لأن ديننا يرسي القيم الفاضلة - وهي أحرص ما يحرص عليه الإسلام – فليس الإسلام دين شعارات،
ولا عبادات مبتورة عن الأخلاق والمعاملات، وإنما هو دينٌ متكاملٌ يكمِّل بعضه بعضاً،
فإذا كان الإنسان يحافظ على الفرائض في وقتها، لكن لا يراعي قيم الإسلام في تعامله مع الخلق، فدينه فيه نقص،
وعبادته لم تحقق غايتها، وهذا نسميه التدين المنقوص، أى غير كامل.
فالإسلام كُلٌ متكامل، فيطلب من المؤمن أن يعطي الله حقَّه، ويعطي لجسمه حقَّه، ويعطي لأهله حقَّهم، ويعطي لمجتمعه حقَّه،
ويعطي لذوي رحمه حقَّهم، ويعطي لأصدقائه حقَّهم، ويعطي للكبير حقَّهُ وللصغير حقَّه،
ويقوم بكل الحقوق التي أوجبها عليه الدين، كما أمر الله ووضَّح رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكل تلك الحقوق تندرج تحت أصناف العبادات والطاعات والقربات!
وعندها نقول: (أنه صالحٌ ) أى انصلحت أخلاقه بالعبادات والقربات التى أثمرت فيه
وجعلته صالحا للتعامل مع من سواه من خلق الله!
ولذلك قبل الدخول في تفاصيل ووسائل التربية والتهذيب وإصلاح القلوب،
وما يستتبعه ذلك من المجاهدات والأعمال الصالحات والطاعات والعبادات
يجب أن نقف وقفة حاسمة نتعلم فيها - بوضوح - ما الغاية والهدف من الطاعات؟
وأين نضع أعيننا ونحن نقوم بها؟
وبدون أن نفهم ونستوعب إجابة هذا السؤال: (ما الغاية والهدف من الطاعات؟) لن نستفيد حقاً من الطاعات،
بل قد تكون باباً للإغترار!!!
لأن من تحلوا بمكارم الطاعات لا يغتروا في أنفسهم إن عرفوا أن الفضل فضل الله، والتوفيق في كل عمل إنما هو لله ومن الله،
وإن أحسنوا في معاملة إخوانهم فترفعوا عن التشبه بهم في سفاسف الأخلاق أو سيىء المعاملات،
فصاروا بعد ذلك أهلاً لأن يخصَّهم الله عزَّ وجلَّ بشريف العبادات:
(وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا)
(91- الفرقان)
وهذا ما تؤكده السُّنة، فقد قالوا:
{ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فُلاَنَةً تَصُومُ النَّهَارَ، وَتَقُومُ اللَّيْلَ وَتُؤْذِي جِيرَانَهَا، قَالَ: هِيَ فِي النَّارِ،
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فُلاَنَةً تُصَلي المَكْتُوبَةَ، وَتَصَّدَّقُ بِالأَثْوَارِ مِنَ الأُقْطِ (القليل جداً)، وَلاَ تُؤْذِي جِيرَانَهَا، قَالَ: هِيَ فِي الْجَنَّةِ }
(عن أَبي هُريرةَ رضى الله عنه المستدرك على الصحيحين)
فالأولى فى النار مع أنها عَبَدَتْ ربَّها بالصيام والصلاة، إلا أنَّها لم تصل إلى ثمرة الطاعة، وهى إحسانِها إلى بني جنسها وأهل مجتمعها!!
فإن طاعة الله المستقيمة - إذا كانت قويمة – كانت ثمرتُها ونتيجتُها أخلاقاً مستقيمة، وأحوالاً قويمة،
تظهر في سلوكيات الطائعين، والقانتين والعابدين والذاكرين والحامدين لله عزَّ وجلَّ
والثانية نفلها قليل، ولكن طاعتها أثمرت خلقا حسناً!!
ولذلك قال ربُّ العزَّة عزَّ شأنه - مبيِّناً ومشيراً إلى بعض حكم الصلاة - وهي أعظم العبادات الإسلامية:
(إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ)
(45العنكبوت)
ويبين هذه الآية النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه فيقول:
{ من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له }
(رواه الطبرانى فى الكبير عن ابن عباس)
ويبيِّن الله عزَّ وجلَّ الهدف من الصيام فيقول جلَّ شأنه:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)
(183- البقرة)
ويوضح هذه التقوى وخصوصيتها النبيُّ صلى الله عليه وسلم فيقول:
{الصومُ جُنَّةٌ - أى وقاية - فَإذَا كَانَ يومُ صُومُ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَرْفُثْ يومئذٍ ولا يَصخَبْ،
فَإنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَو قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إنِّي امرؤٌ صائِمٌ إنِّي امرؤٌ صائِمٌ }
(رواه البخاري ومسلم عن أبي جريج، وأحمد والبيهقي والنسائي عن أبي هريرة)
ويبين الله عزَّ وجلَّ كذلك هدفاً سامياً من أهداف فريضة الحجِّ،
مطالباً عبادة المؤمنين بالتمسك به عند أداء فريضة الحجِّ، فقال جلَّ شأنه:
(فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ)
(197البقرة)
وكلها أخلاق نهى عنها الكريم الخلاق. فالأخلاق هى لُبُّ وجوهر العبادات الإسلامية،
بل هي الثمرة للمجتمع وللمحيطين بالإنسان الذين يرون فيه حُسْنَ تديُّنه وجمال طاعته وتأدبه بآداب الله عزَّ وجلَّ.
لقراءة المزيد يمكنكم الدخول على
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق