مدونة مراقى الصالحين: 2012-02-19

السبت، 25 فبراير 2012

الاجتهاد في سد باب الذرائع والفتن ،

 ان إراحة أَفكار المسلمين من الاشتغال بما يضر ولا ينفع ، الأَمر الذي سبب فرقة المسلمين ، ووقوع العداوة والشحناء بينهم وأنساهم ذكر الله والعمل بكتابه ، بل وأَنساهم ذكر الموت وما بعده ، وجعل غير المسلمين يظنون أَن الدين الإسلامي.
1-      إن أول بلاءٍ حصل للمسلمين ، وأعظم دسيسة دسها إبليس بيننا هي شواظ نار التفاضل ، ظهرت تلك الفتن في عصر الصحابة – رضوان الله عليهم- ولكنها كانت بابا من أَبواب التنافس في المسارعة إلى الخير ، فكانوا في عصر رسول الله   يفضلون أَبا بكر فعمر فعثمان ، ويسمع ذلك رسول الله  

الخميس، 23 فبراير 2012

من سلبيات الخطاب الإسلامي المعاصر من سلبيات الخطاب الإسلامي المعاصر

مما ينبغي أن يكون في صلب أولويات الخطاب الإسلامي المعاصر العمل على تحديد المفاهيم
 وضبط الاصطلاحات؛
 لأنها عملية في صميم قضية الـهُـوية.
فالاصطلاحات ـ كانعكاسٍ للجوهر الحضاري- ليست سوى منظومة فكرية،
 يفترض فيها الانسجام والتكامل؛ وذلك لأن الإنسان - بوصفه فردًا، وباعتباره جزءًا من مجتمعه وأمته- يعبر عن رؤيته للواقع والوقائع من خلال اللغة، 
وطريقة تعبيره تؤثر بدورها في الرؤية،

الأربعاء، 22 فبراير 2012

بشرى توبوا تبدل سيئاتكم حسنات




ولا منتهى لفضل الله ولا رادَّ لقوله يفعل مايشاء ولا حدّ لكرمه ففوق كل الكرم الذى شهدنا والفضل المتوالى الذى ولانا به مولانا يقول الله لملائكته.لو أذنب عبدى ثم ندم وتاب وأصلح فضعوا له مكان كل ذنب حسنة{إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً}ولذا قال النبى فى حديث شريف منيف{ لِيَتَمَنَّيَنَّ أَقْوَامٌ لَوْ أَكْثَرُوا مِنَ السَّيئَاتِ الَّذِينَ بَدَّلَ اللَّهُ سَيئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ }[6] ومن هنا نظم الرجل الصالح فقال :

هتَكَ العاصون بالذنوب حِمَا هم سوَّدوا الوجوه والصفحات
جاءَ نَصُّ الحساب عليها عسيــراً عدا من هٌدُوا قبل فَوَاتِ
بالذُّل جاءوا ربهم بفعَـالٍ صدق خيرٍ وصالحـاتِ
فتمنَّى القوم لو أكثروا لـمْــمَا بَدَلَ الله سَيّئاتِهم حَسَناتِ
قلتُ ياربنا كم أفضت عليــنا من آى بشرِ نيِّراتِ
بها الخيرُ آت لنا وَعَنْــنَا الشَّرُ زالَ والنعيمُ مُواتِ
فلو بقى نفسٌ فى العمر إلــلا آىُ القران أتت بنجاتى
فكيف نفي بالشكر حقاً ــنا عمَّنا حياةً وبعد مماتى

رحمة الله يا إخوانى بنا لا تُعد ولا تُحدّ ولو علمنا على قدرنا سعة رحمة الله بنا ما إلتفتنا عن وجهه وعن ذكره وعن شكره وعن طاعته طرفة عين ولا أقل فلم يقل إن الله يحب العابدين أمثالنا أوالمصلين أو الصائمين أو القائمين أو التاليين ولكنه يُنبئ لنا عن رحمته فيقول{إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}علم ضعفنا وعلم جهلنا وعلم أن النفس تتقلب علينا ففتح لنا أبواب التوبة بلا حدود حتى إذا أخطأنا أو سهونا أوجهلنا أو نسينا نرفع أكفّ الضراعة ونقول يا رب فإذا تبنا قال : وأنا قبلت إذا تبت يقول تعالى للملائكة:يا عبادى إفتحوا أبواب السماوات لقبول توبته ولدخول أنفاس حضرته فلنفس العبد التائب يا ملائكتى أعزّ عندى من السماوات والأراضين وما فيهن نعم يا أخى أنظر إلى رحمة الله وإلى شفقة الله قارون آتاه الله مالاً يعجز الجمع الكثير عن حمل مفاتيح خزائنه حتى رأى انه هو وحده الذى يستحق الوجاهة فى بنى إسرائيل ولم يرى منافساً له فى الوجاهة بين بنى إسرائيل إلاّ نبى الله موسى فضاق ذرعاً بذلك فأراد أن يُسقط مكانته بين بنى إسرائيل فى زعمه لينفرد بالجاه فانتظر حتى جاء عيد لبنى إسرائيل وإتفق مع إمرأة بغّى أن يعطيها مالاً كثيراً على أن تتهم موسى بالفاحشة على الملأ من بنى إسرائيل عند إجتماعهم للعيد فجاءت المرأة وقد تجمّع الناس جميعاً وجلس قارون على كرسىّ من ذهب وله تاج من جواهر ينتظر إتمام خطته لكن الله غيّر قلب هذه المرأة فقالت فى نفسها : إنكِ لم تفعلى خيراً قط فقولى اليوم الحق لعلّ الله يغفر لك فلما قدّمها قارون وقال إنها تزعم أن موسى فعل معها كذا وكذا قالت المرأة: لا أنت الذى أمرتنى بقول ذلك على مبلغ كذا من المال فغضب موسى وقال: يارب أيوصف عبدك ونبيك بالزنى واخذ يُلحّ على الله حتى قال له مولاه: مُر الأرض بما شئت فهى طوع أمرك فقال موسى للأرض يا أرض خذيه وأشار إلى قارون فانشقت الأرض وهمّت أن تبتلعه فقال قارون : تبت يا إبن الخالة فلما سمعت الأرض كلمة تُبتُ إلتأمت مرةً أخرى فكرر موسى قوله وكررت الأرض فعلها وكرر قارون استنجاده بموسى فتكرر الأرض إلتئامها عند قول تبت سبعين مرة يتكرر الأمر وبعد السبعين إنشقت الأرض وإبتلعته فعاتب الرحمن الرحيم موسى وقال : يا موسى يستغيث بك سبعين مرة فلا تغثه وعزّتى وجلالى لو إستغاث بى مرةً واحدةً لأغثته يا إخوانى إنَّ الله تعالى سمّى نفسه من أجلكم الرحمن الرحيم ولم يقل لك قل : باسم الجبار أو المنتقم أو القهار لكن قل : بسم الله الرحمن الرحيم هل وعينا الدرس وتنسمنا نسيم البشرى قال الرجل الصالح أبو مسلم العمانى فى قصيدة خماسية طويلة جداً مناجاة رائعة أخذنا منها تلك الأبيات ....:
أصبحت والذنب عظيماً موبقاً أوقعني في أسر اشراك الشقا
إن لم يكن لي سيدي موفقاً ولم يكن لتوبتي محققا
فأين منجاتي كلا لا وزر أصبحت عبداً في مقام الذلـه
قضيت عمري باطلاً وضلـه أبارز اللّه بقبح الخلـه
انتهك الزلة بعد الزلـه كأنني أمنت خزياً منتظر
أصبحت عبداً بذنوبي معتقلّ قد غرني الجهل وأرداني الأمل
يا ويلتاه قد دنا مني الأجل ولم أقدم صالحاً من العمل
أجاهر النعمة مني بالبطر تلك صفاتي بئس وصف المتصف
عن كل ما يرضي الـهي منحرف أواه أواه عبيد مقترف
مصرح عما جنيت معترف لا أرعوي لحكمة ومزدجر

وقال أحد الصالحين فى تلك المعانى العالية لتبديل السيئات بالحسنات وقبول الله للعباد على خطاياهم وسوء فعالهم:
تجل بغفار عفو وتواب وبالفضل أكرمنا بخير متاب
فأنت كريم واسع الجود والعطا تبدل بالحسنى إساءة مرتاب
خطاياي لا تحصى وعفوك شامل وما هي يا مولاي في عفو وهاب
إذا ما ملأت الأرض ظلما وبدعة فإنك تبدلـها بخير ثواب
بجانب عفو اللـه كل كبائري تبدل بالحسنى بغير عتاب
أنا طامع في العفو والظلم شيمتي وعفوك مرجو بنص كتاب
أنلني حبا منك يمحو كبائري وإن لم تهب لي الحب طال عذابي
وفي محكم القران آي صريحة فإني قريب) حجة الأحباب




[6] رواه الحاكم فى مستدركه ورمز لصحته وصححه السيوطى كذا رواه الديلمى والثعلبى والقشيرى عن أبى هريرة

بشرى استغفار المؤمنين للمؤمنين على مرِّ السنين

وهنا بشرى العجب وليس بعد ذلك لأحد طلب إن الله يغفر لعباده إن استغفروه ورسوله يستغفر لهم فيقبل الله استغفاره ويغفر لهم ما أذنبوه وتعبَّد الله ملائكته بأن يستغفروا للمؤمنين فيقبل الله استغفارهم لهم ويقيلهم مما اقترفوا وارتكبوه فهل بعذ ذلك فضل؟أو وراء ذلك ما لم نعرف بعد؟نعم يا إخوانى مازالت الأفضال تترى والبشريات تتوالى ألم تسمعوا قول ربِّ العزة للأتقياء والصلحاء من المؤمنين أن

التقوى هى مفتاح الرزق الأقوى

لما أصبح الناس فى مجتمعنا يشكون مر الشكوى من ضيق الأرزاق وسوء الأخلاق وإنتشار الشقاق والنفاق، فلا قليل يفى ولا كثير يغنى! والغلاء الذى استشرى والأمر من شدة إلى أشد ما العـلاج؟ وأين سبيل النجاة والشفاء؟ العلاج فى آيات فى كتاب الله فيها البشرى والشفاء والنجاة والدواء قال تعالى{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}وقال الرجل الحكيم مبينا فضل التقوى:

بشرى مقياس الأخلاق



 
وهذه البشرى ياإخوانى هى بشرى البشريات لماذا؟ لأن أى مسلم عاقل لو تفكَّر فى هذا الباب لوجد أنَّ جهاد العارفين والصالحين والمتمكنين والأفراد الوارثين كله فيه أى فى باب الأخلاق فلماذا؟إن الجهاد فى الأخلاق هو المدخل الذى لا يخيب أبداً لكى يكون الواحد منَّا قريب الشبه برسول الله كيف؟ من هو رسول الله؟ هو من وصف الله فى قول الله فى كتابه الكريم وهو الفرد الأوحد الذى منحه الله كلَّ التكريم فجعله النائب الأول مقاماً والأكمل والأمجد والآخر زماناً فى توصيل رسالة الحضرة الإلهية لكل من سوى الله من عوالم أبدعها الله فقال تعالى فى تقديم حبيبه لخلقه ووصفه لهم ليعرفوه{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}فهو أعزُّ من خلق الله وصور وأكمل من أبدع وأرسل فالبشرى هنا هى من أراد أن يحبَّه الله فليجعل صورته قريبة الشبه لصورة رسول الله من أراد التقرَّب إلى الله؟ فليتقرب إليه بالتشبه بحبيب الله ومصطفاه فالبشرى التى نسوقها هنا هى قول الله تعالى مبشراً لخلقة وفاتحاً لهم باب محبته فى سهولة ويسر فيقول{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ}فالبشرى واضحة وهى على لسان حبيب الله للخلق جميعاً من أحبَّ الله وأحبَّ أن يحبُّه الله فليتبع حبيبه ومصطفاه واتباعه فى هذه البشرى كلمة واحدة إنهـا الأخلاق وهى أكمل الأعمال التى تشبِّه العبد برسول الله فيحبُّه الله ودعونى أشرح لكم معنى تلك البشرى بمثال حسِّى مفهوم ألسنا نقيس كل شيىء فى الدنيا بمقياس فالحرارة بمقياس مئوى فمثلا نقول درجة كذا مئوية فنعرف مقدار حرارة الجو والزلازل بمقياس ريختر من كذا لكذا فنتخيل شدة الزلزال كذلك الأخلاق تقاس بالمقياس الذى صنعه الخلاق سبحانه وتعالى بيديه{أدبني ربي فأحسن تأديبي}[1] فأخلاق رسول الله هى المقياس الذى تقيس عليه الملائكة أين بلغت أخلاق كل الخلائق على المقياس الذى أبدعه الخلاق وما مقدار هذا المقياس وأين بداية القياس وأين نهايته؟ فبداية تدريج هذا المقياس من أول أخلاق المسلم ونهايته تدريجه هى درجة "خلق عظيم" وهى الدرجة القصوى والتى منحها الله تعالى لحبيبه ووصفه بها فى كتابه أى أنه بلغ النهاية على مقياس الأخلاق الذى قدمه الله لخلقه ولنعرف ما مقدار هذا الخلق العظيم أعطانا الله كتالوج الإستعمال والقياس وعليه كل درجات المقاس قالت عائشة فيما رواه الإمام أحمد{كانَ خُلُقُهُ القرآنُ}فكان على خلق العظيم سبحانه وكتالوج الأخلاق المتبع هو القرآن الكريم وبمقدار قياسك على معيار الأخلاق المحمدية تعطى لك أربع قياسات عملية تخصك: أولاً: معيار إيمانك وثانياً: معيار حبِّ الله ورسوله لك وثالثاً: معيار ثقل ميزانك يوم القيامة ورابعاً معيار قرب مسكنك يوم القيامة من مسكن رسول الله فى جنات مولاه ودرجة تكريمك وتشريفك ولنأخذ إذاً هذه البشريات سريعاً ولنقرأها على مقياس الأخلاق المعيارية التى صنعهه الله للبرية وهى الأخلاق المحمدية ونبدأ ببشرى قياس الإيمان فيقول النبى فى قانون القياس{أَكْمَلُ النَّاسِ إِيَمانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا}[2] فتفاضل الناس فى درجات الإيمان يكون بقدر ما أعطتهم إدارة الحسابات الربانية من درجات "حسن الأخلاق" على مقياس الأخلاق النبوى فمقياس إكتمال إيمان الرجل بقدر مقياس "حسن خلقه" فعلى مقاس الأخلاق يكون مقاس الإيمان هذا أولاً ثم يأتى القياس الثانى المترتب على الأخلاق ألا وهو مقياس درجات حبِّ الله ورسوله للعبد فكم يحبُّك الله ورسوله إذاً؟ استمع لتحسب وتقيس{إنَّ أَحَبَّكُمْ إلَيَّ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاَقاً}و{إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَى اللَّهِ أَحْسَنُكُمْ أَخْلاقاً}[3] فالأحبَّ لله ولرسوله من سواه يكون بمقدار ما زاد عليهم من درجات " حسن الخلق" على مقياس أخلاق الرسول فرسول الله يحبُّ فيك أخلاقه التى جاهدت نفسك لتتخلق بها إقتداءاً به يحبها لأنها أصلاً من أخلاق القرآن أخلاق الله ثم تأتى ثالث المعايير المحمدية التى تتأثر بمقياس الأخلاق وهى ثقل الميزان{مَا شيْءٌ أَثْقَلُ في مِيزَانِ المُؤْمِنِ يَوْمَ القِيَامةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ }[4] أى بقدردرجتك على مقياس خلق النبى يكون ثقل عملك فى الميزان ثم يأتى رابع المعايير المحمدية التى تتأثر بالأخلاق وهى موقعك بين الجيران فى حى النبى العدنان فى الجنان ومقام تشريفك عند الحنان المنان، فيقول{إِنَّ أَقْرَبَكُمْ مِني مَنْزِلاً يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاَقَاً فِي الدُّنْيَا}[5] فأينا كان أقرب وصفاً وخلقاً من رسول الله فى الدنيا فإن الله كذلك يقرِّب منزله يوم القيامة من منزل رسول الله فمن أراد أن يسكن فى نفس حى سكن النبى فى الآخرة فى الجنة العالية فليُنزل نفسه فى الدنيا فى أقرب ما يستطيع من منازل الأخلاق النبوية العالية تشبهاً برسول الله فأقربنا إلى الحبيب يوم القيامة درجة ومنزلة وتكريماً هو أقربنا لأخلاقه فى الدنيا تشبهاً وإتباعاً وتقديماً وحتى لا يكون هناك لبسٌ فيما تقدَّم نقول إن العبَّاد والزهَّاد والصوَّام القوَّام كلهم لا تعلو منزلتهم يوم القيامة إلا بمقدار درجاتهم على مقياس الأخلاق النبوى فمن علت به العبادات البدنية الظاهرة تنزل به إخلاقه مالم تكن طاهرة ومن ضعفت به العبادات الظاهرة تعلو به الأخلاق الباهرة واسمع للقول الفصل وتخلَّق للوصل{إِنَّ الْعَبْدَ لَيَبْلُغُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ عَظِيمَ دَرَجَاتِ الآخِرَةِ وَشَرَفَ الْمَنَازِلِ وَإِنَّهُ لَضَعِيفُ الْعِبَادَةِ، وَإِنَّهُ لَيَبْلُغُ بِسُوءِ خُلُقِهِ أَسْفَلَ دَرَكِ جَهَنَّمَ وَإِنَّهُ لَعَابِدٌ}[6] فلا تنفع العبادة مع سوء الخلق بينما حسن الخلق يجبر ضعف العبادة وضعف العبادة - طبعاً هذا مفهوم - لا يعنى أبداً التفريط فى الفرائض المفروضة وقد قال الصالحون فى الأخلاق وقدرها وكم ترفع أهلها أقوالاً كثيرة ننتقى منها ما ييسر الله مما يلى ونبدأ بوصف أحدهم لأخلاق الحبيب فيقول:لَهُ خَلقُ القُرآن يَرضى بِما اِرتَضى وَيُغضِبُهُ ما فيهِ بِالمُحكَم الوَعْد
مَكارِمُ أَخلاقِ الرَسولِ وَحِصنُها لْمْ يَرْقَ أسْوَارَها مِنْ مَاجِدٍ فَرْد
وهنا أذكر لكم جزءاً من قصيدة طويلة لأحد الصالحين فى التخلق بالأخلاق العليَّة وكل بيت فيها منهاج يدرس فى الأخلاق فيقول :أيا نخبة الرحمن أهل اختصاصه ومن وجدهم خلق به لا تخلق
أيا رفقتي يا خلتي يا أحبتي على العروة الوثقى فسيروا ورافقوا
إلا فاجتماعا بالقلوب وألفة وعونا على عمل المكارم تلحقوا
وإياكمو أخلاق إبليس إنها لقد أبعدته وهو طاووس رامق
دعوا الكبر والحسد القبيحين سادتي دعوا طمعا فيما يزول وسابقوا
وسترا لعورات الأحبة كلهم وعفوا عن الزلات فالعفو أرفق
وغضوا عن المكروه أعين عفة وجودوا ببشر فالسماحة رونق
وإياكمو وعدوكم سوء خلقكم وطمعا وحب الجاه فهو يفرق
بصحبتكم بالرفق والحسن فابذلوا لإخوانكم عند اللزوم وخالقوا
وكفوا عن التنفير واسعوا لجمعكم على الله فالدنيا متاع مفارق
ألا من يكن في قلبه بعض ذرة من الكبر والأحقاد ما هو ذائق
ألا طهرو الأخلاق والنفس زكها وإلا فسهم البعد يرمي فيفتق
إلا يا أخي بالذل ترقى وترفعن وبالزهد تعطى ما له تتشوق
ويا صاحبي بالجد والعزم جاهدن لتشهد ملكوتا به الحق مشرق
ويا باذلا ما في يديك تقربا لنيل الرضا ولغيبهم تستنشق
ويا باذلا للنفس بيعا بهمة وبشر منهم بالقبول وصادق
تخلق بأخلاق الإله وحافظن على منهج المختار في العقد تنسق
وكن ماضي العزم الذي لا يشوبه شوائب تدليس وبالحق ناطق
ودع عنك ميلا للحضيض وزينة بها اشتغل اللاهون عنه ونافقوا
وقم داعيا بلسان حكمته الذي به قد حباك الله وهو الموفق
ولا تسع للتفريق واجمع به لـه عليه أولي التسليم إذ أنت واثق
فهذا زمان الصدق في نصرة الهدى وأيام أهل العزم أين المصدق
ألا سارعوا أحيوا لسنة أحمد ففتنة هذا العصر كالنار تحرق
ألا أطفئوها باليقين تجردوا عن الحظ والأهواء فالحظ مفرق
وجدوا وجودوا بالنفوس تحفظا على السنة الغراء فالله خالق
وعلما بأن الدين حسن عقيدة وخلق وأعمال بها الذكر ناطق
معاملة تقضي بأن جميعنا بنور طه بذاك تحقق
بأنفسنا أولى بمحكم آية فداك نفوس طيبات وأينق
فدى سنة المختار مال وأنفس لتحفظها من كل غر ينافق
ألا عزة منكم على كل كافر سعى منكرا للحق يرجو يفرق
وكونوا أذلاء على كل مؤمن ليجمع بالتفريق هذا المفرق
ألا خلصوا الأرواح من سجن نأيها وجدوا لتزكية النفوس وسابقوا
ألا جاهدوا تلك النفوس بهمة تفوزوا برضوان من النار تعتقوا
ألا أسعدوني باجتماع وألفة على منهج المختار فالنور مشرق
ولا تيأسوا من رحمة الله إخوتي ومن نصره فالله بالعبد يرفق
على سنة المختار سيروا بهمة عسى الله يحيينا به ويوفق
ألا فاحفظوا الأركان أركان ديننا صلاة صياما ثم حجا تصدقوا
أديموا لذكر الله فالذكر نوره لأهل الهوى والغي لا شك فارقوا
ألا عظموا لشعائر الله تعظموا بها وتسودوا في القيامة تسبقوا
إلهي على طه الحبيب محمد أفض غيث صلوات بها القلب يشرق

البشرى الحادية والثلاثون بشرى الوصول برؤية الرسول
وهذه البشرى بشرى الكمال والوصال والإتصال كيف ومتى أعرف أنى من كُمَّل المؤمنين؟إذا جاءنى وبشرنى سيد الأولين والآخرين علامة تمام وكمال الإيمان هى رؤية سيدنا رسول الله لأن الله قال له{وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً}فقد سبق وقلنا أن من بشريات الآية العظيمة أن الله أمر حبيبه أن يبشرنا فالبشرى الأولى هى أمر الله لحبيبه أن يبشرنا بنفسه أما البشرى التى معنا هنا الآن فهى أن نسمع منه البشرى أو نراه بأنفسنا إذا أتى ليبشرنا كما أمره الله هل اتضح الفرق؟والأمر فى كتاب الله وليس من عندنا وأعود بكم قليلاً للبشرى السابقة بشرى مقياس الأخلاق حيث قلنا القرب والحب والود من الله ومن رسوله للعبد يكون بمقدار ما يحصل العبد من تقدير على مقياس أخلاق البشير النذير وهنا مربط الفرس ومحل زوال اللبس والتغرير فرسول الله هو شمس الأخلاق والمعانى والمعالى المشرقة بدين الله ونور الله على الأكوان والأزمان نيابة عن حضرة الرحمن فى توصيل دين الله إلى خلق الله وهذه الشمس يحجب عنك نورها وضؤها بمقدار سماكة الحجاب الذى يفصل بينك وبينها كما يكون فى شمس الأكوان تماماً بتمام والفرق أن هذا الحجاب الكثيف الذى يحجبك عن رؤية الرسول ليس حجاباً حسياً لأن تلك الشمس النبوية لم ير نورها من عاصروها من الكفار والمشركين وليس بينهم وبينها حجاب حسى ولكن الحجاب الحاجز عن شمس الله الهادية للأكوان هو حجاب معنوى باطن فى بنى الإنسان الحجاب الذى يمنعك من رؤيته ليس إلا أخلاقك الطينية وصفاتك الأرضية الدنية فبمقدار ما تترك من الأخلاق البهيمية والصفات الإبليسة والنزعات الحيوانية وتتحلى بالأخلاق النبوية والصفات المحمدية وبمقدار ما تحوِّل من طباعك النفسية وعوائدك الأخلاقية لتكون على نسق الطباع المحمدية وتنسق شهواتك ورغباتك تحت نسق الألوية المحمدية والوصايا الشرعية بمقدار ما يرق الحاجز والحجاب الذى يحجزك ويحجبك عن رؤية سيد أولى الألباب وما زال الحجاب يرقّ والحاجز يقلُّ حتى يمكن الرؤية من خلاله وهذه هى اللحظة العظيمة المنتظرة فما الذى يمنعك عندها من رؤيته والتمتع بطلعته البهيَّة وقد جاءت بذلك الأخبار ووتواترت قصص الأحباب ومئات الروايات من قصص الأتباع والصحاب فضلاً عن عما ورد فى السنة والكتاب فمن أصبح ورسول الله أحبَّ إليه مما عداه مما خلق الله وصارت النار أهون عنده من العودة لأخلاق المبعدين أو المشركين والكفار ومن صار لا يحبُّ إلا لله ولا يبغض إلا فى الله فمثل هذا هو من يذوق" حلاوة الإيمان" فإن علا ورقى وصفَّ وشفَّ أكرمه الله بأعلى ما فى حلاوة الإيمان وهى رؤية النبى العدنان وهى التى دونها كل حلاوة فى هذه الأكوان فمن صار كذلك استحق بشرى الحنان{ ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ ِللهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُوقَدَ لَهُ نَارٌ فَيُقْذَفَ فِيهَا}[7]{ولا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتّى أكونَ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ والنّاسِ أجْمَعِينَ}لماذا؟ لأنه بالفعل اصطلى بنار الجهاد حتى أخرجه الله من أخلاق الجحود والبعاد وتخلَّق بأخلاق القرب والوداد فعندما يصل إلى هذه الغاية يأتيه رسول الله ويبشره بالفتح والعناية أما إذا لم يأتى رسول الله؟إذاً ما زال فىَّ شئٌ من الأغراض أو الأعراض أو الأمراض التى ذكرها رسول الله وهنا يجب أن أعالج نفسى حتى يأتينى رسول الله ويبشِّرنى لأن هذه هى أحوال الصالحين فإذا جاءت البشرى هنَّؤه ثم إلى مرحلة أخرى نقلوه وإلى باب آخر أدخلوه ويظل الرجل الصادق فى حضن أحباب الله الصالحين ينتقل من درجة إلى أعلى ومن حال إلى أرقى حتى إذا استوى سلَّموه لسيد الأولين والآخرين وأدخلوه ليتولى بذاته سياسة أمره ومتابعة شأنه وإرشاده وتوجيهه فى كل وقت وحين مناماً ثم يقظة وهذا هو حال رسول الله مع الصالحين السابقين واللاحقين وعلى هذا كانوا أجمعين تم نقل الموضوع من كتاب(بشائر الفضل الإلهى) http://www.fawzyabuzeid.com/table_bo.هى&id=66&cat=7

[1] العسكري في الأمثال من جهة السدي عن أبي عمارة عن علي المقاصد الحسنة للسخاوي
[2] رواه البزار عن أنس ورجاله ثقات.
[3] الأول الطبراني في الصغير والأوسط، والثانى ابن أبي الدُّنيا في ذَم الغِيبَةِ وكلاهما عن أبي هُريرة ورواه البزار من حديث بن مسعود باختصار ، الترغيب والترهيب
[4] عن أَبي الدَّرْدَاءِ، سنن الترمذي قال أبو عِيسَى حديث حسنٌ صحيحٌ وفي البابِ عن عَائِشَةَ وأَبي هُرَيْرَةَ وأَنَسٍ و ابنِ شَرِيكٍ.
[5] (ابن عساكر ) عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضيَ اللَّهُ عنهُ جامع المسانيد والمراسيل
[6] (سمويسه للطبراني في الكبير ) والضياءُ عن أنس رضيَ اللَّهُ عنهُ جامع المسانيد والمراسيل
[7] عَنْ أَنَسٍ أخرجه أحمد والبُخَارِي المسند الجامع والحديث الثانى عن أنس بن مالك وأخرجه الإمام أحمد فى مسنده.

بشرى الإتعاظ والإعتبار بالخلق


 
أما هذه البشرى ففيها سرٌّ عظيم من أسرار كتاب الله تعالى وسنة حبيبه وهى بشرى تفتح الباب لكل عبد أواب أو صاحب فهم فى الكتاب أو متعظ بأحوال الخلق ومافى صنعة الله من النتائج والأسباب وهنا سؤال كما تعودنا لماذا قصَّ الله علينا قصص السابقين وتناولها بأشكال عديدة وطرق مختلفة كذا حبيبه فى سنته ولماذا أمرنا بالتمعِّن فيما خلق وأبدع وصور كل هذا لأجل{فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ}ألم تسمعوا لقول كثير من شبابنا اليوم إذا ناقشته لماذا تفعل كذا وأنت متعلمٌ وتفهم أن هذا يضرُّك؟ يقول لك لأجربه لأتأكد من ذلك فتسأله ألا ترى من حولك وكيف أثبتت تجارب الآخرين خطر هذا الأمر فيهزَّ رأسه أو يشيح بيده كأن الأمر لا يهمه مع علمه بصحة الحجة فأين الخلل؟الخلل هو ما أتت هذه البشرى لتبينه الخلل أن أغلب الناس اليوم فقدوا حاسة أو ملكة " الإعتبار والإتعاظ" آهٍ ثم آهٍ لو استيقظت تلك الْمَلَكَة وأخذت حقها فى سلوكياتنا لوفرنا على أنفسنا الكثير والكثير من الوقت والتكاليف والضحايا والتأخير إلى أن نسلك الطريق القويم أو نتخذ القرار الحكيم مع أن العبر لا تعدُّ ولا تحصى فى السنة والكتاب وقصص الصحابة والأتباع والأحباب وفى كتاب الكون المفتوح والملىء بكل العبر والعظات ولذا قال القائل:عِبَرٌ كلـها الحياة ولكن أَين من يفتح الكتاب ويقراولذا فإن الله نصحنا ووجهنا إلى التذكر والإعتبار عند الحوادث والأخطار{إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ}قال سادتنا بالإتعاظ والعبرة أو بالفهم واسترجاع الذكرى فكل هذا يؤدى إلى التذكر والإعتبار وهى بشرى النجاة من الوقوع فى الخطر أو الإنجرار ببركة التذكر والإعتبار وبشرى الإستفادة من تجارب و قصص السابقين فى التاريخ والأمصار ولذلك فإن الصالحين لهم من تلك البشرى فائدة عظمى كيف؟ إن الواحد منهم لينظر إلى الخلق نظر عبرة وعظة واعتبار فإن رأى فيهم خلقاً قبيحاً معيباً يبحث فى نفسه عنه ويتهم نفسه به حتى يقتلع من نفسه جذور هذا العيب أو يتأكد أنه خلوٌ منه فيكون الناس بالنسبة له كسبورة تظهر فيها هذه العيوب فيعرفها ويحاول أن يزيلها من نفسه كما كان يفعل بسيدنا عيسى قيل له{ ياروح الله من أدبك؟ قال: ما أدبني أحد رأيت جهل الجاهل فتجنبته }{ وقِيلَ لِلأَحْنَفِ: مِمَّنْ تَعَلَّمْت الْحِلْمَ؟ قَالَ: مِنْ نَفْسِي, قِيلَ لَهُ: وَكَيْفَ ذَلِكَ ؟ قَالَ: كُنْت إذَا كَرِهْت شَيْئًا مِنْ غَيْرِي لَمْ أَفْعَلْ بِأَحَدٍ مِثْلَهُ }وسئل حكيم{ ممن تعلّمت العقل؟ قال: ممن لا عقل له كنت أرى الجاهل يفعل الشيء فيضرّه فأتجنبه فصرت عاقلاً وحكيماً}هل رأينا جمال تلك البشرى واسمعوا واعوا لقول المتنبي الشاعر المعروف:ولم أر في عيوب الناس شيئاً كنقص القادرين على التماموقال علي بن مقلة :
وإذا رأيت فتى بأعلى قمة في شامخ من عزة المترفع
قالت لي النفس الشغوف بشرفها ما كان أولاني بهذا الموضع
رأى الحسن رضى الله عنه قوماً يتزاحمون على جنارة بعض الصالحين فقال حاثاً لهممهم:
ما لكم تتهافتون عليه افعلوا فعلـه تكونوا مثلـه 
}وقال أبو العميثل :يا من يؤمل أن تكون خصالـه كخصال أهل الفوز فأنصت واسمع
فلأنصحنك في المروءة والذي حج الحجيج إليه فاقبل أو دع
اصدق وعف وبر وانصر واحتمل واحلم وكف ودار واصبر واشجع
ومن قول أبى العيناء الرجل الحكيم:إذا أعجبتك خِلالُ امرئ فكنهُ تكنْ مثلَ من يعجبك
وليس على المجد والْمَكْرُمَات إذا جئتها حاجبٌ يحجبك
وأختم بجميل الكلام :مناجاة روحي في اختفاء عناصري بما لاح من غيب ومن معقول
تسليت لكن عن وجود تقيدي فررت إلى اللـه بحال ذليل
رأيت مقامي بي هو السفل زلة ومنه اتصال فيه ثم مقيلي
تناجيه روحي وهي في مقعد الصفا تحيط بها الأنوار حال حصولي
وبالعالم الأعلى اقتدائي تنقلي وبالواحد الأعلى بيان دليلي
سل اللـه يعطيك المثول وسلـه هو وخل محيط الكون في تشكيل
[1] عن أبي سَعِيدِ بنِ المُعَلَّى، سنن أبي داوود وغيرها
[2] رويناها أعلاه بمعناها وردت عن هشام بن عُروة عن أبيه، الوافي بالوفيات ومصادر أخرى كثيرة.
[3] مصنف ابن أبي شيبة عن عبد الله بن بسر
[4] صحيح مسلم عن أبى هريرة
[5] فيض القدير.

بشرى الاستقـــامة


 
أما بشرى الإستقامة فحدث ولا حرج على الفضل والكرامة فالإستقامة بشراها فوق كل حدٍّ أو علامة وأنا إن شاء الله سأدخل بكم على هذه البشرى من مدخل مختلف عما تعودتم عليه من تناول الشرَّاح للآية: فأسألكم يطوف بخيال أحدنا كثيراً فى مثل أيام الفضل من رمضان أو فى مواسم العفو أو أو قات الكرامة أو فى القيام أو أثناء التلاوة أين هو من أوامر الله أو تعاليم نبى الله؟ ما الدليل الذى يعلم به الإنسان أن الله اجتباه وحبَّاه ورقَّاه وأدناه؟ {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ}ماذا يقولون لهم؟{أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ}فأول دليل أن يرزقه الله الاستقامة فى الأقوال والأعمال والأحوال وفى كل الأوقات وكل الآنات فهؤلاء الذين استقاموا وتنزلت لهم البشرى بالكرامة هم المؤهلون للمنح الذاتيَّة والنفحات الربانيَّة التى جهَّزها الله لأهل الخصوصيَّة فالإستقامة هى البشرى وهذا هو المدخل الذى أريد أن أدخلكم منه للآية وهى علامة للعطية والكرامة كالرؤيا الصادقة مثلاً وإذا لم يرزق العبد الرؤيا فيكفى أن يرى أن الله أعانه ورزقه الاستقامة وحفظ عليه أحواله وأقواله وجعله يمشى كما يقول الله{وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ}فالنبى هو الصراط المستقيم لأن الاستقامة أعلى مقام وأعلى تكريم من الله للصالحين أبداً فالله لم يقل (فاستمعوا له) بل قال {فَاتَّبِعُوهُ}فالنبى على منهج الاستقامة فهى المنهج العظيم الذى يؤهل لكرم الرءوف الرحيم وإكرامات الرب الكريم وقد يكرم أحدهم فيسمع تسبيح الكائنات{مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}وهناك من يفقهه فيعَلِّمه الله لغات الأشياء حتى لغة الجمادات ويسمع نطقها بألفاظ فصيحات وفى ذلك يقول أحد الصالحين :نغمات تسبيح الكيان مدامى يصغى لها قلبى يزيد هيامى
قلبى لدى التسبيح يصغى واجداً وجد المؤله من فصيح كلامى
فيسمع تسبيح الكائنات أو الحقائق أو الملائكة وقد يكرمه الله بإكرامات القلب فيكون هذا القلب له إطلالة علوية على الأحوال الربانية وقد يكرمه الله بالإلهام وقد يكرمه الله بالسكينة تتنزل عليه على الدوام وقد يكرمه الله بالطمأنينة لذكر الله وقد يكرمه الله فيفتح له كنوز الحكمة فى قلبه وقد يكرمه الله فيُفرغ له من أسراره التى لا يُطلع عليها إلا خواص عباده وقد يكرمه الله فيجعل فى قلبه وسعة حقيَّة كما روى فى الأثر عنه عز وجل{إِنَّ السَّمواتِ والأَرْضَ ضَعُفْنَ عَنْ أَنْ يَسَعْنَني وَوَسِعَنِي قَلْبُ عَبْدِي المُؤْمِنِ الوَادِعِ اللَّيِّنِ}[1] إذاً قلب العبد المؤمن أوسع من السموات والأراضين ومن فيهن بما فيه من ألطاف إلهية خفية وعلوم ربانية وأسرار ذاتية وقال ابن الوردى العباسى فى المقارنة بين أحوال الصادقين المستقيمين الأولياء وغيرهم من أهل الدعوى الأدعياء فقال:ذهبَ الصدقُ وإخلاصُ العملْ ما بقيْ إلا رياءٌ وكسلْ
غرَّكَ التقصيرُ مِنْ ثوبي فإنْ قُصِّرَ الثوبُ فقدْ طالَ الأملْ
إنْ تأملتَ فزيِّي منهمُ غيرَ أَنَّ القلبَ مغناهُ طللْ
رفَعَ الكَلَّ عنِ الكُلِّ وقال ربى الله تحامى كُلَّ كَلّْ
ذَلَّ للـهِ فعزَّتْ نفسُهُ كلُّ مَنْ عزَّ بغيرِ اللـهِ ذَلْ
فَهْوَ إنْ يعلُ فباللـهِ علا وَهْوَ إنْ ينزلْ فبالحقِّ نَزَلْ
كسرَ النفسَ فصمَّتْ واتقى زخرف الدنيا وخيلاً وخَوَلْ
بَذَلَ الروحَ ولولا عزُّ ما رامَ ما هانَ عليه ما بذلْ
عرفَ المربوبَ بالربِّ فلم يخشَ إلا ربَّه عزَّ وجلْ
ليتني في جسم هذا شعرةٌ صَغُرت أو طعنةٌ فيما انتعلْ
بل مرامي لحظةٌ أو لفظةٌ مِنْ وليِّ اللـهِ مِنْ قبلِ الأجلْ
هؤلاءِ القومُ يا قومُ مَضَوا ما تبقى منهمُ إلا الأقلْ
فإلى اللـهِ تعالى أشتكي ما بقلبي مِنْ فتورٍ وخبلْ
لو تقنَّعتُ أتى رزقي على رغمِهِ لكنْ خُلقنا مِنْ عجلْ
كم رياءٍ كم مراءٍ كم خطا كم عدوٍّ كم حسودٍ لا يملْ
ليس يخلو المرءُ عن ضدٍّ ولو حاولَ العزلةَ في رأسِ جبلْ
لا أرى الدنيا وإنْ طابتْ لمن ذاقَها إلا كسمٍّ في عَسَلْ
أين كسرى وهِرَقْلٌ أين مَنْ ملك الأرضَ وولَّى وعزلْ
أينَ مَنْ شادوا وسادوا وبَنَوا هَلَكَ الكلُّ وَلَمْ تغنِ القللْ
لو سألتَ الأرضَ عنهمْ أخبرت صرْتُ قفراً فاسْتَقِمْ وارْتَحِل

البشرى الخامسة والعشرون بشرى تنزل الملائكـــة
وهذه البشرى فيها تفصيل من سابقتها فقد علمنا أن الإستقامة هى علامة المحبة والكرامة وقد يكرم الله أحبابه بسرِّ الاستقامة كما أخبر بقوله{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ}وحتى لا يلتبس الأمر على البعض فى تنزل الملائكة فيظن أنه يمكنه أن يراهم عيانا بياناً من البداية على هيئتهم وأحوالهم وفى الحقيقة لا يقدر أحدٌ بمفرده على ذلك إذ لابد من التأهيل هل هذا واضح؟ولذا روت السيرة قصة العباس عم النبى عندما ذهب لزيارة النبى يوماً ومعه ابنه عبد الله بن عباس وهو صبى ويروى بن عباس أنه دخل مع أبيه علي النبى فجعل العباس يكلم النبى والنبى لا يلتفت له لأنه كان مشغولاً بالحديث مع رجل آخر فانصرف العباس وقال لإبنه عبدالله أن النبى أعرض عنه فقال له{يا أبت أما رأيت الرجل الذي كان عنده يكلمه؟ قال: لا قال أكان عنده أحد؟ قال: نعم فرجعا للنبى فقال العباس: يا رسول الله أكان عندك أحد؟ قال: ورأيته؟ قال: أخبرني عبد الله بذلك قال عبدالله: فأقبل عليَّ النبى وسألنى: أرأيته؟ قلت: نعم قال ذاك جبريل}وفى رواية زيادة{أما إنك ستفقد بصرك}[2] فكان كما قال وكفَّ بصره في آخر عمره إذاً هذا الموضوع يحتاج إلى تأهيل هل وعينا القصة فكيف التأهيل؟والآن أعيرونى فهمكم إن الله جعل معك على قلبك ملَك الإلهام على الدوام وهذا هو حبل الوصال بينك وبين الملائكة الكرام فيلهمك الصواب ويسدِّدك إلى الحق ويوجهك إلى الصدق فماذا تحتاج لأكثر من هذا؟فمن أحبَّه مولاه جعل مَلَك الإلهام يتولاه بإلهامه والْمَلَك يتلقَّى من الله والعبد يتلقى من المَلَك فهو يتلقَّى من الله عن طريقه ولا غرور ولا زهو ولا سمعة لأنه لم يرَ الْمَلَك فالْمَلك يسدِّده ويلهمه دون أن يراه وذلك حفظ الحفيظ لهؤلاء الذين يريد أن يحفظهم الله على الدوام لكن لو رأى أحدنا مثلاً المَلك جهاراً فربما لعبت به نفسه التى لم تطهر بعد من العيوب فتجعله كلما جلس مع قوم يريد أن يفتخر بما رآه فيكون فى ذلك بُعده وحرمانه من المزيد من فضل ربه فالمحفوظ هو الذى يتولى الله إلهامه عن طريق المَلك ولا يراه فإذا تمَّ تأهيله فحدث ولا حرج فبعدها يحدث له ما لا يُعدُّ من حالات القرب من الملائكة ومن أهل العناية والرعاية الذين يتنزلون بإذن ربهم عليهم لتثبيتهم إن كانوا فى حاجة لتثبيت أو لإلهامهم إن كانوا يحتاجون الإلهام أو لحفظهم إن كانوا فى شأن يحتاجون فيه إلى الحفظ المعنوى أو الحسِّى من إنس أو جان فى أى وقت أو مكانٍ كان أما من كان فى أحضان مولاه فيا هناه فمثله لا يحتاج إلى أى صنف من ملائكة الله لأنه مع من يقول للشئ كن فيكون واسمعوا واعقلوا يا أولى الألباب فهذا دخل فى بشرى أعلى من ذلك وأكبر ويتولاهم بولايته وليست الملائكة ولا جبريل ولا ميكائيل لكن هو بذاته الذى يتولى الصالحين ألم يقل{وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ}وقال الرجل الصالح فى معرض تنزل الملائكة على أهل الإستقامة بالبشرى والكرامة:هذا موطن تنزل الملائك فيه ومقام يَسُرُّ هذا الفؤادا
أيُّها الطاهر الزكيّ استقمت فنلت الإسعاف والإسعادا
فعليك تنزلت أملاك ربى أمطروا الإلهام والإمدادا
قد رفع قدركم للناس صرتم منهلاً ما استزيد إلاّ وزادا
فآى القران جاءتنا تنبى بسلامٌ يبقى ويأبى النفادا
فاتاكم الفضل من روح ربى وولاية الله لكم إرفادا

البشرى السادسة والعشرون بشرى المكاشفة الربانية
أما تلك البشرى فهى من البشريات العليات فإن كنا قد طفنا معاً فى تنزل الملائكة وفى تولى ملائكة الإلهام للعبد على الدوام فهناك بشرى أرقى وأغلى اسمعوا لقول الله العلى الأعلى وهو يبشِّر أهل المقامات السامية بنفسه فيقول{أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ}فلكى نحظى بسر تلك البشرى نسأل هل الموت أولاً أم الحياة؟ لا تأتى الحياة إلا بعد الموت فلابد أن تموت لكى يُحبُّوك ثم بروحهم يُحْيُوك ثم عطائهم يمنحوك وبمننهم يُجمِّلوك وبتأييدهم يُقيموك وبتوفيقهم يتابعوك وعندها تكون عبداً مقاماً معاناً محفوظ بحفظ حضرة الرحمن ولديها يكشف عنك الغطاء{فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ}فالعطا كل العطا لمن كشفوا عنه الغطا وهو ميت يسير بين الأحياء وكم من مرة قال لهم النبى: من أراد أن ينظر لميت يسير بين الأحياء فلينظر إلى فلان وسمَّى أكثر من واحد وقال أحياناً من أراد أن ينظر إلى أحد ممن قضى نحبه فلينظر إلى فلان أما من يكشف عنهم الغطا بالموتة العزرائيلية فلا عطا ولا عطية لأن هذا الموت إنتهاء الرحلة الدنيوية لتبدأ الرحلة الأخروية والكل فيها يرى الحقيقة واضحة جليَّة فلا خصوصية ولا مزية إلا لمن مات الموتة الإختيارية وهو يمشى بين البرية فى الحياة الأرضية مكبَّلٌ بالقيود الجسمانية فهو إذاً أهل المكاشفة الربانية ونوال العطية والمزية فيكون له نوراً يمشى به فى الناس وليس بين الناس فاعقلوا يا أيها الخواص ولذا تسمعون عن الصالحين أنهم كُشف عنهم الحجاب ورُفعت أمامهم الستور فأصبحوا ينظرون بما فيهم من غيب إلى عوالم الغيب إلى ما لا يراه الناظرون ويتمتعون بعوالم الجمال القدسى المصون فيبصرون بعد أن كانوا عمياناَ ويسمعون ويكلمون الملأ الأعلى بعد أن كانوا صماً وطرشانا ولذا كان النبى كثيرا ما يمرُّ على أصحابهم فيشوقهم ويسألهم مستحثاً إياهم للمراقى العالية والغالية ويسألهم أسئلة عجيبة{هَلْ مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يُرِيدُ أَنْ يَؤُتِيَهُ اللَّهُ عِلْماً بِغَيْرِ تَعَلُّمٍ وَهُدَىً بِغَيْرِ هِدَايَةٍ هَلْ مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يُرِيدُ أَنْ يُذْهِبَ اللَّهُ عَنْهُ الْعَمَى وَيَجْعَلَهُ بَصِيراً}[3] فمن أين يأتى هذا كله؟ وكيف؟ إنها المكاشفات والإلهام والنور الذى ينبثق فى الصدور فيمشون به فى الناس ويعلمون ما شاء الله لهم من المستور ولكن اعلموا علم اليقين أن أعلى إكرام يبلغه العبد وأعلى مقام فى الكشف الربانى هو كشف معانى القرآن الكريم ومعانى بيان الرءوف الرحيم فربما قدر غير المسلمين على الوصول إلى بعض كشوف المخلوقات لكن لا يستطيع أحد أن يطلع على ذرة من معنى القرآن ولا أنوار غيوب أحاديث النبى العدنان فهذه مناطق لا يلجها إنس ولا جان إلا أهل{آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً}
[1] رواه الإمام أحمد فى (الزهد) عن وهب بن منبه
[2] مسند الطيالسى عن عبدالله بن عباس
[3] جامع الأحاديث والمراسيل عن الحسن

بشرى فضل ترك حبِّ الشهرة

   
وهذه البشرى يا إخوانى من البشريات التى نحتاج لها بشدة هذه الأيام لماذا؟ لأن كل واحد يعمل صالحاً أو طيباً فى نفسه أو لغيره تقوم عليه نفسه وتأخذ تزين له الأسباب والأعذار ليعلم الناس بما خفى من حاله أو بما قام به نحو أحبابه أو مجتمعه وخلانه والأعذار كثيرة والمجتمع يحتاج للكثير من العمل وهذه الخصلة السيئة تفتح على الأمة والأفراد أبواباً من الشرور لا عدَّ لها ولا حصر لأنها تفتح باب الأنانية وحب مصلحة النفس وحب مدح الناس وإنشغال أهل قضاء المصالح بحبِّ ذكر الناس لهم وتقديمهم ثم انتفاعهم فى مقابل قضاء مصالحهم هذه الخصلة الذميمة تفتح باب الرشوة والنفاق والمجاملات الكاذبة والفارغة ولذلك بشَّر الحبيب المصطفى كلَّ من يعمل مراقباً مولاه لا يبغى سوى رضاه ومصلحة أهله وإخوانه ومجتمعه بشرهم بحب الله وما أعلاه فقال{إِنَّ اللّهِ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ الْغَنِيَّ الْخَفِيَّ}[1]ألا يكفى أحدكم أن يحبَّه الله فيطلب حب الشهرة والذكر بين الناس ألا يكفى أحدكم بشرى الذكر فى الملأ الأعلى على لسان مولاه فينادى الله جبريل أنه يحب فلاناً ويأمره بحبِّه فينادى جبريل ويأمر أهل السماء بحبه ثم يوضع له القبول فى الأرض بسرِّ الله وقدرته فيحبه أهل الأرض لماذا؟ لأنه طلب حبِّ الله وذكر مولاه أما من أحبَّ أن يذكر الناس أعماله أو يتحدثون بخصاله وفعاله أو تقواه وأحواله فهو على خطر عظيم إسمعوا إلى الحبيب يحذِّر من ذلك بشدة ويقول{إنَّ الاْتِّقَاءَ عَلَى الْعَمَلِ أَشَدُّ مِنَ الْعَمَلِ وَإنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ الْعَمَلَ فَيُكْتَبُ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ مَعْمُولٌ بِهِ فِي السِّرِّ يُضَعّفُ أَجْرُهُ سَبْعِينَ ضِعْفاً فَلاَ يَزَالُ بِهِ الشَّيْطَانُ حَتَّى يَذْكُرَهُ لِلنَّاسِ وَيُعْلِنَهُ فَيُكْتَبَ عَلاَنِيَةً وَيُمْحَى تَضْعِيفُ أَجْرِهِ كُلِّهِ ثُمَّ لاَ يَزَالُ بِهِ الشَّيْطَانُ حَتَّى يَذْكُرَهُ لِلنَّاسِ الثَّانِيَةَ، وَيُحِبُّ أَنْ يُذْكَرَ بِهِ، وَيُحْمَدَ عَلَيْهِ فَيُمْحَى مِنَ الْعَلاَنِيَةِ، وَيُكْتَبَ رِيَاءً، فَاتَّقَى اللَّهَ امْرُؤٌ صَانَ دِينَهُ وَإنَّ الرِّيَاءَ شِرْكٌ}[2] وأخطر من إعلان العمل وكشفه أن يعمل الواحد العمل فى منفعة نفسه أو أهله أو مجتمعه بغرض أن يتحدث الناس عنه بذلك فهذا أشدُّ و أنكى لماذا؟ لأنه يعمل رياءاً وهذا ما حذَّر منه الحبيب لأنه عمل سراً فأخذ أجراً مضاعفاً ثم أعلنه فخسر مضاعفة الأجر وصار علانية ثم استحب مدح الناس فتكلم وذكر ما عمل ليمدحوه فصار والعياذ بالله رياءاً وسمعة وشهرة أويس القرنى كم مجلساً حضرها مع النبى؟لم يحضر معه أى مجلس إذاً كيف أوصى النبى الصحابة أن يذهبوا إليه ويطلبوا منه أن يستغفر لهم؟وظلا عمر وعلى يبحثان عنه فى كل عام فى الحج إلى أن التقياه بعد جهد جهيد لأنه غير معروف فى قومه فطلبا منه أن يستغفر لهما وهما المبشَّران بالجنة لكن سيدنا رسول الله يعلِّمنا أقدار الرجال من الأتقياء الأخفياء المخلصين الذين لا يهمهم معرفة الناس بهم وإنما كل نظرهم إلى مولاهم وكل محل إهتمامهم أن يقوموا لله مخلصين صادقين بما أوجبه الله عليهم نحو أنفسهم وأهليهم ومجتمعهم ولذا قال{إِنَّ أَغْبَطَ أَوْلِيَائِي عِنْدِي لَمُؤْمِنٌ خَفِيفُ الْحَاذِ ذُو حَظٍ مِنَ الصَّلاَةِ أَحْسَنَ عِبَادَةَ رَبِّهِ وَأَطَاعَهُ فِي السِّرِّ وَكَانَ غَامِضاً فِي النَّاسِ لا يُشَارُ إِلَيْهِ بالاصَابِعِ وَكَانَ رِزْقُهُ كَفَافاً فَصَبرَ عَلَى ذَلِكَ ثم نَقَرَ بإصْبَعَيْهِ فَقَالَ: عُجِّلْتْ مَنِيَّتُهُ قَلَّتْ بَوَاكِيهِ قَلَّ تُرَاثُهُ}[3] ويضيف الصالحون لذلك من آداب السلوك كلَّ من رأى نفسه أولى من أخيه بفضيلة أو مزية فيجب عليه التوبة وسد منفذ الغرور والاعتذار لإخوانه قولاً وفعلاً فيرى نفسه أنه ليس أهلاً لمكانته وينزل إلى خدمتهم أو يترك التكلم عليهم والتقدم عليهم حتى يقيمه إخوانه برضاء منهم وصفاء بعد أن يترك بيقين حبًّ الشهرة بين إخوانه المؤمنين ولذا قالوا{الخمولُ نِعْمَةٌ والكلُّ يأباها والشهرةُ نِقْمَةٌ والكلُّ يتمنَّاها} ولأبى الحسن الاحنف العكبري:من أراد العزَّ والراحة من هم طويل فليكن فردا من الناس ويرضى بالقليل
ويرى أن قليلا نافعا غير قليل ويرى بالحزم أن الحزم في ترك الفضول
ويداوى مرض الوحدة بالصبر الجميل لا يمارى أحدا ما عاش في قال وقيل
يلزم الصمت فإن الصمت تهذيب العقول يذر الكبر لاهليه ويرضى بالخمول
أي عيش لإمرى يصبح في حال ذليل بين قصد من عدو ومداراة جهول
واعتلال من صديق وتجنٍّ من ملول واحتراس من عدو السوء أو عذل عذول
ومماشاة بغيض ومقاساة ثقيل إن من معرفة الناس على كل سبيل
وتمام الامر لايعرف سمحا من بخيل فإذا أكمل هذا كان في ظلٍّ ظليل

البشرى الثانية والعشرون بشرى ترك الفضول
وهنا بشرى نحب أن تشيع بين الناس فكلُّ واحد منا يحبُّ أن يحسن إسلامه ويرقى حاله ويزيد قرباً من سيده ومولاه فتأتى له بشرى الحبيب الطبيب تقول له{مِنْ حُسْنِ إسْلاَمِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ}[4]وحتى يحسن إسلام المرء فلابد للسان ألا يتحرك إلا على الهدى المستقيم فلا يدخل فيما لا يعنيه فصاحب فضول ليس له نصيب فى الوصول إلا إذا اجتث من نفسه ومن قلبه كل آلات الفضول ولا يبقى له فضول إلا فى أحوال الصالحين وفى رؤية سيد الأولين والآخرين وفى المعانى العلية المبثوثة فى كتاب ربِّ العالمين لكن الفضول فيما فى أيدى الخلق أو ما على أجساد الخلق أو فيما يسكنه الخلق فلا شئ ينفعك من ذلك خبرونى بالله عليكم ما نفع أن تعرف ما دار بين أخيك وزوجه؟ إذا لم يطلعك هو بنفسه أو ما قال فلان لآخر؟ سيشغل إبليس قلبك بهواك فتضل وتزل وتنشغل جوارحك الظاهرة والباطنة بأسرار لا تنفع بل وستصبح مثل بالونة مليئة بعورات الناس وأخبارهم وتريد أن تتقيأها فى كل مكان تذهب إليه فتصير عند الناس قتاتا وممقوتاً ويغلق الله دونك أبواب القبول والوصول وكلُّ خيرٍ مأمول ولا يلبث الخلق أن يغلقوا أبوابهم بوجهك ولذلك روى سيدنا أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ{تُوفِّيَ رَجُلٌ فَقَالَ رَجُلٌ آخَرُ ورَسُولُ اللَّهِ يَسْمَعُ: أَبْشِرْ بِالْجَنَّةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ:أَوَ لاَ تَدْرِي؟ فَلَعَلَّهُ تَكَلَّمَ فِيمَا لاَ يَعْنِيهِ أَوْ بَخِلَ بِمَا لاَ يَنْقُصُهُ}[5] لأنه قد قال لهم محذراً ومنبهاً مراراً وتكراراً{إنَّ اللّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاَثاً: قِيلَ وَقَالَ وَإضَاعَةَ الْمَالِ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ}[6]وقيل فى مدح ترك الفضول :قطعتُ مطامعي واعتضتُ عنها عزيزاً بالقَناعَةِ والخُمولِ
ورمتُ الزهدَ في الدنيا لأنّي رأيتُ الفضل في ترك الفضول
وقال أحد الحكماء فى ترك الفضول أبيات ظريفة لأبنائه نذكرها :هذا وربِّ السماء أعـجـب مـن حمار وحشٍ في البر منـتـعـل
أخاطبه يا عاقل كـي أسـائلـه مالك وما للخلق من شغل
فقال يخشى فـوات حـاجـتـه أو ليس هذا من أفضل العمل
فقلت لم يفت للمرء شأن الرب قدره بل قد يفوت بذنب الجسِّ والحيل
فاترك شئون الخلق للرب خالقها إن الأذى كله من تلكم الـسبل
فصد عني تغـافـلاً ومـضـى يعجب من عقلـه ومن خـلـلـي
وصاح مـن خـلـفـه رويدك إنَ الفضول سرُّ النصر من قـبـل
قلت إرجع إلـى قول الرسول تفز إن الفضول حبلٌ بالنار متصل
أجب إذا ما سئلت مـقـتـصـداً في القول واسكت إن أنت لم تسل
أنت بترك الفـضـول أجـدر لـو سلمت من خـفةً ومـن خـطـل
أما بشرى ترك الفضول التى يفهمها الصالحون فلا تقتصر على ما مضى ولكن اسمع للعارفين إذ دأبوا على الحثِّ على ترك الفضول والبعد عن أخلاق الفضوليين الذميمة فيقول الشيخ ابْنَ الأَعْرَابِيِّ{الْمَعْرِفَةُ كُلُّهَا الاعْتِرَافُ بِالْجَهْلِ وَتَرْكُ الْفُضُولِ } ولذلك فإن من أعلى وأجمل ما قال العارفون فى ترك الفضول ما قاله أحد الحكماء فى بيان معنى ترك الفضول عند الصالحين إذ يوضح أن كل ما لا يسوق المرء لتهذيب النفس للوصول إلى الله هو من الفضول الممقوت والذى يجب تجنبه واستمتع بمعانى كلامه الراقى إذ يقول:هذب النفس إن رمت الوصول غير هذا عندنا عين الفضول
حصل العلم بعزم صادق لا تكن في العلم كسلانا ملول
علم النفس توحيد العلي من بيان الآي عن فرد قئوول
حصل الأحكام بالقدر الذي يقتضيه الوقت لا قال يقول
حسن النيات وانهج نهج ما صح بالإسناد تحظى بالقبول
صاحبن أهل التقى والزمنهم واتبع نور الهدى فعل الرسول
وادخلن حصن الشريعة واهجرن كل مفتون ومغرور جهول
واصطف الرؤوف الرحيم اسع إلى من يزكي النفس عنه لا تحول
رتل القرآن وافقه آية وافهمن سر الإشارة والفضول
آثر الأخرى على الدنيا عسى يقبل الله فتحظى بالوصول
وازهدن فيما يزول مسارعا للذى يبقى بأحوال الفحول
أخلصن لله قلبا قالبا واسألنه الفضل منه والقبول
بر أصليك القريبين ارحمن كل فرد منهما عند المحول
فإذا صرت من أهل تلك الأخلاق العالية والآداب الراقية تزكو نفسك ويصير الشغل بذكر الله هو الأحب لقلبك فإذا شغلت نفسك بذكر الله وحب حبيبه ومصطفاه والرغبة فى معرفة أسرار التنزلات الرحمانية فى الآيات القرآنية والأحاديث النبوية فإن هذا بالطبع لن يستقيم لك إلا بدوام يقظة القلب و الإصرار على ترك الإشتغال بالخلق ولديها فتصير آلات استقبالك كلها موجهة للمصادر الربانية والفضائيات الإلهية السماوية وقنوات البث المحمدية العلوية لا للأوساخ الدنية والأخبار الدنيوية من القيل والقال أوكثرة السؤال عما لا يعنيك من الأحوال فهؤلاء الذين أكرموا هم مقتصدون حتى فى حديثهم فى كلام الواحد المتعال أو فى حديث الحبيب الأعظم أو سيرة الآل فكيف يستبيحون وقتهم فى الفضول أو اللهو فضلاً عن باطل أو قيل وقال بأى حالالبشرى الثالثة والعشرون بشرى السلامة فى الصمتأما هذه البشرى فهى سرُّ من أسرار السلامة وتجنب الغى والعى والندامة ولذا بشَّر رسول الله سيدنا معاذ بالسلامة والنجاة فقال له ولنا ولمن يريدون النجاة والسعادة والسلامة إلى يوم القيامة{إِنَّكَ لَنْ تَزَالَ سَالِماً مَا سَكَتَّ، فَإِذَا تَكَلَّمْتَ كُتِبَ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ}[7]ولذا نصحهم بوضوح لا يقبل الشك فقال{أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ}[8]أهذا صعبٌ أو ليس ممكناً قال الحكماء{ فعلٌ وليس بفعل به النجاة بالفعل علِّق باللسان ثقل أو ضع على الفم قفل} أفيعزُّ على أحدكم أن يسلم وينجو بغلق فمه فوالله لو عقل هذا أحد لصمت إلى الأبد فنجا ولم يكن مثله أحد إلا من فعل مثله أو زاد وما الزيادة إلا النطق عند الحاجة بقدر أما الفائدة الثانية فى بشرى الصمت أن الصمت سرٌّ من أسرار الوصول أوصى به الله وشدَّد عليه الرسول ونصح به كل عبد بالله موصول ولذا كانت المجالس العملية التى يرتفع بها أهل المعية إلى الدرجات العلية يقول فيها سيدنا أبو الدرداء{تعلموا الصمت كما تتعلمون الكلام فإن الصمت حكم عظيم وكن إلى أن تسمع أحرص منك إلى أن تتكلم ولا تتكلم في شيء لا يعنيك}[9] فكانوا يدخلون ورشة عملية يعلمهم فيها رسول الله الصمت كما نتعلم نحن ونعلم أولادنا الصغار الكلام ولذا كان ابن مسعود يقول فى الورشة العملية{إن كان الشؤم في شيء ففي اللسان}[10]وكانوا يستخدمون النماذج التعليمية فكان سيدنا أبو بكر يضع حجراً تحت لسانه فلا يتكلم إلا فيما يرضى الله فيسألونه ما هذا؟ فيقول وهو يشير إلى لسانه{هذا الذي أوردني الموارد}[11]{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}فكانت الورشة الأولى فى العبادة العملية التى كان يُشرف عليها خير البرية هى تَعَلُم الصمت ومن يدخل هذه الورشة يأخذ ما فيها من بضاعة بعد أن يُحَصِّل وفى النهاية يعطيه الله جزاء هذه الطاعة مع شهادة التخرج{يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً}وشهادة التخرج مكتوب فيها " حكيم" قال النبى{إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ قَدْ أُعْطِيَ زُهْداً فِي الدُّنْيَا وَقِلَّةَ مَنْطِقٍ فَاقْتَرِبُوا مِنْهُ فَإنَّهُ يُلَقَّنُ الْحِكْمَةَ}[12]وقال الشاعر أبو نواس فى شىء من شعر الحكمة :خلّ جنبيك لرام وامض عنه بسلام
مت بداء الصمت خير لك من داء الكلام
ربما استفتحت بالنطــق مغاليق الحمام
إنما السالم من ألــجم فاه بلجام
وقال حكيم لأبنائه معلماً ومربيَّاً{يا أبنائى صمتٌ قد يعقبه ندامة خيرٌ من نطق يسلب السلامة }ثم أنشدهم قائلاَ:الصمت زين والسكوت سلامة فإذا نطقت فلا تكن مكثاراً
ما إن ندمت على سكوتي مرّة ولقد ندمت على الكلام مرارا
وقالوا{لسانك سبْعٌ إن عقلته حرسك وإن أرسلته افترسك}وقيل{اخزن لسانك كما تخزن مالك واعرفه كما تعرف ولدك وزنه كما تزن نفقتك وانفق منه بقدر وكن منه على حذر فإن انفاق ألف درهمٍ في غير بابها أيسر من إطلاق كلمة في غير حقها} وقال الشاعر فى بيان خطر اللسان:احفظ لسانك واحتفظ من شرّه إنّ اللسان هو العدوّ الكاشح
وزن الكلام إذا نطقت بمجلس فيه يلوح لك الصواب اللائح
والصمت من سعد السعود بمطلع تحيا به والنطق سعد الذابح
وقال بعض الحكماء عليك بالصمت وإن أصبت في القول وبرزت في الفضل:رب كلمة قلت جلبت المقدوراً خربت لك دوراً عمرت قبوراً
فاحفظ لسانك أن تنال ثبورا إن المناطق تجلب المحذورا
وللإمام الشافعى قول رائع فى ذلك اشتهر وذاع وروى لآخرين:احفظ لسانك أيها الانسان لا يلدغنك إنه ثعبان
كم في المقابر من قتيل لسانه كانت تهاب لقاءه الشجعان
[1] صحيح مسلم عن عامر بن سعد.
[2] رواه البيهقي عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ الترغيب والترهيب
[3] عن ابنِ عَبَّاسٍ جامع المسانيد والمراسيل، وكثير غيره.
[4] رواه الإمام الترمذى فى سننه عَنْ أَبي أُمَامَةَ
[5] عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، موطأ مالك ، وكثير غيره .
[6] رواه الترمذي عن أنس وقال: حديث حسن غريب قال الحافظ: رواته ثقات الترغيب والترهيب
[7] صحيح مسلم عن المغيرة بن شعبة.
[8] سير أعلام النبلاء
[9] عن معاذٍ للطبراني في الكبير وللبيهقي في شعب الإيمان جامع المسانيد والمراسيل
[10] رواه أحمد والطبرانى عن عقبة بن عامر.
[11] مكارم الأخلاق (الخرائطي)
[12] لأبي نعيم في الحلية وللبيهقي في شعب الإيمان عن أبـي هريرة فى جامع الأحاديث والمراسيل 

بشرى فضل الصدقة



     

وهنا بشرى الإكرام والإنعام من المللك العلام عمل قليل عليه ثواب جزيل ومن يقدر يمنع الرب الجليل لا أحد حاشا للواحد الأحد فهذه زهرة من زهرات الفرح والفضل أذ أوجب الله على كل مسلم فى كل يوم صدقة ليحظوا بأجر المتصدقين ويكتبوا كل يوم من المنفقين المتشبهين بسيد المرسلين إذ قال لهم الحبيب{عَلَى كُل مُسْلِمٍ فِي كُل يَوْمٍ صَدَقَةٌ قَالُوا:وَمَنْ يُطِيقُ ذٰلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ}ومن أين يتأتى لهم ذلك كل يوم؟ومنهم الفقراء وفيهم المساكين وليت الأمر هذا وفقط بل وأخبرهم مرات عدة أن على كل مفصل من مفاصل الجسم صدقة يجب أن يتصدقوا بها كل يوم ليشكروا الله شيئاً من حسن إنعامه عليهم وكمال صنعته فتحيَّروا جميعاً واسقط فى أيديهم وتيقنوا العجز التام عن القيام ولو بأقل القليل مما أمر به الملك العلام وهنا أتى ببشراه لينقذ الأمة من مخالفة أمر ربها ولينتشلنا من العجزعن تلبية أوامره بل وليفتح لنا أبواب الخير على مصاريعها وتأتى بشرى سيد الأولين والآخرين بالهناء والسعادة فيقول قَالَ: السَّلاَمُ عَلَى الْمُسْلِمِ صَدَقَةٌ وَعِيَادَتُكَ الْمَرِيضَ صَدَقَةٌ وَصَلاَتُكَ عَلَى الْجَنَازَةِ صَدَقَةٌ وَإِمَاطَتُكَ الأَذَىٰ عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ، وَعَوْنُكَ الضَّعِيفَ صَدَقَةٌ}[1] واسمعوا لفضل الله تعالى الذى يجعله فى أقل القليل وانتبهوا لبشريات حبيبه التى يضاعفها الله تعالى فى أقل ما تظن أو تعتقد الفضل الإلهى ليس مرتبطا بالإحجام بل هو مرتبط بما ربطه به الله أو أشار إليه رسول الله إنتبهوا أيها القراء افتحوا اسماعكم وافتحوا قلوبكم للفضل والعطا واسمع الحبيب وهو يقول لصحبه الكرام ولنا ولمن قبلنا وبعدنا من الأمة المحمدية على مر العصور{فلْيتَّقِينَّ أحدُكمُ النارَ ولو بشِقِّ تمرة}[2]{يَا نِسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ لاَ تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ}[3] ولو أعطيتى قليل ملح أو ماء لجارتك يجزى به الله ثواب الطعام كله إنها الصدقة لمَ.؟الصدقة هي الباب الأعظم الذي ركَّز عليه الصالحون أجمعون وذلك لأن الصلاة ربما تكون سهلة على النفس من التعود وكذلك الصيام سهل على النفس بل فيه شهرة وسمعة لأن الإنسان عندما يصوم فى الأيام الحارة يقول له الناس هنيئاً لك بالصيام لكن العمل الذي يحقق الأمل والذي ركز عليه الحبيب المختار وأصحابه الذين كانوا مزينين بالأنوار هو الصدقة
وَأن طَبَختَ فاكثِر مِن مَريقَتِها وَأَعطِف عَلى الجارِ أو فادعوهُ لِلأكلِ
فَفي الصَحيحِ طَعامُ اِثنَينِ أربَعةٍ يِكفي وفي واحِدٍ يَكفيهِ مَعَ رَجلٍ
وَأربَع لِثمانٍ أَن يَضَع أَكلاً لا تَغلِق البابَ وَادعو دَعوَةَ الجُعلا
أعط القليل فما في البرّ من حرجٍ على امرىء وقليلٌ منك يكفينا
لا تحقِرنْ قليلاً فالرذاذ إلى أمثالـه يترك الأنهار يجرينا
قال الله{مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}هذه الأحوال هى التى كان عليها النبي
وصحبه والآل واسمع لتلك القصة العجيبة التى ترويها السيدة عائشة فهذا الإمام على يطعم الطعام على حب الله{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ} ولا يترك لأولاده قليلاً ولا كثيراً{وَقَفَ سَائِلٌ عَلٰى سيدنا عَلِيَ فَقَالَ لِلْحَسَنِ أَوِ الْحُسَيْنِ : اذْهَبْ إِلٰى أُمكَ فَقُلْ لَهَا : تَرَكْتُ عِنْدَكِ سِتَّةَ دَرَاهِمَ فَهَاتِ مِنْهَا دِرْهَمَاً فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: قَالَتْ إِنَّمَا تَرَكْتَ سِتَّةَ دَرَاهِمَ لِلدَّقِيقِ فَقَالَ عَلِيٌّ : لاَ يَصْدُقُ إِيمانُ عَبْدٍ حَتَّىٰ يَكُونَ بما فِي يَدِ اللَّهِ أَوْثَقُ مِنْهُ بما فِي يَدِهِ قُلْ لَهَا : ابْعَثِي بِالستَّةِ دَرَاهِمَ فَبَعَثَتْ بِهَا إِلَيْهِ فَدَفَعَهَا إِلٰى السَّائِلِ ، قَالَ: فَمَا حَلَّ حَبْوَتَهُ حَتَّىٰ مَرَّ بِهِ رَجُلٌ مَعَهُ جَمَلٌ يَبِيعَهُ ، فَقَالَ عَلِيٌّ : بِكَمِ الْجَمَلُ ؟ قَالَ: بِمَائَةٍ وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمَاً ، فَقَالَ عٍلِيٌّ : اعْقِلْهُ عَليَّ ، إِنَّا نُؤَخرُكَ بِثَمَنِهِ شَيْئَاً ، فَعَقَلَهُ الرَّجُلُ وَمَضَىٰ ، ثُمَّ أَقْبَلَ رَجُلٌ فَقَالَ: لِمَنْ هٰذَا الْبَعِيرُ ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ : لِي، فَقَالَ: أَتَبِيعُهُ ؟ قَالَ: نَعَمْ ، قَالَ: بِكَمْ ؟ قَالَ: بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ ، قَالَ: قَدِ ابْتَعْتُهُ ، قَالَ: فَأَخَذَ الْبَعِيرَ وَأَعْطَاهُ المِائَتَيْنِ ، فَأَعْطَىٰ الرَّجُلَ الَّذِي أَرَادَ أَنْ يُؤَخرَهُ مِائَةً وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمَاً ، وَجَاءَ بِسِتينَ دِرْهَمَاً إِلٰى فَاطِمَةَ فَقَالَتْ : مَا هٰذَا ؟ قَالَ: هٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ عَلٰى لِسَانِ نَبِيهِ{مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}[4] وفى رواية أنه لما رجع إلى حضرة النبي فقال له:يا على أتدرى من البائع ومن الشارى؟ قال: لا يا رسول الله قال :البائع جبريل والشارى ميكائيل وفى كتاب الحاوى للفتاوى وغيره أنه خرج بإزار فاطمة ليبيعه ليأكلوا بثمنه فباعه بستة دراهم فسأله مسكين فأعطاهم له فأرسل الله إليه جبريل وميكائيل والباقى ذكرناه تصدق بستة دراهم هو فى حاجة ماسة لها(على حبه)فرزقه الله ستين فمن أنفق على الفقراء والمساكين أو يسر لهم أمور المعايش فى الدنيا وراقب فيهم شرع أحكم الحاكمين رزقه الله البركة من وراء الأسباب والرزق بغير حساب ومثل هذه الرواية مئات الروايات حدثت لأصحابه المباركين وحدثت من بعدهم للصالحين والمتقين إلى يومنا هذا وذلك لأن فضل الله لا يتخلف وعطاء الله لا يمتنع على المتقين بل إنه دائماً أبداً يفتح باب الواسع للمتقين ليرزقهم بغير حساب.
البشرى الرابعة والأربعون 
بشرى شمول وتعميم الصدقات
وهذه بشرى عظيمة تشمل جميع أعمال وشئون حياتنا وتجعلنا فى عبادات وصدقات فى جميع الأوقات حتى عند قضاء الشهوات أو قيام بمصالح الزوجات والأبناء والبنات فنحن قد نضجر أحياناً بالأولاد وطلباتهم والزوجات ومصاريفها وبالبيوت والمستلزمات التى لا تنتهى بل وتزداد مع كبر الأولاد إنتبه عندك الجهاز الذى يجعل كل شىء تفعله يكون عند الله صدقة ما عليك سوى أن تدير الجهاز فالجهاز أو المفتاح هو النيَّــة وتديره أى تستحضر أو تقدِّم النيَّة دائماً قبل أى عمل تعمله حتى ولو كان مداعبة لطفل أو ملاعبة لزوجة أو قضاء شهوة حلال أو رفع لقمة لفم إمرأتك أو دفن نخامة فى الأرض أو نظرة إلى السماء أو كذا أوكذا فقدم قبل أى عمل نيَّة صالحة لله يكون لك أجراً فى هذا العمل عند حضرة الله عزَّ وجلَّ وفى استحضار النيَّة بشرى النجاة أو بشرى المزيد من فضل الله كيف؟لأن استحضار النية يجعلك تسأل نفسك لماذا تعمل العمل؟ فتتوقف برهة لتأخذ وقتاً لتتأكد أن العمل يرضى الله وليس مخالفاً فاستحضار النية يؤكد لك مشروعية العمل فإما أن تجد نيَّة صالحة فأكثر منها واعمل العمل مطمئناً إلى فضل الله ولك بكل نيَّة أجر عظيم وصدقات جليلات أو لا تجد النيَّة الطيبة التى ترضى الله ورسوله فتدرك أن العمل قبيحاً أو محرماً أو فيه رياء فتتوقف ولا تمضيه فتنجو من الزلل قال النبى فى حديث شريف من أجمل أحاديث شمولية أنواع الصدقة مع أقل فعل فيما يرويه سيدنا أبو ذر لما شكى لرسول الله أن الأغنياء فاقوهم بصدقات أموالهم لأنهم كلهم متساوون فى العبادات فقال له مبشِّراً أن الصدقة ليست بالمال فقط{إنَّ فيكَ صدقةً كثيرةً إنَّ في فضلِ بَيَانِكَ عن الأرتمِ(من لا يفهم كلامه)تُعَبِّرُ عنهُ حاجَتَهُ صدقةٌ وفي فضلِ سَمْعِكَ على السيىءِ السمعُ تُعَبِّرُ عنهُ حاجَتَهُ صدقةٌ وفي فضلِ بَصَرِكَ على ضريرِ البصر تَهْدِيهِ الطريقَ صَدَقَةٌ، وفي قُوَّتِكَ على الضعيفِ تعينُهُ صدقةٌ وفي إِمَاطَتِكَ الأَذَى عن الطريقِ صَدَقَةٌ، وفي مُبَاضَعَتِكَ (جماعك) أَهْلَكَ صَدَقَةٌ، قالَ: قلتُ: يا رسولَ الله أَيَّأَتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ ويُؤْجَرُ، قالَ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ جَعَلْتَهُ في غيرِ حِلِّهِ أَكَانَ عليكَ وِزْرٌ، قالَ: قلتُ: نعم، قالَ: أَفَتَحْتَسِبُونَ بالشَّرِّ ولا تحتسبونَ بالخيرِ }[5] هل رأيتم سيل البشريات فى هذا الحديث بل إن المسلمين ما فرحوا بقول سمعوه من رسول الله مثلما فرحوا لما أخبرهم بأن لهم صدقة فى كل شيىء، قال أنس{حَدَّثَ نَبِيُّ اللَّهِ بِحَدِيثٍ فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ مُنْذُ عَرَفْنَا الإسْلاَمَ أَشَدَّ مِنْ فَرَحِنَا بِهِ، قَالَ: إنَّ المُؤْمِنَ لَيُؤْجَرُ في إمَاطَةِ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَفي هِدَايَةِ السَّبِيلِ، وَفي تَعْبِيرِهِ عَنِ الأَرْتَمِ، وَفي مِنْحَةِ اللَّبَنِ حَتَّى إنَّهُ لَيُؤْجَرُ فِي السِّلْعَةِ تَكونُ مَصْرُورَةً – وفى رواية فى طرف ثوبه- فَيَلْمَسُهَا فَتَخْطَؤُهَا يَدُهُ)[6] هل فهمتم الجملة الأخيرة؟ يؤجر الواحد حتى مثلاً لو بحث عن شيىء فى جيبه فأخطأته يده فخاف وخفق قلبه أن يكون فقده أو ورقة فظننتها ضاعت أو محفظتك أو شيىء وضعته فى البيت فلك صدقة وأجر من الله على هذه اللحظة الصغيرة من الخوف وخطفة القلب أتتخيلون هذه البشرى العالية يؤجر المسلم فى كل شئ ماذا تريدون بعد ذلك من بشريات الصدقة؟هل بقى شيىء؟ وقبل أن أدخل بكم لبشريات "النفقة على الأهل" وهى ما سنختم به من البشرى هنا قبلها سأدخل بكم على أقل ما تظنون مما تعطى الجارة لجارتها ببساطة تطرق جارتك الباب وتطلب بصلة أو شوية ملح فتتأففين وتقولين هذه عادتهم وبعدها تأمرين إبنتك تنظر من بالباب فلو كانت الجارة لا تفتح ونرى طبعاً إنه من الشطارة أن تكونى قوية وتخيفى جيرانك حتى لايطلب أحد منك شيئاً وسأروى لكم الحديث وأنتم أخرجوا منه البشرى بالطريقة التى تروقكم تروى السيدة عائشة وتقول : سألت رسول الله{مَا الشَّيْءُ الَّذِي لاَ يَحِلُّ مَنْعُهُ؟ قَالَ: الْمَاءُ وَالْمِلْحُ وَالنَّارُ، قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هذَا الْمَاءُ قَدْ عَرَفْنَاهُ فَمَا بَالُ الْمِلْحِ وَالنَّارِ؟ قَالَ: يَا حُمَيْرَاءُ مَنْ أَعْطَى نَاراً فَكَأَنَّمَا تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَا أَنْضَجَتْ تِلْكَ النَّارُ وَمَنْ أَعْطَى مِلْحاً فَكَأَنَّمَا تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَا طَيَّبَ ذلِكَ الْمِلْحُ وَمَنْ سَقَى مُسْلِماً شَرْبَةً مِنْ مَاءٍ حَيْثُ يُوجَدُ الْمَاءُ، فَكَأَنَّمَا أَعْتَقَ رَقَبَةً وَمَنْ سَقَى مُسْلِماً شَرْبَةً مِنْ مَاءٍ حَيْثُ لاَ يُوجَدُ الْمَاءُ فَكَأَنَّمَا أَحْيَاهَا}[7]أى لو أعطيت جارتك أى شيىء ضئيل لا حساب له فاستخدمته فى عمل وليمة مثلاً أخذت ثواب التصدق بكل الطعام الذى طبخ ولو عود كبريت ولو كان إناءاً أخذت ثواب التصدق بكل ما صنع فيه أما الماء للشرب فهو بأجر عتق رقبة أو إحياء نفس فما أجر إحياء النفس؟ فكأنما أحيا الناس جمعياً يعنى ما الأجر؟ هل من حاسب يقدر؟ هل رأيتم أين بلغ تدفق سيل بشريات الصدقة الميمون وقبل مغادرة أرض هذا الحديث وحتى لا يفهم أحد أن البر ألا تمنع جارك إن طلب شيئاً منك مطلقاً لا ليس الأمر كذلك لأن السؤال لم يحرم عدم إعطاء الجار لبعض الأشياء فالمنع يحل لأنه مالك وإنما الأمر لتأكيد رفعة شأن الصدقة وبركة النوايا التى نعامل الناس بها فو كانت الجارة كثيرة الطلبات ومنعتيها بغلظة أسأت للجار ولو منعتى برفق ومدارة فلا حرج مادام طلبها استشرافا وليس عن فاقة لأنه الصدقة عندها لازمة أما لو أخذت جانب المحبة العالية مع النية السامية لأخذت كل يوم أجر التصدق بكل طعامهم مرات بثمن بصلة أو قليل ملح أو خل أى اشتريت بضاعة بمئات الجنيهات ودفعت فيها قروشاً فقط وتصدقت بها لله وأخذت ثوابها كاملا بدون تعب شراء أو طبخ أو توزيع بربكم من الكاسب هنا؟فاختارى لنفسك ما تشائين والآن إلى
بشرى الصدقة الإلزامية لأعمال نقوم بها ولا نتخلف عنها ويعطينا الله عليها أعلى أجور الصدقات حتى تصل أحياناً للنفقة فى سبيل الله إنها النفقة على الأهل حتى اللقمة ترفعها إلى فىِّ زوجتك لو أمسكت بلقمة لتطعم زوجتك بنفسك لتزيد أواصر المودة والمحبة بينكما كان لك بذلك أجر عند الله قال النبى{المؤمنُ يُؤْجَرُ على كُلِّ أمرِهِ حتَّى يُؤْجَرَ في اللُّقْمَةِ يَرْفَعُهَا إلى في امْرَأَتِهِ}[8] وفى رواية{يرفعها إلي فيه}له أجر فى لقمة يضعها فى فم إمرأته أو فمه أما النفقة فلها شأن آخر اسمع{دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَةٍ وَدِينَارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ أعْظَمُهَا أَجْراً الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ}[9] أعْظَمُهَا أَجْراً الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ الله أكبر وأنتم تعلمون أن النفقة فى سبيل الله بسبعمائة ضعف كما ورد بالأحاديث الصحيحة فالنفقة على الأهل إلى أين تصل فى الأجر والثواب؟وبكم ضعف تكون؟إن أردت أن تستزيد من هذه الأضعاف المضاعفة فاستحضر المزيد من النوايا وأنت تنفق عليهم فيزيد الأجر وهذا الجزاء العالى للنفقة على الأهل لماذا؟لأن النفقة عليهم تحتاج لتحرى الحلال وهذا يستلزم الجهاد والورع الذى يحجز الإنسان عن الحرام ويستلزم تقوى تقيه الشبهات التى نهى عنها الله وذلك جهاد كبير فى التحرز عن الحرام واتقاء الشبهات فكانت نفقته على أهله من الحلال تماثل النفقة فى سبيل الله فالدرهم الواحد بسبعمائة درهم والله يضاعف لمن يشاء والله ذو الفضل العظيم وحتى المرأة لو تصدقت فصدقتها أَوْلَى على زوجها وأولادها قبل أى أحد لعظم حقهم عليها فلا تقل ولماذا أتصدق على زوجى؟ أو ابنى وزوجى مسؤول عن الجميع فتمنتع وتعطى أقاربها وربما ليسوا فى حاجة نعم هو مسؤول ولكن أسمعوا لإمرأة ابن مسعود جاءت لرسول الله وكان أمر النساء بالصدقة يومها فقالت{يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّكَ أَمَرْتَ اليَومَ بِالصَّدَقَةِ، وَكَانَ عِنْدِي حُلِيٌ لِّيْ فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَصَدَّقُ بِهِ فَزَعَمَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّهُ وَوَلَدَهُ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَلَيْهِمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَدَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ زَوْجُكِ وَوَلَدُكِ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتِ بِهِ عَلَيْهِمْ }[10] وعندها تعطى كأجر الرجل فى نفقته على أهله أى أجراً كالنفقة فى سبيل الله لأنها أنفقت على أهلها والنساء شقائق الرجال كل ذلك لا يتم إلا مع النيَّة الطيبة قبل العمل أو أثناءه أو بعده لله واسمعوا ماذا أخبر الله نبياً من بنى إسرائيل عن تابع له{كانت مجاعة في بني إسرائيل فمرَّ رجل بكثبان رمل فقال: لو كان هذا لي دقيقاً لقسمته في مساكين بني إسرائيل فأوحى الله إلى نبي ذلك الزمان أن قل لفلان: قد شكرت لك ما فكرت وقبلت منك كما لو كان هذا دقيقا فقسمته في مساكين بني إسرائيل}11] لأنه تمنى ذلك صادقاً بقلبه الأساس هو النية الصادقة ولذلك قال النبى{إِنَّما الأعْمَالُ بالنِّيات وإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِىءٍ ما نَوَى}[12] فهل تعلمنا وحفظنا بشريات الصدقة الآن وكيف سيكون عملنا ونوايانا


[1] لأبي نعيم في الحلية وفى تاريخ اصبهان وللخطيب في التاريخ عن ابن مسعُودٍ 
اسم الكتاب: جامع المسانيد والمراسيل
[2] صحيح البخارى عن عدى بن حاتم.
[3] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ صحيح مسلم، فرسن شاة: حافرها أو ظلفها.
[4] العسكرى للأمثال عَنْ السيدة عَائِشَةَ 
[5] أبي ذرَ رضي الله عنه، سنن الكبرى للبيهقي 
[6] وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رواه أبو يعلى والبزار، وزاد: 
[7] سنن ابن ماجه عن السيدة عائشة 
[8] عن سعد بن أبى وقاص، سنن الكبرى للبيهقي 
[9] عن أبى هريرة ، رواه مسلم.، الترغيب والترهيب 
[10] عَنْ أَبِيْ سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى، رَوَاهُ البُخَارِيُّ
[11] فنون العجائب (أبي سعيد النقاش) عن أنس بن مالك
[12] متفق عليه من حديث سيدنا عمر بن الخطاب

الاثنين، 20 فبراير 2012

ومن سعة إكرام الله


خمس فى الفعل خمسون فى الأجر ومن سعة إكرام الله لنا أنه لما زار حبيبه القدس الأعلى بالسموات ووصل حيث لم يحل أحد من الخلق سابقٌ ولا هو آت أرسل لنا هدية عظيمة مع نبينا لا مثيل لها ولا تُقدر بثمن ولا بأعطيات وهى هذه الصلاة المفروضة وقد بيَّن فضلها علينا جماعة المؤمنين حبيب القلوب وسيد السادات لماذا يارب فرضت علينا فريضة الصلاة؟ وكثير من المسلمين فى عصرنا الآن قد يتأفف من أدائها أو يتكبر عن دخول المساجد والاختلاط بالفقراء من أهلها ويرى أنها عليه حمل ثقيل لكن ربُّ العزة لِمَ يدعونا خمس مرات فى اليوم؟ قال{فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ}يطلبنا أن نقف بين يديه ليغفر لنا ذنوبنا ويستر لنا عيوبنا ويستجيب لنا دعاءنا ويكشف عنا كرباتنا ويقضى لنا كل حاجاتنا حتى قال نبينا{أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْراً بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ هَلْ يَبْقَىٰ مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ، قَالُوا: لاَ يَبْقَىٰ مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ قَالَ: فَذٰلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو الله بِهِنَّ الْخَطَايَا }[1] فالذى يحافظ على الخمس صلوات فى أوقاتها فى جماعات يبيت كل ليلة وليس عليه ذنب يحاسبه عليه مولاه إلا إذا كانت مظلمة بينه وبين عبد من عباد الله فتلك موكولة إلى هذا العبد{وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ}عَلِم الله أنه هذه الأُمم أقصر الأمم أعماراً فبارك لها فى أعمالها وعلى رأسها الصلاة كما قال الحبيب رواية عن رب العزة{أَنْ قَدْ أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي وَأَجْزِي بِالْحَسَنَةِ عَشْرَ أَمْثَالِهَا}[2] وقوله{هي خَمْسٌ، وهي خمسونَ لا يُبَدَّلُ القولُ لَدَيَّ}[3] يكتب لك فى كل يوم أجر خمسين صلاة وثواب خمسين صلاة مقبولة تؤديها إلى الله جل فى علاه ما أعظم فضل الله وكرم الله لنا عباده المؤمنين خمسون صلاة نؤديها كل يوم لله من يستطيع منا أن يصلى خمسين صلاة مقبولة؟ لا يوجد لكن الله خفَّف وأجزل الفضل العظيم فكانت الصلوات مغفرة للذنوب التى يصيبها العبد فى يومه كله ويجزيه الله عليها بخمسين صلاة وفوق ذلك كله حساب آخر كيف؟من الذى يستطيع أن يحسب ثواب وفضل الصلاة المفروضة؟سؤالاً سهلاً فكلكم يعرف إذاً اسمعوا الفرض الواحد بداية بعشرة ثوابات أو فروض لأنها خمسون فى الثواب وخمس فى العمل فى الحديث هذه واحدة والثانية أن كل حسنة بعشر أمثالها وهذا أقل حساب كما ورد بالحديث السابق فإذاً الفرض الواحد تصليه يصير بمائة هل خطر ذلك ببالكم والثالثة لو أنت تصليها فى جماعة فالصلاة بسبع وعشرين درجة وأقل تفسير للدرجة أن يكون ثوابها سبعا وعشرين مثلاً ولكن الدرجة لا يعلم حقيقتها إلا الله وقد تبلغ مئات الأمثال أو الأضعاف(والمثل غير الضعف)وعلى هذا ففرض جماعة يكون 2700 مثلاً على أقل تقدير الله أكبر والرابعة لو كانت الصلاة فى رمضان فيضاعف الفرض بسبعين مرة كما ورد فتصير قرابة مائتى ألف مثل إلى ما لا يعلم سوى الله ولو كان بالمسجد الحرام يضاعف كل كل هذا مائة ألف مرة فيصير بلايين البلايين يالا وسعة فضل الله وبشريات رسول الله وكرم الله وعطاء الله لأمة رسول الله إنه فضل الله وبشرياته التى تَعُم هذه الأمة ببركة الصلاة المفروضة ورضى الله عن الرجل الصالح إذ قال فى أفضال الصلاة وبركاتها وخيراتها من مضاعفة العمل وبركة الررزق وشفافية الروح وإشراق القلب بنور ربه وقد صدق: أمضيت أمرك خففت عنا إلهى كتبت فرضاً بعشر من مواقيتى جعلت نهراً بباب البيت منفتحاً فيه الطهور ورمز القول تصديقى وفاطر السمواتٍ يدعونا لمغفرة فى اليوم خمساً وفيها صارٍ تحقيقى فلا ضاع فضلاً أنت مانحه به العروج وفـ التحيات تشويقى والشكرُ للَّهِ قد أصبحت في سَعةٍ وبالصلوات قد أمَّنت لى قوتى أسارع أقضى فرض ربى فى لهف فما أبقيتُ من عقدى بتفريطى وليس فهذا فحسب لأن ينابيع فضل الله فى الصلاة لا تنضب وبحاره لا يجف ماؤها بتنزلات غيث مناجاة الله . البشرى السابعة والثلاثون صلاة الجماعة سرُّ الشفاعة يا رحمتك ياربنا ويا بشراكم يا مؤمنين ويا فرحتك يا كل مؤمن بفضل الله عليك فكل رجل من المسلمين لا ينفكُّ يسأل نفسه يارب كيف أصلى لك الصلاة المقبولة؟ أو كيف أقف بين يديك ومشاغلى تنتابنى وضعفى يأخذنى فترد علىَّ صلاتى وحتى لا تتوه وتتشعب بك السبل وتقول ذلك أو تحتار كيف تصلى الصلاة الخالصة لله؟ أو الصلاة المقبولة لله وتقول أنى لى بذلك سنَّ لنا الحبيب المصطفى صلاة الجماعة فهى سر الشفاعة كيف؟ لأنه لو وُجد رجل تَقبَّل الله صلاته شفعت هذه الصلاة المقبولة للجماعة كلها وتَقبَّل الله صلاة الجميع من أجل هذا الرجل فكيف نضمن ذلك؟ورد فى الأثر المشتهر{ما اجتمع أربعون رجلاً مسلماً إلا وكان فيهم رجل صالح} قد لا نعرفه ولكن الله يعلمه ويعرفه وحتى إذا لم يتيسر هذا الرجل الصالح ففى كل هذا العدد ولبركة الجماعة ولأن يد الله مع الجماعة ففى هؤلاء الحضور تجد هذا حضر مع ربه فى السجود وهذا فى الركوع وهذا فى قراءة الفاتحة وهذا فى التشهد فيجمع الله من حضورهم أركان صلاة واحدة مقبولة أو فرضاً واحداً مقبولاً ويقبل صلاة الجميع من أجلها قال الشاعر الحكيم مبينا فضل الصلاة وفضل صلاة الجماعة أضعافاً: ياواسع الإكرام من بك نستعين فضل الجماعة بالكتاب بها نوال القرب قد قال الأمين لاشكَّ فيه ولا ارتياب نادى المؤذن هيا للفتح المبين دعانى ربى للرحاب كبَّرت بالتحريم فامتلأت باليقين وزال خوفٌ واكتئاب أدخلتنى السبع فى الحصن الحصين لا بفعلى أنا التراب فصلاة جمع سرُّ وصل العابدين يعلو بها طينى السحاب فجزانا إحساناً وكرماً فى آمين الفرضُ قُبِلَ بلا حسـاب باجتماع الشمل أو بصدق الصالحين إنهم بابٌ الصحاب فبذا قبلت صلاة المسلمين وكل من صلى أثاب فالخير جا والفضل عمَّ الحاضرين والسهو غفر ولا عتاب والـهنا والسعد للجمع المتين سبعاً وعشرين ثواب حافظوا صلوا الجماعة كل حين لا تكسلوا فهى الصواب البشرى الثامنة والثلاثون الحكمة البدنية للصلاة اليومية وهى بشرى للعقل والعلم والفهم الحديث عَلِم الله وهو العليم الحكيم أن عصرنا هذا ملئ بما لا حدَّ له من الملوثات فنحن نرى الكهرباء ونرى المكيفات وكل هذه الأشياء يخرج منها أشعة كهرومغناطيسية إلى المخ فتؤثر فيه ناهيك بالتليفونات المحمولة واللاسلكية ناهيك بالأجهزة الكهربائية كلها تخرج منها هذه الموجات الكهرومغناطيسية فتؤثر على المخ فتجعل الإنسان يصاب بالصداع أو يصاب ببعض أنواع الصرع أو يصاب والعياذ بالله بورم خبيث ما الوقاية من ذلك؟الوقاية الإلهية التى فرضها الله علينا خمس مرات كيف هذا؟فوجئ أهل الغرب وأعلنوا لنا فى الأيام الماضية أن الشحنات الكهرومغناطيسية التى تتجمع فى مخ الإنسان نتيجة استعمال ومواجهة الأدوات الكهربائية لا يفرغها إلا وضع الإنسان رأسه على الأرض كيف؟إذا وضع رأسه على الأرض كما فى السجود تخرج منه هذه الموجات السالبة وتتسرب ومن العجب أنهم قالوا: يكون الخروج أكثر لو اتجه الإنسان برأسه إلى مركز الأرض المغناطيسى وما مركز الأرض ياإخوانى؟ مركز الأرض المغناطيسى هو بيت الله الحرام فى مكة المكرمة فإذا سجد الإنسان واتجه فى سجوده إلى كعبة الرحمن فإن الله يُفرغ كل الشحنات الكهرومغناطيسية الموجودة فى رأسه إلى الأرض وكأن الله عَلَّمنا ذلك فقال{إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً إِلَّا الْمُصَلِّينَ}ولذلك قال حبيبى وقرة عينى لسيدنا أبى هريرة لما رآه فى المسجد كأن به وجعا ببطنه فقال له بعد أن سأله عن ذلك{قُمْ فَصَلِّ، فَإِنَّ فِي الصَّلاَةِ شِفَاءً}[4] صدقت ياسيدى يارسول الله فالصلاة شفاء إلى شفاء وتطهير للأعضاء من تلك الأدواء بعد شفاء البواطن والصدور وفى ذلك يقول الرجل الحكيم : إلـهي أنت غفّار الذنوب وستّار الفضائح والعيوب أحطت بكل شيءٍ رب علماً فإنك أنت علاّم الغيوب عصيتك جاهلا واتيت ارجو نوالك فاجعل التقوى نصيبي بكيت فى صلاتى جد لى عفوٍاً فهب لي توبة واغفر ذنوبي فلا معبود إلاّ أنت حقاً وما في الكون غيرك من مجيب فتقبل وقفة العاصين ذللا صلاتى تذهبن مرضى عيوبى وها أنا جئتك دنِفٌ فؤادي سجدت فاشفنى فضلاً حبيبى وقد أعيى المداوي برء دائي ومالي غير لطفك من طبيب فبالـهادي الشفيع أجبّ دعائي عليه اللـه صلّى من قريب البشرى التاسعة والثلاثون بشرى صلاة الجمعة وهذه بشرى كل إسبوع بشرى صلاة اليوم الذى اختص به الله أهل الإسلام وضلَّ عنه باقى أهل سابق الأديان مع أن أنبيائهم أعلموهم بفضل الملك الديان فإذا كان يوم الجمعة يوضح النبى الشفيق أن السماء تتزين من ليلته ويبين لنا الأدب الواجب نحو يوم الجمعة السعيد ويوضح لنا الحبيب والأجر والثواب فى حديث واحد يا ليتنا نحفظه أجمعين يقول صلوات ربى وتسليماته عليه مما يروى الإمام البخارى{مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ، ثُمَّ بَكَّرَ وَابْتَكَرَ وَمَشَىٰ وَلَمْ يَرْكَبْ وَدَنَا مِنَ الإِمَامِ وَاسْتَمَعَ، وَأَنْصَتَ وَلَمْ يَلْغُ، كَانَ لَهُ بِكُل خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا مِنْ بَيْتِهِ إِلَى الْمَسْجِدِ عَمَلُ سَنَةٍ أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا}[5] ما هذا الفضل العظيم والكرم العميم والبشريات المتواليات من الله؟ ففى هذا الحديث من بشائر ما لا يمكن لأحد أن يحيط به بسهولة أبداً ولنأخذ نتفاً منها ففى قوله{مَنْ غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ}إشارة عظيمة فيها حكم كريمة(غسَّل)أى ألزم أهله بالغسل كيف؟ أولاً زوجته أوجب عليها الغسل بلقائها فرسول الله يدَّكره بالحق الشرعى نحو أهله كلَّ جمعة فلا ينسى ولا يتناسى وثانياً: أولاده ألزمهم بالغسل لكى يتعودوا من صغرهم على ذلك للنظافة والطهارة والثواب فالنظافة العامة والخاصة من أسس ديننا فهو دين الطهارة والنظافة والذوق العالى الرفيع أتعرفون كيف كانت بداية سنِّ غسل الجمعة؟تروى السيدة عائشة[6] أن الناس كانوا يذهبون من أعمالهم مباشرة إلى الجمعة بروائحهم وعرقهم وكان الكثير منهم ربما لبس الملابس لأيام أو يلبسون الصوف لقلة ذات اليد فأمرهم النبى بالغسل إذا جاءوا الجمعة لكى لا يؤذى بعضهم بعضاً بالرائحة أو المنظر وسارت الأمة على ذلك إلى يومنا هذا لأن يوم الجمعة يوم عيد فكلهم متنظفون ويضعون العطر ويلبسون النظيف من الثياب فتكون المناسبة أحبًّ إلى النفوس وأقوى على الطاعة وهذا بالطبع علاوة على أن الرجل المسلم يوضح لأهله ولولده بشرى الأجر العظيم لهم بالتزام غسل الجمعة لقوله عليه أفضل الصلاة وأتمُّ السلام{الْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ كَفَّارَةٌ}[7] ثم نأخذ لمحة أخرى من الحديث فى قوله الكريم{وَمَشَىٰ وَلَمْ يَرْكَبْ}لأن كل خطوة كأجر سنة ليلها قيام ونهارها صيام فى سعيه ملبياً لنداء الله خبرونى بالله عليكم من يترك الجمعة إذاً بعد كل تلك البشريات الهائلة؟ والبشريات هائلة وكثيرة وليس المجال هنا لنبسطها كلها إنما هى نفحاتٌ وهنَّاتٌ لتفريح القلوب وتفريج الكروب خذ نفساً عميقاً وقل: وافرحتاه بفضل الله وفضل يوم الجمعة غير فضل صلاة الجمعة وكلها أفضال متوالية ومتتابعة من الله الحنان المنان ولا يستطيع أحدٌ أن يفى ويلم ببيان تلك المعان مهما أوتى من لسان وهذا التفريد العالى ليوم الجمعة كان لماذا؟ لأننا نسعى هذا اليوم إلى اللقاء العظيم نسعى إلى ذكر الله قال تعالى{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}قال أحد الحكماء الأجلاء فى أفضال ليلة الجمعة ويومها وصلاة الجمعة الغرَّاء من التبكير والمشى للمسجد والسماع وعدم اللغو والصلاة وقراءة سورة الكهف والصلاة على النبى بعد العصر والساعة المقبولة الدعاء فقال : كلما دارت الشَّمْسُ ِسبعا جاءت جمعةٌ نشرت فى حيِّنا الأفراحا لمعت السما بنور ربى أضاءت فاحت عطور مسك زيتها فوَّاحا أهدانا الإله فيها صلاةً فرض جمعة قد أحيت الأرواحا لمسجد مشى فبكل خطو صلاة وصوم سنة قيامها إصباحا بكر مشى للنصح سمع فصلى لم يلغّ سبعاً منح ربى سماحا قرأ كهفاً للحِبِّ ذكر فصلى بعد عصر فأذهب الأتراحَا وَلـهُ فيها ساعة قد قبلت دعوتها فدعا الجميع وصاحا هى يوم عيد فى أرضنا وسماءٍ غفل من سبق ومحمد قد باحا وقال الحكيم فى إشارات يوم الجمعة العالية الكثير ننتقى منه: أتوب من سوء ذنبي أرجو من اللـه قربي في يوم جمعة أرجو جمعي على اللـه ربي مولاي إني ظلوم فزك نفسي وقلبي تولني يا وكيلي في حال سقمي وشيبي جدد لي الخير وافتح كنز العطا بالحب http://www.fawzyabuzeid.com/news_d.php?id=175 [1] البخارى ومسلم عن أبى هريرة [2] سنن النسائي الصغرى [3] ابن حزم أنس بن مالك، صحيح ابن حبان. [4] سنن ابن ماجه، عن أبى هريرة [5] لأحمد في مسنده ولأبي داود وللترمذي وللنسائي ولابن ماجة ولابن حبان في صحيحه وللحاكم في مستدركه عن أَوس بن أَوس رضيَ اللَّهُ عنه جامع المسانيد والمراسيل [6] عن عائشةُ{كان الناسُ مَهَنةَ أنفُسِهم وكانوا إذا راحوا إلى الجُمعةِ راحوا في هَيْئَتِهم، فقيلَ لهم: لَوِ اغتسَلْتم } للبخاري [7] عن أَبي بَكْرٍ (ابن راهويه وابن زنجويه فِي تَرغيبه وللدارقطني في السنن و للطبراني في الأوسط وللبيهقي في شعب الإيمان)، جامع المسانيد والمراسيل

حكمة الصلاة وبشرياتها


خمس فى الفعل خمسون فى الأجر
ومن سعة إكرام الله لنا أنه لما زار حبيبه القدس الأعلى بالسموات ووصل حيث لم يحل أحد من الخلق سابقٌ ولا هو آت أرسل لنا هدية عظيمة مع نبينا لا مثيل لها ولا تُقدر بثمن ولا بأعطيات وهى هذه الصلاة المفروضة وقد بيَّن فضلها علينا جماعة المؤمنين حبيب القلوب وسيد السادات لماذا يارب فرضت علينا فريضة الصلاة؟ وكثير من المسلمين فى عصرنا الآن قد يتأفف من أدائها أو يتكبر عن دخول المساجد والاختلاط بالفقراء من أهلها ويرى أنها عليه حمل ثقيل لكن ربُّ العزة لِمَ يدعونا خمس مرات فى اليوم؟ قال{فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ}يطلبنا أن نقف بين يديه ليغفر لنا ذنوبنا ويستر لنا عيوبنا ويستجيب لنا دعاءنا ويكشف عنا كرباتنا ويقضى لنا كل حاجاتنا حتى قال نبينا{أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْراً بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ هَلْ يَبْقَىٰ مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ، قَالُوا: لاَ يَبْقَىٰ مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ قَالَ: فَذٰلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو الله بِهِنَّ الْخَطَايَا }