من كتاب { كونوا
قرآنا يمشي بين الناس }
لفضيلة الشيخ فوزى
محمد أبوزيد
إن الذي ينظر إلى
أحوال النبي صلى الله عليه وسلم ...
وصحبه المباركين
وما كان لهم أو حولهم في دنياهم في حياتهم من رغد في العيش ومن هناءة في البال ومن
سعادة في القلب ومن علاقات كريمة ومن معاملات طيبة ومن أخلاق فاضلة جعلهم في طرفة
عين يسودون العالم أجمع ويسيطرون على مقاليد الأمور وتصير لهم الهيمنة على جميع
أمم الأرض بعد أن كانوا أشد الناس فقراً وأعجز الناس قوة وعدة وعدداً لكنهم في
طرفة عين بلغوا إلى ما يريدون....
الذى ينظ إلى هذه
الأحوال !!! يتعجب أشد العجب ... ويرى أن هناك سرا وراء ذلك ... وليس سر ذلك بغريب
...
فسر ذلك هو العمل
بالقرآن ....
فإن سلفنا الصالح
جعلوا القرآن كتاباً حياً بينهم....
جعلوا القرآن كتاب
حياتهم .....
لا يتحركون إلا
إذا استأذنوا القرآن ....
إذا أراد أحد
عملاً لنفسه أو لزوجه أو لإبنه أو لمجتمعه ...
رجع إلى القرآن
فيقرأ القرآن المرة أو المرتين حتى تتضح له حقيقة حاله وسر قصده ...... فإن أذن
القرآن سارع للعمل وإن وجد القرآن ينهى عن هذا العمل سارع إلى الترك ..وذلك لأنهم
جعلوا القرآن دستورهم وإمامهم الذي يأمرهم بكل شأن في هذه الحياة.
لقد حكَّموا
القرآن في كل أحوالهم، فكان شرع الله هو السائد بينهم ، وهو الذي يتحكم في كل
أمورهم ، ولذلك كانوا لا يحتاجون إلى دستور من الأرض أو موضوع من البشر يحكم
بينهم...
فعندما عين أبو
بكر الصديق رضي الله عنه قاضياً واحداً لكل المسلمين وليست دار قضار ولا عدة دوائر
ولا مجموعة من المستشارين ....!!!
ولكن قاضياً واحداً
عينه لجميع المسلمين والقاضي هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه والذي يقول فيه الحبيب
صلى الله عليه وسلم:
{{ جَعَلَ الله
الْحَقَّ عَلى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ }}[1]
ظل هذا القاضي في
منصبه مدة عام ولم يعرض على المحكمة قضية واحدة من جميع الأنام فأراد أن يعطيه مكافأته
على عمله وهو راتبه وقد كان يعطى كل سنة مرة فرفض عمر الراتب وقال لأبى بكر
الخليفة :
إن قوماًَ آمنوا
بربهم واتبعوا نبيهم وجعلوا قرآن الله حكماً بينهم لا يحتاجون إلى قاض يحكم
بينهم...
لأن الذي يقضي هو
الله والذي يسيطر هو كتاب الله .
وكان الرجل منهم
إذا تليت عليه آية من كتاب الله توقف عندها وقال:
هو كتاب ربي الذي
لا يضل فيه ربي ولا ينسى، وعمل بما أشار به كتاب الله لأن كتاب الله هو المنقذ لكل
هذه الأدواء وهو العلاج لكل داء وهو الشفاء الأكيد لكل المشكلات قالَ النَّبِيُّ
صلى الله عليه وسلم :
{{ أَلاَ إِنَّهَا
سَتَكُونُ فِتْنَةٌ، قِيلَ: مَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ:
كِتَابُ اللَّهِ، فِيهِ نَبَا مَا قَبْلَكُمْ وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ، وَحُكْمُ
مَا بَيْنَكُمْ، هُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ، مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ
قَصَمَهُ اللَّهُ، وَمَنِ ابْتَغَىٰ الْهُدَىٰ فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ،
وَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ، وَهُوَ الذكْرُ الْحَكِيمُ، وَهُوَ الصرَاطُ
الْمُسْتَقِيمُ، هُوَ الَّذِي لاَ تَزِيغُ بِهِ الأَهْوَاءُ وَلاَ تَلْتَبِسُ بِهِ
الأَلْسُنُ، وَلاَ تَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ، وَلاَ يَخْلُقِ عَنْ كَثْرَةِ
الرَّد، وَلاَ تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، هُوَ الَّذِي لَمْ تَنْتَهِ الْجِنُّ إِذْ
سَمِعَتْهُ حَتَّى قَالُوا: إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنَاً عَجَبَاً يَهْدِي إِلَى
الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ، مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ، وَمَنْ عَمَلَ بِهِ أُجِرَ،
وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ، وَمَنْ دُعِيَ إِلَيْهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ
مسْتَقِيمٍ }} [2]
وقد استلهم
الصحابة كلهم هذه المعانى و جعلوها نبراسا لهم و عبر سيدنا عبدالله بن مسعود رضي
الله عنه عن هذه الحقيقة فقال:
{{ جعلنا كتاب
ربنا رسائل من الله عز وجل أنزلها إلينا فكنا نقرأه ونتدبره بالليل ثم نعمل وننفذ
ما فيه بالنهار }}
يعنى ينفذ ما
يأمره به الرحمن في القرآن .
فإذا قال اعفوا
يعفو وإذا قال اصفح يصفح وإذا قال اسمع كذا يسمع كذا ... ينفذ القرآن حرفاً حرفاً
فكان كل واحد منهم صار قرآناً يمشي بين الناس، متبعين ومقتدين لنبيهم صلى الله
عليه وسلم ، ورضي الله عز وجل عنهم أجمعين.
والنبي صلى الله
عليه وسلم وأنتم تعلمون ذلك أجمعين عندما أُهْدِي إليه طبيب رد الطبيب وذلك لأنهم
عملوا بما في كتاب الله واكتشفوا الأدوية التي تعالج الأمراض الإنسانية من
النباتات الطبية المجاورة فاستغنوا بها عن الطبيب.
بل إن السيدة
عائشة تعلمت الطب من الحكماء الذين كانوا يزورون رسول الله ويصفون له الأدوية.
ولما هاجر النبي
صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة طبقوا تعاليم كتاب الله فى كل نواحى الحياة
السياسية والدينية والإجتماعية .
فكان نتيجة ذلك
...
أن أخرجوا للدنيا
نموذجا كاملا متكاملا للمدينة الفاضلة والدولة العادلة وهو حلم وغاية الدنيا كلها
فى جميع العصور
شاهد الموقع
[1] ( ابنٌ لِعَدِيِّ بنِ عَدِيِّ الْكِنْدِيِّ ،سنن
أبى داود والبيهقى الكبرى
[2] عن عليّ t في جامع الأحاديث والمراسيل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق