مدونة مراقى الصالحين: - زيارة المقابر و حديث " لا تشد الرحال

الأربعاء، 8 يونيو 2016

- زيارة المقابر و حديث " لا تشد الرحال

ينقسم الكلام فى هذا الموضوع إلى قسمين :
القسم الأول : حكم زيارة قبور الصالحين وعموم المسلمين ، وقبر النبى صلى الله عليه وسلم ،
والقسم الثانى : حكم شد الرحال لزيارة قبر النبى صلى الله عليه وسلم وقبور الصالحين .

·       أولاً  :حكم زيارة قبور المسلمين وقبر النبى صلى الله عليه وسلم .

-        زيارة القبور مشروعة باتفاق الأئمة ، فهى مستحبة للرجال باتفاق كافة العلماء ، وكذلك مستحبة للنساء عند الأحناف ، وجائزة عند الجمهور ولكن مع الكراهة وذلك لرقة قلوبهن وعدم قدرتهن على الصبر ، ودليل الاستحباب قوله صلى الله عليه وسلم " إنى كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم الآخرة
.  رواه أحمد عن سيدنا على .

-        ويستثنى من كراهة زيارة القبور للنساء عند الجمهور زيارة قبر النبى صلى الله عليه وسلم فانه يندب لهن زيارته ، وكذا قبور الانبياء غيره عليهم الصلاة والسلام ، لعموم الأدلة فى طلب زيارته صلى الله عليه وسلم .

-        أما زيارة قبر النبى صلى الله عليه وسلم فلا يخفى على عاقل من المسلمين قيمة زيارة النبى صلى الله عليه وسلم ، فكيف لو كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينتقل الى ربه وكان بين أظهرنا الآن ، فهل سوف ننتقل إليه ونزوره صلى الله عليه وسلم ، فبالتأكيد انه لن نتردد فى زيارته صلى الله عليه وسلم ، وزيارة النبى صلى الله عليه وسلم بعد موته لن تتحقق الا بزيارة قبره الشريف .

-        وقد أجمعت الأمة الإسلامية سلفاً وخلفاً على مشروعية زيارة النبى صلى الله عليه وسلم ، فذهب جمهور العلماء من أهل الفتوى فى المذاهب إلى أنها سنة مستحبة ،وقالت طائفة من المحققين هى سنة مؤكدة تقرب من درجة الواجب ؛ وهو المفتى به عند طائفة من الحنفية ، وذهب الفقيه المالكى أبو عمران موسى بن عيسى الفاسى إلى أنها واجبة .

-        واستدلوا على ذلك بادلة منها قوله تعالى }  ولو أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (64) النساء . وهى آية مطلقة ليس لها مقيد نصى ولا عقلى ، فليس هناك ما يربط معناها بحياة النبى صلى الله عليه وسلم الدنيوية ، فهى باقية الى يوم القيامة ، فالعبرة دائما فى القران بعموم اللفظ وليست بخصوص السبب .
-        وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم : " من زارنى بعد موتى فكأنما زارنى فى حياتى 
(ابن قانع ، والبيهقى فى شعب الإيمان عن حاطب بن الحارث)ج 2 ص 488
-         ومنها قوله صلى الله عليه وسلم : ومن زارنى بعد موتى وجبت له شفاعتى
الديلمى عن يحيى بن سعيد.


-          وهناك اداب عديدة يجب التحلى بها فى حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند زيارة قبره منها ..
-          خفض الصوت ، والوقوف بوقار وخشوع  ، واستحضار صورة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهيبته ، وعدم الاجتراء على قبره الشريف بالتمسح والطواف ونحوه ، ولا باس بالتمسح بمنبره الشريف كما نقل عن الإمام احمد حيث قال ابن قدامة المقدسى ما نصه : ولا يستحب التمسح بحائط قبر النبي صلى الله عليه وسلم ولا تقبيله، قال أحمد رحمه الله ما أعرف هذا، قال الاثرم رأيت أهل العلم من أهل المدينة لا يمسون قبر النبي صلى الله عليه وسلم يقومون من ناحية فيسلمون، قال أبو عبد الله وهكذا كان ابن عمر رضي الله عنهما يفعل.
-          قال أما المنبر فقد جاء فيه ما رواه ابراهيم بن عبد الله بن عبد القارئ أنه نظر إلى ابن عمر وهو يضع يده على مقعد النبي صلى الله عليه وسلم من المنبر ثم يضعها على وجهه.
المغنى ج3 ص 298


·       ثانياً : حكم شد الرحال لزيارة قبر النبى صلى الله عليه وسلم والقبور عموماً .

-        شد الرحال كناية عن السفر والانتقال ، والسفر فى نفسه ليس عبادة ولا عملا مقصوداً لذاته فى أداء العبادات ، ويلزم القائل بان شد الرحال لزيارة القبور وزيارة قبر النبى صلى الله عليه وسلم  لا يجوز ان يكون حكم استحباب زيارة القبور وقبر النبى صلى الله عليه وسلم خاصا بأهل البلد الذى فيه القبر ، فيكون أهل المدينة وحدهم هم الذين يجوز لهم الخروج من بيتهم يقصدون زيارة قبر النبى صلى الله عليه وسلم ، وان اى إنسان آخر يحتاج الى السفر ليفعل نفس الفعل يكون آثما وهذا بعيد جدا ، بل هو غلط ووهم.
-        فان علماء الأصول اتفقوا على أن الوسائل لها حكم المقاصد ، فان كان الحج واجبا فشد الرحال للحج واجب ، وان كانت زيارة قبر النبى والصالحين والاقارب وعموم المسلمين مستحبة ، فيتعين ان  يكون شد الرحال لزيارتهم مستحبة ؛ والا كيف يستحب الفعل وتحرم وسيلته .؟!

-        وقد ذهب العلماء الى انه يجوز شد الرحال لزيارة القبور لعموم الأدلة .، وخصوصا قبور الأنبياء والصالحين .

-        أما قوله صلى الله عليه وسلم : لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدى هذا والمسجد الأقصى
 ( أحمد ، وعبد بن حميد ، والبخارى ، ومسلم ، والترمذى ، وابن ماجه عن أبى سعيد . ابن ماجه عن ابن عمرو . الطبرانى عن أبى بصرة الغفارى . ابن النجار عن عبادة بن الصامت . الباوردى ، والضياء عن أبى الجعد الضمرى)
-        وقد اتفق العلماء فى هذا الفهم وننقل قول الشيخ سليمان بن منصور الشهير بالجمل ( لا تشد الرحال ) اى للصلاة فيها فلا ينافى شد الرحال لغيرها ... إلى أن قال النووى : ومعناه لا فضيلة فى شد الرحال الى مسجد غير هذه الثلاثة ، ونقله عن جمهور العلماء .

-        وقال العراقى : من أحسن محامل الحديث ان المراد منه حكم المساجد فقط ؛ فانه لا تشد الرحال الى مسجد من المساجد غير هذه الثلاثة : وأما قصد غير المساجد من الرحلة لطلب العلم وزيارة الصالحين والإخوان والتجارة والتنزه ونحو ذلك فليس داخلا فيه .

-        وقد ورد ذلك مصرحا به فى رواية الإمام أَحْمَد مِنْ طَرِيق شَهْر بْن حَوْشَب قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا سَعِيد وَذُكِرَتْ عِنْدَهُ اَلصَّلَاةُ فِي اَلطُّورِ فَقَالَ : قَالَ رَسُول اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا يَنْبَغِي لِلْمُصَلِّي أَنْ يَشُدَّ رِحَالَهُ إِلَى مَسْجِدٍ تُبْتَغَى فِيهِ اَلصَّلَاة غَيْر اَلْمَسْجِدِ اَلْحَرَام وَالْمَسْجِدِ اَلْأَقْصَى وَمَسْجِدِي " وَشَهْرٌ حَسَنُ اَلْحَدِيثِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ بَعْض اَلضَّعْفِ .

-        ومن فتح البارى فى شرح صحيح البخارى لابن حجر
-        قَالَ الْكَرْمَانِيّ : وَقَعَ فِي هَذِهِ اَلْمَسْأَلَةِ فِي عَصْرِنَا فِي اَلْبِلَادِ اَلشَّامِيَّةِ مُنَاظَرَات كَثِيرَة وَصُنِّفَ فِيهَا رَسَائِلُ مِنْ اَلطَّرَفَيْنِ ، قُلْت : يُشِيرُ إِلَى مَا رَدَّ بِهِ اَلشَّيْخ تَقِيّ اَلدِّين اَلسُّبْكِيّ وَغَيْره عَلَى اَلشَّيْخِ تَقِيّ اَلدِّين ابْن تَيْمِيَةَ وَمَا اِنْتَصَرَ بِهِ اَلْحَافِظُ شَمْس اَلدِّين بْن عَبْد اَلْهَادِي وَغَيْره لِابْن تَيْمِيَةَ وَهِيَ مَشْهُورَةٌ فِي بِلَادِنَا ،
-        وَالْحَاصِلِ أَنَّهُمْ أَلْزَمُوا اِبْن تَيْمِيَةَ بِتَحْرِيمِ شَدِّ اَلرَّحْلِ إِلَى زِيَارَةِ قَبْرِ سَيِّدِنَا رَسُول اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْكَرْنَا صُورَة ذَلِكَ ، وَفِي شَرْحِ ذَلِكَ مِنْ اَلطَّرَفَيْنِ طُول ، وَهِيَ مِنْ أَبْشَعِ اَلْمَسَائِلِ اَلْمَنْقُولَةِ عَنْ اِبْن تَيْمِيَةَ ، وَمِنْ جُمْلَةِ مَا اُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى دَفْعِ مَا اِدَّعَاهُ غَيْرُهُ مِنْ اَلْإِجْمَاعِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ زِيَارَةِ قَبْرِ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَقُولَ زُرْت قَبْرَ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ اَلْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِهِ بِأَنَّهُ كَرِهَ اَللَّفْظَ أَدَبًا لَا أَصْلَ اَلزِّيَارَة فَإِنَّهَا مِنْ أَفْضَلِ اَلْأَعْمَالِ وَأَجَلِّ اَلْقُرُبَات اَلْمُوَصِّلَة إِلَى ذِي اَلْجَلَالِ وَإِنَّ مَشْرُوعِيَّتَهَا مَحَلّ إِجْمَاع بِلَا نِزَاع وَاَللَّه اَلْهَادِي إِلَى اَلصَّوَابِ .

-        قَالَ بَعْض اَلْمُحَقِّقِينَ : قَوْلُهُ " إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ " اَلْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مَحْذُوف ، فَإِمَّا أَنْ يُقَدِّرَ عَامًّا فَيَصِيرَ : لَا تُشَدّ اَلرِّحَال إِلَى مَكَانٍ فِي أَيِّ أَمْرٍ كَانَ إِلَّا إِلَى اَلثَّلَاثَةِ ، أَوْ أَخَصّ مِنْ ذَلِكَ . لَا سَبِيلَ إِلَى اَلْأَوَّلِ لِإِفْضَائِهِ إِلَى سَدِّ بَابِ اَلسَّفَرِ لِلتِّجَارَةِ وَصِلَةِ اَلرَّحِمِ وَطَلَبِ اَلْعِلْمِ وَغَيْرهَا فَتَعَيَّنَ اَلثَّانِي ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَدَّرَ مَا هُوَ أَكْثَرُ مُنَاسَبَة وَهُوَ : لَا تُشَدّ اَلرِّحَال إِلَى مَسْجِدٍ لِلصَّلَاةِ فِيهِ إِلَّا إِلَى اَلثَّلَاثَةِ ، فَيَبْطُلُ بِذَلِكَ قَوْل مَنْ مَنَعَ شَدَّ اَلرِّحَال إِلَى زِيَارَةِ اَلْقَبْرِ اَلشَّرِيفِ وَغَيْره مِنْ قُبُورِ اَلصَّالِحِينَ وَاَللَّه أَعْلَمُ .

-        وَقَالَ اَلسُّبْكِيّ اَلْكَبِير : لَيْسَ فِي اَلْأَرْضِ بُقْعَةٌ لَهَا فَضْل لِذَاتهَا حَتَّى تُشَدَّ اَلرِّحَال إِلَيْهَا غَيْر اَلْبِلَادِ اَلثَّلَاثَةِ ، وَمُرَادِي بِالْفَضْلِ مَا شَهِدَ اَلشَّرْع بِاعْتِبَارِهِ وَرَتَّبَ عَلَيْهِ حُكْمًا شَرْعِيًّا ، وَأَمَّا غَيْرُهَا مِنْ اَلْبِلَادِ فَلَا تُشَدُّ إِلَيْهَا لِذَاتهَا بَلْ لِزِيَارَةٍ أَوْ جِهَاد أَوْ عِلْم أَوْ نَحْو ذَلِكَ مِنْ اَلْمَنْدُوبَاتِ أَوْ اَلْمُبَاحَات .
-        قَالَ : وَقَدْ اِلْتَبَسَ ذَلِكَ عَلَى بَعْضِهِمْ فَزَعَمَ أَنَّ شَدَّ اَلرِّحَالِ إِلَى اَلزِّيَارَةِ لِمَنْ فِي غَيْرِ اَلثَّلَاثَةِ دَاخِل فِي اَلْمَنْعِ ، وَهُوَ خَطَأٌ لِأَنَّ اَلِاسْتِثْنَاءَ إِنَّمَا يَكُونُ مِنْ جِنْس اَلْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ، فَمَعْنَى اَلْحَدِيثِ : لَا تُشَدّ اَلرِّحَال إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ اَلْمَسَاجِدِ أَوْ إِلَى مَكَانٍ مِنْ اَلْأَمْكِنَةِ لِأَجْلِ ذَلِكَ اَلْمَكَانِ إِلَّا إِلَى اَلثَّلَاثَةِ اَلْمَذْكُورَةِ ، وَشَدّ اَلرِّحَال إِلَى زِيَارَةٍ أَوْ طَلَبِ عِلْمٍ لَيْسَ إِلَى اَلْمَكَانِ بَلْ إِلَى مَنْ فِي ذَلِكَ اَلْمَكَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .


-        وعليه فان شد الرحال لزيارة قبر النبى صلى الله عليه وسلم مستحب لأنه الوسيلة الوحيد لتحصيل المستحب وهو الزيارة ، وكذلك لقبور الصالحين والأقارب
والله من وراء القصد وهو يهدى السبيل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق