الحقيقة التي لا مرية فيها، والحق الذي لا شك فيه والقضية التي لا تحتمل أمرين :
أن صلاح أحوال المسلمين أفراداً .. وأسراً ... وجماعات ... ومجتـمعات ... وشــعوبا ... ودولا ... ؛ لا يكون!.. ولن يكون ... إلا
بالرجوع إلى أخلاق السيد الأمين المأمون r.
وأذكر في هذا المجال أن رجلاً فرنسياً - وقد حدث ذلك هذا العام - هذا الرجل درس الإسلام في الكتب، واقتنع بالإسلام
فأسلم.وبعد أن عاش فترة على تعاليم الإسلام، فكر في زيارة بلاد المسلمين ليزيد في نظره اقتناعه وسيره على مبادئ هذا
الدين.فنزل في بعض البلدان الإسلامية ... بلد من بلاد المغرب العربي، وبعد أن مكث في هذا البلد أسبوعاً واحداً حجز على أول
طائرة عائداً لبلاده !!! فسألوه لم رجعت؟ قال: الحمد لله أنني أسلمت قبل أن أرى المسلمين.
لأنه لو رأى المسلمين وأحوالهم كان سيتردد في هذا القرار، فالإسلام حاجة...!! وأحوال المسلمين وأفعالهم حاجة ثانية...!!!.
الإسلام دين حياة
ما الذي حدث يا إخواني
من الممكن أن يكون حدوث هذا الموضوع نتيجة الفصام الموجود في الأمم الأوربية :
كانت الكنيسة هناك ضاغطة على الشعوب !!
ومحرمة حرية الرأي وحرية الفكر فخرجوا على الكنيسة ......
وقالوا الدين يبقى في الكنيسة...
لكن الحياة العامة ليس لها صلة بالكنيسة .... وظهرت العلمانية:
والعلمانية تعني أن الدين داخل الكنيسة فقط، لكن الزراعة والصناعة والتجارة والبيت والمصنع والمدرسة كل هذا ليس له
صلة بالدين.
وطبعاً حاولوا أن يلقنونا هذه الأفكار، ولكن ديننا ليس هكذا:
لأن ديننا معنا في كل أحوالنا وكل أطوارنا، ديننا دين حياة، في كل شيء الإسلام موجود:
لا يوجد علاقة تبنى بين المسلم وغيره إلا والإسلام هو الذي نظمها وأسسها وقننها:
- علاقته مع زوجته.
-
علاقته مع والده .. مع أمه ..
- مع أولاده ...، علاقته مع جيرانه.
- علاقته مع أجداده...، علاقته مع أحفاده...، علاقته مع أصهاره.
- علاقته مع التجار والصناع ...
- علاقته مع العلماء والمعلمين ...
-
علاقته مع أولي الأمر والحكام ....
- ليس هناك أي علاقة للمسلم إلا وذكرها الله وبينها بتفصيل دقيق سيدنا رسول الله :
ه
ذا واضح بلا جدال .... فكيف صرنا إلى ما نحن فيه ؟؟؟ وكيف أصبحنا بشخصيتين ... كيف أصبنا بهذا الحال الغريب ...
ثنائية الفرد
ما المشكلة إذن؟
إن المسلم في العصر الحاضر بدلاً من أن كان واحداً، أصبح اثنين..!! عمل لنفسه ثنائية.
ال
مسلم داخل المسجد ... فهذا تجده مثل الملائكة !!!
وهو نفسه عندما يخرج من المسجد !!! تجده في صورة مغايرة تماماً :
- إما في صورة سبع يريد أن يأكل كل من في طريقه.
- أو في صورة وحش مفترس يريد افتراس كل من حوله ويسلبهم كل مالهم وكل ما يملكون.
- أو في صورة شيطان لا يريد لأحد من الناس أن يحب الآخر!!
- يريد أن يفرق بين هؤلاء ويوقع الشقاق والفتنة بين هؤلاء...!!
هل هذه صورة المسلم؟
كم وجه للمسلم يا رسول الله؟
قال: للمسلم وجه واحد..! إذاً الذي له وجه في المسجد ! وآخر خارج المسجد ؟!! قال: هذا شر الناس.
ق
ال صلى الله عليه وسلم ... واسمعوا واعوا ....
{ شر الناس ذا الوجهين، الذي يلقى هؤلاء بوجه، وهؤلاء بوجه }[1].
المسلم يعامل الله
ا
لمسلم لا يتعامل مع الخلق ...
ولكنه يتعامل مع الله حتى وهو يتعامل مع خلق الله ...
وهو لا يريد أجراً ولا ثواباً ولا مكافأة إلا من الله ... لماذا ؟
لأنه مُوقّع العقد مع الله.
إذن يعامل الخلق بما يحبه الله وبما يرضى الله.
لكن لو عامل الخلق على هواه ! فقد نكث العهد الذي وقعه مع مولاه! وفرط في حق نفسه!...
كيف ؟ لأنه أخذ العهد على نفسه أن يعمل بما يحبه الله :
أين هذا العهد؟
لقد عاهدنا ربنا على :
- الصدق حتى في المزاح.
- وعلى الأمانة حتى مع الأعداء.
- وعلى المروءة حتى مع الخصماء.
- وعلى كل الصفات الكريمة التي جاء بها أمير الأنبياء وسيد الرسل والأمناء r،.
- وهذا عهد عاهدنا الله عليه بمجرد قولنا لا إله إلا الله.
- وبها نكون التزمنا بكل ما تحويه هذه الكلمة عند الله وفي كتاب الله وفي هدي رسول الله r.
وقال لنا ربنا بصريح العبارة على لسان الصادق الوعد الأمين:
{ من قال لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه دخل الجنة، فقالوا يا رسول الله وما إخلاصه ا؟ قال: إخلاصها أن تحجزه عن محارم
الله U }[2]
أي تمنعه عن كل شيء حرمه الله، الغيبة، النميمة، الكذب، قول الزور، شهادة الزور، السب، واللعن والشتم والفجور.
إذن كيف يمشي المسلم؟
كحبيب الله ومصطفاه:
من الذي يريد أن يكون معه يا إخواني؟
...كلنا...
ماذا يفعل ليكون مثله ؟
كما أنه ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق كذلك المؤمن كما قال r :
{ ليس المؤمن بسباب ولا لعان ولا فاحش ولا بذيء }[3]
هي نفس الصورة.
وكما أنه r لا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح ....، فكذلك المؤمن :
كذلك المؤمن يجب أن يكون أهلاً للعفو وأهلاً للصفح، طلباً لمرضاة الله ورضاء الله جلَّ في علاه، لا يريد شيئاً من خلق الله.
!لأن المؤمن - وهذه نقطة جوهرية لو وضعها المؤمن في أفق قلبه سيستريح - أن أتعامل في الكون كله مع الله....
وأين الخلق ؟
هؤلاء الخلق: تجارة أربح عليهم الثواب والأجر من الله.
لو أني وضعت الخلق أنداداً وأريد أن أعاملهم كما يعاملوني، إذاً فقد جعلتهم شركاء لله U...
ك
ما شتمني أشتمه !!!، كما ضربني لازم أضربه !!! لا .. لا..
لكنني أتعامل مع الله.
فإذا عفوت عن فلان يكون لله .. وليس لأجل فلان.
إ
ذا أكرمت فلانا فلأجل الله ...
إ
ذا عاملت فلانا معاملة طيبة فمن أجل كلام الله ...، ومن أجل هدي حبيب الله ومصطفاه ....
وهذا هو همُّ المؤمنين ونوايا الصالحين وخواطر المقربين، عند كل عمل يعملونه في هذه الحياة، لأنه لا يوجد عمل
يعملونه إلا لله.
!الذي ضيع الناس في كل زمان ومكان:
أ
ن الإنسان منا ينسى هذا الموضوع ... ينسى أنه عامل عقد مع حضرة الله، إن شغله كله...لله...
أين شغله ؟
هو
يعتقد أن شغله الذي مع الله في الجامع .. الركعتين وتلاوة القرآن والصيام ..!!! اعتقد أن هذا فقط هو الذي لله ..!!
ولكن مع الخلق يناطح فيهم ويناطحوه، ويضربهم ويضربوه، ويقول أصل الحديث بيقول: (من لم يتذأب أكلته الذئاب )
وهذا حديث إبليس !! وليس حديث النبي r.، قال تعالى فى [112 الأنعام] :
و مثلها ما يقولون: (اللي يحتاجه البيت يحرم على الجامع)، وهي كذلك من أحاديث إبليس !!!
وانتشرت في هذا الزمان أحاديث كثيرة لإبليس: (اتق شر من أحسنت إليه)..!!!، قائل هذا الكلام بتر الجزء الثاني كالذي
قال: ولا تقربوا الصلاة، لأن الصالحين قالوا:
"اتقِ شر من أحسنت إليه، بدوام الإحسان إليه "
فل
ا تمنع الإحسان، لأنك مع من تتعامل ؟....مع الله !!!!!
وهناك فارق كبير بين من يتعامل في كل أحواله مع الله..، وبين الذي أنزل نفسه لكي يتعامل مع خلق الله !!!!، وعمل
نفسه مثلهم !!! فالناس الصالحون مع من يتعاملون ؟ مع من ؟؟؟؟؟
يتعام
لون ............... مع الله .............
!ألقي درسا مثل هذا...ليس لإعجاب الحاضرين !!
ولا لكي ينشر في الجرائد، ولا لكي تسجل المسجلات والإذاعات، لا ولكن لكي ينال رضا الله جلَّ في علاه ..
لأنه يبلغ رسالة الله .
وهذه نيته.
ولذلك سجلوا أو لم يسجلوا، لا يلزمه...! لأنه يبلغ رسالة الله :
[39 الأحزاب]
في أي مكان...وفي أي زمان....هي لله... ماذا قالوا؟..!!
ليس له شأن بهذا الموضوع، ولماذا يعود أذنيه على الثناء، وعلى حسن الثناء، هو لا يريد أن يسمع الثناء إلا من الله
!.وهذا هو الثناء الذي له أجر عظيم، لكن ثناء الخلق ماذا يعمل به؟
ومن الممكن أن يكون وراءه غرور وشرور لأن الذي يثني عليه الـناس يضرونه، لأنه يغتر، إذاً ماذا تريد ؟
أريد أن أسمع من الله وقد أنزل الله في كتابه ثناءاً على الذين يحسنون العمل طلباً لمرضاة الله جلَّ في علاه.
!لماذا أربى ابني ؟......لله.
لأن الله كلفني بهذه الأمانة وحملني هذه الرسالة.
ولذلك فأنا غير منتظر منه شكراً ولا مكافأة، ولا حتى هدية يهديها لي بعد تخرجه وزواجه، لأن الذي أعمل له أجري
مضمون عنده...!!
فلماذا أنتظر من غيره ؟..لأن هذا من شهوات النفس..
يقول مثلاً:
أنا ربيتك وعلمتك ولم يطمر فيك ؟ ولم ترد لي شيء مما عملته لك..؟ في هذه الحالة لو أردت الرد فقد فسخت العقد الذي
بينك وبين الله..!!
ل
كن المؤمن يتعامل مع الله !!!!
وهذه نقطة جوهرية حاسمة في القضية الإيمانية.
( ó[ [97 النحل]
الحياة الطيبة هنا:
أنه لا ينتظر شيئا من أحد، لأنه يتعامل مع الواحد الأحد.......
!ما الذي يتعبنا كلنا ؟
أنا عملت لفلان ولم يرد الجميل...
أنا سعيت مع فلان والآخِر حتى لم يقل لي كلمة متشكرين..
فإذا كنت عملت من أجل أن تسمع كلمة متشكرين ...
فهذه أجرتك، والنبي e قال مجملا كل هذه المعانى ومبينا أساس الأعمال كلها والنوايا ولماذا يقبل الله العمل ؟ أو لماذا يرد
الله الأعمال على على أصحابها أو فاعليها ؟ غسمعوا له e :
{ قال الله تعالى: من عمل لي عملا أشرك فيه غيري تركته له،أنا أغنى الأغنياء عن الشرك}[4].
(*) كان هذا اللقاء في احتفالات المولد النبوي الشريف بمسجد الأنوار القدسية بالمهندسين بالقاهرة وذلك يوم الجمعـة
الثانى والعشرين من أبريل 2005، الموافق الثالث عشر من شهر ربيع أول 1426هـ.
[1]صحيح البخاري عن أبي هريرة رضى الله عنه .
[2] المعجم الأوسط للطبراني عن زيد بن أرقم.
[3]سنن الترمذي – الجامع الصحيح عن عبدالله بنص {ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء}.
[4] صحيح مسلم وابن ماجة عن أبي هريرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق