الاجتماع على الذكر فى حلق سنة ثابتة بأدلة الشرع الشريف, أمر الله بها فى كتابه العزيز, فقال تعالى: )وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِىِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ (الكهف ).وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (إن لله تعالى ملائكة يطوفون فى الطريق يلتمسون أهل الذكر, فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله تنادوا: هَلُمُّوا إلى حاجتكم, فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا..... إلى أن قال: فيقول الله u: أشهدكم أنى غفرت لهم. فيقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم, إنما جاء لحاجة, قال: هم الجلساء لا يشقى جليسهم)([6]).
وعن معاوية رضي الله عنه: (أن النبى صلى الله عليه وسلم، خرج على حلقة من أصحابه, فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام وَمَنَّ به علينا.... إلى أن قال: أتانى جبريل فأخبرنى أن الله يباهى بكم الملائكة)([7]).
وقد بوب النووى الحديث الأول فى كتابه رياض الصالحين بعنوان, باب فضل: (حلق الذكر), والذكر فى الشريعة الإسلامية له معان كثيرة منها: الإخبار المجرد عن ذات الله, أو صفاته, أو أفعاله, أو أحكامه, أو بتلاوة كتابه, أو بمسألته ودعائه, أو بإنشاء الثناء عليه بتقديسه, وتمجيده, وتوحيده, وحمده, وشكره وتعظيمه, ولا دليل أن حلق الذكر المراد بها هنا دروس العلم.
وقد أورد الصنعانى حديث مسلم عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ما جلس قوم يذكرون الله فيه إلا حفتهم الملائكة, وغشيتهم الرحمة, وذكرهم الله فيمن عنده)([8]).
ثم قال: (دل الحديث على فضيلة مجالس الذكر والذاكرين, وفضيلة الاجتماع على الذكر. وأخرج البخارى: (أن ملائكة يطوفون فى الطرق يلتمسون أهل الذكر فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله تعالى تنادوا هَلُمُّوا إلى حاجتكم. قال: فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا) الحديث. وهذا من فضائل مجالس الذكر تحضرها الملائكة بعد التماسهم لها.
والمراد بالذكر هو: التسبيح, والتحميد, وتلاوة القرآن, ونحو ذلك, وفى حديث البَزَّار (إنه تعالى يسأل ملائكته: ما يصنع العباد؟ وهو أعلم بهم, فيقولون: يعظمون آلاءك, ويتلون كتابك, وَيُصَلُّونَ على نبيك, ويسألونك لآخرتهم ودنياهم), والذكر حقيقة فى ذكر اللسان ويؤجر عليه الناطق ولا يشترط استحضار معناه, وإنما يشترط ألا يقصد غيره, فإن انضاف إلى الذكر باللسان الذكر بالقلب فهو أكمل, وإن انضاف إليهما استحضار معنى الذكر, وما اشتمل عليه من تعظيم الله تعالى, ونفى النقائص عنه ازداد كمالاً, فإن وقع ذلك فى عمل صالح مما فرض من صلاة أو جهاد أو غيرهما فكذلك, فإن صح التوجه وأخلص لله فهو أبلغ فى الكمال([9]).
ومما سبق يعلم أن التجمع لذكر الله بقراءة القرآن, أو مدارسة العلم, أو التسبيح والتهليل والتحميد من السنن التى حث عليها ربنا فى كتابه العزيز, وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، الصحيحة الصريحة.
والله تعالى أعلى وأعلم
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) الغرر البهية, لشيخ الإسلام زكريا الأنصارى, ج1 ص387.
([2]) الفتاوى الفقهية الكبرى, لابن حجر الهيثمى, ج2 ص 385.
([3]) البحر الرائق, لابن نجيم, ج2 ص 52.
([4]) الموسوعة الفقهية الكويتية, ج21 ص 257, 258, حرف الذال, ذكر.
([5]) المدخل, للعبدرى ابن الحاج: ج3 ص 179, 180.
([6]) أخرجه البخارى فى صحيحه, ج5 ص 2353.
([7]) أخرجه مسلم فى صحيحه, ج4 ص 2075.
([8]) أخرجه مسلم فى صحيحه, ج4 ص 2074.
([9]) سبل السلام, للصنعانى, ج2 ص
7
الذِّكر من أيسر العبادات وأفضلها كما أكدت ذلك عدة نصوص، منها:
قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "ألا أُنْبِئُكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذّهب والوَرِق (الفِضّة)، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ذكر الله".[1]
- وقوله عليه الصلاة والسلام: "ليس يَتَحسَّر أهل الجنة على شيء إلا على ساعة مرّت بهم لم يذكروا الله عز وجل فيها"،[2] والتحسر في الجنة إنما يكون لهم حين يرون مقامات الذاكرين من فوقهم وتنكشف رُتبهُم ودرجاتهُم، فإذا انكشف الغطاء يوم القيامة عن ثواب عباداتهم وأعمالهم... لم يروا ثوابا أفضل من ذكر الله تعالى...
والعبادة مع الجماعة تزيد في الفضل على العبادة في حالة الانفراد؛ ففي الجماعة تلتقي القلوب، ويستقي الضعيف من القوي، والمُظْلِم من المُنَوَّر، والكثيف من اللطيف، والجاهل من العالم، وهكذا... وقد وردت أحاديث كثيرة في الترغيب بالذكر الجماعي، منها:
• ما رواه البخاري في صحيحه، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه، ذكرتُه في نفسي، وإن ذكرني في ملأ، ذكرتُه في ملأ خير منهم".[3]
• وعند الترمذي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: حِلَقُ الذكر".[4]
• وروى مسلمٌ في صحيحه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من قوم يذكرون الله إلا حفَّتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده".[5]
وقد أجمع العلماء سلفاً وخلفاً على استحباب ذكر الله تعالى جماعةً لما فيه من الفضل، واستنهاض الهمم، ورَفْعِ جُملةٍ مِن الحُجب التي لا يُؤثِّر فيها الذكر المنفرد.
في حين أنّ الذكر المنفرد له أثر فعال في صفاء القلب وإيقاظه، وتعويد المؤمن على الأنس بربه، والتنعم بمناجاته، والشعور بقربه؛ ويكفي في ذلك أنّ من السبعة الذين يُظلهم الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله: "رجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه".[6]
هكذا رغَّب الشرع في الذكر بنوعيه: المنفرد ومع الجماعة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
[1]- رواه الترمذي في "السنن"، كتاب الدعوات، دار الحديث، القاهرة، 2005م، ج5 ص289. رواه كذلك ابن ماجه في "السنن"(ح9730)، وأحمد في "المسند" (ح59112)، والحاكم في "المستدرك" وقال حديث صحيح.
[2]- "تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي" دار الحديث، القاهرة، 2001م، ج6 ص176.
[3]- أخرجه البخاري في الصحيح، كتاب التوحيد، دار الحديث، القاهرة، 2004م، (4/426).
[4]- أخرجه الترمذي في "السنن"، كتاب الدعوات، دار الحديث، القاهرة، 2005م، (5/355).
[5]- صحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر، دار بن حزم، ص1448.
[6]- أخرجه البخاري في الصحيح، كتاب أبواب صلاة الجماعة، دار الحديث، القاهرة، 2004م، (1/169)، وأخرجه مسلم في كتاب الزكاة.
***** ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ******** ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ*******
سؤال عن حلقات الذكر الجماعى و أن ذكر الله عبادة، والعبادات توقيفية نأخذ كيفيتها من رسول الله،
الجواب من دار الإفتاء المصرية :
لا حرج فى هذا الفعل ولا يعد ذلك بدعة ،
وعدم ورود ذلك بخصوصه عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يجعله بدعة مذمومة .
بل كل ما اندرج تحت أصل عام من أصول الشرع ، جاز فعله لصدق هذا الأصل العام عليه، ويصير من ينكر ذلك معطلا لنصوص الشرع وغير عامل بها، وهذا الفعل يندرج تحت قول الله تعالى {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف :28]، فمن فعل ما ذكرت صدق فيهم أن جلسوا يدعون ربهم بالغداة، وفى الدر المنثور بالتفسير بالمأثور للإمام السيوطى فى تفسير هذه الآية : [وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن سلمَان قَالَ: قَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يلتمسهم حَتَّى أَصَابَهُم فِي مُؤخر الْمَسْجِد يذكرُونَ الله فَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي لم يُمِتْنِي حَتَّى أَمرنِي أَن أَصْبِر نَفسِي مَعَ رجال من أمتِي مَعكُمْ الْمحيا وَالْمَمَات .... وَأخرج ابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الرَّحْمَن بن سهل بن حنيف قَالَ: نزلت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ فِي بعض أبياته {واصبر نَفسك مَعَ الَّذين يدعونَ رَبهم بِالْغَدَاةِ والعشي} فَخرج يلتمسهم فَوجدَ قوما يذكرُونَ الله فيهم ثَائِر الرَّأْس وجاف الْجلد وَذُو الثَّوْب الْوَاحِد فَلَمَّا رَآهُمْ جلس مَعَهم وَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي جعل فِي أمتِي من أَمْرِي أَن أَصْبِر نَفسِي مَعَهم].
إلى غير ذلك من الأحاديث والآثار التى تدل على جواز الاجتماع على الذكر ، وقد جمعها الإمام السيوطى فى مؤلف خاص سماه (نتيجة الفكر فى الجهر بالذكر) ، والإمام اللكنوى فى (سباحة الفكر فى الجهر بالذكر) ، فمن اطلع على ما ثبت فى الباب من آثار بجواز الاجتماع على الذكر والجهر به، سواء كان ذلك ذكرا مطلقا أو دعاء أو تلاوة قرآن، أو أذكار الصباح والمساء أو الأوراد والأحزاب المؤلفة الجامعة لعيون أدعية الكتاب والسنة، فكل ذلك جائز بل مستحب مندوب إليه، فكيف يقال إنه بدعة ، ما يقول ذلك إلا من غفل عن أدلة الباب، أو أراد تعطيلها وعدم العمل بها، أو كان مبتدعا مخالفا للسنة وإن ادعى خلاف ذلك.
فهذا الفعل المذكور فى السؤال ليس ببدعة، لأن الحديث يقول "من عمل عملا ليس عليه أمرنا" فالقيد "ليس عليه أمرنا" "أو ما ليس منه" كما في الرواية الأخرى لمسلم يدل على جواز إحداث المحدثات التي تتفق مع أصل الشرع ولا تعارض سنة، وقد فهم هذا الفهم أئمة العلماء كسلطان العلماء العز بن عبد السلام، حيث قسم البدعة إلى واجبة ومندوبة ومباحة ومكروهة ومحرمة. وجعل المحرمة هي التي تتعارض مع الشرع.
فإن الأمر المحدث لابد أن يعرض على الشرع الشريف فإن خرج على قواعد الإيجاب كان واجبا، وإن خرج على قواعد الندب كان مندوبا وهكذا. وما ذكرته من محدثات تدخل تحت قواعد الندب حيث يستحب للمسلم أن يذكر الله تعالى مطلقا ،
أما قولهم : الذكر عبادة ، فصحيح .
أما قولهم: "وكل عبادة توقيفية نأخذ كيفيتها من النبى صلى الله عليه وسلم" ففيه مغالطة، فكونها عبادة وتوقيفية لا يمنع من إجراء قواعد العام والمطلق عليها ، وإلا لعطلنا النصوص الشرعية. والفقهاء جميعا يتعاملون مع العبادات مثل غيرها فى هذا الباب، فمتى اندرج فرع أو مسألة من مسائل العبادات تحت أصل عام أجروه، ولم يتوقفوا فيه لكونه عبادة توقيفية. وكتب الفقه مليئة بعشرات بل مئات المسائل من مسائل فقه العبادات جرى فيها الفقهاء على ذلك. فقولهم "عبادة توقيفية" صحيح، وقولهم لا بد من معرفة كيفيتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيح أيضا، وقد علمنا من النصوص العامة التى أتى بها رسول الله حكمها وكيفيتها، فامتناعهم عن إجراء العام فى عمومه ، أو المطلق فى أفراده هو تعطيل للنصوص الشرعية .
ومطالبتهم بدليل خاص فى كل مسألة، ورد العمومات والمطلقات بدعة قبيحة فى الشرع، وتحكم على الشارع[
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ابن تيمية يجيز الاجتماع على الذكر والجهر به
( مسألة 175 في رجل ينكر على أهل الذكر يقول لهم هذا الذكر بدعة وجهركم في الذكر بدعة وهم يفتتحون بالقرآن ويختتمون ثم يدعون للمسلمين الأحياء والأموات ويجمعون التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والحوقلة ويصلون على النبي صلى الله عليه وسلم والمنكر يعمل السماع مرات بالتصفيق ويبطل الذكر في وقت عمل السماع
الجواب
الاجتماع لذكر الله واستماع كتابه والدعاء عمل صالح وهو من أفضل القربات والعبادات في الأوقات ففي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن لله ملائكة سياحين في الأرض فإذا مروا بقوم يذكرون الله تنادوا هلموا إلى حاجتكم وذكر الحديث وفيه وجدناهم يسبحونك ويحمدونك لكن ينبغي أن يكون هذا أحيانا في بعض الأوقات والأمكنة فلا يجعل سنة راتبة يحافظ عليها إلا ما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم المداومة عليه في الجماعات من الصلوات الخمس في الجماعات ومن الجمعات والأعياد ونحو ذلك
وأما محافظة الإنسان على أوراد له من الصلاة أو القراءة أو الذكر أو الدعاء طرفي النهار وزلفا من الليل وغير ذلك فهذا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والصالحين من عباد الله قديما وحديثا فما سن عمله على وجه الاجتماع كالمكتوبات فعل كذلك وما سن المداومة عليه على وجه الانفراد من الأوراد عمل كذلك كما كان الصحابة رضي الله عنهم يجتمعون أحيانا يأمرون أحدهم يقرأ والباقون يستمعون وكان عمر بن الخطاب يقول يا أبا موسى ذكرنا ربنا فيقرأ وهم يستمعون وكان من الصحابة من يقول اجلسوا بنا نؤمن ساعة وصلى النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه التطوع في جماعة مرات وخرج على الصحابة من أهل الصفة وفيهم قارئ يقرأ فجلس معهم يستمع وما يحصل عند السماع والذكر المشروع من وجل القلب ودمع العين واقشعرار الجسوم فهذا أفضل الأحوال التي نطق بها الكتاب والسنة
وعن معاوية رضي الله عنه: (أن النبى صلى الله عليه وسلم، خرج على حلقة من أصحابه, فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام وَمَنَّ به علينا.... إلى أن قال: أتانى جبريل فأخبرنى أن الله يباهى بكم الملائكة)([7]).
وقد بوب النووى الحديث الأول فى كتابه رياض الصالحين بعنوان, باب فضل: (حلق الذكر), والذكر فى الشريعة الإسلامية له معان كثيرة منها: الإخبار المجرد عن ذات الله, أو صفاته, أو أفعاله, أو أحكامه, أو بتلاوة كتابه, أو بمسألته ودعائه, أو بإنشاء الثناء عليه بتقديسه, وتمجيده, وتوحيده, وحمده, وشكره وتعظيمه, ولا دليل أن حلق الذكر المراد بها هنا دروس العلم.
وقد أورد الصنعانى حديث مسلم عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ما جلس قوم يذكرون الله فيه إلا حفتهم الملائكة, وغشيتهم الرحمة, وذكرهم الله فيمن عنده)([8]).
ثم قال: (دل الحديث على فضيلة مجالس الذكر والذاكرين, وفضيلة الاجتماع على الذكر. وأخرج البخارى: (أن ملائكة يطوفون فى الطرق يلتمسون أهل الذكر فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله تعالى تنادوا هَلُمُّوا إلى حاجتكم. قال: فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا) الحديث. وهذا من فضائل مجالس الذكر تحضرها الملائكة بعد التماسهم لها.
والمراد بالذكر هو: التسبيح, والتحميد, وتلاوة القرآن, ونحو ذلك, وفى حديث البَزَّار (إنه تعالى يسأل ملائكته: ما يصنع العباد؟ وهو أعلم بهم, فيقولون: يعظمون آلاءك, ويتلون كتابك, وَيُصَلُّونَ على نبيك, ويسألونك لآخرتهم ودنياهم), والذكر حقيقة فى ذكر اللسان ويؤجر عليه الناطق ولا يشترط استحضار معناه, وإنما يشترط ألا يقصد غيره, فإن انضاف إلى الذكر باللسان الذكر بالقلب فهو أكمل, وإن انضاف إليهما استحضار معنى الذكر, وما اشتمل عليه من تعظيم الله تعالى, ونفى النقائص عنه ازداد كمالاً, فإن وقع ذلك فى عمل صالح مما فرض من صلاة أو جهاد أو غيرهما فكذلك, فإن صح التوجه وأخلص لله فهو أبلغ فى الكمال([9]).
ومما سبق يعلم أن التجمع لذكر الله بقراءة القرآن, أو مدارسة العلم, أو التسبيح والتهليل والتحميد من السنن التى حث عليها ربنا فى كتابه العزيز, وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، الصحيحة الصريحة.
والله تعالى أعلى وأعلم
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) الغرر البهية, لشيخ الإسلام زكريا الأنصارى, ج1 ص387.
([2]) الفتاوى الفقهية الكبرى, لابن حجر الهيثمى, ج2 ص 385.
([3]) البحر الرائق, لابن نجيم, ج2 ص 52.
([4]) الموسوعة الفقهية الكويتية, ج21 ص 257, 258, حرف الذال, ذكر.
([5]) المدخل, للعبدرى ابن الحاج: ج3 ص 179, 180.
([6]) أخرجه البخارى فى صحيحه, ج5 ص 2353.
([7]) أخرجه مسلم فى صحيحه, ج4 ص 2075.
([8]) أخرجه مسلم فى صحيحه, ج4 ص 2074.
([9]) سبل السلام, للصنعانى, ج2 ص
7
الذِّكر من أيسر العبادات وأفضلها كما أكدت ذلك عدة نصوص، منها:
قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "ألا أُنْبِئُكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذّهب والوَرِق (الفِضّة)، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ذكر الله".[1]
- وقوله عليه الصلاة والسلام: "ليس يَتَحسَّر أهل الجنة على شيء إلا على ساعة مرّت بهم لم يذكروا الله عز وجل فيها"،[2] والتحسر في الجنة إنما يكون لهم حين يرون مقامات الذاكرين من فوقهم وتنكشف رُتبهُم ودرجاتهُم، فإذا انكشف الغطاء يوم القيامة عن ثواب عباداتهم وأعمالهم... لم يروا ثوابا أفضل من ذكر الله تعالى...
والعبادة مع الجماعة تزيد في الفضل على العبادة في حالة الانفراد؛ ففي الجماعة تلتقي القلوب، ويستقي الضعيف من القوي، والمُظْلِم من المُنَوَّر، والكثيف من اللطيف، والجاهل من العالم، وهكذا... وقد وردت أحاديث كثيرة في الترغيب بالذكر الجماعي، منها:
• ما رواه البخاري في صحيحه، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه، ذكرتُه في نفسي، وإن ذكرني في ملأ، ذكرتُه في ملأ خير منهم".[3]
• وعند الترمذي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: حِلَقُ الذكر".[4]
• وروى مسلمٌ في صحيحه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من قوم يذكرون الله إلا حفَّتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده".[5]
وقد أجمع العلماء سلفاً وخلفاً على استحباب ذكر الله تعالى جماعةً لما فيه من الفضل، واستنهاض الهمم، ورَفْعِ جُملةٍ مِن الحُجب التي لا يُؤثِّر فيها الذكر المنفرد.
في حين أنّ الذكر المنفرد له أثر فعال في صفاء القلب وإيقاظه، وتعويد المؤمن على الأنس بربه، والتنعم بمناجاته، والشعور بقربه؛ ويكفي في ذلك أنّ من السبعة الذين يُظلهم الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله: "رجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه".[6]
هكذا رغَّب الشرع في الذكر بنوعيه: المنفرد ومع الجماعة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
[1]- رواه الترمذي في "السنن"، كتاب الدعوات، دار الحديث، القاهرة، 2005م، ج5 ص289. رواه كذلك ابن ماجه في "السنن"(ح9730)، وأحمد في "المسند" (ح59112)، والحاكم في "المستدرك" وقال حديث صحيح.
[2]- "تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي" دار الحديث، القاهرة، 2001م، ج6 ص176.
[3]- أخرجه البخاري في الصحيح، كتاب التوحيد، دار الحديث، القاهرة، 2004م، (4/426).
[4]- أخرجه الترمذي في "السنن"، كتاب الدعوات، دار الحديث، القاهرة، 2005م، (5/355).
[5]- صحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر، دار بن حزم، ص1448.
[6]- أخرجه البخاري في الصحيح، كتاب أبواب صلاة الجماعة، دار الحديث، القاهرة، 2004م، (1/169)، وأخرجه مسلم في كتاب الزكاة.
***** ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ******** ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ*******
سؤال عن حلقات الذكر الجماعى و أن ذكر الله عبادة، والعبادات توقيفية نأخذ كيفيتها من رسول الله،
الجواب من دار الإفتاء المصرية :
لا حرج فى هذا الفعل ولا يعد ذلك بدعة ،
وعدم ورود ذلك بخصوصه عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يجعله بدعة مذمومة .
بل كل ما اندرج تحت أصل عام من أصول الشرع ، جاز فعله لصدق هذا الأصل العام عليه، ويصير من ينكر ذلك معطلا لنصوص الشرع وغير عامل بها، وهذا الفعل يندرج تحت قول الله تعالى {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف :28]، فمن فعل ما ذكرت صدق فيهم أن جلسوا يدعون ربهم بالغداة، وفى الدر المنثور بالتفسير بالمأثور للإمام السيوطى فى تفسير هذه الآية : [وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن سلمَان قَالَ: قَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يلتمسهم حَتَّى أَصَابَهُم فِي مُؤخر الْمَسْجِد يذكرُونَ الله فَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي لم يُمِتْنِي حَتَّى أَمرنِي أَن أَصْبِر نَفسِي مَعَ رجال من أمتِي مَعكُمْ الْمحيا وَالْمَمَات .... وَأخرج ابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الرَّحْمَن بن سهل بن حنيف قَالَ: نزلت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ فِي بعض أبياته {واصبر نَفسك مَعَ الَّذين يدعونَ رَبهم بِالْغَدَاةِ والعشي} فَخرج يلتمسهم فَوجدَ قوما يذكرُونَ الله فيهم ثَائِر الرَّأْس وجاف الْجلد وَذُو الثَّوْب الْوَاحِد فَلَمَّا رَآهُمْ جلس مَعَهم وَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي جعل فِي أمتِي من أَمْرِي أَن أَصْبِر نَفسِي مَعَهم].
إلى غير ذلك من الأحاديث والآثار التى تدل على جواز الاجتماع على الذكر ، وقد جمعها الإمام السيوطى فى مؤلف خاص سماه (نتيجة الفكر فى الجهر بالذكر) ، والإمام اللكنوى فى (سباحة الفكر فى الجهر بالذكر) ، فمن اطلع على ما ثبت فى الباب من آثار بجواز الاجتماع على الذكر والجهر به، سواء كان ذلك ذكرا مطلقا أو دعاء أو تلاوة قرآن، أو أذكار الصباح والمساء أو الأوراد والأحزاب المؤلفة الجامعة لعيون أدعية الكتاب والسنة، فكل ذلك جائز بل مستحب مندوب إليه، فكيف يقال إنه بدعة ، ما يقول ذلك إلا من غفل عن أدلة الباب، أو أراد تعطيلها وعدم العمل بها، أو كان مبتدعا مخالفا للسنة وإن ادعى خلاف ذلك.
فهذا الفعل المذكور فى السؤال ليس ببدعة، لأن الحديث يقول "من عمل عملا ليس عليه أمرنا" فالقيد "ليس عليه أمرنا" "أو ما ليس منه" كما في الرواية الأخرى لمسلم يدل على جواز إحداث المحدثات التي تتفق مع أصل الشرع ولا تعارض سنة، وقد فهم هذا الفهم أئمة العلماء كسلطان العلماء العز بن عبد السلام، حيث قسم البدعة إلى واجبة ومندوبة ومباحة ومكروهة ومحرمة. وجعل المحرمة هي التي تتعارض مع الشرع.
فإن الأمر المحدث لابد أن يعرض على الشرع الشريف فإن خرج على قواعد الإيجاب كان واجبا، وإن خرج على قواعد الندب كان مندوبا وهكذا. وما ذكرته من محدثات تدخل تحت قواعد الندب حيث يستحب للمسلم أن يذكر الله تعالى مطلقا ،
أما قولهم : الذكر عبادة ، فصحيح .
أما قولهم: "وكل عبادة توقيفية نأخذ كيفيتها من النبى صلى الله عليه وسلم" ففيه مغالطة، فكونها عبادة وتوقيفية لا يمنع من إجراء قواعد العام والمطلق عليها ، وإلا لعطلنا النصوص الشرعية. والفقهاء جميعا يتعاملون مع العبادات مثل غيرها فى هذا الباب، فمتى اندرج فرع أو مسألة من مسائل العبادات تحت أصل عام أجروه، ولم يتوقفوا فيه لكونه عبادة توقيفية. وكتب الفقه مليئة بعشرات بل مئات المسائل من مسائل فقه العبادات جرى فيها الفقهاء على ذلك. فقولهم "عبادة توقيفية" صحيح، وقولهم لا بد من معرفة كيفيتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيح أيضا، وقد علمنا من النصوص العامة التى أتى بها رسول الله حكمها وكيفيتها، فامتناعهم عن إجراء العام فى عمومه ، أو المطلق فى أفراده هو تعطيل للنصوص الشرعية .
ومطالبتهم بدليل خاص فى كل مسألة، ورد العمومات والمطلقات بدعة قبيحة فى الشرع، وتحكم على الشارع[
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ابن تيمية يجيز الاجتماع على الذكر والجهر به
( مسألة 175 في رجل ينكر على أهل الذكر يقول لهم هذا الذكر بدعة وجهركم في الذكر بدعة وهم يفتتحون بالقرآن ويختتمون ثم يدعون للمسلمين الأحياء والأموات ويجمعون التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والحوقلة ويصلون على النبي صلى الله عليه وسلم والمنكر يعمل السماع مرات بالتصفيق ويبطل الذكر في وقت عمل السماع
الجواب
الاجتماع لذكر الله واستماع كتابه والدعاء عمل صالح وهو من أفضل القربات والعبادات في الأوقات ففي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن لله ملائكة سياحين في الأرض فإذا مروا بقوم يذكرون الله تنادوا هلموا إلى حاجتكم وذكر الحديث وفيه وجدناهم يسبحونك ويحمدونك لكن ينبغي أن يكون هذا أحيانا في بعض الأوقات والأمكنة فلا يجعل سنة راتبة يحافظ عليها إلا ما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم المداومة عليه في الجماعات من الصلوات الخمس في الجماعات ومن الجمعات والأعياد ونحو ذلك
وأما محافظة الإنسان على أوراد له من الصلاة أو القراءة أو الذكر أو الدعاء طرفي النهار وزلفا من الليل وغير ذلك فهذا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والصالحين من عباد الله قديما وحديثا فما سن عمله على وجه الاجتماع كالمكتوبات فعل كذلك وما سن المداومة عليه على وجه الانفراد من الأوراد عمل كذلك كما كان الصحابة رضي الله عنهم يجتمعون أحيانا يأمرون أحدهم يقرأ والباقون يستمعون وكان عمر بن الخطاب يقول يا أبا موسى ذكرنا ربنا فيقرأ وهم يستمعون وكان من الصحابة من يقول اجلسوا بنا نؤمن ساعة وصلى النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه التطوع في جماعة مرات وخرج على الصحابة من أهل الصفة وفيهم قارئ يقرأ فجلس معهم يستمع وما يحصل عند السماع والذكر المشروع من وجل القلب ودمع العين واقشعرار الجسوم فهذا أفضل الأحوال التي نطق بها الكتاب والسنة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق