مدونة مراقى الصالحين: تعريف التصوف

الأحد، 26 فبراير 2012

تعريف التصوف

        قال الكلاباذي رحمه الله تعالى في كتاب "التعرف" :"لم سميت الصوفية صوفية ؟ قالت طائفة : إنما سميت الصوفية صوفية لصفاء أسرارها ، ونقاء آثارها .
وقال بشر بن الحارث : الصوفي من صفا قلبه لله .
وقال بعضهم : الصوفي من صفت لله معاملته فصفت له من الله عز وجل كرامته .
وقال قوم : إنما سموا صوفية لأنهم في الصف الأول بين يدي الله جل وعز ، بارتفاع هممهم إليه ، وإقبالهم بقلوبهم عليه ، ووقوفهم بسرائرهم بين يديه
.
وقال قوم : إنما سموا صوفية لقرب أوصافهم من أوصاف أهل الصفة الذين كانوا على عهد رسول الله ، وقال قوم : إنما سموا صوفية للبسهم الصوف ... إهـ" .
        وقال الشيخ ابن تيمية : "وهؤلاء نسبوا إلى اللبسة الظاهرة ، وهي لباس الصوف ، فقيل في أحدهم (صوفي) ، وليس طريقهم مقيدا بلباس الصوف ولا هم أوجبوا ذلك ، ولا علقوا الأمر به ، لكن أضيفوا إليه لكونه ظاهر الحال" ( )
وقال العلامة محمد الخضر حسين شيخ الجامع الأزهر في كتابه "رسائل الإصلاح"(: اختلفوا في أصل كلمة الصوفية ، وذهبوا فيه مذاهب : أصحها أنها مأخوذة من الصوف ، لأن الزَّهاد كانوا يعمدون إلى لبس الصوف بعداً وتجنباً للبس الفاخر من الثياب .
        وهناك آراء ضعيفة ، منها : أن الصوفية كانوا يقيمون بمسجد رسول اللهعابدين متفقهين لايفارقونه إلا لجهاد عدو . وهذا الوجه لايوافق قاعدة النسب في اللغة ، فإن القاعدة تقضي أن يقال في النسب إلى صفة : صفية ، لا صوفية .
ومنها : أن الصوفية نسبة إلى آل صوفة ، تشبها لهؤلاء الزهاد بآل صوفة ، وهم قوم كانوا يخدمون الكعبة في الجاهلية ويتنسكون ، ويبعد هذا الوجه أن آل صوفة قد ذهبوا بذهاب عصر الجاهلية . وقد تسمى هؤلاء العباد والزهاد في الإسلام باسم الصوفية ، وقبلوا هذا الاسم ، ولا أحسبهم يرضون بنسبتهم ولو على وجه التشبيه إلى طائفة كانت في الجاهلية على غير هدى .
ومنها : أنها نسبة إلى الصوف على معنى أنهم آثروا الانكسار فكانوا كالصوفة المرمية ، وهذا وجه سخيف لا يلتفت إليه .
ومنها : أن الصوفية نسبة إلى الصف ، لأنهم في الصف الأول بين يدي الله تعالى . وقاعدة النسب لا تساعد على هذا الوجه ، كما أنها لاتساعد على أن يكون مأخوذا من الصفاء ، لصفاء نفوسهم وخلوص قلوبهم من شوائب الأهواء ، وسيئات الأخلاق .
        وهذا الاسم حدث بعد عهد السلف ، قال السهروردي في كتاب "عوارف المعارف" : لم يعرف هذا الاسم إلى المائتين من الهجرة ، وذكر ابن تيمية جماعة من الزهاد منهم الفضيل بن عياض المتوفي سنة 187 . وقال : في عصرهم حدث اسم التصوف . وقال القشيري في الرسالة : واشتهر هذا الاسم ، يعني التصوف . قبل المائتين من الهجرة ، وذكر حسن صديق في كتاب "أبجد العلوم" : أن أول من دعى بهذا الاسم أبو هاشم الصوفي ، وقد توفي أبو هاشم هذا سنة 150 .
        والتصوف : رياضة النفس ومجاهدة الطبع ، برده عن الأخلاق الرذيلة وحمله على الأخلاق الجميلة ابتغاء السعادة . وهذه الرياضة والمجاهدة تكون بالعكوف على العبادة والإعراض عن زخرف الدنيا وزينتها ، والزهد فيما يقبل عليه الجمهور من لذة مال أو جاه .(1) انتهى .
فهذا الاسم لم يكن شائعا في زمن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم ، فقد كان القوم عبادا زهادا ، لم يختص فريق منهم بشعار ولا نحلة ، يمتازون بها عن البقية ، بل كان الجميع على محجة الهدى الواضحة ، يحيون ما أحياه القرآن والسنة ، تقيدوا بنصوصهما وأوامرهما فاتبعوهما ، وحملوا أنفسهم على لزوم الاتباع ، والميل عن الابتداع ، فكان عصرهم أرقى العصور وأزهاها ، بيد أنه لما تطاول الزمن بعد عصر الصحابة ، وفتحت الدنيا على الناس ، فمالت بهم ، ومالوا بها ، وظهرت بوادر الفساد ، بقي فريق من الناس متبعين خطة السلف ، ناهجين نهجهم ، عاملين على إحياء السنن وإماتة البدع ، صرفوا قلوبهم عن الدنيا وزخرفها ، وزهدوا فيها زهدا حقيقيا ، فإن حازوا على شيء منها ، فهو بأيديهم لا بقلوبهم .
عرفت هذه الفئة من الناس بالصوفية ، وهو اسم محدث كما علمت ، والأقرب إنما سموا به ، لأن شعارهم كان لبس الصوف .
فالتصوف هو تنقية الظاهر والباطن من المخالفات الشرعية ، وتعمير القلب بذكر الله تعالى ، ومراقبته وخشيته ورجائه ، والسير في العبادات والأعمال على النهج الشرعي طبق السنة الشريفة ، وخلافا للبدعة السيئة التي يحظر الإسلام التلبس به

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق