مدونة مراقى الصالحين: حاجة المسلم الى المرشد المربى

الثلاثاء، 16 أغسطس 2011

حاجة المسلم الى المرشد المربى


ان حاجة المسلم الى المرشد أصل من أصول الدين  الهامة , الذى يتوقف عليه فهم 

كثير من أموره و كشف أسراره , فنقول و بالله 

التوفيق :ان المرشد هو النور الكاشف للظلمات و الشبهات , و هو الذى منحه الله الفقه فى 

دين الله , و تأويل المتشابهات , و فك رموز 

الخفيات من آيات القرآن و حديث رسول الله r , و هو الفرد الذى تتنزل عليه 

الفيوضات و الالهامات من العلوم الوهبية اللدنية ,
 


زيادة كل ما حصله من العلوم الكسبية و الجتهادية , و هو العبد الذى اتاه الله رحمة 

فى قلبه بعباد الله حتى قام يبذل كل ما لديه 

لاخراج الناس من الظلمات الى النور , و يبين لهم معالم الدين الحنيف , و يجدد اثار 

السنة المطهرة , و يعيد الى الاذهان ما خفى 

من هدى أئمة الهدى , و ما اندرس من آداب و أحول و سلوك السلف الصالح رضى 

الله عنهم , و ذلك سر قول رسول الله r :


" ان الايمان ليخلق كما يخلق الثوب فجدده"

و الايمان عمل من اعمال القلوب , و هو التصديق بكل ما جاء به رسول الله r من 

عند الله , و اليقين بالآخرة ,و الغيب الذى فرض 

الله علينا الايمان به و تجديد هذه الحقائق , و انما يكون بتلقى العلم النافع من 

العارف الربانى المرشد الروحانى , الذى خشى 

الرحمن بالغيب و جاء اليه بقلب منيب .

و هذا العلم تتزكى به النفوس , و تتطهر به القلوب , و تعلو به الهمم , و تنحشف 

به الحقائق للمؤمن , فيتجدد ايمانه , و يقوى يقينه 

, و يقبل على الاعمال البدنية بعزيمة صادقة و صدر منشرح , بحيث يكون له فى كل 

عمل مشاهدت خاصه , و نيات صالحة , و 

قصود طبية .

و المرشد الكامل أمل المؤمن و بغيته , و طلب امؤمن و مقصده , لأن صحبته تؤثر 

على نفسه تأثيرا مباشرا و عميقا , و تجعل 

المؤمن تشبه به فى سيره و سلوكه , وأخلاقه و آدابه , و تأثير الصحبة على 

النفوس أمر لا يستطيع أحد ان يتجاهله , قال رسول 

الله r :" المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل " (1) .

و قال صلى الله r :" مثل الجليس الصالح و الجليس السوء كحامل المسك و نافخ 

الكير , فحامل المسك أما أن يحذيك و أما أن 

يبتاع منه و أما أن تجد منه ريحا طبية ,  ونافخ الكير أما أن يحرق ثيابك و أما أن 

تشم منه رائحة كريهة "

و من هنا كان طلب المرشد واجبا على المؤمن , لأنه يحمل المسك , و هوالعلم الذى 

يؤثر فى النفوس , و يجد المؤمن رائحته فى 

نفسه فيهش له القلب و يبش , و يشتاق المؤمن الى الجمالات و الكمالات الحقيقية 

من معانى الدين الشريف , وهى الأمور التى 

تتجدد بها الايمان , من الحب فى الله و البغض فى الله , و الثقة بالله , و التوكل على 

الله , و التفويض لله , و الصبر و الرضى , و 

الزهد و الورع , و الايثار و البر و الاحسان , و العفو و المسامحة , و الصلة و 

المودة , و المرءة و النجدة و الشجاعة , و البعد 

عن محارم الله و عن كل ما يكرهه الله و رسوله ظاهرا و باطنا , حتى يكون عبدا 

قائما لله عز و جل بما يحبه و يرضاه , فى كل 

وقت من اوقاته , بل فى كل نفس من أنفاسه .

و هذا لا يكون الا بصحبة العارف بالله , الخبير بأمراض النفوس و كيفية علاجها , 

لأنه يستخرج الشفاء من كتاب الله تعالى و سنة 

رسوله r , و قال الامام على رضى الله عنه و كرم الله وجهه :


" اللهم لا تخلى الأرض من قائم لك بحجة , أما ظاهرا مشهورا , أو باطنا مستورا , 

لأن لا تبطل حجج الله و بيناته "

و قال أيضا رضى الله عنه : فلا تصحبن الا تقيا مهذبا                 عفيفا زكيا 

منجزا للمواعد .

و المرشد المطلوب من أجل الترقى فى المقامات , و الرفعة الى أعلى الدرجات  , لأن 

المقامات غيب خفى , و المرشد ينزل 

بالسالك فيها على قدر قواه الروحانية من غير ارهاق و لا اجحاف , و قال تعالى :

" و لا ترهقنى من أمرى عسرا " (3) . 

و كان ذلك على لسان سيدنا موسى للخضر أثناء صحبتهما , و قال تعالى :

" و ما أريد ان أشق عليك ستجدنى ان شاء الله من الصالحين " (4) .

و كان ذلك على سيدنا شعيب لسيدنا موسى عليهما السلام , و عندما طلب منه أن 

يعمل اجيرا ثمانى سنوات , و أن يتمها من عنده 

عشرا , وذلك فى مقابل مهر أبنته التى زوجها له .


و تلك هى شروط الصحبه فى الله و رسوله التى بينها القرآن الشريف لنا حتى تكون 

نبراسا يضئ لنا فى كل زمان و مكان .

و المؤمن الطالب للوصول الى رضوان الله الأكبر ومعية رسوله r , يجب عليه ان 

يلازم المرشد رضى الله عنه بقدر استطاعته , 

حتى يعيش فى دائرة الحياة الحقيقية التى دعانا الله عز و جل اليها بقوله :

" يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله و للرسول اذا دعاكم لما يحييكم " (5) .

فان انتقل المرشد الى الحياة البرزخية , صاحب المريد أشبه الناس به أعماله و 

أقواله , و أخلاقه و آدابه , و سيرته حتى لا يحرم 

المؤمن صحبة المرشد فى صورة من صوره القربية منه فى المعانى و الحقائق , و 

ذلك معنى قول الله عز و جل على لسان سيدنل 

ابراهيم عليه السلام :" و اجعل لى لسان صدق فى الآخرين "

اى انسان من أهل الصدق فى اعماله و أقواله , و أحواله , بحيث يكون وارثا لما 

أكرمتنى به من النبوه و العلم و الحكمة , فيكون 

هذا الانسان الذى ورثنى فى ذلك , امتدادا لعمرى الكونى , و لحياتى العلمية و العملية 

, و كأننى بذلك أعيش و أعمل الخير , و لى 

ثواب ذلك و أجره من غير أن ينقص من أجر  الوارث شئ , و قال r :

" من سن فى الاسلام سنه حسنة فله أجرها و أجر من عمل بها من بعده من غير أن 

ينقص من أجورهم شيئا " (7) .

 و طلب المرشد و صحبته , صارت أمرا لازما للمؤمن , يذكرنا به القرآن الكريم فى 

قول الله عز و جل :

" يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و كونوا من الصادقين " (8) .

و المتدبر لهذه الآية الشريفة , يرى أن الله عز و جل , يأمر فيها المؤمن بأمرين :



الأمر الأول , هو تقوى الله عز و جل , و الأمر الثانى , هو أن يكون المؤمن مع 

الصادقين حيث يكونوا , و كون الأمر الثانى مترتب 


على الأمر الأول , و هو تقوى الله و يعطى أهمية بالغة للأمر الثانى , و هو ضرورة 

البحث عن الصادقين الذين صدقوا مع الله و 

رسوله , و ضرورة صحبتهم و ملازمتهم , حتى يعيش المؤمن فى دائرة الصدق و 

الصادقين و الصديقين , فلا يجد المؤمن فراغا 

من وقته يلعب به الشيطان فى اللهو و الهزل , و البعد عن الله و رسوله , بيضيع 

وقته , و هو أغلى شئ عنده , فانه بفقده يفقد ن

فسه و حياته و كل شئ , و لا يمكن عودة ما مضى من الوقت , و لا درك ما فاته فيه 

, فأن لكل وقت واجب مخصوصا , و حقا معينا 

, قد فات بوفاته , و ضاع بضياعه .


و صحبة الرجال تجعل الانسان منهم , و على الأقل يكون من أهل معيتهم , وقال r :

" هم القوم لا يشقى هم جليسهم " (9) .

فينال من فضلهم الذى ينعمون فيه , و كذلك صحبتهم تحفظ الانسان و تصونه من 

المعصية و أسبابها لأنه حصون أمن العارفين 

بالله , فهم يتولونه بالرعاية و النظر و المتابعة , قال تعالى :


" انما وليكم الله و رسوله و الذين أمنوا " (10) .

فولاية الله للمؤمن , التفضل عليه بسابقة الحسنى أزلا , وعنايته به أبدا , وولاية 

رسول الله للمؤمن اخراجه اياه من الظلمات الى 

النور . قال تعالى :

" رسولا يتلو عليكم آيات الله مبينات ليخرج الذين آمنوا و عملوا الصالحات من 

الظلمات الى النور " (11) .

وولاية العارفين بالله للمؤمن أمرهم له بالمعروف , و نهيهم له عن المنكر , 

بالاسلوب الذى يجعله يعشق المعروف و يسارع الى 

عمله , و يبغض المنكر و يفر من الوقوع فيه , قال الله تعالى :

" و المؤمنين و المؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف و ينهون عن 

المنكر "(12) . 

فكلما همت نفس المؤمن بمعصية أو بمكروه , وجد من يذكره و ينبهه , و يعيد اليه 

رشده و صوابه , لأنه فى دائرة ولاية العارف 

بالله و رعايتة , و كل راع مسئول عن رعيته , و كذلك يكرم بالمعارف و العلوم التى 

تكشف عنه سحب الجهالة و الغفلة و البعد 

عن رضوان الله و رسوله .

و هناك كثير من الآيات القرآنية التى تحث المؤمن على الصبر فى صحبة العارفين 

والتأسى بهم . قال تعالى :

" و أصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة و العشى يريدون وجههو لا تعدوا 

عيناك عنهم " (13) .

و قال سبحانه على لسان مؤمن أل فرعون :" و قال الذى آمن يا قوم اتبعونى أهدكم 

سبيل الرشاد " (14) .

و قال الله تعالى : " و اتبع سبيل من أناب اليك " (15) .

و قال صلى الله عليه و سلم :" اذا رأيتم الرجل قد أوتى صمتا و زهدا فاقتربوا منه 

فانه يلقى الحكمة " (16) .

و المتأمل فى احوال العارفين بالله و رسوله , و يجد أنهم امناء الله و رسوله على 

دين الله ورسوله , و خلفاء الله و رسوله على 

عباد الله , و الحريصون على خير الناس كلهم , و المجاهدون فى سبيل ايصال هذا 

الخير لعباد الله , متخذين فى سبيل ذلك كل 

الوسائل والحيل , أملا فى نجاة الناس و هدايتهم الى الصراط المستقيم , و قد 

استودع الله الرحمة و الحلم فى قلوبهم , و جعل 

الاخلاص و الصفاء و الطهر من شيمهم :

" يحبون من هاجر اليهم ولا يجدون فى صدورهم حاجة مما اوتوا و يؤثرون على 

انفسهم و لو كان بهم خصاصة " (17) .

و معنى ( لا يجدون فى صدورهم حاجة مما اوتوا ) يعنى أن صدورهم ليس فيها 

حاجة و رغبة الى شئ من متاع الدنيا و نعمها , 

التى اكرم الله بها اخوانهم المهاجرين , فلا تستشرف نفوسهم , و لا تتطلع الى شئ 

مما اعطاه الله و رسوله لاخوانهم المهاجرين , 

و ان صدورهم قد ملئت بالرضا عن الله و رسوله , و عن اخوانهم الين آتاهم الله و 

رسوله من فضله .

و ذلك ميزان دقيق جدا يزن الله به احوال الرجال العارفين بالله , فان العبد الذى يجد 

فى نفسه غضاضة , أو ألما , أو كراهية , أو 

استياءا من رزق  مادى أو روحى ساقه الله لاحد من اخوانه المؤمنين , فلن يشم 

رائحة المعرفة باللع عز و جل , لأنها حظر على 

هذه الصدور المتبرمة بفعل الله و عطاء الله فقط فى المدينة , و انما هى اوصاف لمن 

يحبه الله من عباده المقربين , اين كانوا و 

كيف كانوا , و فى أى زمان كانوا .


لأن العبرة فى كلام الله و رسوله , و انما تكون بعموم اللفظ لا بخصوص السبب , 

فان الله يضع مبادئ عامة , و قواعد كلية , و 

نظاما شاملا يسير عليه المسلمون الى يوم القيامة .

و لقد كان اصحاب رسول الله r أئمة الهداة و العارفين و المرشدين , رضى الله تعالى 

عنهم اجمعين فهم فى الذروة من كل مجد و 

سناء , ومن كل خلق كريم و صفاء , و لقد أفلح القائل :

قم للمعلم و فه التبجيلا                    كاد المعلم ان يكون رسولا

أرايت أفضل أو أجل من الذى           يبنى و ينشئ أنفاسا و عقولا

و قال الامام على :

أقبل على النفس واستكمل فضائلها     فأنت بالنفس لا بالجسم انسان

و لله در القائل :

أقدم أستاذى على حق والدى            و ان كان لى من والدى النسب و الشرف   

فذاك مربى الروح و الروح جوهر      و هذا مربى الجسم , و الجسم من صدف

ويقول الامام ابو العزائم رضى الله عنه :

هذبا للنفس ان رمت الوصول           غير هذا عندنا علم الفضول

حصل العلم بعزم صادق                   لا تكن فى العلم كسلانا ملول

علم النفس بتوحيد العلى                  من بيان الآى عن الفرد قؤول

و اصطفى الرؤوف الرحيم اسعى الى              من يزكى النفس عنه لا تحول

حصل الاحكام بالقدر الذى                            يقتضيه الوقت لا قال يقول ...


من هذا العرض السريع , ينكشف لك يا أخى السائل , ضرورة التعرف على المرشد 

الكامل , و مجاهد النفس فى صحبته , و ان كان 

معنا و بيننا العلماء الحافظون لأحكام الشريعة , و المفتون لنا فو مشكلاتنا , الا ان 

المرشد يكشف لنا عن اسرار هذه الاحكام و 

حكمتها , و يعرف أمراض النفوس و كيفية علاجها , ولأن حاله يشرق على النفوس 

فيزكيها , و على القلوب فيطهرها , و على 

الأرواح فيرقيها , و على الجوارح فتقشعر من خشية الله و تلين الى طاعة الله و 

رسوله , و ان الحكمة العالية تتراءى لنا من 




خلال احاديثه , تهدى العقول و الافكار الى سواء السبيل .

و فقنا الله جميعا لمعرفة المرشد الكامل , لأنه صورة رسول الله التى تعيش على بيننا , و رزقنا الله جميعا صحبته و محبته .. آمينو 

صلى اللهم على سيدنا محمد الممد بروحانيته أرواح الأئمة المهتدين , و الأمناء الناصحين , و على آله و صحبه و سلم .                                                                           


والله من وراء القصد وهو يهدى السبيل. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم                        

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق