كل مسلم - أين كان و كيف كان - لكل مسلم كاليد لليد و العين للعين و الأذن للأذن ، بل و يكون كل مسلم للمجتمع الإسلامي كاليد للجسم ، و كالعين للجسم و كالأذن للجسم ، و يكون المجتمع الإسلامي لكل فرد من أفراد المسلمين كمجموع الجسم للعين ، و بذلك يكون المجتمع الإسلامي هو أهل المدينة المنورة بأكمل معاني أهل المدينة ، بل و يكون كل فرد من المسلمين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمعية الحقيقية ، و المجتمع الإسلامي كلهم أهل معية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأنهم لا يعملون عملا إلا إذا سألوه صلى الله عليه وسلم عن سنته
، من ورثته المحافظين على آثاره ، فيكون المجيب على السؤال أو المفتي للمستفتي هو في الحقيقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و إن كان المتكلم بلسانه هو شخص آخر ، لأنه أجاب بصريح ما كان يتكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل هذا الموضوع ، فيكون رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسلمين بمدلول قوله تعالى ) وَاعْلَمُواأَنَّ فِيكُمْ رَسُولَاللَّهِ( سورة الحجرات آية (7) ، و يكون الله مع المجتمع الإسلامي ، و مع كل فرد من أفراده ، ذلك لأن المسلم لا يعمل العمل إلا إذا بينه له القرآن بأن أوجبه عليه أو رغبه فيه أو أباحه له ، فيكون في عمله كأنه يتلقى أحكام أعماله عن ربه ، و بذلك فإنك ترى العلماء الراسخين في العلم إذا سألت أحدهم : لمﹶفعلت هذا الفعل ؟ يقول : أمرني القرآن ، و لمﹶلمﹾتفعل هذا الفعل ؟ يقول : نهاني القرآن ، و هذا يفسر قولهصلى الله عليه وسلم ( آل القرآن آل الله ) و معنى ذلك - و الله أعلم بمراد رسول الله صلى الله عليه وسلم - أن المقربين إلى الله قربا تجعل لهم قرابة نسبية ، لا يعملون إلا بالقرآن ، و لا يتركون إلا بالقرآن ، و من كانوا كذلك فهم آل الله تعالى .
هذا النسب يجعل لكل مسلم عزة من الله تعالى تقطع نياط قلوب أعدائه ، و غني بالله تعالى يحفظه الله به من الاحتياج لشرار خلقه ، و قوة من الله تعالى حسا و معنى ، أما حساﹰفإنه يشهد نفسه بين أبناء بررة و هم الذين أقل منه في العمر من إخوته المسلمين ، و بين أولياء رحماء و هم المساوون له في السن ، و بين آباء متصفين بأعظم عواطف الأبوة و هم الكبار عنه في السن ، و من كان كذلك كان غنيا في فقره ، عزيزا في غربته ، قويا في ضعفه ، مهيبا بين أعدائه ، لما يعلمه أعداؤه من أنصاره و أوليائه ، و كأن الشاعر العربي عنى المسلمين بقوله :
إذا بلـغ الفطـام لنا وليـد تـخر له أعادينـا سـجودا
هكذا كان سلفنا الصالح مذ كان الإسلام نسبهم ، و من قربه الإسلام قريبهم ، و من أبعده الإسلام عدوهم ، لا فرق بين الشريف الهاشمي ، و الوضيع العجمي ، عملا بقوله تعالى ) إِنَّأَكْرَمَكُمْ عِندَاللَّهِ أَتْقَاكُمْ( سورة الحجرات آية (13) ، و كل من كان هو أكرم عند الله من غيره فهو أكرم من باب أولى عندنا ، و لو كان غلاما عجميا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق