بديهي أن المجتمع - و أعني به المجتمع الفاضل - الذي يمثل الجسد الصحيح الكامل ، المتوسط في قواه الجسمانية و الروحانية ، توسطا يجعل كل عضو يقوم بواجبه لبقية الأعضاء ، معنى قوله صلى الله عليه وسلم ( المؤمنون كالجسد الواحد إذا مرض منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر و الحمى ) و قوله صلى الله عليه وسلم ( المؤمنون كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا ) ، و سر قوله تعالى ) إِنَّمَاالْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌفَأَصْلِحُوابَيْنَ أَخَوَيْكُمْ( سورة الحجـرات آيـة (10) ، هذا هو المجتمع الذي أشرح نتائج تعصبه للدين الإسلامي ، و ليس
كلامي في مجتمع لم تتوفر فيه تلك المعاني من المجتمعات الضالة أو الجاهلية أو المبدلة ، الذين شرع لهم غير شرع الله أو قادهم الحظ على غير طريق مستقيم أو عملوا على غير هدي الأئمة الراشدين و العلماء الراسخين ، فإن تلك المجتمعات كلها ليست في نظر العلماء بمجتمع حقيقة ، و لكنها تشبه غيضة اجتمع فيها أنواع كثيرة من الوحوش استقل كل نوع منها بمناوأة الآخر و لم يخرجهم هذا الاجتماع عن حقيقة الحيوانية و لا عن أخلاق البهائم المهملة .
إذا اتضح لك مرادي أيها الأخ ،أبين لك النتائج الحسنة التي ينتجها تعصب المجتمع للدين الإسلامي ، يقول الله تعالى ) وَسَارِعُواْإِلَى مَغْفِرَةٍمِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍعَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُأُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ( سورة آل عمران آية (133) ، و قال سبحانه و تعالى ) وَتَعَاوَنُواْعَلَى الْبرِّوَالتَّقْوَىوَلاَتَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ( سورة المائدة آية (2) ، و قال صلى الله عليه وسلم ( كل رجل من المسلمين على ثغر من ثغور الإسلام ، فإن تهاون إخوانك فاشدد لئلا يؤتى الإسلام من قـﹻبـﹷلك ) فالمجتمع الإسلامي إذا تعصب للإسلام التعصب الحقيقي بمعناه الحقيقي ، عمت الرحمة جميع الخلق من بني الإنسان ، و غيرهم من الحيوانات و النباتات ، بل و الملائكة .
لعلك تتعجب من كلامي هذا قائلا : كيف ينتج التعصب الرحمة ؟ و كيف تعم تلك الرحمة النباتات و الحيوانات و الملائكة ؟ و إني أعتقد أن التعصب عبارة عن غيرة تنتج عداوة فجرأة فسفكا للدماء ، فأجيبك : انك فهمت غير الحقيقة و جهلت روح الإسلام . التعصب للإسلام هو مطالبة النفس بالقيام بما أوجبه و قهرها على العمل به ، و إحياء أسراره و إعلاء كلمته ، و في ذلك انتشار العدل و المساواة و الرحمة بكل بني الإنسان ، لأن الـقرآن الكريم أمرنا بمحو الظلم و الرذائل الأخلاقية، و حسن المعاملة لكل إنسان ، لا فرق بين المسلمين و أهل الذمة ممن قبلوا أن يكونوا في ذمة المسلمين و عهدهم من اليهود و النصارى ، أمرنا بأن ننزل الكبير كوالد ، و المساوي كأخ ، و الصغير كولد ، فنعظم الكبير و نرحم الصغير و نعز المساوي ، و نؤثر الأخ على أنفسنا فيما هو من حظوظ الدنيا ، و ننافس في كمالات أنفسنا ، لنحظى بالحظوة في دار النعيم في جوار ربنا سبحانه و تعالى .
ينال المجتمع بالتعصب العز ، الذي يكون به كل فرد ممتعا بنعيم الحياة الطيبة ، حياة الضمير ، و لذة النفس الفاضلة ، فيكون الحق هو الحكم العدل ، لا يذل الفرد لغير الحـق ، و لا يحكم عليه بالحق إلا نفسه ، ينتج التعصب في المجتمع الغنى الحقيقي عن ذل الفقر للغير ، و الاحتياج إليه في الصناعة أو التجارة أو الزراعة أو الإصلاح ، فيكون المجتمع الإسلامي المتعصب للإسلام كمصدر الرحمة العامة و الغنى الحقيقي ، و الخير و السعادة لكل بني الإنسان ، و مبعث أنوار الرشاد و الإصلاح و الهداية و الفلاح لكل موجود ، و يكون الفرد من هذا المجتمع صورة الإنسان ، و كمالاته كمالات الروحانيين من الملائكة ، و أعماله أعمال الرسل الكرام لا يقهرهم قاهر ، لأنه يقهر نفسه على الحق و يجاهدها في ذات الله مجاهدة تجعلها تشاهد أنوار ملكوت الله الأعلى ، و تتلذذ بأعمال المقربين من الصديقين و الشهداء و الصالحين .
مزايا التعصب للدين :
بالتعصب للدين يقوى سلطان المسلمين فتكثر الفتوحات و تفتح الكنوز و يدخل الناس في الدين عندما تظهر أنواره و تباشر بشاشته القلوب ، و ترى العيون معاملة المسلمين التي هي حقيقة الرحمة و المساواة و النصفة من النفس للغير ، و من الوالد و الولد للأجنبي ، فتنجذب قلوب العالم بعامل الرغبة و الحب عندما تتضح لعقولهم أسرار الإسلام و تلوح لبصائرهم أنواره ، فيحيون الحياة الحقيقية في الدنيا و الآخرة ، و المسلم المتعصب يحبه الله و رسوله صلى الله عليه وسلم و الملائكة و العلماء و الأتقياء و أئمة المسلمين ، و يعز بين الناس ، و يحيا ذكره بعد موته ، و يؤسس لمن بعده من قومه مجدا بإقتداء المسلمين بعمله و قوله و حاله ، و يقوى به سلطان المسلمين ، فهو خير للمسلمين حيا و ميتا ، و سعادة لأهله في الدنيا و الآخرة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق