أما النفس فهي كما قال الله عزوجل في شأنها:
إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي (53يوسف)
ولم يقل: { آمرة } ولكن قال: { أمَّارة } بصيغة المبالغة:
أي لا تكف عن تكرار الأمر للإنسان الذي فيه مخالفة لحضرة الرحمن عزوجل،.ولذلك اقتضى الصيام أن يخالف الإنسان كل ما تهمس وتوسوس به النفس إلي الإنسان:
وخالف النفس والشيطان واعصهما
وإن هما محضاك النصح فاتهما لا بد من مخالفة النفس، وفي خلافها الوصول إلى رضاء الله عزوجل، لأنها كما قال الله في شأنها لا تأمر إلا بالسوء، والله عزوجل لا يحب الجهر بالسوء من القول إلا من ظُلم.
والصيام يعين الإنسان علي جهاد النفس، ولذلك قال صل الله عليه وسلم:
{ يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِيعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وَجَاءٌ }(
وقال لجميع الأمة:
{ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ ، فَضَيِّقُوا مَجَارِيَهُ بِالْجُوعِ والعطش}(2)
فأعلمنا أن الجوع هو الباب الأول الذي يخوضه المجاهد في طلب الوصول إلي مولاه، لأنه هو الذي يهذب النفس، ويجعلها تكف عن المطالب الشهوانية والرغبات الدنية، فيَقْوى القلب وتسطع الروح، ويطالبان بالمطالب الروحانية والعلية التي توصل المرء إلى المراتب الهنية. قال الإمام أبو العزائم رضى الله عنه وأرضاه لنا في النفس:
والنفس شهوة مطعم أو مشرب أو ملبس
أو منكح فاحذر بها الــداء الدفـين
كيف السبيل إلي علاجها والتغلب عليها قال:
جع فاضعفنها وحـاذرن من غــيها
واحذر قوى الشيطان في القلب كمين
وغيِّها أى الوسوسة الداخلية لك التي ربما لا تشعر بها. إذاً السلاح الذي أنبأنا به الله، وبيَّنه ووضَّحه رسول الله، وزاده ايضاحاً العارفين بالله لجهاد النفس هو سلاح الجوع، فمن لم يستطع أن يخوض هذه المهمة، وأن يقوم بهذه الملمة، ويجاهد نفسه علي الجوع فإنه لا يستطيع أن يتغلب علي نفسه.
قالت السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها:
{ أوَّل بدعة حدثت بعد رسول الله صل الله عليه وسلم الشبع، إنّ القوم لما شبعت بطونهم جمحت بهم نفوسهم إلى هذه الدنيا }(3)
وقال ذو النون رضى الله عنه:
{ ما شبعت قط إلا عصيت أو هممت بمعصية }(4)
فالإنسان عندما يشبع وتمتلئ العروق بالدم تثور غرائز الشهوة في نفسه، لكن أثناء الجوع لا يستطيع الإنسان أن يواصل حتى في شهوة الكلام لضعف جسمه
فما بالكم بشهوة النساء؟
وما بالكم بشهوة أصناف وألوان الطعام؟
وشهوة الزى، وشهوة حب الظهور
وغيرها من الشهوات،. فالذي يُضعف الشهوات النفسية هو الجوع،
من كتاب الصيام شريعة وحقيقة
لفضيلة الشيخ فوزى محمد أبو زيد
لتحميل الكتاب مجانا اضغط على الرابط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق