مدونة مراقى الصالحين: أهل المدينة المنورة

الجمعة، 3 يونيو 2016

أهل المدينة المنورة


كل مسلم  - أين كان و كيف كان -  لكل مسلم كاليد لليد و العين للعين و الأذن للأذن ، بل و يكون كل مسلم للمجتمع الإسلامي كاليد للجسم ، و كالعين للجسم      و كالأذن للجسم ، و يكون المجتمع الإسلامي لكل فرد من أفراد المسلمين كمجموع الجسم للعين ، و بذلك يكون المجتمع الإسلامي هو أهل المدينة المنورة بأكمل معاني أهل المدينة ، بل و يكون كل فرد من المسلمين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم  بالمعية الحقيقية ، و المجتمع الإسلامي كلهم أهل معية رسول الله صلى الله عليه وسلم  ، لأنهم لا يعملون عملا إلا إذا سألوه صلى الله عليه وسلم  عن سنته
، من ورثته المحافظين على آثاره ، فيكون المجيب على السؤال أو المفتي للمستفتي هو في الحقيقة رسول الله صلى الله عليه وسلم  ، و إن كان المتكلم بلسانه هو شخص آخر ، لأنه أجاب بصريح ما كان يتكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم  في مثل هذا الموضوع ، فيكون رسول الله صلى الله عليه وسلم  في المسلمين بمدلول قوله تعالى  )  وَاعْلَمُواأَنَّ فِيكُمْ رَسُولَاللَّهِ(  سورة الحجرات آية (7) ، و يكون الله مع المجتمع الإسلامي ، و مع كل فرد من أفراده ، ذلك لأن المسلم لا يعمل العمل إلا إذا بينه له القرآن بأن أوجبه عليه أو رغبه فيه أو أباحه له ، فيكون في عمله كأنه يتلقى أحكام أعماله عن ربه ، و بذلك فإنك ترى العلماء الراسخين في العلم إذا سألت أحدهم :  لمﹶفعلت هذا الفعل ؟  يقول : أمرني القرآن ، و لمﹶلمﹾتفعل هذا الفعل ؟  يقول : نهاني القرآن ، و هذا يفسر قولهصلى الله عليه وسلم  ( آل القرآن آل الله ) و معنى ذلك  - و الله أعلم بمراد رسول الله صلى الله عليه وسلم  -  أن المقربين إلى الله قربا تجعل لهم قرابة نسبية ، لا يعملون إلا بالقرآن ، و لا يتركون إلا بالقرآن ، و من كانوا كذلك فهم آل الله تعالى .

هذا النسب يجعل لكل مسلم عزة من الله تعالى تقطع نياط قلوب أعدائه ، و غني بالله تعالى يحفظه الله به من الاحتياج لشرار خلقه ، و قوة من الله تعالى حسا و معنى ، أما حساﹰفإنه يشهد نفسه بين أبناء بررة و هم الذين أقل منه في العمر من إخوته المسلمين ، و بين أولياء رحماء و هم المساوون له في السن ، و بين آباء متصفين بأعظم عواطف الأبوة و هم الكبار عنه في السن ، و من كان كذلك كان غنيا في فقره ، عزيزا في غربته ، قويا في ضعفه ، مهيبا بين أعدائه ، لما يعلمه أعداؤه من أنصاره و أوليائه ، و كأن الشاعر العربي عنى المسلمين بقوله :

إذا بلـغ الفطـام لنا وليـد                     تـخر له أعادينـا سـجودا

هكذا كان سلفنا الصالح مذ كان الإسلام نسبهم ، و من قربه الإسلام قريبهم ، و من أبعده الإسلام عدوهم ، لا فرق بين الشريف الهاشمي ، و الوضيع العجمي ، عملا بقوله تعالى )  إِنَّأَكْرَمَكُمْ عِندَاللَّهِ أَتْقَاكُمْ(  سورة الحجرات آية (13) ، و كل من كان هو أكرم عند الله من غيره فهو أكرم من باب أولى عندنا ، و لو كان غلاما عجميا .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق