مدونة مراقى الصالحين: - الصَّوْمُ جُنَّةٌ

الأربعاء، 1 يونيو 2016

- الصَّوْمُ جُنَّةٌ


كثر الكلام في أيامنا وقبل أيامنا وسيتوالى بعد أيامنا عن الحكمة من فريضة الصيام، لماذا أوجبه الله علينا؟ ولماذا قضاه الله علينا؟ وكل واحد من العلماء يتحدث عنه بطريقته، فأهل العلم الديني يتكلمون عن حكمته الشرعية. وأهل الوعظ يتكلمون عن حكمته في غفران الذنوب، وستر العيوب، وفي تقريب الإنسان لحضرة علام الغيوب. وأهل الطب يتكلمون عن حكمته في علاج الأبدان والأجسام. وأهل الأمراض النفسية والعصبية يتكلمون عن حكمته في إزالة التوتر والضغط من نفوس الصائمين، وإكسابهم الصحة الروحانية والسعادة النفسية، التي لا ينالها الإنسان إلا في مصحة شهر رمضان.
وكل هذه الأمراض وغيرها جمعها رسولكم الكريم في كلمتين، نستطيع جميعاً أن
نحفظهما، بل إن صبياننا يستطيعون حفظهما في يسر وسهولة. ماذا قال صلى الله عليه وسلم ؟ قال: {الصَّوْمُ جُنَّةٌ .. الصَّوْمُ جُنَّةٌ .. الصَّوْمُ جُنَّةٌ}{1}. هذان اللفظان جمعا كل أسرار فريضة الصيام التي من أجلها أوجبها علينا الملك العلام عزَّ وجل. 
وكلمة (جُنَّة) يعني: وقاية، ويعني: حفظ، ويعني: أمان وطمأنينة. فالصوم جُنَّة من الأمراض الجسمانية، ووقاية من المتاعب النفسية، وعناية للمجتمعات من المشاكل والخلافات، ووقاية للصدور من الأحقاد والأحساد، والغل والطمع والبغض، مما يجعل الجميع يعيشون في محبة ووئام.
والصوم وقاية للصائم من نار جهنم، والصوم صيانة للصائم من عطش يوم القيامة، فإن الصائمين يكرمهم ربُّ العالمين فيسقيهم من حوض سيدنا رسول الله الكوثر، شربة هنيئة مريئة لا يظمئون بعدها أبداً، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة. 
والصوم وقاية من نار الله، والصوم وقاية للجوارح من الوقوع في غضب الله، وفي سخط الله، وفي مقت الله، وفي عقاب الله - عزَّ وجل. 
والصوم وقاية لكثير وكثير من الذي لا نستطيع أن نفصّله في هذا الوقت - حتى لا تملّوا - ويكفينا أن نشير إلى بعض نقاط منها، وهي التي نحن جميعاً في أشد الحاجة إليها. فقد قالت السيدة عائشة رضى الله عنها:{أول بدعة حدثت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الشبع. إن القوم لما شبعت بطونهم؛ جمحت بهم نفوسهم إلى الدنيا}{2}. أى فاستطالوا في معاصي الله عزَّ وجل.
وفسر هذا الأمر الإمام علي رضى الله عنه وكرم الله وجهه فقال: {ما ملأ آدمي بطنه إلا همّ بمعصية قالوا ولِمَ؟ قال: لأن العروق والأوداج إذا شبع الإنسان امتلأت بالدم، وعندها إن لم يوفقه الله لطاعته فسيفكر في معصيته}. ومن هنا كان الصيام وقاية لنا ولكم جميعاً من الذنوب والآثام .
وقد قيل: أن الله عزَّ وجل أول ما خلق النفس دعاها، وقال لها من أنا؟ ومن أنت؟ فقالت: أنت الله الواحد القهار، وأنا النفس. ولكن من الأدب أن لا يرى الإنسان أو النفس أو القلب شيئاً لأنفسهم في حضرة الله، لأنه يوم القيامة سينادي على الجميع ولا يرد أحد عليه من عظمته وهيبته، عندما يقول: {لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ - فلا يجيبه أحد؟! فيجيب نفسه بنفسه فيقول - لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} (16-غافر). 
وعندها حَبَسَ الله النفس عن شهواتها وملاذها، وعن أهوائها وجوَّعها، ثم أوقفها بين يديه، وسألها: من أنا؟ ومن أنت؟ فقالت: أنت الواحد القهار، وأنا لا شئ يا الله في حضرة عظمتك وجبروتك، فالإنسان إذا صام تَطْهُرُ الأعضاء، وتسكن عن العصيان، وإذا همَّ فإن القلب يكون يقظاً، فيردها بسرعة إلى حضرة الله عزَّ وجل.
فالصيام يقي الإنسان من الذنوب والمعاصي، ولذا قال صلى الله عليه وسلم: {إذا كان أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ ومَردَةُ الجِنِّ، وغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النِيران فلم يُفْتَحْ منها بابٌ، وفُتِّحَتْ أبوابُ الجَنَّةِ فلم يُغْلَقْ منها بابٌ}{3}. فأبواب الجنان في الجنة تفتح، وأبواب النيران تغلق عن الصائمين. 
لكن ما بال العصاة والمذنبين لا يرجعون إلى الله وقد صفدت الشياطين وسلسلت الشياطين وأمر الله جبريل وقال له: يا جبريل صفد مردة الشياطين وألق بهم في لجج البحار حتى لا يفسدوا على أمة حبيبي صيامهم وقيامهم؟
إذاً الذي يقتل في رمضان، والذي يظلم في رمضان، والذي يسب ويشتم في رمضان، من أين له هذا؟ من نفسه، وليس من الشيطان !! لأن الشيطان مسجون، سَلْسَله الله عزَّ وجل وسجنه في قيعان البحار، وإنما من النفس. 
فإذا وفق الله العبد الصالح للصيام وسجن له نفسه، وحفظ له نفسه من لمّاتها ومن صفاتها السيئة، ومن أحقادها الشريرة، فإن هذا العبد يفتح الله فيه الأبواب التي تدخله جنة الله عزَّ وجل، ويغلق الله عزَّ وجل فيه الأبواب التي تدخله نار جهنم.
ومن اراد المزيد يمكنكم الدخول على


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق