بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أنعم علينا بهداه، وكتب بذاته العلية بأقلام قدرته النورانية حقيقة الإيمان في قلوبنا، وسجلها في كتاب الله فقال: (أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الايمَانَ) (22المجادلة)، ونسأله عزَّ وجلَّ أن يؤيدنا بروحٍ منه، حتى نكون على شرع الله عزَّ وجلَّ سائرين، وبسنة الحبيب صلَّى الله عليه وسلَّم آخذين، وللعطاءات الإلهية والفتوحات الربانية متعرضين.
والصلاة والسلام على سيد الأمة - أمة الدعوة من البدء إلى الختام، وكاشف الغُمة، سيدنا محمد رسول المرسلين، وإمام النبيِّين، والرحمة العُظمى للخلق أجمعين. صلَّى الله عليه وعلى آل بيته الطيبين، وصحابته المباركين، وكل من اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وعلينا معهم أجمعين، بمنِّك وجودك يا أرحم الراحمين.
أيها الأحبة: طبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم من
الجنة منزلا، فأبشروا
بفضل الله وبرحمة الله عزَّ وجلَّ. لقاؤنا ينقسم إلى محاضرة، ومن عنده سؤال أو إستشكال يسجله في ورقة بقلم، وبعد المحاضرة نأخذ راحة ثم بعد الإستراحة نجيب على الأسئلة بعون الله وتوفيق الله عزَّ وجلَّ. محاضرتنا شئٌ يشغل قلوب أهل مجتمعنا الآن:
ما التصوف بالنسبة للدِّين؟، هل هو ضروري للمسلمين والمؤمنين؟،
أو هو شيءٌ إذا أخذ به الإنسان فقد أحسن، وإذا تركه فليس عليه شيء؟!!
وهذا السؤال إختلف فيه سلفنا الصالح السابقين بين مؤيِّد ومعارض، إلا أن السالكين الطريق الصحيح لربِّ العالمين الصادقين فإنهم كانوا على يقين أنه لا غُنية لأى مسلم عن علم التصوف.
فإن الشرع يأمر بالأحكام الظاهرة، والتصوف يكمِّل العمل بالأحكام الظاهرة لأنه يتوقف عليه إصلاح القلوب وتهذيب النفوس، ولا يستطيع إنسان أن يؤدِّي شعيرة من شعائر الله إذا خلا في أثناء أدائها من حضور القلب أو خشوعه بين يدي مولاه. والخشوع محله القلب، والحضور محله الفؤاد، ولابد منهما لتكون الصلاة ذات صلةٍ موصولة بالله، يُفاض على المصلي بسببها عطاءات وهبات وخيرات وبركات من الله عزَّ وجلَّ، لا نستطيع حصرها الآن.
فالتصوف هو الرُّوح للأعمال، لأن الأعمال إذا أدَّاها الإنسان ظاهراً على أكمل وجه، كان من العُبَّاد، وله عند الله جميل الأجر وحسن الثواب، ويأخذه بالمزيد من الربِّ المجيد، لكن ليس له عطاء من النفحات الإلهية التي جعلها لأهل الخصوصية إلا بعد القلب السليم، يقول الله تعالى عن إبراهيم: (إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (84الصافات).
وقلب سليم ليس معناه أنه سليم من الأمراض العصرية أو الحديثة أو الجسمانية، لكن سليم من الأمراض القلبية التي تحجب صاحبها عن العطاءات النورانية الإلهية؛ سليمٌ من الحقد، وسليمٌ من الحسد، وسليمٌ من الشُّح، وسليمٌ من الطمع، وسليمٌ من الحرص، وسليمٌ من الأنانية، وسليمٌ من الأثرة، سليمٌ من كل الأوصاف التي ذكرها الله في كتاب الله، ونوَّه أنه من إتصف بها أصبح فاقداً لخصوصيات العطاء الإلهي، الذي يقول فيه لنا حضرة النبيِّ: (إن لربكم في أيام دهركم لنفحات، ألا فتعرضوا لها فعسى أن تصيبكم نفحةٌ لن تشقوا بعدها أبداً)[1].
ولذلك نرى في الأمة قسمين؛ قسمٌ اهتمَّوا بالأعمال الظاهرية وجعلوها غاية المنى وهي غاية المراد، وتناسوا القلوب ولم يعبأوا بها إلا قليلاً. وهؤلاء الواحد فيهم رغم الفتح في العبادات ورغم المجاهدة الشاقة في السنن والنوافل والقربات، عندما يسمع أهل الفتح يُنكر ويعترض، ويقول - كما نسمع من بعضهم: "لو أن هناك رؤيا صالحة لكان أولى بها أنا - لأنه يرى أنه لا يعَبْدُ الله أحدٌ مثله - ولو كان هناك في الكون فتحٌ إلهي - كما تتحدثون - لكان أولى به أنا - لما يرى في نفسه من جَلَدٍ على الطاعة، ومن شدة ومشقة في العبادة!!، ونسي أو تناسى أن العبرة ليست بالعمل، وإنما العبرة بقبول العمل. اعمل ما شئت، لكن المهم أن تنال القبول في عملٍ - ولو قليل - من الله عزَّ وجلَّ، ولذا قال صلى الله عليه وسلَّم منوهاً إلى ذلك: (من توضأ فأحسن الوضوء، ثم صلى ركعتين لم يحدِّث نفسه فيهما بشئ، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه)[2].
بعض الناس يصلي العمر كله ولا يستطيع أن يصلي هاتين الركعتين!!، للمشاغل والمشاكل التي تنتابه أثناء الصلاة، وهو يظن أنه يُحسن العمل، لكنه لم ينظر إلى القبول - ولذلك قال بعض الصالحين: (الجاهل يهتم بالإقبال، والعالم يهتم بالقبول). الجاهل يهتم بإقبال الخلق عليه!!، وماذا يفعل لك الخلق؟!! - لكن العالم يهتم بالقبول عند الله، فيرى أنه لابد له أن يأخذ بالأسباب التي تؤدِّي إلى قبول العمل عند مولاه جلَّ في علاه.
وأسباب قبول العمل، وأسباب تعرض العبد للعطاءات الإلهية، وأسباب الفتوحات الربانية، عندما ذكرها الله وبيَّنها في الآيات القرآنية، ذكر أنها تنزل على القلوب، إقرأ معي قول الله: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ) - أين؟ - (فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ) (4الفتح). إذا طهُرت، تكملة الآية ومعناها: لكن القلب الذي لم يطهر لمولاه هل تتنزل فيه السكينة من الله؟!! أبداً. الفتح الإلهي يقول فيه الربُّ العلىُّ: (إِنْ يَعْلَمِ الله فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ) (70الأنفال).
فكان سبيل الصوفية هو سبيل السادة الأجلاء من الصحابة الأتقياء الأنقياء الذين سلكوه فحظوا بفتح الله، فاقتفى السلف الصالح آثارهم ليأخذوا المنح الإلهية التي تفضل بها الله عزَّ وجلَّ على أصحاب النبي، ويزيدهم فيعطيها لأحباب النبي، نسأل الله عزَّ وجلَّ أن نكون منهم أجمعين.
وهذا الطريق - الذي يؤدي إلى الفتح الإلهي - ذُكر بكل بنوده وأركانه في حديثٍ سأل فيه النبيُّ صلى الله عليه وسلَّم رجلاً - من أهل هذا الفتح - ليوضح لنا ولمن قبلنا ولمن بعدنا - الطريق إلى فتح الله وعطاءات وإكرام الله عز وجل، سأل النبيُّ صلى الله عليه وسلَّم حارثة: (يا حارثة، كيف أصبحتَ؟) - وكانوا إذا باتوا تنام الأبدان وتصعد القلوب والأرواح إلى ملكوت حضرة الرحمن!!.
ولذلك دخل النبي صلى الله عليه وسلَّم مسجده المبارك يوماً - وكان الإمام عليٌّ نائماً في المسجد، فقال رجلٌ: عليٌّ نائم، أأوقظه؟، فقال صلى الله عليه وسلَّم: (دعه، فإن عليَّاً وإن كان جسمه على الثرى – أي: على التراب - ومسجد رسول الله لم يكن فيه فرشٌ، لا حصيرٌ ولا سجادٌ، وعندما اهتموا به جاءوا بالحصى الصغير من العقيق وفرشوه به - فقال: (دعه فإن علياً وإن كان جسمه على الثرى ـ أي: التراب - إلا أن قلبه بالملأ الأعلى) ، القلب ليس هنا!!.
ولذلك كان حضرة النبي صلى الله عليه وسلَّم بعد صلاة الفجر يتوجَّه إلى من خلفه - كلهم آتين من السياحة الربانية في ملكوت الله - فيقول لهم: (أيكم رأى الليلة رؤيا؟). فكل واحد يقُصُّ ما رآه في منامه. وأنتم تعلمون جميعاً أن الآذان الشرعي الموجود إلى الآن كيف شُرِّع؟، لا بأمرٍ من الله، ولا بتشريعٍ من رسول الله، لكن أراد الله أن يبين فضل هؤلاء الرجال، فكان برؤيا صالحة رآها عبد الله بن زيد وعمر بن الخطاب ونفرٌ معدودين - وليس واحداً فقط - عندما احتاروا في الإبلاغ، كيف يبلغون الناس بميعاد الصلاة!!، فجاء عبد الله بن زيد وقال: يا رسول الله أنا رأيتُ الليلة رؤيا، رأيتُ أني صعدتُ إلى الملأ الأعلى وقابلت نفراً من الملائكة - وانظر إلى تكنولوجيا هؤلاء الرجال وصلت إلى أى مدى؟!!، لا يحتاج إلى سفينة فضاء ولا طائرة، فبمجرد أن ينام الروح تطير:
إن الرجال كنوزٌ ليس يدريهــــــــــــــــــــــــــــــــــا إلا مرادٌ تحلى من معانيهــــــــــــــــــــــــــــــا
في الأرض أجسامهم والعرش مقعدهم قلوبهم صفت والله هاديهـــــــــــــــــــــــــــــا
هم الشموس لشرع المصطفى وهـــــم سفينة الوصل باسم الله مجريهــــــــــــــا
فقال له: فسألتهم عن الآذان، فقالوا له: وماذا تريد أن تفعل؟ فقلتُ: نريد أن نتخذ بوقاً - زمارة - فقالوا: هذه لليهود، فقلتُ: نصنع جرساً، فقالوا: وهذه للنصارى، فقلتُ: وماذا نفعل؟ قالوا: قل: .... ولقنوه ألفاظ الآذان!!. وأين لُقنها الرجل؟!!، في الملأ الأعلى، ومن الذي لقنَّها له؟ الملائكة الكرام، ولذلك يقول صلى الله عليه وسلَّم: (لم يَبْقَ بعدي إلا المبشرات الصالحات، الرؤيا الصالحة يراها الرجل المؤمن أو تُرى له)[3]. وهذه مبشرات موجودة لآخر الزمان.
كان هناك تبشيرٌ من حضرة النبوة ظاهراً، وأصبح التبشير من حضرة النبوة باطناً، أيضاً عن طريق الرؤيات المنامية إلى أن تنتهي دار الدنيا الدنية، لكن مازالت للمؤمنين والموقنين والمحسنين عطاءات إلهية!!.
والنبي صلى الله عليه وسلَّم – حتى يُعلمنا أن لا نُدخل الهوى في دين الله، أو في أى أمرٍ من أمور الحياة، فالرجل هو الذي تلقَّى الرؤيا!! - قال له: لقِّنها بلالاً فإنه أندى منك صوتاً. مع أنه هو الذي سمعه وأتى به والمفروض يقول: أنا أولى، لا، ... لا مجاملة في دين الله عزَّ وجلَّ، إذا وُجد في المسجد أكثر من رجلٍ يُحسن الآذان فمن الذي يؤذن؟، أنداهم صوتاً، ولا مجاملة في هذا الموضوع، إلا إذا كنا نريد أن يشترك الكل في الثواب فيكون هذا يؤذن مرة، والثاني يؤذن مرة وهكذا، بنيَّة المشاركة في الأجر والثواب.
فنعود لرؤيا حارثة، سأله حضرة النبي: (كيف أصبحتَ يا حارثة؟، قال: أصبحتُ مؤمناً حقاً، قال: فإن لكل قولٍ حقيقة، فما حقيقة إيمانك - وهذه هي خطواط الفتح - قال: أصبحتُ وقد عزفت نفسي عن الدنيا).
وهذا أول بند؛ الزهد في الدنيا، فجعلوها في أيديهم ولم يسمحوا لها بالدخول إلى قلوبهم أبداً، وكانوا يقولون: (اللهم اجعلها في أيدينا ولا تجعلها في قلوبنا)، ولذلك عندما كان صلى الله عليه وسلَّم يدعوهم إلى البذل فيأتون بكل ما يمتلكوه سخيِّةً أنفسهم بذلك، لماذا؟ لأنهم جعلوا الدنيا في أيديهم وعملوا بقول الحبيب صلى الله عليه وسلَّم: (كن بما في يدي الله أوثق منه بما في يدك)[4]. ما في يدك جائز يضيع، وجائز يحدث له شئٌ، لكن الذي في يد الله فهو المضمون، ولذلك فإن الإمام عليٌّ رضي الله عنه وكرَّم الله وجهه كان يقول: (أترضى بصرَّافٍ ولو كان كافراً ضميناً، ولا ترضى بربِّك ضامناً؟). لو أن أحداً كلمك ويريد كذا وكذا، طيب لما أقبض الراتب، والراتب يوم كذا في الشهر، فهل أطمئن للراتب وللصراف ولا تطمئن لمن يقول للشئ كن فيكون؟!! فكانت بداية حالهم الزهد في الدنيا.
ثم بعد ذلك العلم، لا تنفع العبادة مع الجهل، العلم أولاً بشرع الله على منهج الوسطية التي قال لنا فيها الله: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) (143البقرة). والسالك في طريق الله الذي يريد الفتح لا ندعوه أن يتبحَّر في العلوم الفقهية، ولكن يعلم ما لا غنى له عنه في العبادات لربِّ البرية، حتى يُحسن العبادات. لابد له من أداء الصلاة والطهارة قبلها، فلابد أن يُحسن هذا الأمر ليعمل لا ليُفتي، من يتقن هذا الأمر في الإفتاء هم السادة العلماء وهم يكفوننا، لكن نحن كلنا: لابد أن أعرف ما لا غنى لي عنه من شرع الله عزَّ وجلَّ لأعمل على علم، فإن أى عبادة على غير علمٍ تُردُّ ولا يقبلها الله عزَّ وجلَّ.
الصلاة لابد لها منها، الصيام لابد له منه، إذا كان ليس عندي نصاب للزكاة في أى صنفٍ من الأصناف فلا داعي أن أعرف الزكاة الآن، وعندما يأتني أى صنف منه يستوجب الزكاة أتعلم. والحج متى نتعلمه كلنا؟ عندما ينوي الإنسان أن يؤدي الفريضة ويقع عليه الإختيار لأداء الفريضة والسفر إلى بيت الله. لكن الذي لا غنى له عنه: الطهارة والصلاة والصيام والأحكام الشرعية، فإذا أدَّى الصلاة فلابد أن يُحسن الآيات التي لا غنى له عنها في قراءتها في الصلاة، كي لا يُلحن ولا يُسيئ في صلاته وهو يقرأ بين يدي الله، لأن القرآن مناجاة بين العبد ومولاه جلَّ في علاه.
هذا المنهج هو الذي قال فيه الرجل: (عزفت نفسي عن الدنيا، وأسهرتُ ليلي وأظمأتُ نهاري) - تقرب إلى الله بالنوافل بعد إحكام الفرائض - قيام الليل وصيام الأيام الفاضلة، ماذا كانت النتيجة بعد أن تقرب إلى الله بالنوافل وبعد إحكام الفرائض، والزهد في الدنيا؟!! - قال: (فأصبحتُ وكأني أرى أهل الجنة وهم يتزاورون فيها - وهذا هو الفتح - وكأني أرى أهل النار وهم يتعاوون ويصطرخون فيها، وكأني أرى عرش ربي بارزاً. فقال صلى الله عليه وسلَّم: عرفت فالزم، ثم التفت لمن خلفه وقال: عبدٌ نوَّر الله بالإيمان قلبه)[5]. وهذا يا إخواني منهج السلف الصالح أجمعين.
ولو نظرنا .. ولو على سبيل المثال، إلى كبار المشايخ - الذين أسَّسُوا واجتهدوا في إبراز المنهج الصوفي لأحبابهم وأتباعهم - المشهورين كلهم نجد المنهج عندهم كله متشابه. يبدأ الواحد عندهم أولاً بحفظ القرآن، ثم بعد ذلك تجويد القرآن، وبعضهم كان يقرأ القرآن بالروايات السبع، ثم بعد ذلك بعلم الشريعة المطهرة، ثم بعد ذلك يؤهِّل نفسه بالزهد في الدنيا، ثم بعد ذلك يبحث عن شيخٍ ظهرت عليه مخايل فتح الله ليكتسب خبرته ويأخذ منه الوسيلة والكيفية التي تجعله يفتح الله عزَّ وجلَّ عليه، كما فتح عليه. ويبدأ بعد ذلك طور المجاهدة، والمجاهدة الأصلية عند السادة الصوفية: تزكية النفس وتطهير القلب. كل السلف الصالح على هذه الشاكلة.
نأخذ مثالاً منهم: سيدي أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه: { وُلد في مدينة "فاس" في بلاد المغرب، بلد اسمها "غمارة" قريبة من فاس، ولما كان عمره ست سنوات أتمَّ حفظ القرآن، وانتقل إلى فاس وجوَّد القرآن وأخذ الطريق من رجلٍ من الصالحين في هذا الوقت، لكن وجد أنه يحتاج إلى سعة أخرى من العلم، وبلده ليس فيها ما يكفيه، فهاجر إلى تونس ودرس علوم الشريعة، وعلوم اللغة؛ النحو والصرف، والبلاغة، والتفسير وأصول الفقه.
بعد أن أتمَّ الدراسة بدأ يبحث عن الرجل الذي يأخذ بيده ليوصله إلى الله عزَّ وجلَّ، وكانت همَّته عالية، فكان يريد رجلاً عالي المقام وهو ما يسمونه قطب الوقت أو رجل الوقت، أو القطب الغوث، وهو أعلى الناس مقاماً في الزمن عند الله عزَّ وجلَّ، ولا يعرف قدره إلا أهله أو إلا من عرفَّه الله عزَّ وجلَّ به. ماذا يفعل؟ أخذ رحلة طويلة، فجاء إلى مصر، يسأل ويتحدث مع الصالحين، وذهب لمكة والمدينة والشام، وذهب إلى العراق فوجد رجلاً من أتباع سيدي أحمد الرفاعي وكان من أهل الفتح، وكان اسمه: أبو الفتح الواسطي، وهو الذي جلب الطريقة الرفاعية إلى مصر، وضريحه موجودٌ في الأسكندرية الآن. فلما ذهب إليه قال له: يا عليَّ، جئت تبحث عن القطب هنا في بلاد المشرق والقطب عندكم في بلاد المغرب؟!!!.
أُناسٌ كان عندهم لمحة روحانية!!، يعلمون بالعلوم الإلهية والإلهامات الباطنية أحوال كل أهل الخصوصية!!، لذلك لم يكن بينهم لا نزاعات ولا خلافات، له كشفٌ يأخذه من رسول الله، فمن يذهب إليه ينظر هل إسمه في الكشف، ومن إسمه ليس بهذا الكشف، فيقول له: إسمك في كشف فلان الفلاني فاذهب إليه لأنه شيخك الذي ستتربى على يديه، لأنها أحوال رتبَّها مولى الموالي عزَّ وجلَّ، فلا يوجد أحدٌ يُربِّي العالم كله - لكل قومٍ مشربهم، فكل جماعة لها مشربها، فلكل جماعة لهم رجلٌ حيٌّ قائمٌ في زمانهم، يلتزم أمام حضرة النبي صلى الله عليه وسلَّم بتزكية نفوسهم وتصفية قلوبهم، حتى يوصلهم إلى الحبيب، والحبيب صلى الله عليه وسلَّم يتولى بعد ذلك الناجحين من هؤلاء الأفراد ويواليهم بما وهبه الله عزَّ وجلَّ له من كل أنواع الإمداد.
رجع الرجل مرةً ثانية لبلاد المغرب حتى وصل إلى طنجة - في بلاد المغرب الآن - فهناك رجلٌ يسكن أعلى الجبل، وهو الرجل الذي رأى أنه وارث العصر، واسمه الشيخ عبد السلام بن مشيش رضي الله عنه، والرجل فوُق في الجبل وتحت الجبل عين ماء، ... صعد الجبل، فقال له: إنزل وتطَّهر ثم إئتني، فنزل واغتسل ورجع، فقال له: إنزل وتطهر ثم إئتني، رجع مرةً ثانية، فأعاده مرةً ثالثة فسأل: ما الحكاية؟!!، فعرف أنه يريده أن يتطهر مما في نفسه وما في قلبه من العلوم الآدمية والأحوال الإنسانية، ويكون لوحُه شفَّاف حتى يُكتب فيه العلوم اللدنية الإلهامية. هل ينفع أن يكتب أحد على ورقة مكتوبٌ عليها؟!!!، لا، لابد أن نمسحها أولاً.
قال: فتطهرت من علمي وخرجتُ إليه فقال: (يا عليّ، جئتنا وقد تطهرت من علمك ومن عملك، وستأخذ منا غنى الدنيا والآخرة).
لازم الشيخ!!، والشيخ كالطبيب، كل واحد منا يحتاج قلبه إلى تطبيب، وأمراض القلوب ليست واحدة للجميع، وكتاب الله هو الصيدلية التي فيها الشفاء، ولكن من الذي يحدد الدواء؟، من عرف الداء، من عرف الداء يُركِّب من كتاب الله ومن سنة الحبيب الدواء، فآخذ الدواء واستخدمه فيأتي الشفاء، والشفاء يكون الطهارة الكلية من كل الشوائب والمتعلقات القومية، وهذا ما يريده مني رب البرية عز وجل، لأن الله عزَّ وجلَّ لا يريد في القلب سواه.
أنت مكلَّف بمسؤليات، وما المانع؟ قم بها ببدنك وما أعطاك الله من الخيرات، لكن القلب لا يُسمح فيه بالدخول لغير الله: (قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ الله وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا) (24التوبة). لابد أن يكون أغلى شيء في قلب السعيد الذي يريد الفتح من الحميد المجيد حب الله عزَّ وجلَّ، الحب الذي يجعله مشغولاً بالكلية بطاعة وذكر ربِّ البرية عزَّ وجلَّ.
إنشغل الشيخ أبو الحسن بما أمره به شيخه، وبعد فترة قال له: يا عليّ، إذهب إلى تونس، إلى بلدة تُسمى شاذلة، وهناك تُسمى الشاذلي، ويأتيك هناك الفتح من الله، وستُؤتي من قبل السلطنة - أى السلطان – سيوشي أحد بك، ثم ترحل إلى مصر وهناك سترث القطبانية إن شاء الله، أعطاه خط السير كاملاً الذي تحقق معه في هذه الأيام.
جاء الشيخ على تونس، وذهب إلى الجبل في شاذُلة، واختلى مع الله سبع سنين، لينفَّذ الروشتة التي عملها له شيخه، وشيخه يتابعه - تقول كيف يتابعه الشيخ؟!!. شيخه نفسه؛ الشيخ بن مشيش نفسه حفظ القرآن وعنده سبع سنين، وبعد ذلك طلع يتعبد، ثم هداه الله إلى السياحة، ومشى يسوح في الأرض ومكث في هذه السياحة ستة عشر سنة. دخل في ليلة ينام في مغارة في جبل، ولما دخل إذا برجلٍ يدخل عليه، فقال له: من أنت؟ قال: ألا تعرفني؟!!، أنا شيخك، منذ كان عندك سبع سنوات!!، وما نزلت نازلة إلا وكانت واردة مني، ولقد ورد عليك كذا وكذا وكذا وكذا، وحكى له كل الواردات الإلهية التي وردت عليه. فسأله من أنت؟، فقال له: أنا عبد الله الزيات ساكن المدينة المنورة. أنظر أين مكان الشيخ؟، ويربيه من أين؟. فهؤلاء شيوخٌ شيَّخهم ربُّ العباد عزَّ وجلَّ، ويقول فيهم الله: (وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ) (23القصص). شيخٌ في الحقائق - وليس شيخاً في السن - شيخٌ في الحقائق الإلهية والعلوم الربانية: (وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ) (23القصص)
كل الصالحين يا أحبة على هذا المنوال، .. على النهج. نأخذ مثالاً آخر: سيدي أحمد البدوي رضي الله عنه وأرضاه: {حفظ القرآن وعنده سبع سنين وجوَّده وقرأه بالروايات السبع، وتفقَّه على مذهب الإمام الشافعي، وبعدها رزقه الله عزَّ وجلَّ الزهد في الدنيا والرغبة فيما عند الله، فأخذ يبحث عن شيخٍ يقرب له الطريق، وفي النهاية ذهب إلى الشيخ بن بري واسمه أبو نعيم، وأبو نعيم شيخه سيدي أحمد الرفاعي رضي الله عنه وأرضاه، ثُلَّة مباركة!!، لابد من ذلك!!، ومن لم يتربَّ فكيف يُربي، وكيف يربِّي وهو لا يعرف المنهج، وكيف يطبق المنهج؟!!، من لم يتربَّ كيف يُربِّي؟ من لم يُفتح عليه كيف يُوًّصِّل من اتبعه إلى الفتح؟!!، (فاقد الشيء لا يُعطيه).
فذهب وأخذ المنهج من الشيخ برِّي وذهب إلى غار حراء - الذي كان يتعبد فيه حضرة النبي في مكة - ومكث فيه سبع سنوات، يعبد الله عزَّ وجلَّ بالروشتة التي عملها له شيخه. ولماذا أنا محتاج الشيخ في العبادة؟، لأن العبادة لو طالت ممكن أن يدخل لي فيها الرياء فتضيع، وممكن أن أصل إلى العُجب فأُعجب بنفسي فتضيع العبادة. ممكن أن يحدث عندي نتيجة العبادة آمال فانية أو غرور، فلابد أن يكون الشيخ موجوداً لتصحيح النوايا ويخلِّص الطوايا، ويراقبني حتى يكون العمل خالصاً لله جلَّ في علاه.
الشيخ أبو الحسن الشاذلي ضرب مثلاً لذلك، فيقول: ( كنت ذات مرة في الغار ومعي أحد أصحابي ونقول لبعضنا: إن شاء اليوم ينزل علينا الفتح، وفي اليوم الثاني لم يأتي، فنقول: إن شاء الله اليوم يأتينا الفتح، وفي يوم وجدنا واحداً قادم فقلنا له: كيف حالك؟، فقال: كل يوم أقول: اليوم يأتي الفتح، ..اليوم أبطأ الفتح، كأننا نعبد الله من أجل الفتح، ولا نعبد الله عزَّ وجلَّ لذاته. فعرفوا أن مأخذهم من أين جاء؟
أن تكون العبادة تكون لله، خالصةً لله، أأعبد الله عزَّ وجلَّ لكي أرى رؤية منامية؟، فتكون العبادة للرؤيا وليست لله، أو أعبد الله عزَّ وجلَّ لمنزلة عظيمة في الجنة؟ إذن ليست لله لأني أريد منزلةً في الجنة، ولما تكون العبادة كما علمنا الله فقال في عِليِّة أصحاب سيدنا رسول الله: (يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) (28الكهف). وبعد ذلك؟ يضعني الله عزَّ وجلَّ حيث يريد، فهو أعلم سبحانه وتعالى بمصالح العبيد، فلِمَ أختار؟ أختار أن لا أختار مع الواحد القهار، فربما يكون إختياري لنفسي ضارٌ لي وأنا لا أشعر، فأنا محتاج: (خذ الرفيق قبل الطريق). يعلمونا هؤلاء السادة الفطاحل كيفية السلوك الصحيح إلى الله عزَّ وجلَّ.
سيدي أحمد البدوي رضي الله عنه كان مختلياً بغار حراء، وغار حراء بينه وبين مكة حوالي خمسة كيلومترات، وطلوع الجبل فقط إلى الغار يستغرق ما لا يقل عن ساعتين لمن تمرَّس على ذلك، لكن مع ذلك يقولون: كان لا يترك فريضة جماعة في بيت الله الحرام.
أنا أقول هذا الكلام لمن يدَّعي أنه دخل الخلوة في زماننا، ويقول: أنا في خلوة فلماذا أخرج إلى هنا أو هناك؟ لا - مع أنه كان في الخلوة إلا أنه كل صلاة كان يؤديها جماعة في بيت الله الحرام، وكيف يقطع هذا المشوار؟ ربنا يعلم الصالحين؛ أنك إذا عزمت على أى أمر يسهله الله عزَّ وجلَّ لك ما دمت قد عزمت عزماً أكيداً، فسيطوي الله له الأرض، ويليِّن له الصخر، ويجعله يمشي عليه بدون تعب ورثاً وإرثاً لرسول الله صلى الله عليه وسلَّم.
فقد كان صلى الله عليه وسلَّم يمشي على الرمل ولا يترك أثراً، لماذا؟ لأن الرمل كان يتجمد حتى لا يُتعب رسول الله في المشي عليه، وكان يمشي على الصخور الصماء فيترك أثراً لماذا؟ لأنها كانت تلين تحت قدميه حتى يمشي عليها، فلا تتعبه في المشي صلوات ربي وتسليماته عليه.
بعد أن أنهى الجهاد، ولاحت عليه علامات الفتح، ذهب إلى بلاد العراق، وهذا وذاك - سيدي أبو الحسن الشاذلي، وسيدي أحمد البدوي وغيرهم - لم ينزل أحد منهم إلا عندما جاءه إذن من رسول الله بأن ينزل يهدي الخلق إلى الله عزَّ وجلَّ. فجاء سيدنا رسول الله إلى سيدي أبو الحسن الشاذلي وقال له: يا عليّ، إنزل فَاهْدِ الخلق إلى الله، قال: يا سيدي أنزل أهدي الخلق وهذا يطعمني وهذا يتركني، قال: يا عليُّ أنفق وربك المليُّ، إن شئت من الجيب وإن شئت من الغيب - إذا أقامك أعانك وتولاك.
مكث قليلاً فالجماعة الحُسَّاد ضايقوه، والحسد والحساد هي طبيعة موجودة في كل زمان ومكان للقرناء، فجاءه حضرة النبي وقال له: يا علي إهبط إلى مصر فإنك ستربي بها أربعين صدِّيقاً؛ فلان وفلان وفلان، قال: قلت يا سيدي الجو صيف والطريق طويل وحرارة الشمس وربما لا يوجد ماء، فقال: إذا أقمناك أعناك. فمشي رضي الله عنه من تونس إلى مصر تظلله سحابة إرثاً نبويًّا، وإذا نفد ما معه وما مع أصحابه من ماء ساق الله غمامة فأنزلت الماء، فيشربون ويسقون ويملأون أسقيتهم، حتى وصل إلى هذا البلد.
وكذلك سيدي أحمد البدوي عندما جاءه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم وقال له: إذهب إلى مصر .. إلى "طنطدا" - وهذا كان إسمها - وستربي بها رجالاً؛ عبد العال، وعبد الحميد، وعبد المجيد، وهذا هو الكشف بأسمائهم.
كيف يذهب إلى مصر؟!!!. في الصباح يذهب إلى المسجد الحرام وإذا برجلٍ من مصر يتعرف عليه، ثم يأتيه بعد ذلك ودعاه بأن يأتي لضياقته وأن ينزل في مصر عليه، فسأله من أي بلدٍ أنت؟ وماذا تعمل؟ فقال له: أنا من بلدٍ إسمها "طنطدا"، وأنا شيخ البلد!!. فهذا أمر الله!!، وإذا أمر يعين على الفور، وإذا أقامك أعانك - وانظر إلى الأدب الرباني - جاء معه إلى مصر فقال له: يا فلان أنا سيأتيني أُناس، وأنا لا أريد أن أؤذيك ولا أؤذي آل بيتك، فأنا سأجلس على السطح وأعمل لي سلماً من خارج المنزل، فمن يأتيني يكون من الخارج ومن يخرج يخرج أيضاً من الخارج، وأنت وأولادك في منزلك لا تساء ولا تضر. وانظر لهذا الأدب الرباني لهؤلاء العلماء الأولياء!!.
وأخذ يدعو إلى الله عزَّ وجلَّ حتى قال تلميذه النجيب عبد المتعال: (خدمتُ سيدي أربعين عاماً فما وجدته غفل عن الله عزَّ وجلَّ طرفة عين). وفي خلواتهم ماذا كانت عباداتهم؟ لو نظرنا إلى الصالحين أجمعين نجد أن العبادة الأصلية لهم كلهم: القرآن، ولكن مع التدبر والتفكر والخشوع لله عزَّ وجلَّ. كان سيدي أحمد البدوي إذا انتصف الليل يقرأ القرآن إلى الصباح، .. إلى الفجر ولكن قرآن: (وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) (78الإسراء).
وسيدي أحمد بن إدريس؛ قال يا رسول الله - وقد رآه مرةً في المنام: بِمَ أتقرب إلى الله، وقد تحيرت في أقوال الصالحين والعلماء؟، قال: القرآن يا أحمد. لا تعدل عن القرآن بدلاً. وفي عصرنا هذا كان رجلٌ من العلماء العاملين؛ نال الليسانس في زمانه أو إجازة الشريعة، وتفرَّغ لعبادة الله في خلوة في سطح مسجد سيدي أحمد البدوي - ودُفن في ضريحٍ يُسمي ضريح الشيخ أحمد حجاب - يقول: قد إحترتُ ذات ليلة، أأذكر الله أم أقرأ القرآن؟، وكان يعرض حاله على سيدي أحمد البدوي وبينه وبينه وصلة روحانية، قال: فإذا به يقول لي: القرآن، .. القرآن، .. القرآن يا أحمد، قال صلى الله عليه وسلَّم: (أفضل عبادة أمتي تلاوة القرآن)[6].
هذا يا إخواني نهج الصالحين والأئمة والمرشدين، ولو بحثنا في أحوال الصالحين الكُمَّل نجدهم على هذا المنوال.
ما المنهج الذي يربون عليه المريدين؟ ، ... كما قلت: حفظ ما تيسر من كتاب الله مع إتقان التلاوة، معرفة ما لابد منه من شرع الله عزَّ وجلَّ، تحري المطعم الحلال، ولذلك كان لكل الصالحين حرفة أو صنعة يأكل منها حتى لا يمد يده إلى الآخرين، ولو جاءته وظيفة كان يعتبرها فضلاً من الله ويتصدق بما يرد إليه منها، لكن لا يأكل إلا من عمل يده، عملاً بقول حبيب الله ومصطفاه صلى الله عليه وسلَّم: (ما أكل أحدٌ طعاماً قط خيرٌ من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داوود – الذي هو شهيرٌ بالعبادة - كان يأكل من عمل يده)[7].
يبحث بعد ذلك عن الشيخ المربي - إذا أحكم هذا الأساس - ويعمل بإشارته، وينفذ توجيهاته، ولا يجتهد بنفسه، ويجعله طبقاً عمَّا ورد عن حبيب الله ومصطفاه صلى الله عليه وسلَّم حتى يأتيه الفتح من الله، ولا يتعجَّل الظهور بين خلق الله، ولا يسمح لنفسه أن تحدثه بالمشيخة أو التربية أو ما شابه ذلك، إلا إذا كان هذا أمراً من الله، فقد قال سيدي المرسي أبو العباس رضي الله عنه وأرضاه: (إن كثيراً من الصالحين ما توجهوا إلى إرشاد المريدين إلا بعد أن هُدِّدوا بالسلب بعد العطاء، إن لم ينفذوا إرادة خالق الأرض والسماء، إما أن تنزل لهؤلاء الناس وتهديهم أو نأخذ ما أعطيناه لك). لماذا؟ لأنهم لا يريدون إلا وجه الله، ولا يبغون سواه.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم
بسم الله الرحمن الرحيم
جزئية بسيطة أنا أراها في صدور بعض الحاضرين - قبل أن نجيب على الأسئلة - فالبعض يقول في صدره أن الجماعة المجاذيب الذين ليس لهم في العلم ولا في شيء. المجذوب إذا كان صادقاً له علامات:
العلامة الأولى: أنه لا يتخلى عن الشريعة، يوقظه الله من غفوته وقت الفريضة لأدائها، ويردُّه الله إلى حاله في شهر الصيام ليصومه، هذا بالنسبة للمجاذيب الصادقين، وليس لنا شأنٌ بالأدعياء.
ثانيا: المجذوب وليٌّ - إذا صدق، والذي ينبغي أن نسلم له لابد أن يكون وليًّا مرشداً، والولي فقط فهذا وليٌّ لنفسه، ولكنني أحتاج إلى وليٍّ مرشدٍ وأُذن بالإرشاد، ولذلك قال الله تعالى: (وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا) (17الكهف)، .. ولي مرشد.
المجذوب لا ينبغي الإقتداء به، لأنها هذه أحوال خاصة لا نستطيع أن نتابعه فيه، فقد يمكث المجذوب أسبوعاً كاملاً لا يأكل، فنحن في الحالة الطبيعية هل يوجد من يمكث أسبوعاً لا يأكل؟ .. أو لا ينام!!، أيضاً لا نستطيع ذلك، لأنه مُعَان.
فمن نتابع إذن؟ الرجل الأكمل!!، الذي نسميه: العالم العامل الذي فجَّر الله له مواهبه العلية، عَلِمَ ثم عَمِلَ فرزقه الله من عنده ما لم يكن يعلم، فهذا من يجب أن نقتدي به ونتأسى به. والشيخ محي بن عربي رضي الله عنه يقول:
لا تقتدي بمن زالت شريعته ولو جــــــــــاءك بالأنبا عن الله
حتى لو أتاك بالأخبار الصحيحة ومن الله، .. أيضاً لا تقتدي به.
الناس طبعاً - في كل زمان ومكان - دائماً يكون العمل صعباً وشديداً، فيريدون من يتفرجون عليه ويشاهدون أشياء جميلة على يديه ولا يأمرهم بعمل، لأن النفس البشرية طبيعتها تحب ذلك، فيجدوها عند مَن غير المجذوب؟!!، فيشاهدوه ويقولون: أن فلاناً ذهب إليه ففعل معه كذا، وسوَّى معه كذا، ولا يقول له: اعمل ولا سوِّي، لكن العالم العامل يقول له: اعمل كذا، وعليك بكذا، لِمَ تُغضب أمك؟ لِمَ تُحزن أباك؟ فيحاسبه حساباً دقيقاً، والإنسان لا يريد هذه الجزئية - والنفس.
من يُريد أن يخلص من النفس ومن اللبس ويكون من أهل الأنس بالله، فهذا الذي لابد أن يصبر مع الصابرين، ويعمل بقول رب العالمين: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ) - يقول لك أنت، واجعل الكلام خطاب من الله لك، لأن القرأن كما هو خطاب من الله للرسول فهو خطاب لك، لأنني عندما أقرأ القرآن أقرأه على أنه يخاطب مَنْ؟ يخاطبني أنا!!! - فيقول لي أنا: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ) - مع من يا رب؟!! - (مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) - اصبرْ مع هؤلاء القوم – (وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) - إياك أن تبحث عن الدنيا وأنت معهم؟، ... سيأتي اللوَّام يلوموك: (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) (28الكهف)، ليس لك شأن بهؤلاء الجماعة.
فنحن يا إخواني نقتدي بالعالم العامل، الولي المرشد، الذي عمل بعلمه وأَذن له الله عزَّ وجلَّ والحبيب صلى الله عليه وسلَّم - بعد تمكينه - بإرشاد الخلق وتوجيههم إلى الله عزَّ وجلَّ.
وهذا الموضوع الذي أحببتُ أن أُنبِّه عليه الأحباب، لما نرى من كثيراً الناس يميلون إلى المجاذيب ويريدون أن يودوهم ويزوروهم، لماذ؟ لأنهم يريدون أن يتفرجوا عليهم!!، ولكنه لا يريد من يأمره بما هو أشد.
اكتفي بهذا القدر، وأسأل الله عزَّ وجلَّ - لي ولكم أجمعين - أن يجعلنا من عباده الفقهاء العلماء، الذين كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء، وأن يتولانا بولايته، ويرعانا برعايته، وأن يجعلنا من أهل قربه ومودته، وأن يأخذ بأيدينا حتى نكون من أرباب الجلوس على أرائك قربه ومودته.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم
********************
الجمعة 7/11/2015م الموافق 25 المحرم 1437هـ ندوة دينية (جـ1) بنقابة الزراعيين ـ الأقصر
[1] أخرج أبو نعيم فى الحلية والبيهقى فى شعب الإيمان وابن عساكر عن أنس رَضِيَ الله عنه أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: (اطلبوا الخير دهركم، وتعرضوا لنفحات رحمة الله تعالى، فإن لله نفحات من رحمته، يصيب بها من يشاء من عباده، وسلوه أن يستر عوراتكم، ويؤمن من روعاتكم)، وأخرج السيوطى عن ابن عمر رَضِيَ الله عنه عن النبى صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: (تعرضوا لله فى أيامكم، فإن لله نفحات، عسى أن تصيبكم منها واحدة لا تشقون بعدها أبداً)، وأخرج الطبرانى فى الاوسط عن محمد بن مسلمة رَضِيَ الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: (إن لربكم عزَّ وجلَّ فى أيام دهركم نفحات، فتعرضوا لها، لعل أحدكم أن تصيبه منها نفحة لا يشقى بعدها أبدا).
[2] حديث: (من توضأ وأسبغ الوضوء وصلى ركعتين لم يحدث فيهما نفسه بشيء من الدنيا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه)، وفي لفظ آخر: (لم يسه فيهما غفر له ما تقدم من ذنبه)، أخرجه ابن المبارك في كتاب الزهد والرقائق باللفظين معاً، وهو متفق عليه من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه دون قوله: (بشيء من الدنيا)، ودون قوله: (لم يسه فيهما)، وأخرجه أبو داود من حديث زيد بن خالد رضي الله عنه: (ثم صلى ركعتين لا يسهو فيهما) الحديث – (إحياء علوم الدين).
[3] روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لم يبق من النبوة إلا المبشرات، قالوا: وما المبشرات؟، قال: الرؤيا الصالحة)، وأخرج مسلم وأبو داود والنسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم كشف الستارة ورأسه معصوب في مرضه الذي مات فيه، والناس صفوف خلف أبي بكر فقال: (يا أيها الناس، إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة، يراها المسلم أو ترى له).
[4] روى ابن ماجة والترمذي عن أبي ذر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الزهادة في الدنيا ليست بتحريم الحلال، ولا إضاعة المال، ولكن الزهادة في الدنيا أن لا تكون بما في يديك أوثق مما في يد الله، وأن تكون في ثواب المصيبة إذا أنت أصبت بها أرغب فيها لو أنها بقيت لك).
[5] روى البزار والبيهقي وأبو نعيم في الحلية وغيرهم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي إِذِ اسْتَقْبَلَهُ شَابٌّ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا حَارِثَةُ؟، فَقَالَ: أَصْبَحْتُ مُؤْمِنًا بِاللَّهِ تَعَالَى حَقًّا، قَالَ: انْظُرْ إِلَى مَا تَقُولُ فَإِنَّ لِكُلِّ قَوْلٍ حَقِيقَةً، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَزَفَتْ نَفْسِي عَنِ الدُّنْيَا، فَأَسْهَرْتُ لَيْلِي وَأَظْمَأْتُ نَهَارِي، فَكَأَنِّي بِعَرْشِ رَبِّي بَارِزًا، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَزَاوَرُونَ فِيهَا، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ النَّارِ يَتَعَاوُونَ فِيهَا. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَبْصَرْتَ فَالْزَمْ"، وَفِي رِوَايَةٍ: "أَصَبْتَ فَالْزَمْ، عَبْدٌ نَوَّرَ اللَّهُ تَعَالَى الإِيمَانَ فِي قَلْبِهِ"، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ تَعَالَى لِي بِالشَّهَادَةِ، فَدَعَا لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنُودِيَ يَوْمًا فِي الْخَيْلِ: يَا خَيْلَ اللَّهِ ارْكَبِي، فَكَانَ أَوَّلَ فَارِسٍ رَكِبَ، وَأَوَّلَ فَارِسٍ اسْتُشْهِدَ، فَبَلَغَ أُمَّهُ، فَجَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: أَخْبِرْنِي عَنِ ابْنِي، فَإِنْ يَكُ فِي الْجَنَّةِ فَلَنْ أَبْكِيَ وَلَنْ أَجْزَعَ، وَإِنْ يَكُنْ غَيْرُ ذَلِكَ بَكَيْتُ مَا عِشْتُ فِي الدُّنْيَا، قَالَ: " أُمَّ حَارِثَةَ، إِنَّهَا لَيْسَتْ بِجَنَّةٍ، وَلَكِنَّهَا جَنَّةٌ فِي جِنَانٍ، وَالْحَارِثَةُ فِي الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى"، فَرَجَعَتْ وَهِيَ تَضْحَكُ وَتَقُولُ: بَخٍ بَخٍ لَكَ يَا حَارِثَةُ).
[6] أبو نعيم عن النعمان بن بشير وأنس رضي الله عنهما.
[7] رواه البخاري عن المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه.
,ومن اراد المزيد يمكنكم الدخول
للموقع الرسمى لفضيلة الشيخ فوزى محمد ابوزيد
الحمد لله الذي أنعم علينا بهداه، وكتب بذاته العلية بأقلام قدرته النورانية حقيقة الإيمان في قلوبنا، وسجلها في كتاب الله فقال: (أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الايمَانَ) (22المجادلة)، ونسأله عزَّ وجلَّ أن يؤيدنا بروحٍ منه، حتى نكون على شرع الله عزَّ وجلَّ سائرين، وبسنة الحبيب صلَّى الله عليه وسلَّم آخذين، وللعطاءات الإلهية والفتوحات الربانية متعرضين.
والصلاة والسلام على سيد الأمة - أمة الدعوة من البدء إلى الختام، وكاشف الغُمة، سيدنا محمد رسول المرسلين، وإمام النبيِّين، والرحمة العُظمى للخلق أجمعين. صلَّى الله عليه وعلى آل بيته الطيبين، وصحابته المباركين، وكل من اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وعلينا معهم أجمعين، بمنِّك وجودك يا أرحم الراحمين.
أيها الأحبة: طبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم من
الجنة منزلا، فأبشروا
بفضل الله وبرحمة الله عزَّ وجلَّ. لقاؤنا ينقسم إلى محاضرة، ومن عنده سؤال أو إستشكال يسجله في ورقة بقلم، وبعد المحاضرة نأخذ راحة ثم بعد الإستراحة نجيب على الأسئلة بعون الله وتوفيق الله عزَّ وجلَّ. محاضرتنا شئٌ يشغل قلوب أهل مجتمعنا الآن:
ما التصوف بالنسبة للدِّين؟، هل هو ضروري للمسلمين والمؤمنين؟،
أو هو شيءٌ إذا أخذ به الإنسان فقد أحسن، وإذا تركه فليس عليه شيء؟!!
وهذا السؤال إختلف فيه سلفنا الصالح السابقين بين مؤيِّد ومعارض، إلا أن السالكين الطريق الصحيح لربِّ العالمين الصادقين فإنهم كانوا على يقين أنه لا غُنية لأى مسلم عن علم التصوف.
فإن الشرع يأمر بالأحكام الظاهرة، والتصوف يكمِّل العمل بالأحكام الظاهرة لأنه يتوقف عليه إصلاح القلوب وتهذيب النفوس، ولا يستطيع إنسان أن يؤدِّي شعيرة من شعائر الله إذا خلا في أثناء أدائها من حضور القلب أو خشوعه بين يدي مولاه. والخشوع محله القلب، والحضور محله الفؤاد، ولابد منهما لتكون الصلاة ذات صلةٍ موصولة بالله، يُفاض على المصلي بسببها عطاءات وهبات وخيرات وبركات من الله عزَّ وجلَّ، لا نستطيع حصرها الآن.
فالتصوف هو الرُّوح للأعمال، لأن الأعمال إذا أدَّاها الإنسان ظاهراً على أكمل وجه، كان من العُبَّاد، وله عند الله جميل الأجر وحسن الثواب، ويأخذه بالمزيد من الربِّ المجيد، لكن ليس له عطاء من النفحات الإلهية التي جعلها لأهل الخصوصية إلا بعد القلب السليم، يقول الله تعالى عن إبراهيم: (إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (84الصافات).
وقلب سليم ليس معناه أنه سليم من الأمراض العصرية أو الحديثة أو الجسمانية، لكن سليم من الأمراض القلبية التي تحجب صاحبها عن العطاءات النورانية الإلهية؛ سليمٌ من الحقد، وسليمٌ من الحسد، وسليمٌ من الشُّح، وسليمٌ من الطمع، وسليمٌ من الحرص، وسليمٌ من الأنانية، وسليمٌ من الأثرة، سليمٌ من كل الأوصاف التي ذكرها الله في كتاب الله، ونوَّه أنه من إتصف بها أصبح فاقداً لخصوصيات العطاء الإلهي، الذي يقول فيه لنا حضرة النبيِّ: (إن لربكم في أيام دهركم لنفحات، ألا فتعرضوا لها فعسى أن تصيبكم نفحةٌ لن تشقوا بعدها أبداً)[1].
ولذلك نرى في الأمة قسمين؛ قسمٌ اهتمَّوا بالأعمال الظاهرية وجعلوها غاية المنى وهي غاية المراد، وتناسوا القلوب ولم يعبأوا بها إلا قليلاً. وهؤلاء الواحد فيهم رغم الفتح في العبادات ورغم المجاهدة الشاقة في السنن والنوافل والقربات، عندما يسمع أهل الفتح يُنكر ويعترض، ويقول - كما نسمع من بعضهم: "لو أن هناك رؤيا صالحة لكان أولى بها أنا - لأنه يرى أنه لا يعَبْدُ الله أحدٌ مثله - ولو كان هناك في الكون فتحٌ إلهي - كما تتحدثون - لكان أولى به أنا - لما يرى في نفسه من جَلَدٍ على الطاعة، ومن شدة ومشقة في العبادة!!، ونسي أو تناسى أن العبرة ليست بالعمل، وإنما العبرة بقبول العمل. اعمل ما شئت، لكن المهم أن تنال القبول في عملٍ - ولو قليل - من الله عزَّ وجلَّ، ولذا قال صلى الله عليه وسلَّم منوهاً إلى ذلك: (من توضأ فأحسن الوضوء، ثم صلى ركعتين لم يحدِّث نفسه فيهما بشئ، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه)[2].
بعض الناس يصلي العمر كله ولا يستطيع أن يصلي هاتين الركعتين!!، للمشاغل والمشاكل التي تنتابه أثناء الصلاة، وهو يظن أنه يُحسن العمل، لكنه لم ينظر إلى القبول - ولذلك قال بعض الصالحين: (الجاهل يهتم بالإقبال، والعالم يهتم بالقبول). الجاهل يهتم بإقبال الخلق عليه!!، وماذا يفعل لك الخلق؟!! - لكن العالم يهتم بالقبول عند الله، فيرى أنه لابد له أن يأخذ بالأسباب التي تؤدِّي إلى قبول العمل عند مولاه جلَّ في علاه.
وأسباب قبول العمل، وأسباب تعرض العبد للعطاءات الإلهية، وأسباب الفتوحات الربانية، عندما ذكرها الله وبيَّنها في الآيات القرآنية، ذكر أنها تنزل على القلوب، إقرأ معي قول الله: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ) - أين؟ - (فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ) (4الفتح). إذا طهُرت، تكملة الآية ومعناها: لكن القلب الذي لم يطهر لمولاه هل تتنزل فيه السكينة من الله؟!! أبداً. الفتح الإلهي يقول فيه الربُّ العلىُّ: (إِنْ يَعْلَمِ الله فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ) (70الأنفال).
فكان سبيل الصوفية هو سبيل السادة الأجلاء من الصحابة الأتقياء الأنقياء الذين سلكوه فحظوا بفتح الله، فاقتفى السلف الصالح آثارهم ليأخذوا المنح الإلهية التي تفضل بها الله عزَّ وجلَّ على أصحاب النبي، ويزيدهم فيعطيها لأحباب النبي، نسأل الله عزَّ وجلَّ أن نكون منهم أجمعين.
وهذا الطريق - الذي يؤدي إلى الفتح الإلهي - ذُكر بكل بنوده وأركانه في حديثٍ سأل فيه النبيُّ صلى الله عليه وسلَّم رجلاً - من أهل هذا الفتح - ليوضح لنا ولمن قبلنا ولمن بعدنا - الطريق إلى فتح الله وعطاءات وإكرام الله عز وجل، سأل النبيُّ صلى الله عليه وسلَّم حارثة: (يا حارثة، كيف أصبحتَ؟) - وكانوا إذا باتوا تنام الأبدان وتصعد القلوب والأرواح إلى ملكوت حضرة الرحمن!!.
ولذلك دخل النبي صلى الله عليه وسلَّم مسجده المبارك يوماً - وكان الإمام عليٌّ نائماً في المسجد، فقال رجلٌ: عليٌّ نائم، أأوقظه؟، فقال صلى الله عليه وسلَّم: (دعه، فإن عليَّاً وإن كان جسمه على الثرى – أي: على التراب - ومسجد رسول الله لم يكن فيه فرشٌ، لا حصيرٌ ولا سجادٌ، وعندما اهتموا به جاءوا بالحصى الصغير من العقيق وفرشوه به - فقال: (دعه فإن علياً وإن كان جسمه على الثرى ـ أي: التراب - إلا أن قلبه بالملأ الأعلى) ، القلب ليس هنا!!.
ولذلك كان حضرة النبي صلى الله عليه وسلَّم بعد صلاة الفجر يتوجَّه إلى من خلفه - كلهم آتين من السياحة الربانية في ملكوت الله - فيقول لهم: (أيكم رأى الليلة رؤيا؟). فكل واحد يقُصُّ ما رآه في منامه. وأنتم تعلمون جميعاً أن الآذان الشرعي الموجود إلى الآن كيف شُرِّع؟، لا بأمرٍ من الله، ولا بتشريعٍ من رسول الله، لكن أراد الله أن يبين فضل هؤلاء الرجال، فكان برؤيا صالحة رآها عبد الله بن زيد وعمر بن الخطاب ونفرٌ معدودين - وليس واحداً فقط - عندما احتاروا في الإبلاغ، كيف يبلغون الناس بميعاد الصلاة!!، فجاء عبد الله بن زيد وقال: يا رسول الله أنا رأيتُ الليلة رؤيا، رأيتُ أني صعدتُ إلى الملأ الأعلى وقابلت نفراً من الملائكة - وانظر إلى تكنولوجيا هؤلاء الرجال وصلت إلى أى مدى؟!!، لا يحتاج إلى سفينة فضاء ولا طائرة، فبمجرد أن ينام الروح تطير:
إن الرجال كنوزٌ ليس يدريهــــــــــــــــــــــــــــــــــا إلا مرادٌ تحلى من معانيهــــــــــــــــــــــــــــــا
في الأرض أجسامهم والعرش مقعدهم قلوبهم صفت والله هاديهـــــــــــــــــــــــــــــا
هم الشموس لشرع المصطفى وهـــــم سفينة الوصل باسم الله مجريهــــــــــــــا
فقال له: فسألتهم عن الآذان، فقالوا له: وماذا تريد أن تفعل؟ فقلتُ: نريد أن نتخذ بوقاً - زمارة - فقالوا: هذه لليهود، فقلتُ: نصنع جرساً، فقالوا: وهذه للنصارى، فقلتُ: وماذا نفعل؟ قالوا: قل: .... ولقنوه ألفاظ الآذان!!. وأين لُقنها الرجل؟!!، في الملأ الأعلى، ومن الذي لقنَّها له؟ الملائكة الكرام، ولذلك يقول صلى الله عليه وسلَّم: (لم يَبْقَ بعدي إلا المبشرات الصالحات، الرؤيا الصالحة يراها الرجل المؤمن أو تُرى له)[3]. وهذه مبشرات موجودة لآخر الزمان.
كان هناك تبشيرٌ من حضرة النبوة ظاهراً، وأصبح التبشير من حضرة النبوة باطناً، أيضاً عن طريق الرؤيات المنامية إلى أن تنتهي دار الدنيا الدنية، لكن مازالت للمؤمنين والموقنين والمحسنين عطاءات إلهية!!.
والنبي صلى الله عليه وسلَّم – حتى يُعلمنا أن لا نُدخل الهوى في دين الله، أو في أى أمرٍ من أمور الحياة، فالرجل هو الذي تلقَّى الرؤيا!! - قال له: لقِّنها بلالاً فإنه أندى منك صوتاً. مع أنه هو الذي سمعه وأتى به والمفروض يقول: أنا أولى، لا، ... لا مجاملة في دين الله عزَّ وجلَّ، إذا وُجد في المسجد أكثر من رجلٍ يُحسن الآذان فمن الذي يؤذن؟، أنداهم صوتاً، ولا مجاملة في هذا الموضوع، إلا إذا كنا نريد أن يشترك الكل في الثواب فيكون هذا يؤذن مرة، والثاني يؤذن مرة وهكذا، بنيَّة المشاركة في الأجر والثواب.
فنعود لرؤيا حارثة، سأله حضرة النبي: (كيف أصبحتَ يا حارثة؟، قال: أصبحتُ مؤمناً حقاً، قال: فإن لكل قولٍ حقيقة، فما حقيقة إيمانك - وهذه هي خطواط الفتح - قال: أصبحتُ وقد عزفت نفسي عن الدنيا).
وهذا أول بند؛ الزهد في الدنيا، فجعلوها في أيديهم ولم يسمحوا لها بالدخول إلى قلوبهم أبداً، وكانوا يقولون: (اللهم اجعلها في أيدينا ولا تجعلها في قلوبنا)، ولذلك عندما كان صلى الله عليه وسلَّم يدعوهم إلى البذل فيأتون بكل ما يمتلكوه سخيِّةً أنفسهم بذلك، لماذا؟ لأنهم جعلوا الدنيا في أيديهم وعملوا بقول الحبيب صلى الله عليه وسلَّم: (كن بما في يدي الله أوثق منه بما في يدك)[4]. ما في يدك جائز يضيع، وجائز يحدث له شئٌ، لكن الذي في يد الله فهو المضمون، ولذلك فإن الإمام عليٌّ رضي الله عنه وكرَّم الله وجهه كان يقول: (أترضى بصرَّافٍ ولو كان كافراً ضميناً، ولا ترضى بربِّك ضامناً؟). لو أن أحداً كلمك ويريد كذا وكذا، طيب لما أقبض الراتب، والراتب يوم كذا في الشهر، فهل أطمئن للراتب وللصراف ولا تطمئن لمن يقول للشئ كن فيكون؟!! فكانت بداية حالهم الزهد في الدنيا.
ثم بعد ذلك العلم، لا تنفع العبادة مع الجهل، العلم أولاً بشرع الله على منهج الوسطية التي قال لنا فيها الله: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) (143البقرة). والسالك في طريق الله الذي يريد الفتح لا ندعوه أن يتبحَّر في العلوم الفقهية، ولكن يعلم ما لا غنى له عنه في العبادات لربِّ البرية، حتى يُحسن العبادات. لابد له من أداء الصلاة والطهارة قبلها، فلابد أن يُحسن هذا الأمر ليعمل لا ليُفتي، من يتقن هذا الأمر في الإفتاء هم السادة العلماء وهم يكفوننا، لكن نحن كلنا: لابد أن أعرف ما لا غنى لي عنه من شرع الله عزَّ وجلَّ لأعمل على علم، فإن أى عبادة على غير علمٍ تُردُّ ولا يقبلها الله عزَّ وجلَّ.
الصلاة لابد لها منها، الصيام لابد له منه، إذا كان ليس عندي نصاب للزكاة في أى صنفٍ من الأصناف فلا داعي أن أعرف الزكاة الآن، وعندما يأتني أى صنف منه يستوجب الزكاة أتعلم. والحج متى نتعلمه كلنا؟ عندما ينوي الإنسان أن يؤدي الفريضة ويقع عليه الإختيار لأداء الفريضة والسفر إلى بيت الله. لكن الذي لا غنى له عنه: الطهارة والصلاة والصيام والأحكام الشرعية، فإذا أدَّى الصلاة فلابد أن يُحسن الآيات التي لا غنى له عنها في قراءتها في الصلاة، كي لا يُلحن ولا يُسيئ في صلاته وهو يقرأ بين يدي الله، لأن القرآن مناجاة بين العبد ومولاه جلَّ في علاه.
هذا المنهج هو الذي قال فيه الرجل: (عزفت نفسي عن الدنيا، وأسهرتُ ليلي وأظمأتُ نهاري) - تقرب إلى الله بالنوافل بعد إحكام الفرائض - قيام الليل وصيام الأيام الفاضلة، ماذا كانت النتيجة بعد أن تقرب إلى الله بالنوافل وبعد إحكام الفرائض، والزهد في الدنيا؟!! - قال: (فأصبحتُ وكأني أرى أهل الجنة وهم يتزاورون فيها - وهذا هو الفتح - وكأني أرى أهل النار وهم يتعاوون ويصطرخون فيها، وكأني أرى عرش ربي بارزاً. فقال صلى الله عليه وسلَّم: عرفت فالزم، ثم التفت لمن خلفه وقال: عبدٌ نوَّر الله بالإيمان قلبه)[5]. وهذا يا إخواني منهج السلف الصالح أجمعين.
ولو نظرنا .. ولو على سبيل المثال، إلى كبار المشايخ - الذين أسَّسُوا واجتهدوا في إبراز المنهج الصوفي لأحبابهم وأتباعهم - المشهورين كلهم نجد المنهج عندهم كله متشابه. يبدأ الواحد عندهم أولاً بحفظ القرآن، ثم بعد ذلك تجويد القرآن، وبعضهم كان يقرأ القرآن بالروايات السبع، ثم بعد ذلك بعلم الشريعة المطهرة، ثم بعد ذلك يؤهِّل نفسه بالزهد في الدنيا، ثم بعد ذلك يبحث عن شيخٍ ظهرت عليه مخايل فتح الله ليكتسب خبرته ويأخذ منه الوسيلة والكيفية التي تجعله يفتح الله عزَّ وجلَّ عليه، كما فتح عليه. ويبدأ بعد ذلك طور المجاهدة، والمجاهدة الأصلية عند السادة الصوفية: تزكية النفس وتطهير القلب. كل السلف الصالح على هذه الشاكلة.
نأخذ مثالاً منهم: سيدي أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه: { وُلد في مدينة "فاس" في بلاد المغرب، بلد اسمها "غمارة" قريبة من فاس، ولما كان عمره ست سنوات أتمَّ حفظ القرآن، وانتقل إلى فاس وجوَّد القرآن وأخذ الطريق من رجلٍ من الصالحين في هذا الوقت، لكن وجد أنه يحتاج إلى سعة أخرى من العلم، وبلده ليس فيها ما يكفيه، فهاجر إلى تونس ودرس علوم الشريعة، وعلوم اللغة؛ النحو والصرف، والبلاغة، والتفسير وأصول الفقه.
بعد أن أتمَّ الدراسة بدأ يبحث عن الرجل الذي يأخذ بيده ليوصله إلى الله عزَّ وجلَّ، وكانت همَّته عالية، فكان يريد رجلاً عالي المقام وهو ما يسمونه قطب الوقت أو رجل الوقت، أو القطب الغوث، وهو أعلى الناس مقاماً في الزمن عند الله عزَّ وجلَّ، ولا يعرف قدره إلا أهله أو إلا من عرفَّه الله عزَّ وجلَّ به. ماذا يفعل؟ أخذ رحلة طويلة، فجاء إلى مصر، يسأل ويتحدث مع الصالحين، وذهب لمكة والمدينة والشام، وذهب إلى العراق فوجد رجلاً من أتباع سيدي أحمد الرفاعي وكان من أهل الفتح، وكان اسمه: أبو الفتح الواسطي، وهو الذي جلب الطريقة الرفاعية إلى مصر، وضريحه موجودٌ في الأسكندرية الآن. فلما ذهب إليه قال له: يا عليَّ، جئت تبحث عن القطب هنا في بلاد المشرق والقطب عندكم في بلاد المغرب؟!!!.
أُناسٌ كان عندهم لمحة روحانية!!، يعلمون بالعلوم الإلهية والإلهامات الباطنية أحوال كل أهل الخصوصية!!، لذلك لم يكن بينهم لا نزاعات ولا خلافات، له كشفٌ يأخذه من رسول الله، فمن يذهب إليه ينظر هل إسمه في الكشف، ومن إسمه ليس بهذا الكشف، فيقول له: إسمك في كشف فلان الفلاني فاذهب إليه لأنه شيخك الذي ستتربى على يديه، لأنها أحوال رتبَّها مولى الموالي عزَّ وجلَّ، فلا يوجد أحدٌ يُربِّي العالم كله - لكل قومٍ مشربهم، فكل جماعة لها مشربها، فلكل جماعة لهم رجلٌ حيٌّ قائمٌ في زمانهم، يلتزم أمام حضرة النبي صلى الله عليه وسلَّم بتزكية نفوسهم وتصفية قلوبهم، حتى يوصلهم إلى الحبيب، والحبيب صلى الله عليه وسلَّم يتولى بعد ذلك الناجحين من هؤلاء الأفراد ويواليهم بما وهبه الله عزَّ وجلَّ له من كل أنواع الإمداد.
رجع الرجل مرةً ثانية لبلاد المغرب حتى وصل إلى طنجة - في بلاد المغرب الآن - فهناك رجلٌ يسكن أعلى الجبل، وهو الرجل الذي رأى أنه وارث العصر، واسمه الشيخ عبد السلام بن مشيش رضي الله عنه، والرجل فوُق في الجبل وتحت الجبل عين ماء، ... صعد الجبل، فقال له: إنزل وتطَّهر ثم إئتني، فنزل واغتسل ورجع، فقال له: إنزل وتطهر ثم إئتني، رجع مرةً ثانية، فأعاده مرةً ثالثة فسأل: ما الحكاية؟!!، فعرف أنه يريده أن يتطهر مما في نفسه وما في قلبه من العلوم الآدمية والأحوال الإنسانية، ويكون لوحُه شفَّاف حتى يُكتب فيه العلوم اللدنية الإلهامية. هل ينفع أن يكتب أحد على ورقة مكتوبٌ عليها؟!!!، لا، لابد أن نمسحها أولاً.
قال: فتطهرت من علمي وخرجتُ إليه فقال: (يا عليّ، جئتنا وقد تطهرت من علمك ومن عملك، وستأخذ منا غنى الدنيا والآخرة).
لازم الشيخ!!، والشيخ كالطبيب، كل واحد منا يحتاج قلبه إلى تطبيب، وأمراض القلوب ليست واحدة للجميع، وكتاب الله هو الصيدلية التي فيها الشفاء، ولكن من الذي يحدد الدواء؟، من عرف الداء، من عرف الداء يُركِّب من كتاب الله ومن سنة الحبيب الدواء، فآخذ الدواء واستخدمه فيأتي الشفاء، والشفاء يكون الطهارة الكلية من كل الشوائب والمتعلقات القومية، وهذا ما يريده مني رب البرية عز وجل، لأن الله عزَّ وجلَّ لا يريد في القلب سواه.
أنت مكلَّف بمسؤليات، وما المانع؟ قم بها ببدنك وما أعطاك الله من الخيرات، لكن القلب لا يُسمح فيه بالدخول لغير الله: (قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ الله وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا) (24التوبة). لابد أن يكون أغلى شيء في قلب السعيد الذي يريد الفتح من الحميد المجيد حب الله عزَّ وجلَّ، الحب الذي يجعله مشغولاً بالكلية بطاعة وذكر ربِّ البرية عزَّ وجلَّ.
إنشغل الشيخ أبو الحسن بما أمره به شيخه، وبعد فترة قال له: يا عليّ، إذهب إلى تونس، إلى بلدة تُسمى شاذلة، وهناك تُسمى الشاذلي، ويأتيك هناك الفتح من الله، وستُؤتي من قبل السلطنة - أى السلطان – سيوشي أحد بك، ثم ترحل إلى مصر وهناك سترث القطبانية إن شاء الله، أعطاه خط السير كاملاً الذي تحقق معه في هذه الأيام.
جاء الشيخ على تونس، وذهب إلى الجبل في شاذُلة، واختلى مع الله سبع سنين، لينفَّذ الروشتة التي عملها له شيخه، وشيخه يتابعه - تقول كيف يتابعه الشيخ؟!!. شيخه نفسه؛ الشيخ بن مشيش نفسه حفظ القرآن وعنده سبع سنين، وبعد ذلك طلع يتعبد، ثم هداه الله إلى السياحة، ومشى يسوح في الأرض ومكث في هذه السياحة ستة عشر سنة. دخل في ليلة ينام في مغارة في جبل، ولما دخل إذا برجلٍ يدخل عليه، فقال له: من أنت؟ قال: ألا تعرفني؟!!، أنا شيخك، منذ كان عندك سبع سنوات!!، وما نزلت نازلة إلا وكانت واردة مني، ولقد ورد عليك كذا وكذا وكذا وكذا، وحكى له كل الواردات الإلهية التي وردت عليه. فسأله من أنت؟، فقال له: أنا عبد الله الزيات ساكن المدينة المنورة. أنظر أين مكان الشيخ؟، ويربيه من أين؟. فهؤلاء شيوخٌ شيَّخهم ربُّ العباد عزَّ وجلَّ، ويقول فيهم الله: (وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ) (23القصص). شيخٌ في الحقائق - وليس شيخاً في السن - شيخٌ في الحقائق الإلهية والعلوم الربانية: (وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ) (23القصص)
كل الصالحين يا أحبة على هذا المنوال، .. على النهج. نأخذ مثالاً آخر: سيدي أحمد البدوي رضي الله عنه وأرضاه: {حفظ القرآن وعنده سبع سنين وجوَّده وقرأه بالروايات السبع، وتفقَّه على مذهب الإمام الشافعي، وبعدها رزقه الله عزَّ وجلَّ الزهد في الدنيا والرغبة فيما عند الله، فأخذ يبحث عن شيخٍ يقرب له الطريق، وفي النهاية ذهب إلى الشيخ بن بري واسمه أبو نعيم، وأبو نعيم شيخه سيدي أحمد الرفاعي رضي الله عنه وأرضاه، ثُلَّة مباركة!!، لابد من ذلك!!، ومن لم يتربَّ فكيف يُربي، وكيف يربِّي وهو لا يعرف المنهج، وكيف يطبق المنهج؟!!، من لم يتربَّ كيف يُربِّي؟ من لم يُفتح عليه كيف يُوًّصِّل من اتبعه إلى الفتح؟!!، (فاقد الشيء لا يُعطيه).
فذهب وأخذ المنهج من الشيخ برِّي وذهب إلى غار حراء - الذي كان يتعبد فيه حضرة النبي في مكة - ومكث فيه سبع سنوات، يعبد الله عزَّ وجلَّ بالروشتة التي عملها له شيخه. ولماذا أنا محتاج الشيخ في العبادة؟، لأن العبادة لو طالت ممكن أن يدخل لي فيها الرياء فتضيع، وممكن أن أصل إلى العُجب فأُعجب بنفسي فتضيع العبادة. ممكن أن يحدث عندي نتيجة العبادة آمال فانية أو غرور، فلابد أن يكون الشيخ موجوداً لتصحيح النوايا ويخلِّص الطوايا، ويراقبني حتى يكون العمل خالصاً لله جلَّ في علاه.
الشيخ أبو الحسن الشاذلي ضرب مثلاً لذلك، فيقول: ( كنت ذات مرة في الغار ومعي أحد أصحابي ونقول لبعضنا: إن شاء اليوم ينزل علينا الفتح، وفي اليوم الثاني لم يأتي، فنقول: إن شاء الله اليوم يأتينا الفتح، وفي يوم وجدنا واحداً قادم فقلنا له: كيف حالك؟، فقال: كل يوم أقول: اليوم يأتي الفتح، ..اليوم أبطأ الفتح، كأننا نعبد الله من أجل الفتح، ولا نعبد الله عزَّ وجلَّ لذاته. فعرفوا أن مأخذهم من أين جاء؟
أن تكون العبادة تكون لله، خالصةً لله، أأعبد الله عزَّ وجلَّ لكي أرى رؤية منامية؟، فتكون العبادة للرؤيا وليست لله، أو أعبد الله عزَّ وجلَّ لمنزلة عظيمة في الجنة؟ إذن ليست لله لأني أريد منزلةً في الجنة، ولما تكون العبادة كما علمنا الله فقال في عِليِّة أصحاب سيدنا رسول الله: (يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) (28الكهف). وبعد ذلك؟ يضعني الله عزَّ وجلَّ حيث يريد، فهو أعلم سبحانه وتعالى بمصالح العبيد، فلِمَ أختار؟ أختار أن لا أختار مع الواحد القهار، فربما يكون إختياري لنفسي ضارٌ لي وأنا لا أشعر، فأنا محتاج: (خذ الرفيق قبل الطريق). يعلمونا هؤلاء السادة الفطاحل كيفية السلوك الصحيح إلى الله عزَّ وجلَّ.
سيدي أحمد البدوي رضي الله عنه كان مختلياً بغار حراء، وغار حراء بينه وبين مكة حوالي خمسة كيلومترات، وطلوع الجبل فقط إلى الغار يستغرق ما لا يقل عن ساعتين لمن تمرَّس على ذلك، لكن مع ذلك يقولون: كان لا يترك فريضة جماعة في بيت الله الحرام.
أنا أقول هذا الكلام لمن يدَّعي أنه دخل الخلوة في زماننا، ويقول: أنا في خلوة فلماذا أخرج إلى هنا أو هناك؟ لا - مع أنه كان في الخلوة إلا أنه كل صلاة كان يؤديها جماعة في بيت الله الحرام، وكيف يقطع هذا المشوار؟ ربنا يعلم الصالحين؛ أنك إذا عزمت على أى أمر يسهله الله عزَّ وجلَّ لك ما دمت قد عزمت عزماً أكيداً، فسيطوي الله له الأرض، ويليِّن له الصخر، ويجعله يمشي عليه بدون تعب ورثاً وإرثاً لرسول الله صلى الله عليه وسلَّم.
فقد كان صلى الله عليه وسلَّم يمشي على الرمل ولا يترك أثراً، لماذا؟ لأن الرمل كان يتجمد حتى لا يُتعب رسول الله في المشي عليه، وكان يمشي على الصخور الصماء فيترك أثراً لماذا؟ لأنها كانت تلين تحت قدميه حتى يمشي عليها، فلا تتعبه في المشي صلوات ربي وتسليماته عليه.
بعد أن أنهى الجهاد، ولاحت عليه علامات الفتح، ذهب إلى بلاد العراق، وهذا وذاك - سيدي أبو الحسن الشاذلي، وسيدي أحمد البدوي وغيرهم - لم ينزل أحد منهم إلا عندما جاءه إذن من رسول الله بأن ينزل يهدي الخلق إلى الله عزَّ وجلَّ. فجاء سيدنا رسول الله إلى سيدي أبو الحسن الشاذلي وقال له: يا عليّ، إنزل فَاهْدِ الخلق إلى الله، قال: يا سيدي أنزل أهدي الخلق وهذا يطعمني وهذا يتركني، قال: يا عليُّ أنفق وربك المليُّ، إن شئت من الجيب وإن شئت من الغيب - إذا أقامك أعانك وتولاك.
مكث قليلاً فالجماعة الحُسَّاد ضايقوه، والحسد والحساد هي طبيعة موجودة في كل زمان ومكان للقرناء، فجاءه حضرة النبي وقال له: يا علي إهبط إلى مصر فإنك ستربي بها أربعين صدِّيقاً؛ فلان وفلان وفلان، قال: قلت يا سيدي الجو صيف والطريق طويل وحرارة الشمس وربما لا يوجد ماء، فقال: إذا أقمناك أعناك. فمشي رضي الله عنه من تونس إلى مصر تظلله سحابة إرثاً نبويًّا، وإذا نفد ما معه وما مع أصحابه من ماء ساق الله غمامة فأنزلت الماء، فيشربون ويسقون ويملأون أسقيتهم، حتى وصل إلى هذا البلد.
وكذلك سيدي أحمد البدوي عندما جاءه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم وقال له: إذهب إلى مصر .. إلى "طنطدا" - وهذا كان إسمها - وستربي بها رجالاً؛ عبد العال، وعبد الحميد، وعبد المجيد، وهذا هو الكشف بأسمائهم.
كيف يذهب إلى مصر؟!!!. في الصباح يذهب إلى المسجد الحرام وإذا برجلٍ من مصر يتعرف عليه، ثم يأتيه بعد ذلك ودعاه بأن يأتي لضياقته وأن ينزل في مصر عليه، فسأله من أي بلدٍ أنت؟ وماذا تعمل؟ فقال له: أنا من بلدٍ إسمها "طنطدا"، وأنا شيخ البلد!!. فهذا أمر الله!!، وإذا أمر يعين على الفور، وإذا أقامك أعانك - وانظر إلى الأدب الرباني - جاء معه إلى مصر فقال له: يا فلان أنا سيأتيني أُناس، وأنا لا أريد أن أؤذيك ولا أؤذي آل بيتك، فأنا سأجلس على السطح وأعمل لي سلماً من خارج المنزل، فمن يأتيني يكون من الخارج ومن يخرج يخرج أيضاً من الخارج، وأنت وأولادك في منزلك لا تساء ولا تضر. وانظر لهذا الأدب الرباني لهؤلاء العلماء الأولياء!!.
وأخذ يدعو إلى الله عزَّ وجلَّ حتى قال تلميذه النجيب عبد المتعال: (خدمتُ سيدي أربعين عاماً فما وجدته غفل عن الله عزَّ وجلَّ طرفة عين). وفي خلواتهم ماذا كانت عباداتهم؟ لو نظرنا إلى الصالحين أجمعين نجد أن العبادة الأصلية لهم كلهم: القرآن، ولكن مع التدبر والتفكر والخشوع لله عزَّ وجلَّ. كان سيدي أحمد البدوي إذا انتصف الليل يقرأ القرآن إلى الصباح، .. إلى الفجر ولكن قرآن: (وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) (78الإسراء).
وسيدي أحمد بن إدريس؛ قال يا رسول الله - وقد رآه مرةً في المنام: بِمَ أتقرب إلى الله، وقد تحيرت في أقوال الصالحين والعلماء؟، قال: القرآن يا أحمد. لا تعدل عن القرآن بدلاً. وفي عصرنا هذا كان رجلٌ من العلماء العاملين؛ نال الليسانس في زمانه أو إجازة الشريعة، وتفرَّغ لعبادة الله في خلوة في سطح مسجد سيدي أحمد البدوي - ودُفن في ضريحٍ يُسمي ضريح الشيخ أحمد حجاب - يقول: قد إحترتُ ذات ليلة، أأذكر الله أم أقرأ القرآن؟، وكان يعرض حاله على سيدي أحمد البدوي وبينه وبينه وصلة روحانية، قال: فإذا به يقول لي: القرآن، .. القرآن، .. القرآن يا أحمد، قال صلى الله عليه وسلَّم: (أفضل عبادة أمتي تلاوة القرآن)[6].
هذا يا إخواني نهج الصالحين والأئمة والمرشدين، ولو بحثنا في أحوال الصالحين الكُمَّل نجدهم على هذا المنوال.
ما المنهج الذي يربون عليه المريدين؟ ، ... كما قلت: حفظ ما تيسر من كتاب الله مع إتقان التلاوة، معرفة ما لابد منه من شرع الله عزَّ وجلَّ، تحري المطعم الحلال، ولذلك كان لكل الصالحين حرفة أو صنعة يأكل منها حتى لا يمد يده إلى الآخرين، ولو جاءته وظيفة كان يعتبرها فضلاً من الله ويتصدق بما يرد إليه منها، لكن لا يأكل إلا من عمل يده، عملاً بقول حبيب الله ومصطفاه صلى الله عليه وسلَّم: (ما أكل أحدٌ طعاماً قط خيرٌ من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داوود – الذي هو شهيرٌ بالعبادة - كان يأكل من عمل يده)[7].
يبحث بعد ذلك عن الشيخ المربي - إذا أحكم هذا الأساس - ويعمل بإشارته، وينفذ توجيهاته، ولا يجتهد بنفسه، ويجعله طبقاً عمَّا ورد عن حبيب الله ومصطفاه صلى الله عليه وسلَّم حتى يأتيه الفتح من الله، ولا يتعجَّل الظهور بين خلق الله، ولا يسمح لنفسه أن تحدثه بالمشيخة أو التربية أو ما شابه ذلك، إلا إذا كان هذا أمراً من الله، فقد قال سيدي المرسي أبو العباس رضي الله عنه وأرضاه: (إن كثيراً من الصالحين ما توجهوا إلى إرشاد المريدين إلا بعد أن هُدِّدوا بالسلب بعد العطاء، إن لم ينفذوا إرادة خالق الأرض والسماء، إما أن تنزل لهؤلاء الناس وتهديهم أو نأخذ ما أعطيناه لك). لماذا؟ لأنهم لا يريدون إلا وجه الله، ولا يبغون سواه.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم
بسم الله الرحمن الرحيم
جزئية بسيطة أنا أراها في صدور بعض الحاضرين - قبل أن نجيب على الأسئلة - فالبعض يقول في صدره أن الجماعة المجاذيب الذين ليس لهم في العلم ولا في شيء. المجذوب إذا كان صادقاً له علامات:
العلامة الأولى: أنه لا يتخلى عن الشريعة، يوقظه الله من غفوته وقت الفريضة لأدائها، ويردُّه الله إلى حاله في شهر الصيام ليصومه، هذا بالنسبة للمجاذيب الصادقين، وليس لنا شأنٌ بالأدعياء.
ثانيا: المجذوب وليٌّ - إذا صدق، والذي ينبغي أن نسلم له لابد أن يكون وليًّا مرشداً، والولي فقط فهذا وليٌّ لنفسه، ولكنني أحتاج إلى وليٍّ مرشدٍ وأُذن بالإرشاد، ولذلك قال الله تعالى: (وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا) (17الكهف)، .. ولي مرشد.
المجذوب لا ينبغي الإقتداء به، لأنها هذه أحوال خاصة لا نستطيع أن نتابعه فيه، فقد يمكث المجذوب أسبوعاً كاملاً لا يأكل، فنحن في الحالة الطبيعية هل يوجد من يمكث أسبوعاً لا يأكل؟ .. أو لا ينام!!، أيضاً لا نستطيع ذلك، لأنه مُعَان.
فمن نتابع إذن؟ الرجل الأكمل!!، الذي نسميه: العالم العامل الذي فجَّر الله له مواهبه العلية، عَلِمَ ثم عَمِلَ فرزقه الله من عنده ما لم يكن يعلم، فهذا من يجب أن نقتدي به ونتأسى به. والشيخ محي بن عربي رضي الله عنه يقول:
لا تقتدي بمن زالت شريعته ولو جــــــــــاءك بالأنبا عن الله
حتى لو أتاك بالأخبار الصحيحة ومن الله، .. أيضاً لا تقتدي به.
الناس طبعاً - في كل زمان ومكان - دائماً يكون العمل صعباً وشديداً، فيريدون من يتفرجون عليه ويشاهدون أشياء جميلة على يديه ولا يأمرهم بعمل، لأن النفس البشرية طبيعتها تحب ذلك، فيجدوها عند مَن غير المجذوب؟!!، فيشاهدوه ويقولون: أن فلاناً ذهب إليه ففعل معه كذا، وسوَّى معه كذا، ولا يقول له: اعمل ولا سوِّي، لكن العالم العامل يقول له: اعمل كذا، وعليك بكذا، لِمَ تُغضب أمك؟ لِمَ تُحزن أباك؟ فيحاسبه حساباً دقيقاً، والإنسان لا يريد هذه الجزئية - والنفس.
من يُريد أن يخلص من النفس ومن اللبس ويكون من أهل الأنس بالله، فهذا الذي لابد أن يصبر مع الصابرين، ويعمل بقول رب العالمين: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ) - يقول لك أنت، واجعل الكلام خطاب من الله لك، لأن القرأن كما هو خطاب من الله للرسول فهو خطاب لك، لأنني عندما أقرأ القرآن أقرأه على أنه يخاطب مَنْ؟ يخاطبني أنا!!! - فيقول لي أنا: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ) - مع من يا رب؟!! - (مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) - اصبرْ مع هؤلاء القوم – (وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) - إياك أن تبحث عن الدنيا وأنت معهم؟، ... سيأتي اللوَّام يلوموك: (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) (28الكهف)، ليس لك شأن بهؤلاء الجماعة.
فنحن يا إخواني نقتدي بالعالم العامل، الولي المرشد، الذي عمل بعلمه وأَذن له الله عزَّ وجلَّ والحبيب صلى الله عليه وسلَّم - بعد تمكينه - بإرشاد الخلق وتوجيههم إلى الله عزَّ وجلَّ.
وهذا الموضوع الذي أحببتُ أن أُنبِّه عليه الأحباب، لما نرى من كثيراً الناس يميلون إلى المجاذيب ويريدون أن يودوهم ويزوروهم، لماذ؟ لأنهم يريدون أن يتفرجوا عليهم!!، ولكنه لا يريد من يأمره بما هو أشد.
اكتفي بهذا القدر، وأسأل الله عزَّ وجلَّ - لي ولكم أجمعين - أن يجعلنا من عباده الفقهاء العلماء، الذين كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء، وأن يتولانا بولايته، ويرعانا برعايته، وأن يجعلنا من أهل قربه ومودته، وأن يأخذ بأيدينا حتى نكون من أرباب الجلوس على أرائك قربه ومودته.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم
********************
الجمعة 7/11/2015م الموافق 25 المحرم 1437هـ ندوة دينية (جـ1) بنقابة الزراعيين ـ الأقصر
[1] أخرج أبو نعيم فى الحلية والبيهقى فى شعب الإيمان وابن عساكر عن أنس رَضِيَ الله عنه أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: (اطلبوا الخير دهركم، وتعرضوا لنفحات رحمة الله تعالى، فإن لله نفحات من رحمته، يصيب بها من يشاء من عباده، وسلوه أن يستر عوراتكم، ويؤمن من روعاتكم)، وأخرج السيوطى عن ابن عمر رَضِيَ الله عنه عن النبى صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: (تعرضوا لله فى أيامكم، فإن لله نفحات، عسى أن تصيبكم منها واحدة لا تشقون بعدها أبداً)، وأخرج الطبرانى فى الاوسط عن محمد بن مسلمة رَضِيَ الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: (إن لربكم عزَّ وجلَّ فى أيام دهركم نفحات، فتعرضوا لها، لعل أحدكم أن تصيبه منها نفحة لا يشقى بعدها أبدا).
[2] حديث: (من توضأ وأسبغ الوضوء وصلى ركعتين لم يحدث فيهما نفسه بشيء من الدنيا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه)، وفي لفظ آخر: (لم يسه فيهما غفر له ما تقدم من ذنبه)، أخرجه ابن المبارك في كتاب الزهد والرقائق باللفظين معاً، وهو متفق عليه من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه دون قوله: (بشيء من الدنيا)، ودون قوله: (لم يسه فيهما)، وأخرجه أبو داود من حديث زيد بن خالد رضي الله عنه: (ثم صلى ركعتين لا يسهو فيهما) الحديث – (إحياء علوم الدين).
[3] روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لم يبق من النبوة إلا المبشرات، قالوا: وما المبشرات؟، قال: الرؤيا الصالحة)، وأخرج مسلم وأبو داود والنسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم كشف الستارة ورأسه معصوب في مرضه الذي مات فيه، والناس صفوف خلف أبي بكر فقال: (يا أيها الناس، إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة، يراها المسلم أو ترى له).
[4] روى ابن ماجة والترمذي عن أبي ذر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الزهادة في الدنيا ليست بتحريم الحلال، ولا إضاعة المال، ولكن الزهادة في الدنيا أن لا تكون بما في يديك أوثق مما في يد الله، وأن تكون في ثواب المصيبة إذا أنت أصبت بها أرغب فيها لو أنها بقيت لك).
[5] روى البزار والبيهقي وأبو نعيم في الحلية وغيرهم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي إِذِ اسْتَقْبَلَهُ شَابٌّ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا حَارِثَةُ؟، فَقَالَ: أَصْبَحْتُ مُؤْمِنًا بِاللَّهِ تَعَالَى حَقًّا، قَالَ: انْظُرْ إِلَى مَا تَقُولُ فَإِنَّ لِكُلِّ قَوْلٍ حَقِيقَةً، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَزَفَتْ نَفْسِي عَنِ الدُّنْيَا، فَأَسْهَرْتُ لَيْلِي وَأَظْمَأْتُ نَهَارِي، فَكَأَنِّي بِعَرْشِ رَبِّي بَارِزًا، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَزَاوَرُونَ فِيهَا، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ النَّارِ يَتَعَاوُونَ فِيهَا. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَبْصَرْتَ فَالْزَمْ"، وَفِي رِوَايَةٍ: "أَصَبْتَ فَالْزَمْ، عَبْدٌ نَوَّرَ اللَّهُ تَعَالَى الإِيمَانَ فِي قَلْبِهِ"، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ تَعَالَى لِي بِالشَّهَادَةِ، فَدَعَا لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنُودِيَ يَوْمًا فِي الْخَيْلِ: يَا خَيْلَ اللَّهِ ارْكَبِي، فَكَانَ أَوَّلَ فَارِسٍ رَكِبَ، وَأَوَّلَ فَارِسٍ اسْتُشْهِدَ، فَبَلَغَ أُمَّهُ، فَجَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: أَخْبِرْنِي عَنِ ابْنِي، فَإِنْ يَكُ فِي الْجَنَّةِ فَلَنْ أَبْكِيَ وَلَنْ أَجْزَعَ، وَإِنْ يَكُنْ غَيْرُ ذَلِكَ بَكَيْتُ مَا عِشْتُ فِي الدُّنْيَا، قَالَ: " أُمَّ حَارِثَةَ، إِنَّهَا لَيْسَتْ بِجَنَّةٍ، وَلَكِنَّهَا جَنَّةٌ فِي جِنَانٍ، وَالْحَارِثَةُ فِي الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى"، فَرَجَعَتْ وَهِيَ تَضْحَكُ وَتَقُولُ: بَخٍ بَخٍ لَكَ يَا حَارِثَةُ).
[6] أبو نعيم عن النعمان بن بشير وأنس رضي الله عنهما.
[7] رواه البخاري عن المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه.
,ومن اراد المزيد يمكنكم الدخول
للموقع الرسمى لفضيلة الشيخ فوزى محمد ابوزيد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق