مما ينبغي أن يكون في صلب أولويات الخطاب الإسلامي المعاصر العمل على تحديد المفاهيم
وضبط الاصطلاحات؛
لأنها عملية في صميم قضية الـهُـوية.
فالاصطلاحات ـ كانعكاسٍ للجوهر الحضاري- ليست سوى منظومة فكرية،
يفترض فيها الانسجام والتكامل؛ وذلك لأن الإنسان - بوصفه فردًا، وباعتباره جزءًا من مجتمعه وأمته- يعبر عن رؤيته للواقع والوقائع من خلال اللغة،
وطريقة تعبيره تؤثر بدورها في الرؤية،
فنحن كما نخلق طريقة تعبيرنا
نتأثر كذلك بالنظام الإشاري الذي نستخدمه.
وإذا كان الحوار بمختـلِـف صوره
(حوار المسلمين فيما بينهم، وحوارهم مع غيرهم)
هو طريق النجاة من الاستقطاب الفكري المدمـِّـر؛ فإن تحرير مضامين المصطلحات،
واكتشاف مناطق التمايز في المعاني والمفاهيم مهمـةٌ أساسيـةٌ وأوَّليـةٌ بالنسبة لأي حوار جادٍّ،
يروم إنقاذ حياتنا الفكرية من خطر التعصب والاستقطاب، ويوجد بين الفرقاء والمتحاورين لغـةً فكريـةً مستقيمـة.
وعدم العناية الكافية بهذا الباب من أبرز سلبيات الخطاب الإسلامي المعاصر..
وقد أورث هذا أخطاءً فادحـةً في الفكر والحركة جميعًا!.
فالاختلال في فهم مصطلح "الحاكمية" أدى إلى الوقوع في براثن تكفير الأنظمة بإطلاق،
دون تفريق بين "الحاكمية القدرية" و"الشرعية المطلقة" للخالق (جل وعلا)،
وبين حاكمية سلطة الاجتهاد فيما لا نص فيه،
أو فيما جعله الشارع الحكيم محلا للاجتهاد.
كما أن الغلو في مصطلح "الجاهلية"
أدى إلى تكفير المجتمعات،
دون مراعاة للحد الفاصل بين
"جاهلية الاعتقاد" و"جاهلية العمل".
كما غدا الغلو في فهم مصطلحات "الفرقة الناجية"و"الطائفة الظاهرة" و"الجماعة المسلمة"
منطلقًا للتكفير المذهبي، دون اعتبارٍ لسياقات النصوص، وإنزالها حسب مراد الشرع الحنيف.
وأسهم التنطع في مصطلحي "الجهاد" و"الحسبة" إلى إيقاع العنف الفكري والسلوكي،
والذي كان حصاده ـ ولا يزال- مُـرًّا، باهظ الكُـلْـفة.
ومن هذه المصطلحات؛ التي أدى اختلال ضبط مفاهيمها إلى ما ذكرنا من أخطاءٍ فادحة
في الفكر والحركة.. وهي مجرد نموذج على ما وراءها، مما لا يسمح به المقام:
الموالاة والمحآدَّة، فالقرآن الكريم يزخر بنصوص تنهى عن موالاة غير المسلمين،
وتقرر أن الولاء عندما يقع النزاع إنما يكون لله ولرسوله، غير أن هذا الأصل محاط بضوابط،
تحول دون تحوله إلى عداوة دينية، أو بغضاء محتدمة، أو فتنة طائفية مثل:
- النهي ليس عن اتخاذ المخالفين في الدين أولياء بوصفهم شركاء وطن، أو جيران دار،
أو زملاء حياة، وإنما هو عن توليهم بوصفهم جماعة معادية للمسلمين، تحآد الله ورسوله؛
لذلك تكررت في القرآن عبارة (من دون المؤمنين)؛
للدلاله على أن المنهي عنه هو الموالاة التي يترتب عليها انحياز المؤمن إلى معسكر اعداء دينه وعقيدته.
- المودة المنهي عنها هي مودة المحآدين لله ورسوله؛ الذين
(يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ)(الممتحنة: 1)..
لا مجرد المخالفين ولو كانوا سلمًا للمسلمين.
- غير المسلم الذي لا يحارب الإسلام قد تكون مودته واجبة،
كما في شأن الزوجة الكتابية، وأهلها؛ الذين هم أخوال الأبناء المسلمين..
فمودتهم قربة، وقطيعتهم ذنب.
- الإسلام يُعلي من شأن الرابطة الدينية، ويجعلها أعلى من كل رابطة سواها،
ولكن ذلك لا يعني أن يرفع المسلم راية العداوة في وجه كل غير مسلم؛
لمجرد المخالفة في الدين، أو المغايرة في العقيدة.
ـــــــــــــــــــــــــــ
دكتور / عصام البشير
* وزير الأوقاف والشئون الإسلامية السابق بالسودان.
وضبط الاصطلاحات؛
لأنها عملية في صميم قضية الـهُـوية.
فالاصطلاحات ـ كانعكاسٍ للجوهر الحضاري- ليست سوى منظومة فكرية،
يفترض فيها الانسجام والتكامل؛ وذلك لأن الإنسان - بوصفه فردًا، وباعتباره جزءًا من مجتمعه وأمته- يعبر عن رؤيته للواقع والوقائع من خلال اللغة،
وطريقة تعبيره تؤثر بدورها في الرؤية،
فنحن كما نخلق طريقة تعبيرنا
نتأثر كذلك بالنظام الإشاري الذي نستخدمه.
وإذا كان الحوار بمختـلِـف صوره
(حوار المسلمين فيما بينهم، وحوارهم مع غيرهم)
هو طريق النجاة من الاستقطاب الفكري المدمـِّـر؛ فإن تحرير مضامين المصطلحات،
واكتشاف مناطق التمايز في المعاني والمفاهيم مهمـةٌ أساسيـةٌ وأوَّليـةٌ بالنسبة لأي حوار جادٍّ،
يروم إنقاذ حياتنا الفكرية من خطر التعصب والاستقطاب، ويوجد بين الفرقاء والمتحاورين لغـةً فكريـةً مستقيمـة.
وعدم العناية الكافية بهذا الباب من أبرز سلبيات الخطاب الإسلامي المعاصر..
وقد أورث هذا أخطاءً فادحـةً في الفكر والحركة جميعًا!.
فالاختلال في فهم مصطلح "الحاكمية" أدى إلى الوقوع في براثن تكفير الأنظمة بإطلاق،
دون تفريق بين "الحاكمية القدرية" و"الشرعية المطلقة" للخالق (جل وعلا)،
وبين حاكمية سلطة الاجتهاد فيما لا نص فيه،
أو فيما جعله الشارع الحكيم محلا للاجتهاد.
كما أن الغلو في مصطلح "الجاهلية"
أدى إلى تكفير المجتمعات،
دون مراعاة للحد الفاصل بين
"جاهلية الاعتقاد" و"جاهلية العمل".
كما غدا الغلو في فهم مصطلحات "الفرقة الناجية"و"الطائفة الظاهرة" و"الجماعة المسلمة"
منطلقًا للتكفير المذهبي، دون اعتبارٍ لسياقات النصوص، وإنزالها حسب مراد الشرع الحنيف.
وأسهم التنطع في مصطلحي "الجهاد" و"الحسبة" إلى إيقاع العنف الفكري والسلوكي،
والذي كان حصاده ـ ولا يزال- مُـرًّا، باهظ الكُـلْـفة.
ومن هذه المصطلحات؛ التي أدى اختلال ضبط مفاهيمها إلى ما ذكرنا من أخطاءٍ فادحة
في الفكر والحركة.. وهي مجرد نموذج على ما وراءها، مما لا يسمح به المقام:
الموالاة والمحآدَّة، فالقرآن الكريم يزخر بنصوص تنهى عن موالاة غير المسلمين،
وتقرر أن الولاء عندما يقع النزاع إنما يكون لله ولرسوله، غير أن هذا الأصل محاط بضوابط،
تحول دون تحوله إلى عداوة دينية، أو بغضاء محتدمة، أو فتنة طائفية مثل:
- النهي ليس عن اتخاذ المخالفين في الدين أولياء بوصفهم شركاء وطن، أو جيران دار،
أو زملاء حياة، وإنما هو عن توليهم بوصفهم جماعة معادية للمسلمين، تحآد الله ورسوله؛
لذلك تكررت في القرآن عبارة (من دون المؤمنين)؛
للدلاله على أن المنهي عنه هو الموالاة التي يترتب عليها انحياز المؤمن إلى معسكر اعداء دينه وعقيدته.
- المودة المنهي عنها هي مودة المحآدين لله ورسوله؛ الذين
(يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ)(الممتحنة: 1)..
لا مجرد المخالفين ولو كانوا سلمًا للمسلمين.
- غير المسلم الذي لا يحارب الإسلام قد تكون مودته واجبة،
كما في شأن الزوجة الكتابية، وأهلها؛ الذين هم أخوال الأبناء المسلمين..
فمودتهم قربة، وقطيعتهم ذنب.
- الإسلام يُعلي من شأن الرابطة الدينية، ويجعلها أعلى من كل رابطة سواها،
ولكن ذلك لا يعني أن يرفع المسلم راية العداوة في وجه كل غير مسلم؛
لمجرد المخالفة في الدين، أو المغايرة في العقيدة.
ـــــــــــــــــــــــــــ
دكتور / عصام البشير
* وزير الأوقاف والشئون الإسلامية السابق بالسودان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق