مدونة مراقى الصالحين: موسم الخيرات، ومحفل البركات

الأربعاء، 1 يونيو 2016

موسم الخيرات، ومحفل البركات

أخى المؤمن: وأنت مُقْدِمٌ على موسم الخيرات، ومحفل البركات، والشهر الكريم الذى يتنزل فيه من الله ما لا يُعدُّ من النفحات والخيرات والبركات، ما الذى ينبغى علينا معشر المؤمنين أن نفعله لنفوز من الله بأكبر قدر من الخيرات والبركات فى شهر الصيام؟ - ولا أريد أن أطيل عليكم - وإنما ينبغى أن نأخذ شيئاً واحداً منها:
أن نستعد بالتوبة النصوح لحضرة الله عزَّ وجلَّ، ننازع أنفسنا ونحن على أبواب هذا الشهر ونتوب إلى الله مما جنيناه، ونندم على ما صنعناه، ونسأله عزَّ وجلَّ الإقالة مما سمعناه، وهو عزَّ وجلَّ كما قال لنا فى كتاب الله: {إِنَّ الله يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} (222البقرة)

الاستغفار من هذا العمل من الذنوب، والتوبة من العيوب، ومن الطلب إلى حضرة الله عزَّ وجلَّ أن يستر خطايانا، ويغفر عسراتنا، ويقيلنا من كل ما جنيناه، والله عزَّ وجلَّ تعهد لنا بذلك، فإنه عزَّ وجلَّ يغفر الذنب العظيم لمن أقبل عليه نادماً فى كل وقتٍ وحين.
وعلينا كذلك أن نتلمَّس أبواب المغفرة فى شهر رمضان، فقد قال صلى الله عليه وسلَّم ذات يومٍ وكان فى مسجده العامر بأصحابه المباركين وصعد المنبر، وكان منبره ثلاث درجات، وبعد أن صعد الدرجة الأولى رفع يده وقال: (آمين). وكلمة آمين يعنى: (اللهم استجب)، ثم صعد الدرجة الثانية وقال: (آمين)، ثم صعد الدرجة الثالثة ورفع يديه قال: (آمين)، فقال أصحابه رضى الله تبارك وتعالى عليهم: يا رسول الله سمعناك تقول: آمين ثلاث مرات، فعلى ما تقول ذلك؟، فقال صلوات ربى وتسليماته عليه:
{عندما صعدت الدرجة الأولى جاءنى جبريل وقال: بعُد من رحمة الله من أدرك رمضان ثم انسلخ منه فلم يُغفر له، فقلت: آمين}{6}.
في رواية: {رغم أنف امرئ أدرك رمضان فلم يُغفَر له}.
وفي رواية: {بُعدًا لِمَن أدرك رمضان فلم يُغفَر له}.
وفي رواية: {ومَن أدرك رمضان فلم يُغفَر له، فأبعَدَه الله}.
وفي رواية: {ومَن أدرك رمضان فلم يُغفَر له دخل النار، فأبعَدَه الله وأسحَقَه}.
أى أن من أدرك شهر رمضان ولم يفز فى آخرة بمغفرة الغفار عزَّ وجلَّ فليس له عند الله نصيبٌ من رحمته وعفوه ومغفرته، ولذلك قال صلوات ربى وتسليماته عليه: بَعُدَ مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ ثُمَّ لَمْ يُغْفَرْ لَهُ، إِذَا لَمْ يُغْفَرْ لَهُ فِيهِ فَمَتَى؟}{7}
أى متى يدرك هذه المغفرة؟ لأن الله جعل كل العبادات فى شهر رمضان تستوجب المغفرة؛ من صام رمضان طلباً لمرضاة الله غفر له الله، لأن الحبيب صلى الله عليه وسلم يقول فى ذلك: {من صام رمضان إيماناً واحتساباً له غُفر له ما تقدم من ذنبه}{8}
ومن صلى صلاة القيام - وأقلها ركعتين، وليس ثمانٍ كما يعتقد البعض - يقول فيه صلى الله عليه وسلَّم: {من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه}{9}
فمن صامه يُغفر له، والذى يقومه يُغفر له، والذى يحضر غروب الشمس قبل آذان المغرب إلى أى موضع - ولو على حافة الطريق الزراعى - ومعه ماء وليس معه غيره، يعطيه للصائمين ليفطروا عليه، فكلما فطَّر صائماً واحداً غفر الله له ما تقدم من ذنبه، وله أجرٌ مثل أجر هذا الصائم. 
فإذا زاد إلى إثنين كان له أجرين، وكلما زاد فبحساب ذلك، وكذلك من أعطى كل صائمٍ تمرة يفطر عليها فى رمضان أعطاه الله عزَّ وجلَّ مغفرة لذنوبه، وكان له مثل أجر الصائم من غير أن ينقص ذلك من أجر الصائم شيء، وكان عتق لرقبته من النيران.
جعل الله عزَّ وجلَّ أبواب المغفرة نازلة فى رمضان حتى تخرج الأمة كلها عقب رمضان وقد اجتمعوا فى ساحة العيد بين يدى الرحمن، فيقول لهم ربُّ العزِّة كما أخبر النبى العدنان:
{يا ملائكتى ما جزاء الأجير إذا وفَّى عمله؟ فيقولون: إلهنا وسيدنا، جزاؤه أن توفيه أجرته. فيقول عزَّ وجلَّ: أشهدكم يا ملائكتى أنى جعلت ثواب صيامهم وقيامهم من شهر رمضان رضائى ومغفرتى. ثم يقول لمعشر الصائمين: انصرفوا مغفوراً لكم}{10}.
خطب النبى صلى الله عليه وسلَّم فى العام الثانى من الهجرة فى مثل هذا اليوم فى التاسع والعشرين من شهر شعبان، وكانوا أول مرةٍ يصومون فيها شهر رمضان، فقال - واسمعوا وعوا:
{أيها الناس قد أظلكم شهرٌ عظيم شهرٌ مبارك، يغشاكم الله فيه فيُنزل الرحمة ويحُط الخطايا ويستجيب الدعاء، وينظر فيه إلى تنافسكم فى الخير، شهرٌ أوله رحمة ووسطه مغفرة وآخره عتقٌ من النار. من خفَّف عن مملوكه فيه - أى العامل الذى يعمل عنده - كان مغفرة لذنوبه وعتق لرقبته من النار. من فطَّر فيه صائماً كان عتقٌ لرقبته من النار، وكان له مثل أجر الصائم من غير أن ينقص من أجر الصائم شيء. قالوا: يا رسول الله ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم عليه، فقال صلى الله عليه وسلَّم:
{يعطى هذا الثواب لمن فطَّر صائماً على تمرة، أو على شربة ماء، أو على مذقة لبن، ومن أشبع فيه صائماً سقاه الله من حوضى شربة لا يظمأ بعدها أبداً. فاستكثروا فيه من أربع خصال، خصلتين ترضون بهما ربكم، وخصلتين لا غنى لكم عنهما: أما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم: فشهادة أن لا إله إلا الله وتستغفرونه، وأما اللتان لا غنى لكم عنهما: فتسألون الله تعالى الجنة وتتعوذون به من النار}{11}
أو كما قال: (تُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (31النور).
ومن اراد المزيد يمكنكم الدخول على


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق