مدونة مراقى الصالحين: كيف تحقق لنفس السعادة

الاثنين، 25 يناير 2016

كيف تحقق لنفس السعادة


1- عِشْ في حدود يومك:
إذا انتابك القلقُ على غدِك، فاسْعَ جاهدًا كي تعيشَ في حدود يومِك، وتذكَّر قولَه صلى الله عليه وسلم: ((من أصبح منكم آمِنًا في سِرْبه، معافًى في جسده، عنده قوتُ يومه، فكأنما حِيزت له الدنيا بحَذَافيرها))[2]، اكتُبْ هذا الحديثَ الشريف على ورقة وعلِّقه حيث يمكنُ أن تراه، وأعِدْ قراءته مراتٍ وأنت تتأمَّل معناه.
إن من الحماقة أن تستعجلَ مصاعبَ ومصائب قد تأتي وقد لا تأتي، وافترِضْ أنها ستأتي، فلماذا تعيشُها قبل وقوعِها؟
على أن عدمَ الاغتمام من أجل الغدِ لا يعني عدمَ الاهتمام به؛ فالتخطيطُ للمستقبل، والاستعدادُ له، واجبٌ تُدرِكه الفطرة السليمة، ويحُثُّ عليه الدين الحنيف، وما العملُ للآخرة إلا استعدادٌ للمستقبل في أهمِّ صورِه ومعانيه.

2- اشغَلْ نفسَك:
من الحِكم التي تُروَى عن الإمام الشافعيِّ رحمه الله: "إذا لم تشغَلْ نفسَك بالحق، شغَلَتْك بالباطل"، وللفراغ آفاتٌ تُنهِك الجسمَ والنَّفْس, هذا في الأحوالِ العادية، أما في أوقاتِ الأزمات، والمصائب، والمِحَن، فالانشغالُ بالعمل المفيد خيرُ دواء وشفاء.
عندما كانت الحربُ العالَمية الثانية في ذروتها، كان "ونستون تشرشل" رئيس وزراء بريطانيا يعمَلُ ثماني عشرة ساعة في اليوم، ولَمَّا سُئل: هل هو قلقٌ بسببِ المسؤوليات الضخمة الملقاة على عاتقة؟ أجاب: إنني مشغول جدًّا، ولا وقت لديَّ للقلق.
وقد عبَّر جورج برناردشو عن هذه الفكرة بأسلوبٍ آخرَ فقال: إن سببَ الإحساس بالتعاسة هو أن يتوافَرَ لديك الوقتُ لتتساءل: هل أنت سعيدٌ أم لا؟
3- لا تعِشْ في أخطاءِ الماضي:
لو كانت لنا سلطةٌ على الماضي تمكِّنُنا من تغييره، فنصحح الأخطاء التي وقَعَت فيه، لكانت العودةُ إلى الماضي واجبةً، أما وذلك مستحيلٌ، فخيرٌ لنا أن نهتمَّ بالحاضر، ونستعدَّ للمستقبل.
إن الالتفاتَ إلى الماضي واجبٌ في حدود التعلُّم منه، والاستفادة من دروسه، والاعتبار بها؛ ففي هذه الحدودِ فقط يمكن أن نلتفتَ إليه ونعيش فيه؛ قال تعالى في سورة يوسف عليه السلام: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [يوسف: 111].
وهذا الذي وضَّحه الحديثُ الشريف: ((وإن أصابك شيءٌ فلا تقُلْ: لو أني فعلتُ لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدَر اللهِ وما شاء فعل؛ فإن لو تفتَحُ عملَ الشيطان))[3].
4- ارضَ بالقضاء: (تقبل ما ليس منه بد):
رُوِي عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أن قال: ((مِن سعادة ابن آدمَ رضاه بما قضى اللهُ، ومِن شقاوة ابنِ آدم سَخَطُه بما قضى الله))[4].
تخيَّل رجلاً فقَد ماله، أو مات له عزيز، هل يغيِّر حزنه وسخطُه من الواقع شيئًا؟ أليس الأنفعُ لك في الدنيا والآخرة أن ترضى بالقضاء، وتحتسبَ عند الله، وتغيِّر ردَّة فعلك تجاه الأحداث؛ الكبير منها والصغير؟ فإذا ضاع منك مبلغٌ من المال - مثلاً - من غير تقصيرٍ في حِفظه، أو انكسر إناءٌ كان في يدِك عن غير انتباه، أو سُرقت ساعتُك، أو غير ذلك من مئات الأمور التي تحدُثُ في حياتنا، فوطِّنْ نفسَك على قَبول ما حصل، والاستفادة من الدرس الذي مرَّ؛ لأن التحسرَ لن يغيِّر من الواقع شيئًا، بل سيؤذيك في صحتِك النفسية، وربما في الجِسمية أيضًا.
5- لا تهتمَّ بصغائر الأمور[5]:
الحياة أقصرُ من أن نقصِّرَها، وهي ملأى بأمورٍ جديرة بالحُزن والتوجُّع؛ من المصائب التي تصيب الفردَ في نفسِه أو أهله أو ماله، أو تصيب الأمَّةَ؛ من قتلٍ، وتدمير، وإرهاب، فهل من الحكمة أن نكدِّرَ ما نستمتعُ به من صفو الحياة بتصرُّفٍ صادرٍ عن حُسْن نية أو سوء نية من زوجة، أو ولَد، أو جارٍ، أو قريب؟! لا أظنُّ ذلك.
إن النَّفس الكبيرة كالبحرِ لا يكدِّر ماءَه حجرٌ يُلقى فيه، ولا ألفُ حجر، والنَّفس الصغيرة كالبركةِ الصغيرة يكدِّر ماءَها مرُّ النَّسيم، فاختَرْ لنفسِكَ كيف تريد أن تكونَ!
6- اختَرْ أفكارَك بعناية:
إن للأفكارِ المسيطرةِ على المرء تأثيرًا عظيمًا في تكييف حياتِه؛ ذلك لأن حياتَنا مِن صُنع أفكارنا، وقد صدَق من قال: قُلْ لي ماذا تفكِّر أقُلْ لك من أنت؛ فالذي تسيطرُ عليه أفكار الخوف، والتردُّد، والشك، غير الذي تسيطرُ عليه أفكار الشجاعة، والإقدامِ، والثقة، ترى الفرق بين الاثنين في حياتِهما، وسلوكهما، وعملِهما، وفي صحتِهما الجسمية والنَّفسية، والجيوش التي تنتصر في المعاركِ تستمد قوَّتَها من رُوحها المعنوية العالية قبل أن تستمدَّها من السلاح والعتادِ، وهل الرُّوح المعنوية إلا الأفكارُ القوية التي تملأ القلوبَ.
فإذا وجدتَ في ذهنك فكرةً سلبية تدعوك إلى الضعف أو التردد أو الإحجام، فبادِرْ بطَرْدها وازرَعْ مكانها فكرةً إيجابية تدعوك إلى القوةِ والإقدام.
7- حوِّل السلبيات إلى إيجابيات:
هذا غيرُ ممكن دائمًا، لكنه ممكن في كثيرٍ من الأحيان، وهو الصفة التي يتحلَّى بها الناجحون والعُظَماء في كلِّ زمان ومكان، ومِن شعاراتهم: رُبَّ ضارةٍ نافعة، وربما صحتِ الأجسامُ بالعلل، وربَّ محنةٍ في طيِّها مِنحة، ومن لم تكن له بدايةٌ مُحرِقة، لم تكن له نهاية مُشرِقة، إن أصحابَ النفوس الكبيرةِ لا يجسِّمون مصائبَهم ويجلِسون أمامَها باكينَ شاكِينَ، لكنهم يقبَلون الواقعَ المفروض عليهم، ثم يسعَوْن إلى تغييره، والإمامُ ابن تيمية واحدٌ من هؤلاء، فحينَ وضَعه خصومُه في السجن قال: ما يفعلُ أعدائي بي؟؟ بستاني في صدري، سجني خَلوةٌ، ونَفيي سياحة، وقتلي شَهادة، وأعرف صديقًا لي كان يتقدَّم علَيَّ في الدراسة الإعدادية بعام، فرسَب في إحدى السنوات، لكنه تعلَّم من ذلك الرسوبِ درسًا؛ إذ أصبَح بعد ذلك الأولَ على فصله، إلى أن تخرَّج في الجامعة مهندسًا، واستطاع أن يحوِّلَ سلبيةَ الرسوب إلى إيجابية التفوُّق.
يقول أحد الكتَّاب: ليس استثمارُ المكاسب أهمَّ شيء في الحياة؛ فإن أيَّ إنسان عادي يستطيعُ ذلك، لكن الشيءَ المهم حقًّا هو تحويلُ الخسائر إلى مكاسب؛ فهذا يتطلب ذَكاءً ومهارة وحِكمة، وفيه يكمُنُ الفرقُ بين الرجلِ الحكيم المقتدر، وبين الإنسانِ العاديِّ أو العاجز.
8- حاوِلْ أن تحصيَ نِعمَ الله عليك:
من الخطأ أن يحصيَ الإنسانُ رأسَ ماله بما يملِكُه من نقود وعَقَارات وأموال فحسب، رأسُ مال الإنسان أكبرُ بكثير من هذا: السمع، والبصَر، والأمن، والأهل، والأصدقاء، والعافية.. إلخ، هل ترضى أن تسجن في (غوانتاناموا) وتأخذ عشرة ملايين دولار؟ وأن تفقدَ بصرك وتأخذَ المبلغ نفسه؟ أو أن تفقدَ ساقًا، أو ذراعًا؟ أو ولَدًا..، لو حسبتَ هذا لوجدتَ أنك ملياردير، بل أغنى، لكنك لا تقدِّرُ نِعَم الله عليك بشكلٍ يفيض مِن العقل والقلب على السلوك، وتجد أثَرَه في الرِّضا والسَّعادة والطُّمأنينة.
أَحْصِ نِعَمَ الله عليك، وتحدَّث عنها، بدلاً من أن تحصيَ متاعبَك وتتحدثَ عنها، إنك إن حاولتَ وجدتَ أنك غيرَ قادرٍ على إحصاء نِعمة واحدة؛ (كنِعمة البصر مثلاً)؛ لأن في طياتِها ألوفَ النِّعم التي تتجدَّدُ كل ثانية، فكيف يمكن أن تُحصَى؟ ولهذا قال تعالى: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ [إبراهيم: 34]، وقال في السورةِ التي بعدها: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النحل: 18]؛ لِما يعلَمُه سبحانه مِن عجزنا عن هذا الإحصاء، ولكمالِ رحمتِه ومغفرته.
9- لا تنتظر الشُّكر من أحد:
إذا أسديتَ إلى أحَد معروفًا ولم يشكُرْك عليه فلا تستغرِبْ، ولا تجعَلْ هذا سببًا يُنكِّدُ عليك صفوَك؛ يقول الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ﴾ [غافر: 61]، فإذا لم يشكُرْ أكثرُ الناس ربَّهم، فهل تنتظر منهم أن يشكروك؟! واقتدِ بعبادِ الله الأخيار الذين قال عنهم: ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ﴾ [الإنسان: 8، 9]، فإذا ضاع المعروفُ عند الناس، فلن يضيعَ عند الله، وإذا افتقدتَ (الأجرة) في الدنيا، فسوف تغنَمُ (الأجرَ) في الآخرة؛ حيث الحاجةُ أمسُّ، والربُّ (الشَّكور) أكرمُ الأكرمين، يعطيك كما يليقُ به، لا كما يليقُ بك.
10- لا يسلَمُ من ألسنة الناس أحدٌ:
قال الإمامُ الشافعي رحمه الله: "ليس إلى السلامةِ من الناس سبيلٌ؛ فانظُرِ الذي فيه صلاحُك فالزَمْه"؛ فربُّ العزة جل جلاله قال عن اليهود: ﴿ لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ ﴾ [آل عمران: 181]، ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ﴾ [المائدة: 64]!
كذلك لم يسلَمْ نبيٌّ كريم من وصفِ قومه له بأقبحِ الصفات: ﴿ وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ ﴾ [الحجر: 6]، {﴿ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ ﴾ [الأنعام: 10]، ﴿ كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ﴾ [الذاريات: 52]، فإذا لم يسلَمْ من ألسنة الناس أنبياءُ الله ورسلُه عليهم السلام، فمن نحن حتى نسلَمَ من ألسنةِ الناس؟! فلا تدَعْ كلامَ الناس عنك بالباطل يسبِّبُ لك القلقَ والإحباط، ولتكن لك في رسلِ الله عليهم السلام أسوةٌ حَسَنة!
11- (ادفَعْ بالتي هي أحسنُ):
سامِحْ مَن أساء إليك! إن لم يكن من أجلِه، فمن أجل صحتِك النفسية والجسمية، بل من أجلِ أجرٍ عظيم جسيم تنالُه في الآخرةِ إن شاء الله؛ فقد أعدَّ الله سبحانه مغفرةً منه وجنةً عرضُها السموات والأرض أعدت للمتَّقين، الذين من صفاتِهم كَظْمُ الغيظ، والعفوُ عن الناس؛ قال تعالى: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 133، 134].
ولقد أمَر الله تعالى أصحابَ نبيِّه صلى الله عليه وسلم بالعفوِ والصفحِ عن رهطٍ من أحبار اليهود حاوَلوا أن يرُدُّوا بعض كرام الصحابة عن الإسلام بعد وقعة أُحُدٍ فقال: ﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 109].
وأمَر سبحانه أبا بكر الصِّديقَ رضي الله عنه بالعفوِ والصفح عن أحدِ أقربائه بعد أن خاض في حديثِ الإفك مع الخائضين، ونزَل القرآنُ ببراءة الصِّدِّيقة رضي الله عنها.
فمن أحق بالصفح: رجل تكلَّم في أعراض بناتنا لا قدَّر الله، وأحبارٌ ودُّوا ردَّنا عن دِيننا، أم إخوان لنا وأخواتٌ في الدِّين واللغة والوطن أزلَّهم الشيطانُ فأساؤوا إلينا وأخطَؤوا في حقنا؟!
12- احضُرْ قبل الموعد بعَشْر دقائق:
الحياة الحديثة ملأى بالضغوط، والمواعيد، وصعوبات المواصلات، والتأخُّرُ عن المواعيدِ له آثارٌ سلبية كثيرة على الفرد نفسِه، وعلى من سواه؛ لذا تعوَّدْ أن تحضُرَ قبل الموعد بعَشْر دقائق حتى تتجنَّب الضغطَ الناتج عن الاستعجال والارتجال، ولا تُعوِّدْ نفسَك على التحرك إلى موعدٍ ما، أو الاستعداد له في اللحظات الأخيرة، وحبَّذا لو وضعتَ جدولاً لمواعيدك، ولتكن فيه بعضُ الفراغات، إنك إن اتبعت هذه الطريقةَ، فستدهش لمقدار الراحةِ النفسية والمتعة التي ستُحسُّ بها.
13- تقبَّل شجارَ الأولاد:
شجار الأولاد من أكثرِ ما يؤثر على السكينة والهدوء في المنزل، لكن أفضل طريقة للتعامل معه هي النظرُ إليه على أنه شيءٌ لا مفرَّ منه، وهذا وحده كافٍ ليزيلَ نصف الإزعاج الذي يسبِّبُه للآباء والأمَّهات.
برمِجْ نفسك على تقبُّل الشجار قبل حدوثه، وبرمج أولادك وهم في لحظات الهدوء والصفاء على حُسن التعامل فيما بينهم، وضَعْ لنفسك قانونًا ألا تتدخلَ في الشجار بين الأولاد إلا إذا كان التدخُّل ضروريًّا، هذه الوصفةُ سهلة القول، لكنها قد تكون صعبةَ التطبيق، لكن تطبيقها سيُزيل نصفَ الصداع إن لم يذهب به كلِّه!
14- لا تنزعج من الصيانة:
صيانة السيارة، صيانة المنزل، الكهرباء، السباكة، النجارة، الأثاث، دهن الجدران.. إلخ، عمليات مستمرَّةٌ تقتضيها طبيعةُ الحياة، وكما أن أجسامَنا تحتاجُ إلى صيانةٍ يومية، كذلك بيوتنا وما فيها، انظُرْ إلى هذا الأمرِ على أنه طبيعي وعادي حتى تتفادى الانزعاجَ والتوتُّر الذي يسبِّبُه لك.
15- تخلَّص من القديم عند شراء الجديد:
أكثرُنا نشتري أكثر مما نحتاج إليه، ونجعل بيوتَنا مخازنَ لملابس، وكتب، وأدوات لا لزوم لها، إن البيتَ المزدحم بالأشياء له أثرٌ سلبيٌّ على نفسية ساكنيه، إن الفوضى، وضِيق المكان، والأشياء المنتثرة التي تُعيق الحركة، الخزائن الملأى بالأشياءِ المختلفة، كلها تسبِّبُ الضِّيق والإحباط، خُذْ على نفسك عهدًا إذا اشتريتَ شيئًا جديدًا أن تتخلَّصَ من قديم عندك تدفَعُه إلى من ينتفع به، وقاوِمْ في نفسك رغبةَ التخزين والاستكثار.
16- لا تسرع للرد على الهاتف:
الهاتفُ واحد من أسوأِ مضيعات الأوقات: يقطعُ عليك خلوتَك، أو يشوِّشُ تفكيرك، أو يؤخِّرك عن موعد، أو يشتِّتُ انتباهك وأنت تقود السيارة.. إلخ؛ فلا تدَعِ الهاتف يسيطر عليك، وأحسِنِ استعماله لتستفيدَ منه، ولا تتعجَّلْ في الردِّ على كل مكالمة؛ فأكثر المكالَمات لا تستحق ذلك!
17- لا تغضَبْ:
الغضبُ نارٌ تأكلُ صاحبها؛ لذا برمِجْ نفسَك في ساعات الهدوءِ والصفاء على عدمِ الغضب، كرِّر عباراتٍ تُعِينك على ذلك، مثل: أنا حليم، صدري واسع، أنا بطيء الغضب، الغضبُ يدمِّر صحتي، ويحُدُّ من قدرتي على التفكير الصحيح، وتخيَّل مواقفَ تدعو إلى الغضب، وتخيَّل نفسَك فيها رابطَ الجأش، هادئَ الأعصاب، وعوِّدْ نفسَك ألا تذهبَ إلى النوم وأنت غاضب.
18- توقَّف عن الشكوى:
هل صادفتَ شخصًا كلما رآك حدَّثك عن: صعوبةِ العمل، وكثرة أعبائه، وعن النَّفقات، ومتاعبِ الجيران والأصدقاء، والآلام الجسدية التي يُعانيها.. إلى آخر هذا الشريط المكرَّر الممِلِّ؟ إذا صادفتَ شخصًا من هذه النوعية، وما أكثرَها! فقل لي صادقًا: هل تحبُّ صحبتَه والجلوس معه والإصغاءَ إليه؟ لا أظنُّ ذلك، فلماذا إذًا تكونُ أنت هذا الإنسانَ الثقيلَ الظلِّ؟!
19- قل لهم: إني أحبُّكم:
قلْ هذه الكلمة لأمِّك وأبيك، ولأختك وأخيك، ولزوجتك وأولادِك، أخرِجْها صادقة من قلبِك، وسوف تجدُ لها أثرًا ساحرًا عليك أولاً، ثم عليهم، إنها تصنَعُ جوًّا من الهدوء النفسي، والمشاعر الإنسانية الراقية، تجعلُ الحياة أسعدَ، وتَزيد من التعاون والتراحُم، وتخفِّفُ من التوتر والضغط النفسي.
20- تقبَّلِ الخلافَ مع الآخرين:
خلَقنا الله سبحانه مختلفين؛ في أشكالنا، وأوزانِنا، وأذواقنا، وعقولنا، وفي أفهامِنا ونظراتنا للحياة والأشياء، فلماذا يُريد بعضُ الناس أن نتفقَ بعد ذلك في صغيرِ الأمور وكبيرها؟ إن ما أراه صوابًا في مسألة قد يراه غيري خطأً، بل إن ما أراه صوابًا اليوم قد أراه غدًا خطأً! فإذا أردتَ أن تعيشَ في طمأنينة وصِدق، تذكَّرْ أن الاختلافَ سنَّة الحياة، ولا تشعُرْ بالانزعاج والضِّيق إذا خالفَتْك زوجتُك, أو ابنتك، أو زميلُك في العمل، فقد تكون مخطئًا، بل قد تكونانِ أنتما الاثنان مخطِئين!
21- تخلَّص من الأشياء غيرِ المفيدة في البيتِ والمكتب:
في بيوتنا وأماكنِ عملنا أشياءُ كثيرة لا لزوم لها: أكوامٌ من الأدوات، والكتب، والملابس، والأدوية القديمة، والعُلَب، والأقلام، والجرائد، والمجلات، وألعاب الأطفال... إلخ، وكلُّها لا نستعملُها، وكلها تستهلك طاقتَنا النفسيةَ والعقلية والبدنية من غير طائل، إننا نحتفظُ بأكوامٍ من النِّفايات ونحافظُ عليها، وإن التخلُّصَ منها - خاصة أولاً بأول - سيُريح أعصابنا، ويوفِّرُ علينا الكثير من الجهدِ والتعب.
يجب أن نتخلَّص من الوهمِ بأنه سيأتي علينا يومٌ نحتاج إليها فيه، وهذا اليومُ لا يأتي، وإذا أتى فنحن لا نهتدي إلى مكانِ الشيءِ الذي نحتاجُ إليه.
لماذا لا تجرِّبُ متعةَ البيت الخالي من (النفايات)؟!
22- لا تبالِغْ في تقدير أهمية الإجازات:
لا شكَّ أن الإجازاتِ تمثل النسبةَ الأقل في حياتنا، ومع ذلك فكثيرونَ يبالغون في إعطائِها أهميةً لا تستحقها، وينسَوْن أن يستمتعوا بالجزء الأكبرِ من حياتهم: بكل ساعة، ويوم، وأسبوع، وشهر من العام!
أيهما أجدرُ بالاهتمام (أربعة) أسابيع الإجازة، أم (ثمانية وأربعون) أسبوعًا هي بقيةُ العام؟!
ولا تنسَ - كذلك - أن الإجازةَ تضطرُّك إلى الكثير من الإنفاق، وقد تحدُثُ فيها ملابسات كثيرة مزعِجة، وتجارِبُ مؤسِفة، ثم بعد كل هذا هي سريعةُ الانقضاء، أنا لا أدعوك إلى غمطِ الإجازةِ حقَّها، لكني أدعوك إلى عدمِ المبالَغة في تقديرها، وإلى إعطائِها حجمَها الذي تستحقُّه من الاهتمامِ والإنفاقِ.
23- عامِلْ أفرادَ أسرتك كأنك ستراهم آخرَ مرة:
هذا الاقتراحُ لا يحتاج إلى شرحٍ وإيضاح! أغمِضْ عينيك دقيقة واحدة، وتخيَّل أن هذا اليومَ الذي أنت فيه هو آخرُ يوم يمكن أن ترى فيه أفرادَ أسرتك، إما في رحلةٍ دنيوية لا لقاءَ بعدها، وإما في رحلة أخروية لا يعلَمُ عنها شيئًا إلا اللهُ تعالى، كيف سيكون شعورُك؟ تصرَّف وَفْقَ هذا الشعور.
24- اضحَكْ:
قال أبو الدرداء رضي الله عنه: "ما رأيت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يحدِّثُ حديثًا إلا تبسَّم"؛ (رواه الإمام أحمد)، وقال جَرير بن عبدالله رضي الله عنه: "ما رآني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلا تبسَّم"؛ (رواه البخاري ومسلم)، وقال صلى الله عليه وسلم: ((تبسُّمُكَ في وجه أخيك لك صدقةٌ))؛ (الترمذي).
إن التعبيرَ الذي ترسُمُه على وجهِك يمكن أن يغيِّر مشاعرَك، وقد ثبت أن الابتسامَ أو العبوس يمكنُ أن يُحدِثَا استجاباتٍ عاطفية تنسجمُ مع كل منهما، ولقد أُجرِيَت بحوثٌ كثيرة على فيزيولوجية الضحك أكَّدت المثل القديم: "الضحك خيرُ دواء"، وليس له آثارٌ جانبية مؤذية! وقد سمَّى بعضُ الظرفاء الضحك بـ: "الهرولة الساكنة"؛ إذ إن التنفُّس يتسارَع، وتتحرك عضلات الوجه، والعنق، والكتفين، والحجاب الحاجز، وتتحسَّن الدورةُ الدموية، وكل هذا يساعدُ الجسم على شفاءِ نفسِه بإذن الله، دَعْ عنك تحسينَ المزاج، وطرد السأم والخمول.
25- استَرْخِ:
التوتُّر سِمة العصر الذي نعيش فيه، وإزالة التوتر تكونُ بالاسترخاء، بالاسترخاء العضليِّ الذي تُعِين عليه الرياضة، وبالاسترخاء النفسي الذي ينجُمُ عن التأمُّل، اجلِسْ في مكان هادئٍ ربع ساعة، أغمِضْ عينيك، وتنفَّسْ بعُمْق، وحاول أن تتخيَّل أيَّ صورة تجلب إلى نفسِك الطمأنينة: حادثة جميلة، اجتماعًا بهيجًا، طوافًا حول الكعبة المشرفة، سِباحة في بحيرةٍ صافية.. إلخ.
[1] يراجع كتاب: (دع القلق وابدأ الحياة) لديل كارنجي، وكتاب: (جدِّد حياتك) لمحمد الغزالي.
[2] الترمذي، وابن ماجه، والبخاري في الأدب المفرد، وابن حبَّان في صحيحه.
[3] رواه مسلم: 2664.
[4] الترمذي: 2151، وفي سنده مقالٌ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق