هجرة المؤمن الدائمة فى كل لمحة وفى كل طرفة إلى الله، لأنه فى كل لمحة أو طرفة يتوجه بجارحة من جوارحه إلى حضرة الله بعمل، إما عمل يخرج من اللسان وإما عمل تفعله العين، وإما خطاب تستنصت وتستمع إليه الأذن، وإما عمل باليد وإما عمل بالقدم وإما عمل بالفرج، وكل هذه الأعمال يستطيع المؤمن أن ينال بها رضاء الواحد المتعال إذا سبقها بنية صادقة صالحة فى هذا العمل يبتغى بها رضاء الله U، ثم يتممها على نهج الحبيب، نية ثم اقتداء بخير البرية، بهذا ينال العبد الأمنية،وقد قال الله U له قل لهم:
لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ ( [163الأنعام]
فحياته كلها لله، بل موته كله لله، كلمة الموت تعنى النوم، لأنه إذا نام فإنما يستعين بالنوم على القيام لطاعة من لا تأخذه سِنة ولا نوم، فيكون نومه أيضاً لله لأنه ينام رغبة فى القيام بعد ذلك بنشاط فى طاعة الله، ولذلك كان r يقول:
{ إنَّ عَيْنَيَّ تَنامانِ وَقَلْبي لا يَنامُ }[1].
إذا كان العمل لله لا يستطيع أجره ولا نوره ولا ثوابه غير الله U، حتى الملائكة المقربين لا اطلاع لهم على ذلك، والدليل أن الإنسان عندما يصوم ولا يعلم حقيقة الصيام إلا الله الذى لا تخفى عليه خافية، يقول فيه الله جل فى علاه:
{ كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ، إِلاَّ الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِى، وَأَنَا أَجْزِى بِهِ }[2]
أى أنا الذى أضع جزاءه وثوابه لأنه لا يستطيع وضع ذلك الثواب غيرى، حتى الملائكة لا يعرفون ذلك، أو إن شئت قلت أن معنى (وَأَنَا أَجْزِى بِهِ) أنا ورؤية وجهى ومشاهدة جمالى وجلالى وكمالى هو جزاء الصائمين ،وهذا فى قوله r:
{ لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ }[3]
فهذا أجر لا يستطيع أحد نعته ولا وصفه لأنها خصوصية من الله لصاحب هذا المقام، وكل أعمال المُخلِصين والمُخلَصين يقول فيها الحبيب r على لسان رب العزة فى حديثه القدسى:
{ الإخلاص سر من أسرارى أستودعه قلب من أحب من عبادى، لا يطلع عليه شيطان فيفسده ولا ملك فيكتبه }[4]
لأن المَلك لا اطلاع له على القلوب وإنما يرى الأعمال ويسجلها كما يراها فى الظاهر، أما الباطن فلا يعلمه إلا من يقول للشئ كن فيكون:
{ فَمَنْ كانتْ هِجْرَتُه إِلى دُنْيَا يُصِيبُها، أَوْ إِلى امْرَأَةٍ يَنْكِحُها –
أو ما شابه ذلك من الأمور الدنيوية –
- فَهِجْرَتُه إِلى ما هاجَرَ إِلَيه }.
[1] مسند الإمام أحمد عن السيدة عائشة رضى الله عنهما.
[2] صحيح البخارى عن أبى هريرة رضى الله عنهما.
[3] الصحيحين البخارى ومسلم عن أبى هريرة رضى الله عنهم.
[4] ورد فى الخبر عن الحسن {الْإِخْلَاصُ سِرٌّ مِنْ سِرِّي أَسْتَوْدِعُهُ قَلْبَ مَنْ أَحْبَبْتُهُ مِنْ عِبَادِي}
الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ فوزي محمد أبوزيد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق