إن أحداث الهجرة في ذاتها والحمد لله معظمنا بل أغلبنا يعلمها ويحفظها جيداً لكن الله أمرنا أن نستلهم العبر ونأخذ المثل والقدوة من سير الأنبياء والمرسلين وذلك حين يقول عز شأنه{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ}وسنأخذ ثلة صغيرة من الدروس التي ينبغي على شبابنا وفتياتنا أن يتعلموها ويتعلمنها من هجرة النبي أولاً وقبل كل شيء قبل الهجرة بوقت قصير أخذ الله رسوله بصحبة الأمين جبريل من مكة المكرمة إلى بيت المقدس ثم صعد به سماءاً تلو سماء حتى وصل إلى سدرة المنتهى ولنعلم مدى عظمة هذه الرحلة فقد قال{كِثَفُ الأَرْضِ مَسِيرَةُ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ وَبَيْنَ الأَرْضِ الْعُلْيَا وَالسَّمَاءِ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ، ثُمَّ بَيْنَ كُل سَمَاءٍ وَالسَّمَاءِ الدُّنْيَا خَمْسُمِائَةِ عَامٍ، وَكِثَفُ السَّمَاءِ سِتُّمِائَةِ عَامٍ، ثُمَّ كُلُّ سَمَاءٍ
خَمْسُمِائَةِ عَامٍ، ثُمَّ بَيْنَ كُل سَمَاءٍ مِثْلُ ذٰلِكَ حَتَّى يَبْلُغَ إِلى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، ثُم مَا بَيْنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ إِلى الْعَرْشِ مَسِيرَةُ مَا بَيْنَ ذٰلِكَ كُلهِ}[1]فكم من الأعوام يقطعها المسافر في هذه السماوات والأقطار وبعد سدرة المنتهى زار الجنة ونزل إلى النار ثم بعد ذلك ذهب إلى قاب قوسين أو أدنى ورجع وفراشه الذي ينام عليه لم يبرد بعد يعني في أقل من لمح البصر الذي فعل معه ذلك ألم يكن في استطاعته جل شأنه أن يأخذه من مكة إلى المدينة في طرفة عين؟ كان ذلك سهلاً ويسيراً والله على كل شئ قدير لكن الله لو فعل ذلك معه كانت هذه ستكون حجة نتعلق بها جميعاً فنقول: هذا نبي الله ورسول الله ولا طاقة لنا بما فعل ولا نستطيع أن نصنع كما صنع فضرب الله المثل والقدوة لنا أجمعين رجالاً ونساء شيوخاً وشباباً بأنبياء الله ورسله فمثلاً نبي الله موسى كيف دفع مهره ليتزوج امرأة مؤمنة كان صداقه أن يشتغل برعي الأغنام في الصحراء لمدة عشر سنوات حتى لا يظن شبابنا أن الطريق مفروش بالورود ولكن يسعوا ويجدوا ويجتهدوا{وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ }فجعل الله هجرة المصطفى عن طريق الأسباب التي هيأها الله للعالمين لأن الأسباب مهيئة للكل والكل يستطيع أن يستخدمها أو ينتفع بها لأنها صنع الله الذي سخره لجميع الخلق لم يكن رسول الله يخاف فهو الذي لا يخاف إلا من الله، لكنه خطط التخطيط السليم ليعلم كل مؤمن أن أي عمل ينوي فعله لابد له من خطة سواءاً كان ذلك في استذكار دروس أو كان ينوي زواجاً أو كان ينوي بناء بيت أو كان ينوي تحقيق اختراع أو كان ينوي إحداث اكتشاف أي أمر لابد أن يبنيه المرء على خطة والخطة لابد أن تكون محكمة ومدبرة تدبيراً جيداً ولا بأس أن يجعل في خطته نصيباً لأهل الخبرة حتى ولو كانوا غير مسلمين مادام هذا هو التخطيط المكين إن الرسول لما وضع الخطة الدقيقة بأن يتوارى عن القوم هو وصاحبه في الغار لمدة ثلاثة أيام كيف يعرف أخبار القوم؟ تستطيع أن تقول أنت عن طريق الوحي لأن الله ينزله عليه لكنه يريد أن يجند الشباب ويعلمهم المنهج السديدالذي يرضي الله فجند فتى وفتاة وهيأهما وعلمهما الفتى يجلس طوال النهار بجوار نادي القوم قرب الكعبة يتسمع الأخبار والفتاة تصنع الطعام وثالثاً يمشي خلفهما إذا مشيا في الذهاب أو في الرجوع ومعه غنمه ليعفي على آثار القدمين فلا يكتشف أقدامهما الكفار وقد كانوا يجيدون ذلك فكان في كل ليلة يأتيه الفتى بالأخبار التي يتسمعها من قريش وتأتيه الفتاة بالطعام، وبعد الثلاثة أيام كان قد جهز الراحلتين ولما لم يكن في وسط المسلمين خبيراً بالطريق استدعى خبيراً كافراً هو عبد الله بن أريقط حتى أن أئمة السيرة الأعلام قالوا: لم يصل إلينا خبر هل أسلم بعد ذلك أم لا؟ لكنه تخيره أميناً حتى لا يكشف سره لأعدائه فجاء الخبير الذي يستطيع أن يجتاز بهم طريقاً غير معروف بعد الثلاثة أيام والحمد لله هو هذا الطريق المعروف الآن الذي يسافر عليه الحجيج والمعتمرون من مكة إلى المدينة وهو طريق الهجرة ولم ينس وهو في هذا العمل كله يرجو تحصين الله وحفظ الله وعناية الله أن يتمسك بأهداب الفضيلة التي جاء بها لنا من عند الله فالكافرون من أهل مكة أخرجوا المسلمين من بينهم بدون شئ من أموالهم أو متعلقاتهم فقد استولوا على بيوتهم واستولوا على أموالهم وأستولوا على كل أشياء يتملكونها والعجب أن هؤلاء القوم مع كفرهم إلا إنهم كانوا يقرون للداعي إلى الله بالصدق والأمانة فلو نطق بكلمة قيل لهم قال محمد كذا. قالوا: إن كان قال فقد صدق لأنهم ما جربوا عليه كذباً فكانوا يحفظون عنده أماناتهم التي يخشون عليها لعدم وجود البنوك في هذا الزمن، ولما جاءه الأمر من الله بالهجرة لقن فتيان المسلمين درس عملياً عظيماً في الأمانة فجاء بابن عمه علياً بن أبي طالب وكان سنه لا يزيد عن ثلاثة عشرة عاماً وأمره أن يبيت في مكانه مع أن أربعين رجلاً مُدججين بالسيوف يحيطون بالمنزل وينتهزون فرصة للدخول عليه في أي ساعة من الليل ويقضون عليه عرضه للموت في سبيل أن يتمسك بالأمانة وأن يكون مثلاً فذاً في خُلق الأمانة، وأمره أن يمكث ثلاثة أيام بعده حتى يؤدي لكل رجل أو امرأة أمانته أو أمانتها استوعب هؤلاء القوم هذا الدرس فتربوا على فضيلة الأمانة فكانت هي الصفة الأولى في نشر الإسلام في كافة ربوع العالم وأسوق لكم مثلا آخر يروى أن رجلاً كان في عداد الكافرين اسمه العاص بن الربيع وكان تزوج ابنة النبي زينب وبعد الهجرة بعامين كان آتياً على رأس تجارة لقريش من بلاد الشام وشرح الله صدره للإسلام على مقربة من المدينة ولكن سرية فذهب إليه بعض المنافقين. وقالوا: ما دمت قد أسلمت أنت تعلم أن هؤلاء القوم قد أخذوا أموال إخواننا ودورهم فلا عليك أن لا تذهب إلأى مكة مرة ثانية ووزع هذه الأموال على من أخذ ماله عنوة من المسلمين لكن الرجل قال له بصرامة وشدة: ما كنت لأبدأ عهدي في الإسلام بالخيانة وواصل مسيرته حتى وصل إلى مكة ودعا أشراف أهلها وقال: يا أهل مكة هل بقى لأحدكم شئ عندي؟ قالوا: لا وجزاك الله خيراً قال: أشهدكم إني آمنت بدين محمد فالدرس الأول الذي نستوعبه من الهجرة النبوية وما أحوج شبابنا جميعاً إليه الآن بل إننا للأسف نستمع هنا وهناك أن هذا هو الخلق القويم لدى الأمم المتمدينة وهو أولاً وقبل كل شئ خلق نبي الإسلام وخلق الإسلام في كل زمان ومكان هو التخطيط السليم بالأسباب التي في استطاعتنا وما دام الإنسان يخطط على حسب استطاعته فإن الله يعينه بقدرته كما أعان حبيبه ومصطفاه في رحلة الهجرة على أن أخطط على حسب وسعي وطاقتي وإمكاني وجهدي واستخدم كل ما هو متاح لي من طريق حلال وبعد ذلك يقول لي رب العزة{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} لكن أكف عن التخطيط وامتنع عن المذاكرة وأقول ما قدره الله يكون، وما اختاره لي سيتحقق هذا ليس توكلاً على الله لكنه تواكلاً وسلبية حاربها الله، ونهى عنها رسول الله
الدرس الثاني: أن المؤمن لابد ألا يفرق بين العادات والأخلاق والمعاملات في ظلال الإسلام فإن كل ما أصاب مجتمعنا من تدهور في الأخلاق ومن سوء المعاملات في الأسواق ولدى التجار ومن انتشار النفاق وصفاته وأمراضه سبب ذلك كله هو ضعف اليقين وعدم الاستمساك بكلية هذا الدين يظن الإنسان أنه أدى ما عليه لله إذا حافظ على الفرائض في وقتها وصام شهر مضان وتلا القرآن أو تمسك بالأشياء والسنن الظاهرة ربى لحيته وجعل له عدبة طويلة واستخدام السواك كل هذا خير لكن لابد مع ذلك كله من مكارم الأخلاق ومن حسن المعاملات الإسلامية وإلا خبروني لو أن تاجراً يغش في وزنه أو في كيله أو في سعره أو في بضاعته ويؤدي العمرة في شهر رمضان كل عام ويحج بيت الله الحرام كل عام هل ينفع حجه وعمرته؟كلا لقول النبى{لاَ إِيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَه}[2]وفى الأثر المشهور{الدين المعاملة} فلا يقبل الله من يصلي في الليل ولو ألف ركعة ثم في الصباح لا يتورع عن الكذب ولو في مباح لأن ديننا لا يعرف كذبة بيضاء وأخرى حمراء أو سوداء فقد قال النبى{إِني لأَمْزَحُ وَلاَ أَقُولُ إِلاَّ حَقّاً }[3] حتى المزاح لا يكون إلا في الحق وبالحق
عن عبدِ الله بنِ عامرٍ قالَ{جاءَ رسولُ الله بَـيْتَنَا وأَنَا صَبِـيٌّ صغيرٌ، فَذَهَبْتُ أَلْعَبُ فقالتْ لِـي أُمِّي: يا عبدَ الله تعالَ أُعْطِيكَ، فقالَ رسولُ الله: مَا أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيهِ قالتْ: أَرَدْتُ أَنْ أُعْطِيَهُ تـمراً قالَ: أَمَا إِنَّكِ لو لَـمْ تَفْعِلـي لَكُتِبَتْ علـيكِ كِذْبةً}[4] إن من يستاك بالسواك يفعل فعلاً طيباً لكن الأطيب منه من يطهر فمه عن الغيبة والنميمة والسب والشتم والقذف واللعن وهذه الأقوال الخبيثة التي تخرج من فيه، لكن الذي يستاك ثم يسب أو يشتم أو يلعن أو يغضب فإنه لم يدرِ الحكمة النبوية من استخدام السواك عند رسول الله ديننا لا يفرق بين ثلاثة أمور: العبادات، والأخلاق والمعاملات. فمن قال أنا على خلق طيب؟ والمهم طهارة القلب وتكاسل عن الصلاة نقول له هذا لا ينفع إذا كان خلقك طيباً وقلبك طاهراً فلماذا تتباطئ عن نداء الله؟ولماذا لا تؤدي الصلاة لتفوز بحق الله ولا تندم على ذلك يوم القيامة؟ومن حافظ على الصلاة وارتكب ما لا يحله الله في أخلاقه ومعاملاته مع عباد الله نقول له قال النبى{مَنْ لَمْ تَنْهَهُ صَلاتُهُ عَنِ الفَحْشَاءِ والمُنْكَرِ لَمْ يَزْدَدْ مِنَ الله إِلاَّ بُعْداً }[5]فالذي يستبيح الرشوة بحجة أنه يحتاج وأن دخله لا يكفيه نقول له: هذه حجة واهية والذي يستبيح استغلال الناس بحجة أنه ينفق هذه الأموال على الدعوة الإسلامية أو طباعة الكتب الدينية أو نشر الشرائط الإسلامية نقول له قال الحبيب{إِنَّ الله طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إلاَّ طَيِّباً}[6] والرسول كان هو المثل الأعلى في الأمانة في بعثته وفي هجرته قد يقول له البعض:كيف تصل إلى منصب مرموق بدون التزلف والتقرب لكبار المسئولين كان هذا هو الدرس الرابع فإن الرسول لما تمسك بهذه الفضائل حماه الله بأشياء قد لا نعيرها بالاً حماه في الغار بشجرة نبتت فوراً على باب الغار فسدته وأمر العنكبوت الضعيف{وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ}أن تنسج على هذه الشجرة بيتاً لها وكلف حمامتين أو يمامتين وحشيتين غير مستأنستين أن تصنعا عشاً في الحال وتبيضا فيه فستره عن الكفار بأشياء لا تخطر على البال وعندما لحق به فارس منهم والتفت سيدنا أبو بكر وقال: يا رسول الله أدركنا الطلب فقال{لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا} سخر الله له الأرض ونزل الأمين جبريل وقال: يا محمد الله يقرئك السلام ويقول لك الأرض طوع أمرك فمرها بما شئت فالتفت إلى الفارس وفرسه وقال: يا أرض خذيه فانشقت الأرض وأمسكت بالفرس وبقدميه أكثر من مرة والأرض تتلقى الأمر منه لأن الله أعزه وأمر الكل أن يكون طوع أمره لأنه تمسك بدين الله وبأخلاق الله ولم يتنازل قدر أنملة ولم يتزحزح عن مبدأه طرفة عين ولا أقل ثم زاد الله في إكرامه وزاد الله في إعزازه لأن من يتمسك بهدى الله يعزه الله{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}فدخل المدينة مُعززاً مُكرماً{وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}لنعلم علم اليقين أن الذي يتمسك بهدى الله مهما واجهته الفتن ومهما تعرض للمحن ومهما أحاطت به الظروف لابد أن يؤيده الله ويعزه الله وينصره الله فتلك سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلاً قال النبى{لا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ ولكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ}لماذا خرج رسول الله في الليل؟ ولماذا اختبأ ولم يتوجه مباشرة إلى المدينة ويأخذها في لحظة؟ أو في لمح البصر؟لماذا ؟من أجل أن يعطي الفرصة للضعفاء وهذه هي السنة التي علمها الله للهداة المهديين والعلماء العاملين في كل زمان ومكان وهي:
{ أقدر القوم بأضعفهم فإن فيهم الكبير والسقيم والبعيد وذا الحاجة }[7]وليس في التقدير عند المشى فقط أو الحركة فقط بل يتجاوز ذلك بل الذي يصلي قال له{ إِذَا صَلَّىٰ أَحَدُكُمْ بالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَالْكَبِيرَ، وَإِذَا صَلَّىٰ أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ، فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ}[8]هذه هي السنة أن نأخذ الناس باليسر فكان يأخذ نفسه بالعزيمة والقوة ويأمر غيره باليسر اسمعوا له إذ يخاطب سيدنا أبا هريرة قائلاً{يا أبا هريرة إذا كنت إماما فقس الناس بأضعفهم} وفي لفظ { فاقتد بأضعفهم }[9]وعلَّم أصحابه على هذه الطريقة الإلهية وعلى هذه الهداية الربانية حتى يكونوا صورة من رحمة رسول الله للخلق أجمعين وخذوا مثالً آخرا فى أمر أذق كيف يتعامل أححدنا مع زوجته ؟ قد كان عندما يريد أن يخلد للنوم عند السيدة عائشة ينام على سريرها ويتغطيا بغطاء واحد ثم يقول لها{ " يا عائشة ذريني أتعبد الليلة لربي }[10]وفى رواية :{ أئذنى لى ياعائشة أن أتعبد لربى الليلة؟}يستأذنها لا ينهرها ولا يقول لها سوف أقوم الليل فلماذا تنامي؟ سوف تذهبن إلى جهنم تعالِ معي أويضربها وإنما يأخذ نفسه بالأشد ويتركها على راحتها لأنها أدت فرض الله أما السنن فالأمر فيها على السعة فمن قدم فيها فإنما يقدم لنفسه ومن أخر فربما لعذر لا أعلمه أنا وتلك هى السنة وليس كل إنسان يستطيع أن يتحدث بعذره فإن الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة كان يخرج ليصلي الجُمع والجماعات وكان يشيع الجنازات ويعزي المصابين وبعد فترة ترك الجماعة وكان يصلي في منزله ولا يخرج إلا للجمعة وترك تشييع الجنازات وطبعاً أشبع من المريدين القيل والقال ولما اقترب خروج روحه وبجواره أعز تلامذيه قال لهم: لو لا أن هذه الساعة هي التي أقابل فيها الله ما حدثتكم عن عذري وكان تلاميذه عندما يسألونه قبل ذلك يقول لهم: (ليس كل عذر يستطيع الإنسان أن يتحدث عنه) والمؤمن كما ورد فى الأثر: { المؤمن عذري}يعني يلتمس العذر لإخوانه المسلمين قالوا له: ما الذي منعك؟ قال: أنا مصاب بسلس البول منذ كذا وكذا سنة وإذا حضرت إلى المسجد فإن الناس لا يتركوني أتخلف عن الإمامة، والإمامة لا تجب في حقي ماذا يفعل؟إذا قال عندي سلس البول لا يصدقونه سيقولون إنه تواضع أو إنه متكبر لكنه أباح بهذا العذر عند خروج روحه لإخوانه حتى تنشرح صدورهم ويعلمون أن الأئمة الهداة لا يتحركون ولا يعملون عملاً صغيراً أو كبيراً إلا على نور من الله
[1] رواه البزار عن أَبي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
[2] رواه البيهقي في سننه وابن حبان في صحيحه عن أنس ورواه الطبراني في الكبير وصاحب مسند الشامين عن أبي أمامة.
[3] رواه الطبراني في الكبير والأوسط عن ابن عمر والخطيب عن أنس.
[4] سنن البيهقى الكبرى .
[5] رواه السيوطي في الفتح الكبير عن ابن عباس.
[6] رواه مسلم في صحيحه وأحمد في مسنده والدارمي في سننه والترمذي والسيوطي في الفتح الكبير عن أبي هريرة.
[7] رواه الشافعي في مسنده وكذا الترمذي وحسنه، وابن ماجه والحاكم
[8] أخرجه أحمد والشيخان والترمذي عن أبي هريرة بألفاظ متقاربة.
[9] المقاصد الحسنة للسخاوي، عن أبي هريرة
[10] صحيح بن حبان عن عطاء
الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ فوزي محمد أبوزيد
خَمْسُمِائَةِ عَامٍ، ثُمَّ بَيْنَ كُل سَمَاءٍ مِثْلُ ذٰلِكَ حَتَّى يَبْلُغَ إِلى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، ثُم مَا بَيْنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ إِلى الْعَرْشِ مَسِيرَةُ مَا بَيْنَ ذٰلِكَ كُلهِ}[1]فكم من الأعوام يقطعها المسافر في هذه السماوات والأقطار وبعد سدرة المنتهى زار الجنة ونزل إلى النار ثم بعد ذلك ذهب إلى قاب قوسين أو أدنى ورجع وفراشه الذي ينام عليه لم يبرد بعد يعني في أقل من لمح البصر الذي فعل معه ذلك ألم يكن في استطاعته جل شأنه أن يأخذه من مكة إلى المدينة في طرفة عين؟ كان ذلك سهلاً ويسيراً والله على كل شئ قدير لكن الله لو فعل ذلك معه كانت هذه ستكون حجة نتعلق بها جميعاً فنقول: هذا نبي الله ورسول الله ولا طاقة لنا بما فعل ولا نستطيع أن نصنع كما صنع فضرب الله المثل والقدوة لنا أجمعين رجالاً ونساء شيوخاً وشباباً بأنبياء الله ورسله فمثلاً نبي الله موسى كيف دفع مهره ليتزوج امرأة مؤمنة كان صداقه أن يشتغل برعي الأغنام في الصحراء لمدة عشر سنوات حتى لا يظن شبابنا أن الطريق مفروش بالورود ولكن يسعوا ويجدوا ويجتهدوا{وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ }فجعل الله هجرة المصطفى عن طريق الأسباب التي هيأها الله للعالمين لأن الأسباب مهيئة للكل والكل يستطيع أن يستخدمها أو ينتفع بها لأنها صنع الله الذي سخره لجميع الخلق لم يكن رسول الله يخاف فهو الذي لا يخاف إلا من الله، لكنه خطط التخطيط السليم ليعلم كل مؤمن أن أي عمل ينوي فعله لابد له من خطة سواءاً كان ذلك في استذكار دروس أو كان ينوي زواجاً أو كان ينوي بناء بيت أو كان ينوي تحقيق اختراع أو كان ينوي إحداث اكتشاف أي أمر لابد أن يبنيه المرء على خطة والخطة لابد أن تكون محكمة ومدبرة تدبيراً جيداً ولا بأس أن يجعل في خطته نصيباً لأهل الخبرة حتى ولو كانوا غير مسلمين مادام هذا هو التخطيط المكين إن الرسول لما وضع الخطة الدقيقة بأن يتوارى عن القوم هو وصاحبه في الغار لمدة ثلاثة أيام كيف يعرف أخبار القوم؟ تستطيع أن تقول أنت عن طريق الوحي لأن الله ينزله عليه لكنه يريد أن يجند الشباب ويعلمهم المنهج السديدالذي يرضي الله فجند فتى وفتاة وهيأهما وعلمهما الفتى يجلس طوال النهار بجوار نادي القوم قرب الكعبة يتسمع الأخبار والفتاة تصنع الطعام وثالثاً يمشي خلفهما إذا مشيا في الذهاب أو في الرجوع ومعه غنمه ليعفي على آثار القدمين فلا يكتشف أقدامهما الكفار وقد كانوا يجيدون ذلك فكان في كل ليلة يأتيه الفتى بالأخبار التي يتسمعها من قريش وتأتيه الفتاة بالطعام، وبعد الثلاثة أيام كان قد جهز الراحلتين ولما لم يكن في وسط المسلمين خبيراً بالطريق استدعى خبيراً كافراً هو عبد الله بن أريقط حتى أن أئمة السيرة الأعلام قالوا: لم يصل إلينا خبر هل أسلم بعد ذلك أم لا؟ لكنه تخيره أميناً حتى لا يكشف سره لأعدائه فجاء الخبير الذي يستطيع أن يجتاز بهم طريقاً غير معروف بعد الثلاثة أيام والحمد لله هو هذا الطريق المعروف الآن الذي يسافر عليه الحجيج والمعتمرون من مكة إلى المدينة وهو طريق الهجرة ولم ينس وهو في هذا العمل كله يرجو تحصين الله وحفظ الله وعناية الله أن يتمسك بأهداب الفضيلة التي جاء بها لنا من عند الله فالكافرون من أهل مكة أخرجوا المسلمين من بينهم بدون شئ من أموالهم أو متعلقاتهم فقد استولوا على بيوتهم واستولوا على أموالهم وأستولوا على كل أشياء يتملكونها والعجب أن هؤلاء القوم مع كفرهم إلا إنهم كانوا يقرون للداعي إلى الله بالصدق والأمانة فلو نطق بكلمة قيل لهم قال محمد كذا. قالوا: إن كان قال فقد صدق لأنهم ما جربوا عليه كذباً فكانوا يحفظون عنده أماناتهم التي يخشون عليها لعدم وجود البنوك في هذا الزمن، ولما جاءه الأمر من الله بالهجرة لقن فتيان المسلمين درس عملياً عظيماً في الأمانة فجاء بابن عمه علياً بن أبي طالب وكان سنه لا يزيد عن ثلاثة عشرة عاماً وأمره أن يبيت في مكانه مع أن أربعين رجلاً مُدججين بالسيوف يحيطون بالمنزل وينتهزون فرصة للدخول عليه في أي ساعة من الليل ويقضون عليه عرضه للموت في سبيل أن يتمسك بالأمانة وأن يكون مثلاً فذاً في خُلق الأمانة، وأمره أن يمكث ثلاثة أيام بعده حتى يؤدي لكل رجل أو امرأة أمانته أو أمانتها استوعب هؤلاء القوم هذا الدرس فتربوا على فضيلة الأمانة فكانت هي الصفة الأولى في نشر الإسلام في كافة ربوع العالم وأسوق لكم مثلا آخر يروى أن رجلاً كان في عداد الكافرين اسمه العاص بن الربيع وكان تزوج ابنة النبي زينب وبعد الهجرة بعامين كان آتياً على رأس تجارة لقريش من بلاد الشام وشرح الله صدره للإسلام على مقربة من المدينة ولكن سرية فذهب إليه بعض المنافقين. وقالوا: ما دمت قد أسلمت أنت تعلم أن هؤلاء القوم قد أخذوا أموال إخواننا ودورهم فلا عليك أن لا تذهب إلأى مكة مرة ثانية ووزع هذه الأموال على من أخذ ماله عنوة من المسلمين لكن الرجل قال له بصرامة وشدة: ما كنت لأبدأ عهدي في الإسلام بالخيانة وواصل مسيرته حتى وصل إلى مكة ودعا أشراف أهلها وقال: يا أهل مكة هل بقى لأحدكم شئ عندي؟ قالوا: لا وجزاك الله خيراً قال: أشهدكم إني آمنت بدين محمد فالدرس الأول الذي نستوعبه من الهجرة النبوية وما أحوج شبابنا جميعاً إليه الآن بل إننا للأسف نستمع هنا وهناك أن هذا هو الخلق القويم لدى الأمم المتمدينة وهو أولاً وقبل كل شئ خلق نبي الإسلام وخلق الإسلام في كل زمان ومكان هو التخطيط السليم بالأسباب التي في استطاعتنا وما دام الإنسان يخطط على حسب استطاعته فإن الله يعينه بقدرته كما أعان حبيبه ومصطفاه في رحلة الهجرة على أن أخطط على حسب وسعي وطاقتي وإمكاني وجهدي واستخدم كل ما هو متاح لي من طريق حلال وبعد ذلك يقول لي رب العزة{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} لكن أكف عن التخطيط وامتنع عن المذاكرة وأقول ما قدره الله يكون، وما اختاره لي سيتحقق هذا ليس توكلاً على الله لكنه تواكلاً وسلبية حاربها الله، ونهى عنها رسول الله
الدرس الثاني: أن المؤمن لابد ألا يفرق بين العادات والأخلاق والمعاملات في ظلال الإسلام فإن كل ما أصاب مجتمعنا من تدهور في الأخلاق ومن سوء المعاملات في الأسواق ولدى التجار ومن انتشار النفاق وصفاته وأمراضه سبب ذلك كله هو ضعف اليقين وعدم الاستمساك بكلية هذا الدين يظن الإنسان أنه أدى ما عليه لله إذا حافظ على الفرائض في وقتها وصام شهر مضان وتلا القرآن أو تمسك بالأشياء والسنن الظاهرة ربى لحيته وجعل له عدبة طويلة واستخدام السواك كل هذا خير لكن لابد مع ذلك كله من مكارم الأخلاق ومن حسن المعاملات الإسلامية وإلا خبروني لو أن تاجراً يغش في وزنه أو في كيله أو في سعره أو في بضاعته ويؤدي العمرة في شهر رمضان كل عام ويحج بيت الله الحرام كل عام هل ينفع حجه وعمرته؟كلا لقول النبى{لاَ إِيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَه}[2]وفى الأثر المشهور{الدين المعاملة} فلا يقبل الله من يصلي في الليل ولو ألف ركعة ثم في الصباح لا يتورع عن الكذب ولو في مباح لأن ديننا لا يعرف كذبة بيضاء وأخرى حمراء أو سوداء فقد قال النبى{إِني لأَمْزَحُ وَلاَ أَقُولُ إِلاَّ حَقّاً }[3] حتى المزاح لا يكون إلا في الحق وبالحق
عن عبدِ الله بنِ عامرٍ قالَ{جاءَ رسولُ الله بَـيْتَنَا وأَنَا صَبِـيٌّ صغيرٌ، فَذَهَبْتُ أَلْعَبُ فقالتْ لِـي أُمِّي: يا عبدَ الله تعالَ أُعْطِيكَ، فقالَ رسولُ الله: مَا أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيهِ قالتْ: أَرَدْتُ أَنْ أُعْطِيَهُ تـمراً قالَ: أَمَا إِنَّكِ لو لَـمْ تَفْعِلـي لَكُتِبَتْ علـيكِ كِذْبةً}[4] إن من يستاك بالسواك يفعل فعلاً طيباً لكن الأطيب منه من يطهر فمه عن الغيبة والنميمة والسب والشتم والقذف واللعن وهذه الأقوال الخبيثة التي تخرج من فيه، لكن الذي يستاك ثم يسب أو يشتم أو يلعن أو يغضب فإنه لم يدرِ الحكمة النبوية من استخدام السواك عند رسول الله ديننا لا يفرق بين ثلاثة أمور: العبادات، والأخلاق والمعاملات. فمن قال أنا على خلق طيب؟ والمهم طهارة القلب وتكاسل عن الصلاة نقول له هذا لا ينفع إذا كان خلقك طيباً وقلبك طاهراً فلماذا تتباطئ عن نداء الله؟ولماذا لا تؤدي الصلاة لتفوز بحق الله ولا تندم على ذلك يوم القيامة؟ومن حافظ على الصلاة وارتكب ما لا يحله الله في أخلاقه ومعاملاته مع عباد الله نقول له قال النبى{مَنْ لَمْ تَنْهَهُ صَلاتُهُ عَنِ الفَحْشَاءِ والمُنْكَرِ لَمْ يَزْدَدْ مِنَ الله إِلاَّ بُعْداً }[5]فالذي يستبيح الرشوة بحجة أنه يحتاج وأن دخله لا يكفيه نقول له: هذه حجة واهية والذي يستبيح استغلال الناس بحجة أنه ينفق هذه الأموال على الدعوة الإسلامية أو طباعة الكتب الدينية أو نشر الشرائط الإسلامية نقول له قال الحبيب{إِنَّ الله طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إلاَّ طَيِّباً}[6] والرسول كان هو المثل الأعلى في الأمانة في بعثته وفي هجرته قد يقول له البعض:كيف تصل إلى منصب مرموق بدون التزلف والتقرب لكبار المسئولين كان هذا هو الدرس الرابع فإن الرسول لما تمسك بهذه الفضائل حماه الله بأشياء قد لا نعيرها بالاً حماه في الغار بشجرة نبتت فوراً على باب الغار فسدته وأمر العنكبوت الضعيف{وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ}أن تنسج على هذه الشجرة بيتاً لها وكلف حمامتين أو يمامتين وحشيتين غير مستأنستين أن تصنعا عشاً في الحال وتبيضا فيه فستره عن الكفار بأشياء لا تخطر على البال وعندما لحق به فارس منهم والتفت سيدنا أبو بكر وقال: يا رسول الله أدركنا الطلب فقال{لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا} سخر الله له الأرض ونزل الأمين جبريل وقال: يا محمد الله يقرئك السلام ويقول لك الأرض طوع أمرك فمرها بما شئت فالتفت إلى الفارس وفرسه وقال: يا أرض خذيه فانشقت الأرض وأمسكت بالفرس وبقدميه أكثر من مرة والأرض تتلقى الأمر منه لأن الله أعزه وأمر الكل أن يكون طوع أمره لأنه تمسك بدين الله وبأخلاق الله ولم يتنازل قدر أنملة ولم يتزحزح عن مبدأه طرفة عين ولا أقل ثم زاد الله في إكرامه وزاد الله في إعزازه لأن من يتمسك بهدى الله يعزه الله{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}فدخل المدينة مُعززاً مُكرماً{وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}لنعلم علم اليقين أن الذي يتمسك بهدى الله مهما واجهته الفتن ومهما تعرض للمحن ومهما أحاطت به الظروف لابد أن يؤيده الله ويعزه الله وينصره الله فتلك سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلاً قال النبى{لا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ ولكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ}لماذا خرج رسول الله في الليل؟ ولماذا اختبأ ولم يتوجه مباشرة إلى المدينة ويأخذها في لحظة؟ أو في لمح البصر؟لماذا ؟من أجل أن يعطي الفرصة للضعفاء وهذه هي السنة التي علمها الله للهداة المهديين والعلماء العاملين في كل زمان ومكان وهي:
{ أقدر القوم بأضعفهم فإن فيهم الكبير والسقيم والبعيد وذا الحاجة }[7]وليس في التقدير عند المشى فقط أو الحركة فقط بل يتجاوز ذلك بل الذي يصلي قال له{ إِذَا صَلَّىٰ أَحَدُكُمْ بالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَالْكَبِيرَ، وَإِذَا صَلَّىٰ أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ، فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ}[8]هذه هي السنة أن نأخذ الناس باليسر فكان يأخذ نفسه بالعزيمة والقوة ويأمر غيره باليسر اسمعوا له إذ يخاطب سيدنا أبا هريرة قائلاً{يا أبا هريرة إذا كنت إماما فقس الناس بأضعفهم} وفي لفظ { فاقتد بأضعفهم }[9]وعلَّم أصحابه على هذه الطريقة الإلهية وعلى هذه الهداية الربانية حتى يكونوا صورة من رحمة رسول الله للخلق أجمعين وخذوا مثالً آخرا فى أمر أذق كيف يتعامل أححدنا مع زوجته ؟ قد كان عندما يريد أن يخلد للنوم عند السيدة عائشة ينام على سريرها ويتغطيا بغطاء واحد ثم يقول لها{ " يا عائشة ذريني أتعبد الليلة لربي }[10]وفى رواية :{ أئذنى لى ياعائشة أن أتعبد لربى الليلة؟}يستأذنها لا ينهرها ولا يقول لها سوف أقوم الليل فلماذا تنامي؟ سوف تذهبن إلى جهنم تعالِ معي أويضربها وإنما يأخذ نفسه بالأشد ويتركها على راحتها لأنها أدت فرض الله أما السنن فالأمر فيها على السعة فمن قدم فيها فإنما يقدم لنفسه ومن أخر فربما لعذر لا أعلمه أنا وتلك هى السنة وليس كل إنسان يستطيع أن يتحدث بعذره فإن الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة كان يخرج ليصلي الجُمع والجماعات وكان يشيع الجنازات ويعزي المصابين وبعد فترة ترك الجماعة وكان يصلي في منزله ولا يخرج إلا للجمعة وترك تشييع الجنازات وطبعاً أشبع من المريدين القيل والقال ولما اقترب خروج روحه وبجواره أعز تلامذيه قال لهم: لو لا أن هذه الساعة هي التي أقابل فيها الله ما حدثتكم عن عذري وكان تلاميذه عندما يسألونه قبل ذلك يقول لهم: (ليس كل عذر يستطيع الإنسان أن يتحدث عنه) والمؤمن كما ورد فى الأثر: { المؤمن عذري}يعني يلتمس العذر لإخوانه المسلمين قالوا له: ما الذي منعك؟ قال: أنا مصاب بسلس البول منذ كذا وكذا سنة وإذا حضرت إلى المسجد فإن الناس لا يتركوني أتخلف عن الإمامة، والإمامة لا تجب في حقي ماذا يفعل؟إذا قال عندي سلس البول لا يصدقونه سيقولون إنه تواضع أو إنه متكبر لكنه أباح بهذا العذر عند خروج روحه لإخوانه حتى تنشرح صدورهم ويعلمون أن الأئمة الهداة لا يتحركون ولا يعملون عملاً صغيراً أو كبيراً إلا على نور من الله
[1] رواه البزار عن أَبي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
[2] رواه البيهقي في سننه وابن حبان في صحيحه عن أنس ورواه الطبراني في الكبير وصاحب مسند الشامين عن أبي أمامة.
[3] رواه الطبراني في الكبير والأوسط عن ابن عمر والخطيب عن أنس.
[4] سنن البيهقى الكبرى .
[5] رواه السيوطي في الفتح الكبير عن ابن عباس.
[6] رواه مسلم في صحيحه وأحمد في مسنده والدارمي في سننه والترمذي والسيوطي في الفتح الكبير عن أبي هريرة.
[7] رواه الشافعي في مسنده وكذا الترمذي وحسنه، وابن ماجه والحاكم
[8] أخرجه أحمد والشيخان والترمذي عن أبي هريرة بألفاظ متقاربة.
[9] المقاصد الحسنة للسخاوي، عن أبي هريرة
[10] صحيح بن حبان عن عطاء
الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ فوزي محمد أبوزيد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق