مقياس الأخلاق
وهذه البشرى ياإخوانى هى بشرى البشريات لماذا؟ لأن أى مسلم عاقل لو تفكَّر فى هذا الباب لوجد أنَّ جهاد العارفين والصالحين والمتمكنين والأفراد الوارثين كله فيه أى فى باب الأخلاق فلماذا؟إن الجهاد فى الأخلاق هو المدخل الذى لا يخيب أبداً لكى يكون الواحد منَّا قريب الشبه برسول الله كيف؟ من هو رسول الله؟ هو من وصف الله فى قول الله فى كتابه الكريم وهو الفرد الأوحد الذى منحه الله كلَّ التكريم فجعله النائب الأول مقاماً والأكمل والأمجد والآخر زماناً فى توصيل رسالة الحضرة الإلهية لكل من سوى الله من عوالم أبدعها الله فقال تعالى فى تقديم حبيبه لخلقه ووصفه لهم ليعرفوه
{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}فهو أعزُّ من خلق الله وصور
وأكمل من أبدع وأرسل فالبشرى هنا هى من أراد أن يحبَّه الله فليجعل صورته قريبة الشبه لصورة رسول الله من أراد التقرَّب إلى الله؟ فليتقرب إليه بالتشبه بحبيب الله ومصطفاه فالبشرى التى نسوقها هنا هى قول الله تعالى مبشراً لخلقة وفاتحاً لهم باب محبته فى سهولة ويسر فيقول{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ}فالبشرى واضحة وهى على لسان حبيب الله للخلق جميعاً من أحبَّ الله وأحبَّ أن يحبُّه الله فليتبع حبيبه ومصطفاه واتباعه فى هذه البشرى كلمة واحدة إنهـا الأخلاق وهى أكمل الأعمال التى تشبِّه العبد برسول الله فيحبُّه الله ودعونى أشرح لكم معنى تلك البشرى بمثال حسِّى مفهوم ألسنا نقيس كل شيىء فى الدنيا بمقياس فالحرارة بمقياس مئوى فمثلا نقول درجة كذا مئوية فنعرف مقدار حرارة الجو والزلازل بمقياس ريختر من كذا لكذا فنتخيل شدة الزلزال كذلك الأخلاق تقاس بالمقياس الذى صنعه الخلاق سبحانه وتعالى بيديه
{أدبني ربي فأحسن تأديبي}[1] فأخلاق رسول الله هى المقياس الذى تقيس عليه الملائكة أين بلغت أخلاق كل الخلائق على المقياس الذى أبدعه الخلاق وما مقدار هذا المقياس وأين بداية القياس وأين نهايته؟ فبداية تدريج هذا المقياس من أول أخلاق المسلم ونهايته تدريجه هى درجة "خلق عظيم" وهى الدرجة القصوى والتى منحها الله تعالى لحبيبه ووصفه بها فى كتابه أى أنه بلغ النهاية على مقياس الأخلاق الذى قدمه الله لخلقه ولنعرف ما مقدار هذا الخلق العظيم أعطانا الله كتالوج الإستعمال والقياس وعليه كل درجات المقاس قالت عائشة فيما رواه الإمام أحمد{كانَ خُلُقُهُ القرآنُ}فكان على خلق العظيم سبحانه وكتالوج الأخلاق المتبع هو القرآن الكريم وبمقدار قياسك على معيار الأخلاق المحمدية تعطى لك أربع قياسات عملية تخصك: أولاً: معيار إيمانك وثانياً: معيار حبِّ الله ورسوله لك وثالثاً: معيار ثقل ميزانك يوم القيامة ورابعاً معيار قرب مسكنك يوم القيامة من مسكن رسول الله فى جنات مولاه ودرجة تكريمك وتشريفك ولنأخذ إذاً هذه البشريات سريعاً ولنقرأها على مقياس الأخلاق المعيارية التى صنعهه الله للبرية وهى الأخلاق المحمدية ونبدأ ببشرى قياس الإيمان فيقول النبى فى قانون القياس{أَكْمَلُ النَّاسِ إِيَمانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا}[2] فتفاضل الناس فى درجات الإيمان يكون بقدر ما أعطتهم إدارة الحسابات الربانية من درجات "حسن الأخلاق" على مقياس الأخلاق النبوى فمقياس إكتمال إيمان الرجل بقدر مقياس "حسن خلقه" فعلى مقاس الأخلاق يكون مقاس الإيمان هذا أولاً ثم يأتى القياس الثانى المترتب على الأخلاق ألا وهو مقياس درجات حبِّ الله ورسوله للعبد فكم يحبُّك الله ورسوله إذاً؟ استمع لتحسب وتقيس{إنَّ أَحَبَّكُمْ إلَيَّ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاَقاً}
و{إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَى اللَّهِ أَحْسَنُكُمْ أَخْلاقاً}[3] فالأحبَّ لله ولرسوله من سواه يكون بمقدار ما زاد عليهم من درجات " حسن الخلق" على مقياس أخلاق الرسول فرسول الله يحبُّ فيك أخلاقه التى جاهدت نفسك لتتخلق بها إقتداءاً به يحبها لأنها أصلاً من أخلاق القرآن أخلاق الله ثم تأتى ثالث المعايير المحمدية التى تتأثر بمقياس الأخلاق وهى ثقل الميزان{مَا من شيْءٌ أَثْقَلُ في مِيزَانِ المُؤْمِنِ يَوْمَ القِيَامةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ }[4] أى بقدردرجتك على مقياس خلق النبى يكون ثقل عملك فى الميزان ثم يأتى رابع المعايير المحمدية التى تتأثر بالأخلاق وهى موقعك بين الجيران فى حى النبى العدنان فى الجنان ومقام تشريفك عند الحنان المنان، فيقول{إِنَّ أَقْرَبَكُمْ مِني مَنْزِلاً يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاَقَاً فِي الدُّنْيَا}[5] فأينا كان أقرب وصفاً وخلقاً من رسول الله فى الدنيا فإن الله كذلك يقرِّب منزله يوم القيامة من منزل رسول الله فمن أراد أن يسكن فى نفس حى سكن النبى فى الآخرة فى الجنة العالية فليُنزل نفسه فى الدنيا فى أقرب ما يستطيع من منازل الأخلاق النبوية العالية تشبهاً برسول الله فأقربنا إلى الحبيب يوم القيامة درجة ومنزلة وتكريماً هو أقربنا لأخلاقه فى الدنيا تشبهاً وإتباعاً وتقديماً وحتى لا يكون هناك لبسٌ فيما تقدَّم نقول إن العبَّاد والزهَّاد والصوَّام القوَّام كلهم لا تعلو منزلتهم يوم القيامة إلا بمقدار درجاتهم على مقياس الأخلاق النبوى فمن علت به العبادات البدنية الظاهرة تنزل به إخلاقه مالم تكن طاهرة ومن ضعفت به العبادات الظاهرة تعلو به الأخلاق الباهرة واسمع للقول الفصل وتخلَّق للوصل{إِنَّ الْعَبْدَ لَيَبْلُغُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ عَظِيمَ دَرَجَاتِ الآخِرَةِ وَشَرَفَ الْمَنَازِلِ وَإِنَّهُ لَضَعِيفُ الْعِبَادَةِ، وَإِنَّهُ لَيَبْلُغُ بِسُوءِ خُلُقِهِ أَسْفَلَ دَرَكِ جَهَنَّمَ وَإِنَّهُ لَعَابِدٌ}[6] فلا تنفع العبادة مع سوء الخلق بينما حسن الخلق يجبر ضعف العبادة وضعف العبادة - طبعاً هذا مفهوم - لا يعنى أبداً التفريط فى الفرائض المفروضة وقد قال الصالحون فى الأخلاق وقدرها وكم ترفع أهلها أقوالاً كثيرة ننتقى منها ما ييسر الله مما يلى ونبدأ بوصف أحدهم لأخلاق الحبيب فيقول:
لَهُ خَلقُ القُرآن يَرضى بِما اِرتَضى وَيُغضِبُهُ ما فيهِ بِالمُحكَم الوَعْد
مَكارِمُ أَخلاقِ الرَسولِ وَحِصنُها لْمْ يَرْقَ أسْوَارَها مِنْ مَاجِدٍ فَرْد
وهنا أذكر لكم جزءاً من قصيدة طويلة لأحد الصالحين فى التخلق بالأخلاق العليَّة
وكل بيت فيها منهاج يدرس فى الأخلاق فيقول :
أيا نخبة الرحمن أهل اختصاصه ومن وجدهم خلق به لا تخلق
أيا رفقتي يا خلتي يا أحبتي على العروة الوثقى فسيروا ورافقوا
إلا فاجتماعا بالقلوب وألفة وعونا على عمل المكارم تلحقوا
وإياكمو أخلاق إبليس إنها لقد أبعدته وهو طاووس رامق
وسترا لعورات الأحبة كلهم وعفوا عن الزلات فالعفو أرفق
وغضوا عن المكروه أعين عفة وجودوا ببشر فالسماحة رونق
وإياكمو وعدوكم سوء خلقكم وطمعا وحب الجاه فهو يفرق
بصحبتكم بالرفق والحسن فابذلوا لإخوانكم عند اللزوم وخالقوا
وكفوا عن التنفير واسعوا لجمعكم على الله فالدنيا متاع مفارق
ألا من يكن في قلبه بعض ذرة من الكبر والأحقاد ما هو ذائق
ألا طهرو الأخلاق والنفس زكها وإلا فسهم البعد يرمي فيفتق
إلا يا أخي بالذل ترقى وترفعن وبالزهد تعطى ما له تتشوق
ويا صاحبي بالجد والعزم جاهدن لتشهد ملكوتا به الحق مشرق
ويا باذلا ما في يديك تقربا لنيل الرضا ولغيبهم تستنشق
ويا باذلا للنفس بيعا بهمة وبشر منهم بالقبول وصادق
تخلق بأخلاق الإله وحافظن على منهج المختار في العقد تنسق
وكن ماضي العزم الذي لا يشوبه شوائب تدليس وبالحق ناطق
ودع عنك ميلا للحضيض وزينة بها اشتغل اللاهون عنه ونافقوا
وقم داعيا بلسان حكمته الذي به قد حباك الله وهو الموفق
ولا تسع للتفريق واجمع به لـه عليه أولي التسليم إذ أنت واثق
ألا سارعوا أحيوا لسنة أحمد ففتنة هذا العصر كالنار تحرق
ألا أطفئوها باليقين تجردوا عن الحظ والأهواء فالحظ مفرق
وجدوا وجودوا بالنفوس تحفظا على السنة الغراء فالله خالق
وعلما بأن الدين حسن عقيدة وخلق وأعمال بها الذكر ناطق
معاملة تقضي بأن جميعنا بنور طه بذاك تحقق
بأنفسنا أولى بمحكم آية فداك نفوس طيبات وأينق
فدى سنة المختار مال وأنفس لتحفظها من كل غر ينافق
ألا عزة منكم على كل كافر سعى منكرا للحق يرجو يفرق
وكونوا أذلاء على كل مؤمن ليجمع بالتفريق هذا المفرق
ألا جاهدوا تلك النفوس بهمة تفوزوا برضوان من النار تعتقوا
ألا أسعدوني باجتماع وألفة على منهج المختار فالنور مشرق
ولا تيأسوا من رحمة الله إخوتي ومن نصره فالله بالعبد يرفق
على سنة المختار سيروا بهمة عسى الله يحيينا به ويوفق
ألا فاحفظوا الأركان أركان ديننا صلاة صياما ثم حجا تصدقوا
أديموا لذكر الله فالذكر نوره لأهل الهوى والغي لا شك فارقوا
ألا عظموا لشعائر الله تعظموا بها وتسودوا في القيامة تسبقوا
إلهي على طه الحبيب محمد أفض غيث صلوات بها القلب يشرق
تم نقل الموضوع من كتاب(بشائر الفضل الإلهى)
http://www.fawzyabuzeid.com/news_d.php?id=175
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق