الحمد لله مُولي النِّعم ، والشُكر لله باري النِّسم .....
والصلاة والسلام علي من اختاره الله منذ القدم إماما للرسل والأنبياء ، وسيدا للعرب والعجم ،..... سيدنا محمد وآله وصحبه ،وكل من تعلق به أو سار علي هديه إلي يوم الـدين ...... آمين....... وبعد ............
فنظرا لما ألَمَّ بالمسلمين من أحداث في هذه الأيام ، تتمثل في محاولة الكافرين والجاحدين والمشركين النيل من الإسلام والمسلمين ؛ وذلك بالتجني علي مبادئه ، والادعاءات الكاذبة علي أهله ، والهجوم الدنيئ علي نبيِّه.
مستغلِّين فى ذلك إمكاناتهم المادية ، ومعداتهم التكنولوجية ، ووسائلهم الإعلامية الشَّيطانية ،رأي بعض الإخوة الصادقين ذوي الحميِّة الدينيَّة ، والمحبَّة الخالصة للحضرة المحمديـَّة ؛ أن نقوم بإعادة طبع هذا الكتاب:
}} حديثُ الحقَائق عنْ قَدر سيِّد الخلائق {{ ... للمرَّة الثالثة
.
وذلك طمعا في تأجيج الشوق في قلوب المسلمين نحو نبيهم ، وتبصيرهم بمكانته الكريمة عند ربِّه ، وبيان علو شأن الإسلام وأهله ، بسرِّ رسالته وبركة نبوَّته ،فاستخرنا الله تعالي في إعادة طبعه للمرَّة الثالثة .
مع علمنا يقينا أن الإسلام ،ونبيَّه ، وكتابه ، وأهله ؛ في علو دائم ، وسيزيـد ويستمرُّ إلي يوم الدين ، وما كيدُ الكافرين بأقوالهم.. ، وأفعالهم.. ، ورسوماتهم... ؛ إلا كما يقول ربُّ العالمين ..... مبشِّرا عباده المسلمين في كل وقت وحين (سورة الصف):
p يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ i
أسأل الله تعالي .... أن يعزَّ الإسلام ، ويعلي شأن المسلمين ، وأن يبصِّرهم بأمور دينهم ، ويوفِّقهم للعمل بشرعه وكتابه المبين ، مقتدين برسوله ونبيِّه المكين .
كما نسأله عز وجل أن يجازي كل من ساهم في إعادة طبع هذا الكتاب أو نشره ، عنَّا وعن المسلمين أجمعين خير الجزاء ، وأن يرزقهم صفاءاً ، ونقاءاً ، ونوراً ،وجمالاً ، وبهاءاً، وأن يمتَّعهم في الدنيا والآخرة بمعيِّة الصَّالحين والأنبياء.....
مُقَدِّمَةُ الطبْعَتين الأُولى وَ الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله واهب الحياة ...
وله وحده تخرّ الجباه ، فالملك والملكوت ، والعلو والسفل كلها تخضع لربوبيته ، وتخشع لعظمته ، وتقرُّ بوحدانيته ، وتطمع أن تنال مقام العبودية لحضرته :
والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد بن عبد الله ....العالي القدر ، العظيم الجاه ، الذي قرَّبه مولاه وأدناه ، وصَفَّاه ،ورقَّاه إلى ما لم يصل إليه أحد سواه .
وآله وورثته ، وكل من سار على هديه وسيرته ، وعمل بشريعته وأحيا سنته ، آمين يارب العالمين ......... وبعد ..........
فإن الحديث عن سيدنا رسول الله مُتشعِّب الأطراف ، مُتعدِّد النَّواحي .
لأن البشرية على مدى عصورها ، وإختلاف أزمانها ، لم تستوعب سيرة لعظيم من عظمائها ، كما استوعبت سيرة هذا السيِّد العظيم صلوات الله وسلامه عليه .
فقد سجَّل عليه معاصروه بعيونهم الفاحصة ؛ كلَّ حركاته وسكناته ؛ في بيته ، ومع زوجاته ، وفي المسجد بين أصحابه ، وفي جهاده مع أعدائه ، وفي عباداته الخاصة التي انفرد بها مع ربِّه ؛ حتى ما حدث بسببه قبل ولادته ، وما رأته أمه أثناء حمله وولادته ، وما كان عليه في طفولته وشبابه!!..فلم يتركوا شاردة ولا وارده تتعلق بهذا السيِّد العظيم ؛ إلا ورووها بالأسانيد الصحيحه ، بعد توثيق سندها ومتنها ؛ ولذا كان من الصعب على أي إنسان ، مهما كان إجتهاده وقدره في العلم ؛ أن يحيط بناحية واحدة من نواحي سيرته ، ناهيك بنواحي عظمته كلها .....فكان أن ألَّف بعضهم في:
1- دلائل نبوته : كما فعل أبو نعيم ، والبيهقي .
2- ومنهم من ألَّف في شمائله : مثل الترمذي ، والقاضي عياض في كتاب ( الشّفا ) ،وأجمعها ( المواهب اللدنيِّة ) للقسطلاني ، وشرحه للزرقاني .
3- ومنهم من ألَّف في معجزاته : كابن دحية ، والنبهاني في كتابه ( حجة الله على العالمين في معجزات سيـــِّد المرسلين ) .
4- ومنهم من جمع خصائصه ؛كأبي الربيع بن سبع في كتابه ( شفـاء الصدور ) ، والسيوطي في كتابه ( الخصـــائص ) .
5- ومنهم من ترجم لأصحابه مثل ابن عبد البر في ( الاستيعاب ) وابن الأثير في ( أُسْد الغابة فى معرفة الصحابة)، وابن حجر في ( الإصــابة فى تمييز الصحابة ) .
6- ومنهم من شرح أقواله ؛مثل ابن الأثير ، والطبري في (التاريخ ) ، والمقريزي في ( إمتاع الأسماع ) .
7- ومنهم من حاول أن يجمع سيرته ؛ كابن هشام ، وابن سعد، وأشمل كتاب في هذا الباب هو( السيرة الشاميَّة ) أو ( سبل الهدى والرشاد في هدى خير العباد ) الذي ذكر الحافظ الشامى أنه جمعه من ثلاثمائة كتاب .
8- ومنهم من اختصر هذه السيرة ؛ كابن سيد الناس في كتابه (عيون الأثر ).
9- ومنهم – وذلك في العصر الحديث – من ركَّز على القضايا التي يختلقها المستشرقون للنيل من منزلته، فساقها ، ثم ردّ عليها ،مثل محمد حسين هيكل في كتابه ( حياة محمد ) ، والعقاد في كتابه ( عبقرية محمد ) .
10- ومنهم من ركَّز على معجزات أقواله التي لم يكشف حقائقها العلم إلا في عصرنا الحديث ، وهي كَمٌّ كثيرٌ جداً منها ( معجزات في الطب للنبي العربي ) لمحمد سعيد السيوطي وكل كتب الطب النبوي .
وبالجملة ، فالحديث عنهصلى الله عليه وسلم شعابه متنوعة ، ومجال الكلام فيه ذو سعة !!.
وفي الحقيقة ، إن المسلمين في كل زمان ومكان ، لكي ينهضوا من كَبْوتهم ، ويجمعوا شمل أمّتهم ، ويرفعوا راية نهضتهم ، لابد أن تُوضع بين أيديهم سيرة صاحب الرسالة عليه السلام ، كاملة مفصّلة ، ليكون أمامهم المثل الأعلى في الخلق الرضى والشمائل المحمودة ، وليقرءوا فيها صحائف حياته الكريمة في التضحية والإيثار والبر والإحسان ، وليعرفوا النّْبع الصافي والمنْهل العَذْب ، فيما جاء به من شريعة سمحة وعقائد نقيّة ، هي القدوة الطيِّبة في العدل والمساواة ، ومسايرتها للزمن فيما يصلح الناس في دنياهم وآخرتهم في أقطار الأرض جميعاً .
وقد كان لأئمة الصوفية عناية خاصة برسول الله بعد أن وجَّه الله إلى ذلك في كتابه الكريم فى العديد من المواضع.
فعلموا أن متابعته تُكسب العبد محبَّة الله ..... ، ومحبَّتـه ترفع العبد إلى أعـلى
درجات الإيمان بالله، والصلاة والتسليم عليه باب الوصول إلى حضرة الله ، ومشاهدة حضرته دليل على صدق العبد في اتباع هداه ، والتشبه بأخلاقه والإقتداء بهديه أعظم الوسائل للفوز برضوان الله! فأقبلوا على هذه الأبواب ، وتعلَّقوا بها ، ووجَّهوا إليها المريدين والأحباب .
وهم رضى الله عنهم يلجون هذا الباب بالعناية بالآيات القرآنية التي تتحدث عنه أو تشير إليه صلوات الله وسلامه عليه ، ولهم في هذه الآيات مشاهداتٌ وأذواقٌتعبِّر عن مكنون حبّهم ولواعج أشواقهم ؛ إذا ذكروها فإنها تُثير الغرام ....وتُحرّك الشوق في قلوب إخوانهم .
ومن أشهر من كتب منهم في ذلك :
الشيخ محيي الدين ابن عربي في كتابيه ( الفتوحات المكية) ، و(شجرة الكون) ، والشيخ عبد الكريم الجيلي في كتابيه ( الإنسان الكامل ) ، و( الكمالات الإلهية في الصفات المحمَّدية) ، والشيخ عبد العزيز الدباغ في كتابه ( الإبريز ) ، و الشيخ أحمد التجاني في كتابه ( جواهر المعاني ) .
وقد جمع معظم أقـوال العارفين السابقين الشيخ يوسـف النبـهاني في كتابه ( جواهر البحار ) ، كما جمع كل صيغ الصلوات على رسول الله الواردة عن الصالحين في كتابه ( سعادة الدارين ) .
وممن اهتَّم بهذا الباب في عصرنا :
الإمام أبو العزائم في كتبه : ( الطهــور المدار ) ، و ( النـور المبين ) ، و (الإسلام دين ) ، و (شراب الأرواح ) ، والدكتور محمد بن علوى المالكي في كتابيه ( الذخائر المحمديِّة ) ، و ( الإنسان الكامل ) .
ولنا فى هذا مؤلفـات مما أفـاض الله علينا مثـل ( حديث الحقائق عن قدر سيِّد الخلائق ) و هو الكتاب الذى بين يديك ، و( الكمالات المحمدية ) ، و( الرحمة المهداة ) ، و( إشراقات الإسراء ) ، و( واجب المسلمين المعاصرين نحو رسول الله ) ، و ( الخطب الإلهامية : المجلد الأول : المناسبات، وهو مجلد من ستة أجزاء فى المناسبات الإسلامية خلال العام )، و ( أذكار الأبرار )، و ( مفاتح الفرج )
وحَصْر من كتبوا في هذا الباب أمر يطول .
ولما كان الناس قد انشغلوا في زماننا هذا بالأمور المادية ، وجعلوها تطغى على حياتهم الروحية ؛ فقد دأبنا على تذكيرهم بذلك ، وندعوهم في سبيل التخلص من سيطرة الحواس والأهواء ، والتعلق بأحوال المقرَّبين والأصفياء :
إلى استحضار الحبيب ،والتخلّق بأخلاقه ، والتّعلّق بشمائله ، والإكثار من الصلاة والتسليم عليه مع استحضار بعض صفاته ؛ لترسخ في الذهن ، وتحلَّفي القلب ؛ فتكسبه صفاءاً ،وتزيده نوراً .
وقد جمع بعض تلك المحاضرات إخوة لنا صادقون جزاهما الله عنّا خير الجزاء، وهي في جملتها تتحدث عن حياتهالنورانية ، وأطوارها النبـوية ، وصفاته الربانيَّة ، ومقاماته الروحانيَّة ، مع الإشارة إلى بعض ما أحاطته به العناية الإلهية من بدء البدء إلى نهاية النهايات ، حتى تتنبَّه القلوب إلى فضل علام الغيوب ؛ فتتخلَّص من العيوب ،وتقبل على هذا المنهل الربَّاني فتشرب منه طهور المشروب :
وإن كنت أرى أن ما ذكرته هنا عن الذات المحمدية ، لا يساوي ذرة رمل في صحراء واسعة...!!!!...، ولا قطرة ماء في محيطات شاسعة ....!!!!....وإنما أبيِّن على قدري ....بما يشرح الله به صدري .....
أما كمالات هذا الدّرى المنير الممنوحة من العلي القدير ،ففوق الإدراك والتصوير .
والأمر كما قال ابن الفارض :
أرى كل مدح في النبي مقصِّراً
ومناماً ، حِلا وترحالا ، دنيا وآخرة ياربَّ العالمين .
حمل الكتاب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق