسخط لا يعبأ به الله يمشي في أودية الهموم أو تقتله الهموم والغموم أو يهلك مع الهالكين في الأفكار والشواغل الدنيوية أو تحرمه هذه الأشياء من المتع النورانية ومن الهناءة الروحانية عندما يناجي معنا الحضرة العلية كل هذه الأمور يا إخواني تحدث له وأكثر ولا يهتم به الله لأنه لم يرض بأمر الله لكن المؤمنين{رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}لأنهم رضوا عن أمر الله وتقدير الله فكان جزاؤهم أن رضى عنهم الله هذا الرجل رضى وعلم زوجته الرضا حتى أنه تركها وليس معها إلا جراب بسيط فيه بضع تمرات وآخر بسيط فيه جرعة ماء فنظرت إليه وقالت يا إبراهيم لمن تتركنا ها هنا؟ فلم يجبها وآثر الصمت والسكوت فكررت القول يا إبراهيم لمن تتركنا ها هنا؟ فلم يلتفت ولم يرد فقالت: أألله أمرك بهذا؟ قال: نعم قالت: إذاً لا يضيعنا لأنها على يقين أن الرزاق هو الله - فالمرأة التي قال لها جيرانها في وداع زوجها مسافراً لمن يتركك؟ قالت لهم: زوجي مُذْ عرفته أكال والرزاق هو الله يذهب الأكال ويبقى الرزاق - لما اطمأنت ورضيت وسلمت لأمر الله فرح إبراهيم ودعا لها الجليل وقال كما سمعنا جميعاً في محكم التنزيل{رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}دعا وهو راضٍ فلباه الله وأجابه الله وزاده الله من فضله وكرمه لأنه راضٍ عن أمر الله وعن حكم الله لم يَدع لهم في البداية بالأرزاق والأقوات والخيرات والأموال لأنه يعرف أن هذه الأشياء مضمونة ويعلم أن هذه الأشياء لو جاءت إلى قوم غير مسلمين فستكون وبالاً عليهم في الدنيا وطامة عظمى يوم لقاء رب العالمين ربما يدعو لهم بالأموال فتأتي الأموال لكن لا يوفقون في كيفية الإنفاق التي ترضي الله ولا كيفية تحصيلها بحيث لا يتجنبون غضب وسخط الله فيكون المال في هذا الوقت يميل بهم إلى غضب الله في الدنيا ويميل بهم إلى جهنم وبئس القرار لكن المرء العاقل يفعل كما فعل الخليل u يدعو الله لهم بإقامة الصلاة ويركز عليها فأول ما بدأ هذا الدعاء قال فيه{رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ}إثم عاد إلى تكراره في آخر الدعاء حيث قال{رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي}فكرر مرة ثانية دعوة الإقامة لماذا؟ لأنه قانون الله الذي حكم به في كتاب الله فالذي يخاف على أولاده من بعده ويخشى عليهم أن يتعبوا أو يجوعوا أو لا يجدوا موضعاً يسكنون فيه ولا أموالاً للزواج ولا عمل يتكسبون منه ماذا يفعل يا رب؟ لا يوجد هيئة تأمين ومعاشات والتأمين على الحياة لكن واهب الحياة وصانع الحياة ومدبر أمور الحياة قال للمؤمنين الذين يحرصون على أبنائهم بعد انتقالهم من هذه الحياة: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ}ماذا يفعلوا يا رب؟{فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً}أمرين اثنين يتقوا الله ويقولوا الأقوال السديدة التي تسدد لهم في خانات حسناتهم وفي صحف إيمانهم حتى تنتفع بها ذرياتهم بعد مماتهم إذاً الأمر يا إخواني على عكس ما يقول الناس فالذي ينفع الأبناء على التحقيق ليست وديعة البنوك ولكن الوديعة التي ادخرتها عند ملك الملوك حتى أن الله سخر نبياً من أولي العزم وولياً من كمل الأولياء من أجل بناء الجدار فالولي يبني ومعه المسطرين والنبي يصنع المونة ويناولها له ويناول معها الطوب لهذا الولي مع أن هذه البلدة لم يَدْعهم أحد من أهلها حتى لشربة ماء أو فنجان قهوة أو كوب شاي ولما قال سيدنا موسى كيف نعمل لأناس لم يضيّفنا منهم أحد؟ أجابه نحن مكلفين بهذا العمل من الله لأجل هذين الغلامين {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا}أبوهم هذا كان الجد السابع وليس الأب المباشر ولا الذي بعده ولكن الجد السابع كان صالحاً فنفع الله به ذريته من بعده وسخر لهم رسولاً وولياً ليقيما الجدار وليحفظ هذا الكنز حتى يبلغ الصبيان فضلاً من الله ونعمة يا جماعة المؤمنين فسيدنا إبراهيم علّمنا هذا الدرس بأننا ندعو لهم بالصلاح ونهتم في أمرهم بأمر الله ونسوقهم إلى الطاعات ونعرفهم التشريعات ونبين لهم أحكام كتاب الله ونوضح لهم سنة سيدنا رسول الله ثم نطمئن إلى أن عناية الله لن تتخلف عنهم طرفة عين ولذا ضرب الله لنا مثلاً مع إبراهيم مع أن بعضنا يشككه القوم في هذه الأمور ويقولون له كيف تأتي تقوى الله بالأرزاق؟وكيف تأتي الحسنات بالخيرات مع أن الله أبرم هذا الأمر فقال{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}حتى لا يفكر بأن الحسبة التي حسبها أو الرصيد الذي تركه في البنك أو في الأرض أو في التجارة هي التي تنفعه فذلك كله يقول فيه القائل:
ما بين طرفة عين وانتباهتها يبدل الله من حال إلى حال
ولكي يزيدنا الله يقيناً ذكر لنا ما فعله مع الخليل ومع زوجة الخليل وابنها فقد بعث لهم الماء وأرسل لهم الناس وهيئ لهم الجيران الذين يزورونهم ويودونهم من كل أنحاء العالم إلى يوم القيامة وصدق الله إذ يقول{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى }
[1] رواه الترمذي في سننه وابن ماجة والبزار وصاحب الفتح الكبير عن أنس بن مال
 زاد الحاج والمعتمر
آيات البيت الحرام
العالم كله من حولنا الكافرين والمشركين والجاحدين والملحدين يتعجبون من الروح الغريبة التي تنتشر في المسلمين في هذه الأيام شوقاً إلى بيت الله الحرام ينظرون إلى وسائل الإعلام فيرون المسلمين الفقراء يضحون بكل شئ ويتبعون كل شئ في سبيل أن يذهبوا لهذه البقاع المباركة ثم ينظرون إلى أحوالهم عند وصولهم إلى هذه الأماكن منهم من يتوفى ومنهم من يبكي ومنهم من يصرخ ومنهم من يفعل كذا وكذا فيزداد عجبهم ويتساءلون لم يفعل المسلمون هذه الأشياء؟ لحجارة في ظنهم وخيالهم وجهلهم كأي حجارة في الأرض لكن تعالوا معي يا عباد الله ننظر إلى المغناطيس الإلهي الذي أودعه الله في بيت الله والذي يجذب المؤمنين القاصين والدانين جميعاً إلى بيت الله ما هو؟ إن الله يتحدث عن ذلك فيقول{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ}ماذا فيه؟:{فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ}يه علامات واضحات فيه مناهج ودلالات فيه أنوار ساطعات فيه إشراقات وفيوضات وتجليات لمن فتح الله عين قلبه ونظر بنظارة الإيمان فيرى حول بيت الله أنوار مكون الأكوان أما هؤلاء الذين عمت بصائرهم فلا يرون هذه الآيات ولا ينكشفون على تلك التجليات لأن الله لا يكشف على أسراره للمجرمين والمشركين وإنما يحفظها لعباده المؤمنين ولا يكشفها إلا للصادقين من عباده المؤمنين تعالوا معي يا عباد الله جماعة المؤمنين نجلس في بيت الله وننظر إلى الكعبة المشرفة التي أسسها الله على مائدة الله والنظر إليها عبادة فما بالكم بالطواف حولها والصلاة لها إنها عبادات مباركات لها أجر ثابت حدده سيد السادات أول سؤال يواجهنا ونحن حول هذا البيت لماذا بناه الله؟ ولماذا أمر برفعه الله؟ إن هذا له قصة عجيبة فعندما اختار الله آدم ليكون خليفة في الأرض وجمع الملائكة أجمعين وأمرهم بالسجود لمن اختاره خليفة عن رب العالمين وقال لهم موجهاً لهم الخطاب{إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}فعلموا أنهم أخطأوا في الجواب على حضرة الوهاب وأساءوا الأدب في الحديث مع حضرة الله فخرجوا هائمين إلى البيت المعمور يطوفون حوله يعلنون توبتهم ويقدمون ندمهم لعل الله يغفر لهم هذه الذلة فلما طافوا حول البيت المعمور وهو فوق السماء السابعة تجاه الكعبة تماماً قال لهم الله (اهبطوا إلى الأرض فابنوا لعبادي بيتاً إذا أخطأوا كما أخطأتم وأذنبوا كما أذنبتم يذهبون إليه فيطوفون حوله كما طفتم فاغفر لهم كما غفرت لكم) ونزل آدم من الجنة بأرض الهند وأخذ يبكي على ذنبه لله أربعين عاماً حتى رق عليه الملائكة الكرام فنزل أمين الوحي جبريل وقال يا آدم أين أنت من بيت الله اذهب إليه فطف حوله يغفر لك ذنبك الله فجاء من أرض الهند إلى أرض الحجاز ماشياً على أقدامه فطاف بالبيت وهو يقول كما أنبأنا حضرة الرسول: {اللهم إنك تعلم سري وعلانيتي فاقبل معذرتي وتعلم ما في نفسي فاغفر لي ذنبي، اللهم إني أسألك إيماناً يباشر سويداء قلبي حتى لا أحب تأخير ما عجلت ولا تعجيل ما أخرت إنك على كل شئ قدير}[1]طاف حوله وهو يردد هذه الكلمات فأوحى الله إليه{يا آدم قد دعوتنا بدعوات فاستجبناها لك وكل من جاء من بنيك وذريتك إلى هذا البيت ودعا بهذه الدعوات استجبنا له وغفرنا له ذنبه ونزعنا الفقر من بين عينيه وملأنا قلبه بالإيمان وتجرنا له من وراء تجارة كل تاجر}فهو رمز المغفرة من الغفار وسر التوبة من التواب ورمز القبول من العزيز الوهاب لمن خرج من بيته لا يريد إلا وجه الله ولا يبغى بحجة إلا اتباع سيدنا ومولانا رسول الله وماله حلال واجتهد في جمعه من طريق حلال إذا ذهب إلى هناك وطاف بالبيت وانتهى من الطواف يضع الملائكة الموكلين بالبيت أيديهم على ظهره ويقولون كما قال رسول الله {قد كفيت ما مضى فاستأنف العمل فيما بقى} {مَنْ أَتَىٰ هَـٰذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ}[2]ولم يحدد الصغائر ولا الكبائر السر ولا العلانية رب العباد فإن الله يغفر جميع الذنوب لأنه يرده كالطفل المولود والطفل المولود لا يكتب عليه الكرام الكاتبون سيئات أبداً لا يكتبون له إلا خيرات وحسنات لكن صحيفة سيئاته كما هي مطوية لا تفتح إلا إذا بلغ الحلم فيرجع وليس عليه شاهد بذنب لأن الله غفر له جميع ذنبه هذا البيت المبارك فيه آيات ظاهرة جلية يراها حتى الكافر والنافر بل إن كفار مكة كانوا يعظمون البيت قبل الإسلام ومعهم العرب وهم يعبدون الأصنام لماذا؟للآيات الحسية التي رأوها في هذا البيت انظروا معي بيت بني بالأحجار كيف تتأدب معه الحيوانات والأطيار؟ وهي كما نعلم جميعاً ليس معها عقول ولم تتأدب بآداب إن الطيور التي حوله والتي حماها الله وحرم ذبحها لأدبها مع بيت الله ماذا تفعل؟ تطوف حوله كالطائفين ولا تعلو ظاهره أبداً في طيرانها إلا الطائر المريض فإنه يعلو ظاهر البيت ويقف فوق ظهره للحظات فيشفى بإذن الله أما الجميع فيطوفون حوله كما يطوف الطائفون ولا يعلون ظهره أبداً أدباً مع بيت ربهم بل إن الناقة التي ركبها سيدنا رسول الله وهو في حجة الوداع وطاف راكباً لها حول البيت وسعى عليها بين الصفا والمروة أمسكت نفسها فلم تخرج بولاً ولا روثاً في بيت الله تأدباً مع بيت الله مع أن بولها طاهر وروثها طاهر لأن القاعدة الشرعية كل ما أكل لحمه فبوله طاهر وروثه طاهر بل إن الحيوانات المتوحشة كالأسود والنمور والكلاب رؤى عنها مراراً وتكراراً أنها كانت تجري وراء صيد لها مثيل لها فتجري وراء زرافة أو تجري وراء ماعزاً وتجري وراء ضبّ فتدخل الفريسة الحرم فيقف الوحش ويتأدب ولا يستبيح الصيد في داخل الحرم الذي جعله الله آمناً فإذا كانت الحيوانات المتوحشة والطيور والحيوانات المستأنسة تتأدب مع هذا البيت فلماذا؟لأن فيه أسرار وأنوار لا يكشفها الواحد القهار إلا لعباده الأخيار والأطهار بل إن العرب عرفوا به أسرار الأمطار قبل تقدم علم الفلك في العالم أجمع فيجلسون حول البيت في موسم الحج فإذا نزل المطر شرق البيت كان شرق العالم كله في هذا العام في خير وبركة ومطر من الملك العلام وإذا نزل الغيث غرب البيت كان غرب العالم كله في هذا العام مطر وخير من الله وإذا نزل المطر حوله من جميع الجهات كان هذا العام عام رخاء على الأرض كلها فهو الميزان وهو المرصد الذي يحدد الخير النازل من الله إلى جميع عباد الله وشتى أرجاء المعمورة بإذن الله هذا البيت يا إخواني لايخلو من الملائكة فحوله سبعون ألفاً من الملائكة الكرام كل كلماتهم آناء الليل وأطراف النهار آمين آمين يؤمنون على دعاء الطائفين العاكفين والراكعين والساجدين في بيت رب العالمين ولذا كان الدعاء فيه مستجاب لا يرد أبداً لأن الله جعله موضع إجابة وعندما دعا فيه الخليل إبراهيم رأينا أثر دعوته إلى يومنا هذا فما فيه هؤلاء القوم من خيرات وثمرات وبركات إنما هو استجابة لدعوة إبراهيم uهذه الآيات وغيرها كثيرات لضيق المقام عن ذكرها جعلت المولى لايدخل بهذا البيت إلا من يحبه من عباده وكل من أراد الله غفران ذنوبه وكل من أراد الله ستر عيوبه وكل من أراد الله تطهيره من الخطايا وكل من أراد الله أن يجعله من التوابين والمتطهرين اسمعه في البدأ دعوة إبراهيم للزائرين فإن إبراهيم هو الذي دعا جميع الزائرين بدون استثناء إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها فعندما كلفه الله بالبناء وأخذ يبني البيت وإسماعيل يجمع الأحجار ويحملها إليه وبنى حتى وصل البناء إلى قامته ثم تحير كيف يبني بعد ذلك فأنزل الله له حجراً{فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ}يقف عليه ويحمله إسماعيل بالأحجار ثم يشير إليه فيرتفع بأمر الواحد القهار حتى يصل إلى مستوى البناء ويظل واقفاً في الهواء حتى ينتهي إبراهيم من البناء فيشير إليه فيرجع مرة أخرى إلى الأرض ولما انتهى من البناء أجمع وقال هو وإسماعيل{رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}قال الله يا إبراهيم{وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}قال يا ربي وما يبلغ صوتي؟ قال: عليك الأذان وعلينا البلاغ فوقف على الحجر وأوجد الله الآية في الحجر فلان الحجر تحت أقدامه حتى أثرت فيه أصابعه الشريفة عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام ثم اتجه جهة الشام وقال أيها الناس إن الله قد بنى لكم بيتاً وكتب عليكم الحج فحجوا ثم اتجه جهة اليمين وقال مثل ذلك وجهة المشرق وقال مثل ذلك وجهة المغرب وقال مثل ذلك فأمر الله الجبال أن تهبط والوديان أن ترتفع وفتح أسماع الأرواح وفتح أسماع الأجنة في بطون أمهاتها وأنطق ألسنة الجميع بأمر ربها فلبت الأرواح وقالت ملبية نداء الخليل لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك والملائكة يسجلون فمن قالها مرة كان نصيبه الحج مرة ومن رددها مرتين كان نصيبه الحج مرتين ومن زاد على ذلك فبحساب ذلك وبقى حجر المقام إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وفيه أقدام الخليل u يراه كل من ذهب إلى هذه الأماكن فيعلم صدق رسول الله فيما قال عن الله ويعلم صحة الخبر أن من بنى البيت هو خليل الله وهذه آثار أقدامه وهذا هو الحجر الذي نادى عليه والذي كان يقف عليه بقى إلى ما شاء الله كما هو وفيه آثار قدميه فإذا كان في ليلة النصف من شعبان فيكشف الله للملائكة الكرام في اللوح المحفوظ الذين وقع عليهم الاختيار للذهاب إلى زيارة الله في بيته الذين يدعوهم لزيارته والذين يؤهلهم للوقوف بين يدي حضرته والذين كتب لهم الطواف حول بيت عظمته والذين هيأ لهم الوقوف على عرفات معرفته فينقلون أسمائهم ويرسلون لهم دعوة لربهم عن طريق الملك الذي وكل بقلوبهم وهو ملك الإلهام فقد قال النبى فى حديث ما معناه{لكل آدمي ملك على قلبه يلهمه بالخير ويحثه عليه وشيطان يوسوس له}فيرسلون له الدعوة عن طريق ملك الإلهام فيلقى في روعة الشوق إلى بيت الله والحنين إلى هذه الرحاب التي باركها الله فيقول لمن حوله إني عازم على الحج هذا العام ثم ييسر المولى الكريم الزاد وييسر الطريق وييسر لمن يريد أن يكرمهم قال r{الْحُجَّاجُ وَالْعُمَّارُ وَفْدُ اللَّهِ إنْ دَعَوْهُ أَجَابَهُمْ، وَإنِ ٱسْتَغْفَرُوهُ غَفَرَ لَهُمْ وإن شكروا شكرهم}[3]وقال{يُغْفَرُ لِلْحَاج وَلِمَنْ اسْتَغْفَرَ لَهُ الْحَاجُّ}[4]إن من آيات الله في البيت الحرام الحجر الأسعد .. الذي يستلمه الساعي من الله لما وقف أمامه عمر بن الخطاب وقال له: إنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك فقال له الإمام علي: بل إنه ينفع ويضر بإذن الله يا أمير المؤمنين قال: وكيف ذلك؟ قال: أما علمت أن الله عندما أخذ الميثاق على بني آدم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين كتب هذا الأمر في رق ثم ألقمه هذا الحجر فهو يشهد لكل من استلمه يوم القيامة وقد قال النبى{يُؤْتَىٰ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْحَجَرِ الأَسْوَدِ وَلَهُ لِسَانٌ ذَلِقٌ يَشْهَدُ لِمَنِ اسْتَلَمَهُ بِالتَّوْحِيدِ }[5]هذا الحجر يسجل كل الذي يمر حوله كل الطائفين وكل المصلين وكل الراكعين والساجدين وكل الناظرين. العدسة النورانية التي أودعها فيه رب العالمين تسجل هيئاتهم وأصواتهم وحركاتهم وسكناتهم ثم تعيد هذا الفيلم أمام الخلائق أجمعين يوم الدين. كيف هذا وهو في نظرنا حجر لكنه فيه سر من فاطر البشر حجر ليس كالأحجار حتى في صفاته الحسية وقد ورد أن أبا عبد الله القرمطي والقرامطة كانوا من الخوارج الشاذين عن دين الله نزل هو ورجاله إلى بيت الله الحرام في موسم الحج وقتلوا الحجيج وخلعوا الحجر وحملوه معهم إلى الكوفة وأرادوا أن يصرفوا المسلمين عن بيت الله إلى الحجر الذي وضعوه في مسجد لهم في الكوفة وافص عليكم جزءا من الرواية الواردة فيه:{ فَمُدَّةُ إقَامَتِهِ عِنْدَ الْقَرَامِطَةِ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ سَنَةً فَافْتَدَاهُ أَيْ اشْتَرَاهُ مِنْهُمْ الْخَلِيفَةُ الْعَبَّاسِيُّ بِثَلاثِينَ أَلْفِ دِينَارٍ وَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُكَيْمٍ الْمُحَدِّثَ وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ لِيَتَعَرَّفَهُ وَيَأْتِي بِهِ فَذَهَبَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ إلَى الْقَرَامِطَةِ فَأَحْضَرُوا لَهُمْ حَجَرًا, فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لَنَا فِي حَجَرِنَا عَلامَتَانِ لا يَسْخُنُ بِالنَّارِ وَلا يَغُوصُ فِي الْمَاءِ فَأَحْضَرُوا نَارًا وَمَاءً فَأُلْقِيَ فِي الْمَاءِ فَغَاصَ ثُمَّ فِي النَّارِ فَحَمِيَ وَكَادَ يَتَشَقَّقُ, فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لَيْسَ هَذَا بِحَجَرِنَا ثُمَّ أُتِيَ بِحَجَرٍ مُضَمَّخٍ بِالطِّيبِ فَفَعَلَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ كَذَلِكَ فَجَرَى لَهُ مَا جَرَى لِذَلِكَ فَأُحْضِرَ إلَيْهِمْ الْحَجَرُ الأَسْوَدُ فَوُضِعَ فِي الْمَاءِ فَطَفَى وَلَمْ يَغُصْ وَفِي النَّارِ فَلَمْ يَحْمِ فَعَجِبَ أَبُو طَاهِرٍ وَسَأَلَهُ عَنْ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ فَأَسْنَدَ عَنْ النَّبِيِّ eأَنَّهُ قَالَ [الْحَجَرُ الأَسْوَدُ يَمِينُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ خَلَقَهُ اللَّهُ مِنْ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ مِنْ الْجَنَّةِ وَإِنَّمَا اسْوَدَّ مِنْ ذُنُوبِ النَّاسِ يُحْشَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَهُ عَيْنَانِ يُبْصِرُ بِهِمَا وَلِسَانٌ يَتَكَلَّمُ بِهِ يَشْهَدُ لِكُلِّ مَنْ اسْتَلَمَهُ وَقَبَّلَهُ بِالإِيمَانِ وَأَنَّهُ حَجَرٌ يَطْفُو عَلَى الْمَاءِ وَلا يَسْخُنُ بِالنَّارِ إذَا أُوقِدَتْ عَلَيْهِ] قَالَ أَبُو طَاهِرٍ هَذَا دِينٌ مَضْبُوطٌ بِالنَّقْلِ وَمِنْ آيَتِهِ أَنْ تَفَسَّخَ تَحْتَهُ(مات تحته) وَهُمْ ذَاهِبُونَ بِهِ قِيلَ أَرْبَعُونَ جَمَلا وَقِيلَ ثَلاثُمِائَةٍ وَقِيلَ خَمْسُمِائَةٍ وَلَمَّا أُعِيدَ لِمَكَّةَ أُعِيدَ عَلَى جَمَلٍ أَعْجَفَ هَزِيلٍ فَسَمِنَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.}[6]هذا هو قدر الحجر الأسعد فما بالكم بالمطاف الذي لا يسع أكثر من مائة ألف رجل يطوفون في وقت واحد لكنه لو اجتمع فيه كل سكان المعمورة في وقت واحد يسعهم بإذن الله وعلى هذا الحال أيضاً منى فهي مكان ضيق بين جبلين لا تسع إلا بضع آلاف قليلة سألوا رسول الله كيف تسع منى الحجيج مع ضيقها؟ فقال{إن منى تتسع بأهلها كما يتسع رحم الأم بالجنين الذي فيه}[7]يتسع بطن الأم للجنين فإذا خرج رجعت كحالتها وهكذا منى وسُئل النبى ما بالنا ومن قبلنا نرمي بالكثير والكثير عند الجمرات ولا نجد له أثراً إلا القليل عند انتهاء المناسك؟ فقال النبى{ما تُقُبِّل منها رفع ولولا ذلك لرأيتها أمثال الجبال}[8]آيات وآيات كثيرات لا أستطيع أن أحصيها في موقفي هذا ولكن عليكم عباد الله أن تجددوا شوقكم إلى بيت الله فإن الله أمرنا أن نتجه إليه في كل صلاة حتى نحس بالشوق إليه وبالحنين إليه نريد أن نصلي وليس بيننا وبينه جدار وليس بيننا وبينه جبال وليس بيننا وبينه وديان نريد أن نصلي يوماً من الأيام وأمامنا بيت الله الحرام فكلما وقف المصلي بين يدي الله يتحرك فيه الشوق إلى بيت الله الحرام ويريد أن يكون مع الذين أنعم الله عليهم في هذا المقام.
[1] رواه الطبراني في الأوسط عن عائشة.
[2] رواه البخاري ومسلم في صحيحهما والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة.

[3] رواه البخاري والبيهقي عن أبي هريرة، والبزار عن جابر والسيوطي في الفتح الكبير عن ابن عمر.

[4] رواه البزار والطبرانى في الصغير عن أبي هريرة.

[5] رواه الدارمي في سننه وابن حبان في صحيحه وأحمد في مسنده وغيره كثيرون عن ابن عباس وورد بكاملها فى خطبة سابقة بالنص المخرج.

[6] حاشية الجمل والوافى بالوفيات لسليمان بن إبراهيم.

[7] رواه الشيخان.

[8] سنن الدار قطنى.
ك.
 زاد الحاج والمعتمر
أسرار بناء البيت الحرام
ونحن على مشارف شهر ذي الحجة الكريم ويتوافد الحجيج على أرض الله تلبية لنداء سيدنا إبراهيم خليل الله فإن الله أمره أن يبني البيت فقال يا ربَّ فكيف اعلم مكان البيت؟ فانزل الله سيدنا جبريل وأعلمه بأن الله سيرسل سحابة ستقف أمامه على مكان البيت وأمره أن يعلم على ظلها فإنه أساس البيت فلما علم على أساس البيت وكشفه بأمر الله أمره الله أن يبنيه وإسماعيل ثم أرسل لهم الملائكة الكرام يقطعون الأحجار وينقلونها إلى حيث مكان البيت ويضعها إسماعيل لإبراهيم إلى أن تم البناء بأمر الله فلما تم البناء نادى الله إبراهيم وقال كما قال في محكم كلامه القدير{وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً} فقال يا ربَّ وما يبلغ صوتي؟ قال: يا إبراهيم عليك الآذان وعلينا البلاغ فأمر الله الأرواح أن تخرج من مستقرها وأمر الجبال أن تهبط من عليائها والوديان أن ترتفع إلى مستوى سطح الأرض وأسمع الجميع آذان إبراهيم فوقف إبراهيم على الجبل المواجه للكعبة(جبل أبي قبيس)واتجه مرة إلى اليمين ومرة إلى الشمال ومرة إلى الجنوب ومرة إلى الشرق وأخرى إلى الغرب وفي كل مرة يقول: (أيها الناس إن الله قد بنى لكم بيتاً وكتب عليكم الحج فحجوا) فقلنا وقال من قبلنا ومن بعدنا من كتب الله لهم زيارة هذا البيت قلنا جميعاً: لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لبيك اللهم لبيك منا من قالها مرة ومنا من قالها مرتين ومنا من زاد على ذلك وفي ذلك يقول نبيكم الكريم{من لبى مرة حج مرة ومن لبى مرتين حج مرتين ومن زاد على ذلك فبحساب ذلك}[1]فإذا كانت ليلة النصف من شهر شعبان ظهر في اللوح المحفوظ بقلم القدرة من علوم فيض حضرة الديان الحجاج الذين اختارهم الله لأداء هذا المنسك في هذا العام فتنسخ الملائكة أسمائهم ويبلغونه دعوة ربهم منهم من تبلغه الدعوة مناماً ومنهم من تبلغه الدعوة في نفسه يقظة ومنهم من يجد الشعور بالذهاب للزيارة ومنهم من يتحرك فيه الباعث لأداء الفريضة والذي حرك هذه البواعث والذي ألهم تلك النفوس والذي أجج غرام تلك القلوب إنما هو علام الغيوب فإذا دعاهم لزيارته يسر لهم الأسباب وبسط لهم الأرزاق وسهل لهم الأمور حتى يذهبوا لأداء المناسك ويتمون الحج لوجه الله مصداقاً لقوله سبحانه{وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ}يذهب ابتغاء مرضاة الله لا من أجل السمعة ولا من أجل الرياء ولا من أجل اكتساب لقب فإن الله غني عن تلك الألقاب وغني عن تلكم الأعمال وإنما{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ }فإذا ذهبوا إلى هناك ذهبوا تطبيقاً لأمر الله وتنفيذاً لسنة رسول الله وهمهم أداء الفريضة ابتغاء وجه الله فرجعوا كيوم ولدتهم أمهاتهم كما قال{مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رجع كيوم ولدته أمه}[2]خالياً من الذنوب والعيوب لماذا فرض الله تلك الفريضة؟إن الله لما أخبر ملائكته الكرام وقال لهم{إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }فعلموا أنهم أخطأوا لأنهم لم يحسنوا رد الجواب على ربهم فطافوا حول البيت المعمور في السماء السابعة تائبين منيبين فلما أتموا سبعة أشواط قال لهم: بشرى يا ملائكتي فقد غفرت لكم اهبطوا إلى الأرض فابنوا لعبادي بيتاً فإذا أخطأوا كما أخطأتم وأذنبوا كما أذنبتم يذهبون إليه فيطوفون حوله كما طفتم فاغفر لهم كما غفرت لكم فلما وقع آدم في الخطيئة ونزل ببلاد الهند وحواء بجدة بالأراضي الحجازية ومكث ثمانين عاماً يبكي على خطيئته حتى فتح الله له أبواب توبته فنزل جبريل وأمره أن يذهب إلى البيت ليطوف بالبيت حتى يتوب عليه رب البيت فجاء من بلاد الهند ماشياً حتى وصل إلى البيت وطاف حوله وقد ورد فى ذلك{طاف آدم سبعا بالبيت حين نزل ثم صلى تجاه باب الكعبة ركعتين ثم أتى الملتزم فقال: اللهم إنك تعلم سريرتي وعلانيتي فاقبل معذرتي وتعلم ما في نفسي وما عندي فاغفر لي ذنوبي وتعلم حاجتي فأعطني سؤلي اللهم إني أسألك إيمانا يباشر قلبي ويقينا صادقا حتى أعلم أنه لن يصيبني إلا ما كتبت لي والرضا بما قضيت علي قال: فأوحى الله تعالى إليه: يا آدم قد دعوتني بدعوات فاستجبت لك، ولن يدعوني بها أحد من ولدك إلا كشفت غمومه وهمومه وكففت عليه ضيعته ونزعت الفقر من قلبه وجعلت الغناء بين عينيه وتجرت له من وراء تجارة كل تاجر وأتته الدنيا وهي راغمة وإن كان لا يريدها قال: فمذ طاف آدم كانت سنة الطواف}(ورد فى أخبار مكة للأزرقي رواية عن عبد الله بن أبي سليمان مولى بني مخزوم}فمن يذهب بمال حلال ابتغاء رضاء الواحد المتعال فإنه يرجع من هناك كيوم ولدته أمه خالياً من الذنوب والعيوب بالإضافة إلى الثواب الذي لا نستطيع أن نحيط به في هذا الوقت القصير ويكفي أن نلمح إليه في قول الرجل الصالح الذي يقول: (صلاة واحدة في جماعة في بيت الله الحرام خير وأعظم عند الله من عمر نوح في طاعة الله) فقالوا له وكيف ذلك؟ قال الصلاة في البيت الحرام بمائة ألف صلاة فإذا كانت في جماعة تزيد سبعاً وعشرين مرة فتصير مليونين وسبعمائة ألف صلاة فإذا قسمناها على خمس صلوات في اليوم كان عمراً أكبر من عمر نوح في طاعة الله وليست الصلاة فقط فالتسبيحة بمائة ألف تسبيحة والصدقة بمائة ألف والختمة للقرآن الكريم بمائة ألف ختمة وصلاة الجمعة بمائة ألف صلاة جمعة وكل عمل صالح هناك بمائة ألف عمل صالح هنا فضلاً من الله ونعمة قال{الْحُجَّاجُ وَالْعُمَّارُ وَفْدُ اللَّهِ إنْ دَعَوْهُ أَجَابَهُمْ وَإنِ ٱسْتَغْفَرُوهُ غَفَرَ لَهُمْ وإن شفعوا شفعوا}[3]والمؤمنون الذين لم يكتب الله لهم أداء هذه الفريضة يحرمون من هذا الأجر والثواب نقول لهم ولنا إن الله يعطي من هنا مثل أجر من هناك بشروط ومواصفات وضعها رسولكم الكريم يردد الناس - وهذا من جهلهم بدينهم - أن المقبول هو الذي فتح له الباب وسافر بالطائرة أو بالباخرة أو في الأتوبيس ويعيرون من أخذ بالأسباب ولم يكتب له السفر ويقولون له لو كنت مقبولاً لهيأ الله لك السفر وكذبوا على الله فإن كثيراً ممن يسافر إذا قال لبيك اللهم وسعديك تقول له الملائكة لا لبيك ولا سعديك وحجك هذا مردود عليك لماذا؟لأنه حج من مال حرام وبعضهم خرج للرياء والسمعة حتى إذا رجع يقولون الحاج فلان ذهب والحاج فلان رجع ومثل هذا ليس له من الأجر إلا سمعته وإلا تشريفه بهذا اللقب وإذا كان الأمر أمر السفر فإن نبيكم الكريم رأى في المنام أنه ذهب لأداء الحج وبشر أصحابه وذهبوا وأحرموا وساقوا الهدى ومنعهم الكفار من دخول البيت مع أن الله قال لهم{لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ}الكفار والمشركين يطوفون بالبيت والرسول الكريم يمنع من دخول البلد الحرام هل كان هذا دليلاً على قبول الكفار وعلى رد الرسول المختار؟ أم أن تلك الأقدار تفعل بإرادة الواحد القهار{وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ}أنت تريد والله يريد ولا يكون إلا إرادة الحميد المجيد أما الذي نوى الحج وأخذ بالأسباب ولم تتيسر له أسباب السفر فقد كتب له حجة مقبولة طوافها وسعيها ووقوفها ورميها ونفقاتها وهي في ميزان حسناته عند الله يوم القيامة وأنا ضمين بذلك عند الله لأن الذي قال ذلك رسولكم الكريم لكن الذي يريد الحج ولم تتيسر له النفقات وليس معه مال ولكنه مشتاق للزيارة ويعيش هذه الأيام القادمة أيام العشر مع الحجيج يعيش معهم في طوافهم ومعهم في سعيهم ومعهم في تلبيتهم يكتب له أجر الحج بنيته وبصدق إرادته وقد قال{إنَّـما الأعْمَالُ بالنِّـيَّاتِ وإنَّـما لكل امْرِىءٍ ما نَوَى}[4]ولم يقل لكل امرء ما عمل وقد سافر أصحابه إلى تبوك في بلاد الشام وكان سفراً طويلاً وشاقاً فلما وصلوا إلى هنالك قال لمن معه{ إِنَّ بِالْمَدِينَةِ لَقَوْماً مَا سِرْتُمْ مِنْ مَسِيرٍ وَلاَ قَطَعْتُمْ وَادِياً إِلاَّ كَانُوا مَعَكُمْ فِيهِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ؟ قَالَ: وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ }[5] منعهم العذر وهو ضيق ذات اليد وقلة النفقة من أن يكونوا معهم والله يثيب المؤمنين على قدر نياتهم فالمؤمن ينوي كل عام حج بيت الله الحرام فإن تيسر له الأمر فبها ونعمت وإن لم يتيسر له الأمر أخذ أجر الحجيج المقبولين وثوابهم عند الله على قدر نيته وعلى قدر صدق إرادته لأن الأعمال بالنيات عند الله قال{مَنْ صَامَ يَوْمَ عَرَفَةَ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ سَنَتَيْنِ: سَنَةً أَمَامَهُ وَسَنَةً خَلْفَهُ}[6]وهذا كما يحدث للحجيج وقال{يَا فَاطِمَةُ قُومِي إِلى أُضْحِيَتِكِ فَاشْهَدِيهَا فَإِنَّ لَكِ بِكُل قَطْرَةٍ تَقْطُرُ مِنْ دَمِهَا أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكِ مَا سَلَفَ مِنْ ذُنُوبِكِ}[7]فالحاج هناك يطوف ويسعى والذي هنا يصوم تلك الأيام الفاضلة التي يقول فيها رسولكم الكريم{مَا مِنْ أَيَّامٍ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَىٰ أَنْ يُتَعَبَّدَ لَهُ فِيهَا مِنْ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ يَعْدِلُ صِيَامُ كُل يَوْمٍ مِنْهَا بِصِيَامِ سَنَةٍ وَقِيَامُ كُل لَيْلَةٍ مِنْهَا بِقِيَامِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فإذا كان يوم عرفة فإن الله يغفر بصيامه ذنوب سنتين}[8]وإذا كان الحاج يذبح الهدي فالذي هنا يذبح الأضحية وله نفس الأجر وإذا كان الحاج يلبي فالذي هنا يكبر من يوم الوقفة ويوم العيد وأيام التشريق عقب كل صلاة ليكون الذي هنا يكبر والذي هناك يكبر ويلبي والذي هناك في عرفات والذي هنا بروحه مع الله في استجابة الدعوات فيثيب الله الجميع ويوزع الأجر على الجميع 

[1] أخرجه ابن اسحق في سيرته والأرزقي في أخبار مكة.

[2] رواه البخاري ومسلم في صحيحهما والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة.

[3] رواه البخاري والبيهقي عن أبي هريرة، والبزار عن جابر.

[4] متفق عليه عن عمر بن الخطاب.

[5] رواه أحمد في مسنده والبخاري في صحيحه وابن حبان في صحيحه وصاحب الفتح الكبير عن أنس.

[6] رواه مسلم وأحمد في مسنده عن أبي قتادة الأنصاري.

[7] رواه البخاري ومسلم في صحيحهما والبيهقي في سنته عن البراء بن عازب.

[8] رواه ابن ماجة في سننه وابن أبي شيبة وابن حبان في صحيحه عن ابن عباس.
: زاد الحاج والمعتمر
درجات الحج

في يوم عرفة تجتمع من كل بقاع الأرض في حرم الله وفي بيت الله وفي أرض الله أفواج الحجيج يرجون غفران الله ورحمة الله ذهبوا وقد أعطوا أعز ما يملكون فجمعوا أموالهم للنفقات وتركوا أعز ما يخلفون وهم الأهل والأولاد لماذا ذهبوا إلى هناك؟إن هذا أمر يطول شرحه وسنتكلم فيه باختصار شديد على حسب المناسبة إن شاء الله فإن هذا البيت لبناءه غاية من أجلها أمر الله الملائكة ببنائه ثم أمر بعد ذلك الخليل إبراهيم بتجديد بنائه وهي أن الله أوحى إلى الملائكة بعد أن تقبل توبتهم وغفر لهم زلتهم أن اهبطوا إلى الأرض فابنوا لعبادي هناك بيتاً إذا أخطأوا كما أخطأتم يذهبون إليه فيطوفون حوله كما طفتم فاغفر لهم كما غفرت لكم فإذا أراد الله أن يكرم قوماً بالغفران أظهر لهم التبيان ووفقهم للعمل بأركان الحج التي يحبها الديان وإذا غضب الله على قوم أخفاه عنهم أو أخفى عنهم تعاليم الحج وشعائر الحج حتى يفعلونها على وفق أهوائهم فلا تنالهم الرحمة ولا التوبة من ربهم ولذلك عندما جاء طوفان نوح أغرق الله هذا البيت وحملت الملائكة منه الحجر الأسعد وجعلوه أمانة ووديعة عند جبل أبي قبيس المطل على الكعبة حتى لا يعرف الناس مكانه ولا يذهب الناس إليه طلباً للغفران فلما جاءت إرادة السماء أن يعلن الله برفع هذا البناء أذهب إليه إبراهيم وإسماعيل فجاء جبريل ومعه البراق وقال يا إبراهيم: إن الله يأمرك أن تذهب إلى مكة لأنه سيخرج من صلب هذا الولد نبي يدعو الناس جميعاً إلى الله فأركبه البراق وأخذ إسماعيل بين يديه وأركب هاجر خلفه وكلما مر بأرض بها زرع وماء قال: أننزل هنا يا جبريل؟ يقول: لا. حتى وصل إلى مكان البيت فقال: انزل ها هنا فوجدها كما قال الله:{بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ}أي لا زرع ولا ضرع فيها فقال: يا جبريل لا زرع هنا ولا ماء قال: هكذا أمر الله وذلك حتى يكون الذاهب إلى هذا المكان لا طالباً للمجد أو للمال أو للجاه أو للكساء ولا طالباً للشهرة أو المنزلة بين الناس وإنما يذهب وهمه الخالص رضاء الله{وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ}فيكون هدفه رضاء الله وسفره طلباً لغفران الله وهمه كله الإقبال على الله فلو جعله في مكان هواؤه نظيف وماؤه عذب غدير وزرعه نضير لكان الناس يذهبون إليه للسياحة وبجانبها زيارة البيت لكن الله جعل البيت في مكان قفر لا زرع فيه ولا ماء فيه ولا جو تستحسنه الأجسام فيه لكي يتحمل الناس كل هذه المشقات فينالوا الغفران وارتفاع الدرجات عند الله فبنى إبراهيم وإسماعيل البيت ثم أمره الله أن ينادي على الناس بالحج للبيت فقال: يا ربَّ وما يبلغ صوتي قال: عليك الآذان وعلينا البلاغ{وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ}فوقف سيدنا إبراهيم على جبل أبي قبيس وأمر الله الأرواح أن تخرج من مستقرها وأمر الجبال أن تهبط والوديان أن ترتفع وأمر الهواء أن يوصل صوته إلى الناس جميعاً فنادى إبراهيم مرة جهة المشرق ومرة جهة المغرب ومرة جهة الشمال ومرة جهة الجنوب وفي كل مرة يقول: أيها الناس إن الله قد بنى لكم بيتاً وأمركم بالحج فحجوا فلبى الناس في زمانه ولبت الأرواح من عصره إلى يوم الدين وقالوا جميعاً :لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك منهم من رددها مرة ومنهم من رددها مرتين ومنهم من زاد على مرتين والملائكة يسجلون قال النبى{فمن لبى مرة حج مرة ومن لبى مرتين حج مرتين ومن زاد على ذلك فبحساب ذلك}[1]فإذا كانت ليلة النصف من شعبان يظهر في اللوح المحفوظ أسماء حجاج بيت الرحمن في هذا العام فتحمل الملائكة النبأ إلى قلوبهم وإلى أرواحهم فيحسون بالشوق إلى بيت الله وبالحنين إلى حج بيت الله ويهيئ الله الأسباب وهو يرزق من يشاء بغير حساب منهم من يوفقه الله ويأتيه ملك في المنام يبشره بحج بيت الله الحرام ومنهم من يوفقه الموفق فيأتيه الحبيب المختار فيدعوه بذاته الشريفة للحج وللزيارة وناهيك بهذا الشرف العظيم فعندما جاء النبى إلى هارون الرشيد يدعوه قام من نومه مستبشراً وأقسم أن يحج ماشياً على قدميه من بغداد حتى يؤدي المناسك لماذا؟ لأن الذي بشره ودعاه هو حبيب الله ومصطفاه وهذه امرأة من الجزائر جاءها النبى فدعاها للحج وللزيارة فقامت من نومها فرحة مستبشرة وأقسمت أن تذهب إلى البيت على عينيها وبعد القسم احتارت في كيفية التنفيذ فذهبت وأرسلت إلى العلماء لتستفتيهم فأفتوها أن تصلي ركعتين عند كل خطوة تخطوها في طريقها إلى بيت الله فذهبت بهذه الطريقة في ثلاث سنوات حتى وصلت إلى بيت الله الحرام لتوفي بالوعد الذي أقسمت عليه لله ومنهم من يرى في منامه أنه يطوف مع الطائفين ومنهم من يرى نفسه واقفاً على عرفات مع الحجيج ومنهم من يرى أنه يسعى بين الصفا والمروة ومنهم من يرى أنه في الروضة النبوية الشريفة تأتيهم الدعوات بأي كيفية من الله ومنهم من يخبره ملك الإلهام الموجود على قلبه فيهيئ له الشوق الحار لزيارة الله في بيته والظمأ الشديد لأداء المناسك فيعلن إلى من حوله أنه ذاهب إلى بيت الله فلا يذهب إلى هناك على الحقيقة رجل ماله حلال إلا إذا سبق له التوفيق من الموفق أما الذي يذهب وماله حرام فليس لنا شأن به ومثلما راح سيعود ولن يناله إلا التعب والمشقة وقد قال النبى في مثله: {مَنْ حَجَّ بِمَالٍ حَرَامٍ فَقَالَ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، قَالَ اللَّهُ uلَهُ: لاَ لَبَّيْكَ وَلاَ سَعْدَيْكَ وَحَجُّكَ مَرْدُودٌ عَلَيْكَ }[2]أما لماذا يذهبون؟بعضهم ينال النصيب الأوفر فيأخذ حظه من حديث رسول الله{مَن حَجَّ هذا البيتَ فلم يَرْفُثْ ولم يَفْسُقْ رجَعَ كما ولَدَتْهُ أمُّه}[3]وبعضهم ينال نصيب أكبر من هذا ويكون داخلاً في قوله النبى{الحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إلاَّ الجَنَّةِ}[4] فالذي عليه ذنوب يرجع وقد طهره الله من الذنوب والعيوب والذي يحج وليس عليه ذنوب ولا له ذنوب يأخذ كارت ضمان من علام الغيوب بدخوله الجنة والأمان يوم الموقف العظيم ويدخل في قول الرحمن الرحيم{وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً}آمناً من عذاب الله وآمناً من غضب الجبار وآمناً من شرار الناس في هذه الحياة الدنيا وآمناً من فزع يوم القيامة لأنه يدخل في قول الله{فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}ودرجات لانستطيع عدها في هذا الوقت قال النبى{إن الله وعد من حج البيت أن يرده إلى بيته غانماً سالماً مغفوراً له ذنبه وإن توفاه عنده أن يقيض له ملكاً يحج عنه ويلبي عنه إلى يوم القيامة }[5] وقال{ التائب حبيب الرحمن والتَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ}[6]ما هذه المغفرة التي ينالها حجاج بيت الله؟ ومن ينالونها هل يتبقى عليهم شئ بعدها أم يغفر الله لهم جميع ذلك؟ إن الله يغفر لهم مغفرة عامة شاملة لكل ما قالوه أو فعلوه أو اقترفوه أو جنوه يقول فيها النبى{إِذَا أَفَاضَ الْقَوْمُ مِنْ عَرَفَاتٍ أَتَوْا جَمْعاً فَوَقَفُوا قَالَ اللهُ تعالى:انْظُرُوا يَا مَلاَئِكَتِي إِلَى عِبَادِي عَاوَدُونِي فِي الْمَسْأَلَةِ أُشْهِدُكُمْ أَني قَدْ أَجَبْتُ دَعْوَتَهُمْ وَشَفَعْتُ رَغْبَتَهُمْ وَوَهَبْتُ مُسِيئَهُمْ لِمُحْسِنِهِمْ وَأَعْطَيْتُ مُحْسِنَهُمْ جَمِيع مَا سَأَلَ وَتَحَمَّلْتُ عَنْهُمُ التَّبِعَاتِ الَّتِي بَيْنَهُمْ} [7]

[1] أخرجه ابن اسحاق في سيرته والأرزقي في أخبار مكة.

[2] رواه الطبراني في الأوسط والأصبهاني والبزار عن أبي هريرة.

[3] رواه الدار قطنى في سننه وأحمد في مسنده والبخاري في صحيحه عن أبي هريرة.

[4] رواه أحمد في مسنده والبيهقي في سننه ومسلم في صحيحه والطبراني والحاكم عن جابر.

[5] رواه أحمد في مسنده عن أبي هريرة.

[6] أخرجه ابن ماجة عن ابن مسعود والديلمي عن أنس وابن عباس والطبراني في الكبير عن أبي سعيد الخدري.

[7] الْخطيب في المتفق والمفترق عن أنسٍ رضيَ اللَّهُ عنهُ
زاد الحاج والمعتمر
الحج وغفران الذنوب
ما أجمل وجود المؤمنين وقد استعدوا وبدأوا يتجهزون للحج يغتسلون ويتطيبون ويحرمون ويخرجون للوقوف في ساحة الفضل والجود والكرم الإلهي للمثول في ساحة الإكرام الرباني الإكرام الذي ليس بعده إكرام والإنعام الذي ليس بعده إنعام لو قيل للواحد منا بماذا تشترى المغفرة؟ لقال أشتريها بكل ما أملك من مال ومن ممتلكات ومن مقتنيات فإن المغفرة إذا حصلها الإنسان وخرج للقاء الديان فقد فاز فوزاً مبيناً ولو ملك الإنسان الدنيا بأكملها وكانت كلها في قبضة يده ولكنه خرج منها بدون الحصول على المغفرة ماذا أخذ؟وماذا فعل؟إنه يخرج منها بحسرة يموت منها الأولون والآخرون لو يعرفونها لأنه ملكها كلها وتركها كلها ويحاسب عليها كلها ويبوء بخزيها والندامة عليها جميعها ولم يحصل على ثمرة المغفرة التي هي كل ما يبغيه الإنسان في دنياه وكل ما يطلبه لينال به السعادة في أخراه إن الأمر الصريح من رب العالمين لنا هو أن نسارع ونتسارع ونجري ونتنافس في ماذا يا ربَّ العالمين؟ في الدنيا؟ كلا، في الأموال؟ كلا وألف كلا، في المناصب والدرجات الدنيوية؟ كلا، في ماذا نتنافس يا رب؟{وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} نتنافس في منابر الأبرار ونتنافس في مقامات الصالحين ونتنافس في منازل جنات النعيم ونتنافس في النعيم المقيم ونتنافس في البعد عن الجحيم وما أدراك ما الجحيم ونتنافس في البعد عن الخزى والندامة يوم الحسرة يوم القيامة ونتنافس في الجلوس على الآرائك وما أدراك ما الآرائك{عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}نتنافس في الصالحات ونتنافس في الطاعات ونتنافس في القربات ونتنافس في كل ما يوصلنا إلى الله ويقربنا إلى معية رسول الله هذا هو تنافس المؤمنين وهذا هو تسابق المؤمنين وهذا هو صراع الموحدين فليس صراعهم على شئ يبلى لأنهم علموا أن كل ما على الدنيا يفنى ولا يبقى مع الإنسان إلا ما عبر عنه الديان وقال{وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً}عرفوا أن رسول الله قال لأصحابه ذات يوم{أيُّكُمْ مالُ وارثِهِ أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ مَالِهِ قالُوا: ما مِنَّا أَحَدٌ إلاَّ مالُهُ أَحَبُّ إليهِ مِنْ مَالِ وارِثِهِ، قالَ : إعْلَمُوا أنهُ لَيْسَ مِنْكُمْ أَحَدٌ إلاَّ ومالُ وارثِهِ أحَبُّ إليهِ من مالِه مالُكَ ما قَدَّمْتَ ومالُ وارِثِكَ ما أَخَّرْتَ} [1]إن الذي خلفته إنما هو لورثتك ولكن الذي قدمته هو العمل الذي فيه سعادتك والخير الذي فيه رفع درجتك والبر الذي فيه رفعة شأنك في الميعاد والوصول إلى مقام يقول فيه رب العزة{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ }فالمؤمن يتنافس في الحصول على المغفرة شهادة محو الأمية أصبحت هي الأساس في التعيينات الحكومية وغير الحكومية ولله المثل الأعلى وشهادة المغفرة هي أدنى الدرجات التي لابد لك من الحصول عليها عند الخروج من هذه الحياة حتى تدخل على الأقل في قوله{فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ}حتى نتزحزح عن النار وندخل الجنة مع الأبرار وإذا لم تخرج من هذه الحياة ومعك شهادة من العزيز الغفار بأنه قد غفر لك ذنوبك وستر عليك عيوبك فبماذا خرجت؟ لكنك إذا خرجت من الدنيا ومعك شهادة بالمغفرة وليس معك إلا حسنة واحدة فقد فزت وسعدت لأنه ليس عليك أوزار وليس عليك ذنوب تثقل كفة السيئات وليس عليك ذنوب تجعلك تزل في المشي على الصراط وليس معك ذنوب تجعلك تتناول كتابك بشمالك وليس معك ذنوب تجعلك تمشي على وجهك وليس معك ذنوب تجعلك تجلس في أرض القيامة والمؤمنون تحت ظل عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظله شهادة المغفرة هي ذخيرة المؤمنين وهي ركيزة الموحدين لأنها هي السعادة العظمى مع رب العالمين ولذلك يقيم المولى للمؤمنين مواسم للحصول على هذه الشهادة والمواسم تلو المواسم فإذا صاموا رمضان سلم للصائمين شهادة بالمغفرة وإذا قاموا رمضان سلم القائمين شهادة بالمغفرة وإذا حافظوا على الصلوات الخمس في جماعة من الجمعة إلى الجمعة سلم المحافظين على الفرائض في أوقاتها من الجمعة إلى الجمعة شهادة بالمغفرة والمحافظ على صلاة الفجر أربعين يوماً في جماعة أعطاه الله شهادة بالمغفرة ولو ترك الأهل والأموال والأولاد وخرج من بيته مهاجراً لزيارة رب العباد في بيته المحرم في بيته المعظم في بيته المكرم وقد حصل المال بطريق حلال - لأن هذا شرط القبول - فإذا كان المال من طريق حلال وقال لبيك اللهم لبيك قالت الملائكة له لبيك وسعديك والخير كله لك وبين يديك أما إذا كان المال من طريق حرام أو من طريق الشبهات وقال لبيك اللهم لبيك تقول الملائكة لا لبيك ولا سعديك وحجك هذا مردود عليك فإذا حج من نفقة حلال وخرج يبغي وجه الله لا يريد شهرة بين الناس أي لم يخرج حتى إذا رجع يقولون له الحاج فلان فإن عمر حج وأبو بكر حج وأصحاب رسول الله جميعاً حجوا ولم نسمع من يقول الحاج أبو بكر أو الحاج عمر أو الحاج عثمان وإلا فإن الصلاة أعظم من الحج هل يجوز أن نقول المصلي فلان أو المزكي فلان أو الصائم فلان إن هي إلا ألقاب سميناها ما أنزل الله بها من سلطان فإذا حج فليخلص النية ولينوي بحجه هذا الحصول على مغفرة من الله ورضوان يوم الحصول على الفوائد التي أعدها الله لمن يقوم بأداء هذه الفريضة وينوي مشاهدة البقاع المقدسة التي شاهدت نزول الوحي الإلهي والتي شاهدت الأنبياء عليهم السلام وهم يمشون يبلغون رسالات السماء ويتعرضون للأذى من هنا ومن هناك لا يخافون في الله لومة لائم حتى أعزهم ونصرهم ونشر دينهم وجعل كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى فإذا خرج الحاج بنفقة حلال ويبغي رضاء ذي الجلال لا يرفع قدماً ولا يضعها إلا وكتب له حسنة ومحيت عنه سيئة ورفعت له درجة فإذا وصل إلى هناك وطاف حول البيت كان كما يقول رسول الله {كمن يخوض في رحمة الله}أي كمن يسبح أو يخوض في رحمة الله وأنتم تعلمون أن من يسبح في المياه هل يخرج وعليه أوساخ؟هل يخرج وعليه أوزار؟ فما بالك بمن يخوض في رحمة الله هل يخرج وعليه ذنب أو خطيئة ؟ هل يخرج وعليه عقوبة؟ إنه يخرج برحمة الله والملائكة يقولون لمن يدخلون جنة الله برحمة الله هم فيها خالدون يدخلون في الجنة برحمة الله التي يقول فيها رسول الله { لَنْ يَدْخُلَ الجَنَّةَ أَحَدٌ مِنْكُمْ بِعَمَلٍ» قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «ولا أَنا إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِي الله بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ }[2] فإذا وقفوا على عرفات فهذا يوم المغفرة الأعظم يوم الغفران يوم تجلي الغفور يوم تجلي التواب يوم تجلي العفو عن المذنبين وعن المسيئين وعن الخطائين لأنه يقول في حديثه القدسي{يا عِبَادي إِنَّكُمُ الَّذِيْنَ تُـخْطِئونَ باللـيلِ والنهارِ وأَنَا الَّذِي أَغْفِرُ الذنوبَ ولا أُبَالِـي فاسْتَغْفِرُونـي أَغْفِرْ لَكُمْ يا عِبَادِي لو لقيتموني بقراب الأرض خطايا [يعني بملء الأرض ذنوب]ثم لقيتموني لا تشركون بي شيئاً غفرت لكم ما كان منكم ولا أبالي}[3]إنه هو الغفور الرحيم إنه يحب التوابين ويحب المتطهرين فإذا وقفوا بين يديه ملبين وقد وضعوا ذنوبهم بين أيديهم وتضرعوا بألسنتهم وقلوبهم إلى خالقهم وبارئهم يرجون رحمته ويطلبون مغفرته يقول الكريم لعباده الملائكة: {يا ملائكتي انظروا إلى عِبَادِي جَاءُونَا شُعْثَاً غُبْرَاً مِنْ كُل فَجَ عَمِيقٍ يَرْجُونَ جَنَّتِي فَلَوْ كَانَتْ ذُنُوبُكُمْ عَدَدَ الرَّمْلِ أَوْ كَقَطْرِ المَطَرِ أَوْ كَزَبَدِ الْبَحْرِ لَغَفَرْتُهَا أَفِيضُوا عِبَادِي مَغْفُورَاً لَكُمْ وَلِمَنْ شَفِعْتُمْ لَهُ }[4] بل إن الله يتفضل عليهم فيستجيب لهم الدعاء ويتحمل عنهم الحقوق ويباعد بينهم وبين المعاصي ويباعد بينهم وبين الشياطين ولذلك يقول سيد المرسلين{مَا رُؤِيَ الشَّيْطَانُ يَوْمَاً هُوَ أَصْغَرُ وَلاَ أَحْقَرُ وَلاَ أَدْحَرُ وَلاَ أَغْيَظُ مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ}[5]لماذا؟لما يرى من مغفرة الله لعباد الله فيندم على ما فعل لأنه وسوس لهم طول الأعوام وزين لهم الأعمال السيئة طول الأعوام ثم يغفرها الغفور في نفس وأقل لأنهم وقفوا بين يديه خاشعين ووقفوا بين يديه ضارعين وقد عبروا عن ذلك في حالهم عندما لبسوا أكفانهم وتجردوا من أفعالهم وتجردوا من دنياهم ووقفوا بين يديه كما يقفون بين يديه في أخراهم ليس عليهم إلا الملابس البيضاء والكل يتساوى أمام رب الأرض والسماء لا فرق بين غني ولا فقير ولا رئيس ولا وضيع الكل متساوون أمام الله لا يظهر الفارق إلا بالتقوى وتلك في صدورهم لا يراها إلا الله ولا يطلع عليها إلا الله فإذا وقفوا بين يديه هكذا خاشعين متذكرين لذنوبهم تائبين من أوزارهم غفر الله لهم بل يقول النبي{يَغْفِرُ الله للحَاجِّ ولمَنْ اسْتَغْفَرَ لَهُ الحَاجُّ}[6]ويقول{إِذَا أَفَاضَ الْقَوْمُ مِنْ عَرَفَاتٍ أَتَوْا جَمْعاً فَوَقَفُوا قَالَ: انْظُرُوا يَا مَلاَئِكَتِي إِلَى عِبَادِي عَاوَدُونِي فِي الْمَسْأَلَةِ أُشْهِدُكُمْ أَني قَدْ أَجَبْتُ دَعْوَتَهُمْ وَشَفَعْتُ رَغْبَتَهُمْ وَوَهَبْتُ مُسِيئَهُمْ لِمُحْسِنِهِمْ وَأَعْطَيْتُ مُحْسِنَهُمْ جَمِيع مَا سَأَلَ، وَتَحَمَّلْتُ عَنْهُمُ التَّبِعَاتِ الَّتِي بَيْنَهُمْ}[7] ونحن أيضاً في هذه البلاد وإن كنا لم نوفق للمثول بين يدي الله في هذه الأماكن المباركة إلا أن الله لم يحرمنا من هذا الفضل بل جعلنا شركاء لهم في الأجر إذا وفقنا للعمل بهدي رسول الله والمتابعة لسنته فإذا دققنا في إتباع السنة في ذلك اليوم والسنة هي صيام ذلك اليوم وفيه يقول الحبيب{صومِ يومِ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الماضِيَةَ والبَاقِيَةَ}[8]ويقول{مَا مِنْ أَيَّامٍ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَىٰ أَنْ يُتَعَبَّدَ لَهُ فِيهَا مِنْ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ يَعْدِلُ صِيَامُ كُل يَوْمٍ مِنْهَا بِصِيَامِ سَنَةٍ وَقِيَامُ كُل لَيْلَةٍ مِنْهَا بِقِيَامِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ}[9]ويقول{مَا مِنْ أَيَّامٍ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ هذِهِ الأَيَّامِ قِيلَ: وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؟ قَالَ: وَلاَ الْجَهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلاَّ مَنْ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْجِعْ حَتَّى يُهْرَاقَ دَمُهُ فلم يرجع من ذلك بشئ }[10] فإذا صمنا في هذا اليوم لله وعشنا في هذا اليوم بأرواحنا وأجسادنا بين يدي الله مستقبلين عظمة الله ومستحضرين توبة الله ومستحضرين أن الله تنزه عن المكان ورحمته وسعت كل شئ فستسع جميع بني الإنسان والذين يقفون بين يديه في هذا الزمان يلبون ويضرعون ويصرخون ويستجيرون لأنه يغفر الذنوب جميعاً إذا وقفنا بين يدي الله في هذا اليوم على هذه الشاكلة جبر الله كسر قلوبنا وغفر ذنبنا وكنا مشاركين لأهل عرفات في مغفرة الله وإن تفاوت الأجر والثواب ولكن حسبنا المغفرة من العلي الوهاب عباد الله اعلموا أن هذا اليوم يوم عرفة يوم بر ويوم كرم والله هو الرب الكريم الذي ليس لكرمه حدود وهو الوهاب الذي ليس لهباته نهاية وهو المنان الذي يعطي ولا يمن على عباده يعطي بلا حدود ويشمل بعطائه الجميع بشرط أن يكون الجميع في مقام التضرع والخشوع في مقام الإنابة والتوبة لله في مقام السجود بين يدي الله في مقام الرجاء في كرم الله في مقام الخوف من قهر الله وعظمة الله فإذا كنا كذلك شملنا الله برحمته ووسعنا بمغفرته قال النبى{التائب حبيب الرحمن، والتَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ}[11]علينا أيضاً في هذه الأيام المباركة عبادات خاصة سنها لنا رسول الله من هذه العبادات التكبير لله عقب الصلوات منذ فجر يوم عرفة إلى عصر اليوم الرابع من أيام العيد علينا أن نكبر عقب كل صلاة وألفاظ التكبير: الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، إذا صلينا في جماعة نكبر جميعاً وإذا فاتتنا الجماعة فصلينا مفردين علينا أن نكبر أيضاً وإذا صلينا نافلة منفصلة عن الجماعات كبرنا أيضاً ونعلم ذلك لنسائنا ولصبياننا ولكن نعلم نسائنا أن يكبرن بصوت خافت لا يسمعن إلا أنفسهن أما الرجال فيكبروا بصوت جهوري لأنها أيام تكبير يقول فيها{زَيِّنُوا أَعْيَادَكُمْ بالتَّكْبِيرِلله}[12]فالتكبير هو زينة العيد ليست زينة العيد فيما نفعله من أضواء وفيما نفعله من زينات ولكن كما قال الله{وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }أيضاً علينا في هذه الأيام بالأضحية لأنه فيها أجر لا يعلمه إلا الله بين بعضه رسول الله حينما قال لابنته فاطمة: {يَا فَاطِمَةُ قُومِي فاشْهَدِي أُضْحِيَتَكِ فَإنَّ لَكِ بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ تَقْطُرُ مِنْ دَمِهَا مَغْفِرَةً لِكُلِّ ذَنْبٍ أَمَا إنَّهُ يُجَاءُ بِلَحْمِهَا وَدَمِهَا تُوضَعُ فِي مِيزَانِكِ سَبْعِينَ ضِعْفاً قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هذَا لآِلِ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً فَإنَّهُمْ أَهْلٌ لِمَا خُصُّوا بِهِ مِنَ الْخَيْرِ أَوْ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً؟ قَالَ: لآِلِ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً وَلِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً}[13]وقال{مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ إِنَّهَا لَتَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلاَفِهَا وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللَّهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ عَلَى الأَرْضِ فَطِيبُوا بِهَا نَفْساً}[14]وفى رواية{قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذِهِ الأَضَاحِي؟قَالَ: سُنَّةُ أَبِيكُمْ إبْرَاهِيمَ قَالُوا: مَا لَنَا مِنْهَا؟ قَالَ: بِكُلِّ شَعْرَةٍ حَسَنَةٌ قَالُوا: فالصُّوفُ ؟ قَالَ: بِكِلِّ شَعْرَةٍ مِنَ الصُّوَفِ حَسَنَةٌ }[15] هذا الأجر والثواب لمن يضحي كما كان يضحي رسول الله بالشروط التي وضحها رسول الله فما هي؟أن يضحي بعد صلاة العيد لقول الحميد المجيد{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}ولقول رسول الله{أَوَّل ما نبدأ يومنا هذا أنْ نُصَلِّيَ ثُمَّ ننحر فَمَنْ فَعَلَ ذٰلِكَ فَقَدْ أَصابَ سُنَّتَنَا وَمَنْ تَعَجَّلَ فَإِنَّما هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لأَهْلِهِ }[16]فلابد أن يكون الذبح بعد الصلاة لمن يريد أن ينال هذا الثواب من الله وأن تكون الأضحية مستوفية للشروط الشرعية لقول الله{لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ}ثم يخرج منها شيئاً للفقراء وشيئاً للأهل والأصحاب على هيئة هدية ويستحسن أن نقسمها إلى ثلاثة (ثلث لأهلك وثلث للفقراء وثلث للأهل والأقارب) وإذا كنت محتاجاً فلا عليك أن تأكلها كلها وأيضاً لك الأجر لأنك فقير ومحتاج هذه الأضحية هي سنة عن أبيكم إبراهيم عندما ضحى عن إسماعيل عندما رأى في رؤياه أنه يذبح فتاه ورؤيا الأنبياء وحي من الله ولذلك عندما قال لفتاه{يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى}وكان الابن يعلم أن رؤيا الأنبياء أمر ووحي من الله فقال{يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}ثم أخذه بعيداً وقال يا أبتاه انزع قميصي حتى لا يقع عليه الدم فتراه أمي فتحزن على ذلك واجعل وجهي إلى الأرض حتى لا تنظر إلى وجهي فتأخذك الشفقة فتتردد في تنفيذ أمر الله واشحذ السكين حتى تذبح بسرعة حتى لا أتألم من آلام الذبح فأراد أن ينفذ قضاء الله ووضع ابنه ووحيده بين يديه وقد شحذ السكين وأراد أن يقطع فإذا بالسكين لا تقطع وعجب الخليل من ذلك وإذا بأمين الوحي جبريل ينزل من السماء بكبش من الجنة وبخطاب من ربِّ الأرض والسماء بتلغراف عاجل من الله بعد أن بكت ملائكة الله وقالت يا ربنا كيف تطلب من الخليل أن يذبح وحيده إسماعيل وهو أعلم بما قدر فى سابق علمه فقال تعالى{يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا}وفداه الله بذبح عظيم فتلك هي سنة إبراهيم ولذلك جعلها رسول الله سنة سارية إلى يوم الدين وقد ضحى النبى بكبشين أملحين وذبحهما بيده فقد ورد فى الحديث الشريف{كَانَ إِذَا ضَحَّى اشْتَرٰى كَبْشَيْنِ سَمِينَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ فَإِذَا صَلَّى وَخَطَبَ أَتى بِأَحَدِهِمَا وَهُوَ فِي مَصَلاَّهُ فَذَبَحَهُ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ هذَا عَنْ أُمَّتِي جَمِيعَاً مَنْ شَهِدَ لَكَ بِالتَّوْحِيدِ وَشَهِدَ لِي بِالْبَلاَغِ، ثُمَّ يُؤْتى بِالآْخَرِ فَيَذْبَحَهُ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ هذَا عَنْ مُحَمَّدٍ وَعَنْ آلِ مُحَمَّدٍ فَيُطْعِمُهُمَا جَمِيعَاً المَسَاكِينَ وَيَأْكُلُ هُوَ وَأَهْلُهُ مِنْهُمَا } [17] فهو e قد ضحى عن فقراء الأمة حتى لا يحزنوا وحتى لا يجزعوا لقد ضحى عنهم النبي الشفيع ويسن أيضاً أن نجعل رأسها تجاه القبلة وأن نسقيها قبل الذبح وأن نريحها وأن نشحذ السكين ولا تشحذها أمامها وأن تقول عند الأضحية(اللهم هذا عن فلان وأهل بيته إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربِّ العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين) تلك يا أخوة الإيمان بعض أحكام الهدي التي أوجبها الله على المستطيع وعطف رسول الله بالفقراء والمساكين بذبحه عنهم سنة أبينا إبراهيم وما جعله الله إلا للمغفرة أي إلا لننال بها المغفرة والأجر الكريم من الله ولا يفوتنا في هذه الأيام المباركة أن نصل أرحامنا وأن نزور أقاربنا لقول رسولكم الكريم{لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ وَلَكِنْ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا}[18]وحتى لا يتحجج أحد منا ويقول أنا أحسن إلى أقربائى ولكنهم لايقابلون الإحسان بمثله فهل تحسن إليهم أولاً ليحسنوا إليك؟ أم تحسن إليهم إقتداء بسيد الأنبياء ورغبة فى مرضاة الله؟ هذه واحدة والثانية فقد أَتَى رَجُلٌ إلى رسول الله وقالَ{يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ، وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ، فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ: «لَئِنْ كَانَ كَمَا تَقُولُ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ المَلَّ، وَلا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللَّهِ ظَهِيرٌ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ}[19] يعني كأنما تطعمهم الجمر الذي يتبقى بعد النار فعلينا بصلة ذوي الأرحام لأنها العبادة التي ترضي الملك العلام في هذا اليوم الكريم.

[1] رواه مسلم في الصحيح عن أبي بكر بن أبي شَيْبَةَ وغيرِهِ عن أبي معاويةَ. وأخرجه البخاري من وجهٍ آخرَ عن الأعمشِ، سنن الكبرى للبيهقي

[2] رواه أحمد في مسنده عن أبي هريرة.

[3] رواه مسلم والحاكم في المستدرك عن أبي ذر.

[4] البزار عن ابن عمر.

[5] رواه الإمام مالك في الموطأ والبيهقي من طريقه وغيرهما عن طلحة بن عبيد الله.

[6] رواه البزار والطبراني في الصغير عن أبي هريرة.

[7] الْخطيب في المتفق والمفترق عن أنسٍ رضيَ اللَّهُ عنهُ.

[8] رواه مسلم وأحمد في مسنده عن أبي قتادة الأنصاري.

[9] (ت هـ) عن أَبي هُرَيْرَةَ رضَي اللَّهُ عنهُ

[10] رواه ابن ماجة في سننه وابن أبي شيبة في مصنفه وابن حبان في صحيحه عن ابن عباس.

[11] أخرجه ابن ماجة عن ابن مسعود والديلمي عن أنس وابن عباس والطبراني في الكبير عن أبي سعيد الخدري.

[12] رواه الطبراني في الصغير والأوسط والسيوطي في الفتح الكبير عن أبي هريرة.

[13] (رواه البزار)

[14] الترمذى وابن ماجه والحاكم فى مستدركه عن عائشةَ رضَي اللَّهُ عنهَا.

[15] رواه أحمد وابن ماجه، عن زيد بن أرقم

[16] رواه البخاري ومسلم والبيهقي في سننه عن البراء بن عازب

[17] أحمد فى مسنده عن أَبي رافعٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وغيرها جامع المسانيد والمراسيل

[18] رواه أحمد في مسنده والبيهقي في سننه والبخاري في صحيحه وأبو داود عن عبد الله بن عمرو.

[19] رواه مسلم وأحمد عن أبي هريرة
.حمل الكتاب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق