ما معنى قوله تعالى: (تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) 4المعارج؟
-------------
أيام الله عزَّ وجلَّ متفاوتة ومتعددة، اليوم الكوني الذي نعرفه جميعاً - والذي نحن فيه، وهذا يرتبط بدورة الشمس - إذا أشرقت الشمس بدأ اليوم، وإذا غابت الشمس انتهى اليوم وبدأ الليل، وكما قلت: الذي أسس هذا النظام سيدنا إدريس بإلهام من الله عزَّ وجلَّ.
أيام الله التي بها خلق الأكوان والتي يقول فيها: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) (38ق) وقال لنا في اليوم الواحد منها: (وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ) (47الحج). فالأيام التي خلق الله فيها الأكوان يساوي اليوم فيها من أيامنا ألف سنة.
يوم القيامة ستكون الشمس كورت، وتكون النجوم انكدرت، ويُلقى بالشمس والقمر في جهنم، ولم يعد ليل ولا نهار ولا أفلاك ولا نجوم، هذا اليوم ما مقداره؟ (فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) (2المعارج)، ما يساوي خمسين ألف سنة من أعمارنا.
أيام الجنة أيام ممدودة وليست معدودة، ليس فيها ليل ولا نهار ولا نهاية: (خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا) (11الطلاق) ممدودة ليس لها نهاية، وحتى يُعرِّفنا الله عزَّ وجلَّ قدر الكائنات التي خلقها الله فوقنا في السماوات، فبيَّن الله عزَّ وجلَّ أن الملائكة مع قوتهم ينزل الملك منهم من سدرة المنتهى وما فوقها وهي نهايتهم إلى العالم الأرضي في يوم مقداره خمسين ألف سنة: (تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) (2المعارج).
لو حسبنا ما يقطعوه في لحظة نجده يساوي ما نقطعه نحن إذا استطعنا في خمسين ألف سنة، في حين أن يومه يساوي خمسين ألف سنة مما نعده حتى نعرف قدرة الله عزَّ وجلَّ التي مدَّ بها ملائكته الكرام، وهم جند الله عزَّ وجلَّ: (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) (31المدثر).
والصالحون والعارفون سمت أرواحهم وعلت هممهم لأنهم يقتطفون من أزاهير الحكمة العلية الإلهية، ويقتطفون من العلوم المقدسة الربانية في عروج أرواحهم، فما يُحصِّلونه في لحظة في هذه السياحة الروحانية لا نستطيع أن نحصله بالأدوات الحسية المادية في خمسين ألف سنة، حتى قال بعضهم: ((إن الله يفيض على قلوب أهل المعرفة سبعين ألف علماً من كتاب الله!!))، ما حدود هذه العلوم؟!.
ولذلك قالوا ناصحين للمريدين - كما قال إمامنا أبو العزائم رضي الله عنه وأرضاه: ((نفسٌ مع العارف حياة للقلب، ونفسٌ في حياة القلب خير من حياة الفردوس))، ويقول في حكمة أخرى: ((نفسٌ مع العارف خير من عمل العبَّاد والزهاد سنين طوال)).
ولذلك كان الصالحون في كل زمان ومكان إذا وجدوا المجدين والمجتهدين في العبادة؛ وجاءوا إلى حضراتهم، وتركوهم واشتغلوا بالعبادة؛ نبَّهوهم لأن هذا طريق غير سوي. الشيخ مصطفى البكري رضي الله عنه كانت بدايته في القدس، وكان تلميذه الشيخ الدردير من مصر، فذهب لزيارة الشيخ، وبعدما جلس معه فترة بالليل استأذن الشيخ وذهب ليقوم الليل، فبعد أن انتهى قال له الشيخ: أنت مشغول بالسُّنَّة عن الفرض وهذا لا يجوز، فأنت ما تفعله نوافل وسنن، والإقبال على العارف فريضة، طالما أنت عندي هنا فليس عليك بعد الفريضة إلا الجلوس معي.
حتى النوافل يجب أن تخففها، فلو المريد اعتاد أن يُصلي الوتر خمس ركعات أو سبعة، فلو كان في حضرة الشيخ يكتفى بــ: (أوتروا ولو بواحدة).
وأنا أتعجب من بعض الأحباب تجده قبل صلاة الجمعة مباشرة يقف في الصف الأول أمام المنبر ويُصلي ركعتين ثم ركعتين وهكذا، واحتار في الصعود إلى المنبر، هذا متعلق بالعبادة ونسي أبواب الفضل الإلهي الذين هم سبب قبول العبادة عند الله، وهذا معنى إشاري استشفه العارفون من هذه الآيات المباركة، نسأل الله عزَّ وجلَّ أن ينفعنا بها أجمعين.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لقراءة المزيد يمكنكم الدخول على الموقع الرسمى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق